هل توجد هناك بريفان أخرى !! … قصة من قريتي

هيثم هورو 

-1-
توفي رجل برفقة زوجته إثر حادث أليم ، تركا خلفهما فريدة الزهرة، ربيعية يانعة ، تبلغ من العمر سبع سنوات ، عاشت بريفان برعاية عمها في منزله الى أن غدت في سن الزواج. 
طلب ابن عمها الآخر يدها للزواج ، وافقت الفتاة عليه دون تردد، وسرعان ما تألقت نجمة الخطبة في جو ساده الغبطة والسرور ، وذلك بمشاركة جميع أهالي القرية وفق العادات والتقاليد السارية في منطقتنا ، حيث كان صدى الموسيقى والألحان يراقص اوراق كرمة العنب والرمان المحيطة بالقرية، وأما صديقات العروس ابهرت الحضور برقصاتها الشعبية، وموسيقى زغاريدها كعذبة امواج نهر عفرين. 
وهكذا انتهت حفلة الزفاف ، و بالطبع كان يتخللها تقديم الحلويات والفواكه الى المشاركين الأحباء، والبسمات اللطيفة لم تفارق وجوههم ، تعبيراً عن سعادتهم وحبهم للعروس. 
-2-
بينما كانت تعيش بريفان في كنف زوجها الفقير حياة بائسة ، وحينها راودتها فكرة الميراث وحقها بالمطالبة به من عمها ، لتساعد زوجها بتوفير لقمة العيش، وحينما اقدمت على تنفيذ هذه الفكرة العادلة، رفض عمها مطالب ابنة شقيقه ، بالرغم من محاولات متعددة عبر الوساطات ، حيث كان عمها جشعاً وعديم الرأفة، وذلك اسوةً بعامة الشعب الذي لا يعترف بحقوق المرأة ، ونصيبها من ممتلكات الأب.
فقدتْ بريفان الأمل بالحصول على حقها الشرعي ، كادتْ أن تكون كزهرة زابلة ، إلا أنها استطاعت أن تقاوم الحياة برفقة زوجها ، وهاجرت الى مدينة حلب كي يعمل زوجها باهوز في معمل ما. 
وهنا بدأ باهوز يعمل بنشاط، واستمرت سنوات وأصبحت لهما أطفالاً، ويتعلمون في المدارس، وهما يعتنيان بهم أشد الأعتناء ، لكنهم يكبرون وتزداد حاجياتهم المدرسية والمعيشية ، اما فكرة الميراث وحقها كانت لا تزال عالقة في رأسها ولا تفارقها ولذا استطاعت أن تقدم شكوى قانونية عن طريق احد المحامين ، ثم قدمت جميع الأوراق والثبوتيات المطلوبة الى المحامي، وهو بدوره بدأ يدق جرس العدالة، بعد ما حصل على مبلغ من المال يتجاوز نصف راتب باهوز وكدفعة اولى فقط .  
-3-
استلم عم بريفان مذكرة الدعوى، ولم يتردد هو أيضاً بدوره أن يوكل محامياً، ليدافع عن اللاحق والباطل، او على الأقل أن يمدّ من عمر القضية لتعجيز زوج بريفان من تسديد طلبات المحامي مادياً، وبالتالي تجهض القضية نهائياً. 
إلا أن خيبة الأمل اخترقت قلب العم الجائر، وبقيت بريفان مع زوجها صامدين أمام حيلة عمها الخبيثة. 
دامت تلك القضية طيلة سبعة وعشرون سنة، انتسبوا الأولاد الى الجامعة، ولم يرهق التأجيل والمماطلة بريفان فحسب، بل تزيدها قوة وإرادة صلبة، للدفاع عن حقها المهضوم إلاّ أن فازت القضية من خلال محامي أقدر وأجدر من السابق ، لكن بريفان كانت حنونة ورقيقة القلب ، واقتنعت بربع ما كانت تستحقها عدلاً وشرعاً، من أشجار الزيتون، ثم تركتْ مدينة حلب ومعاملها، وعادت مع زوجها الى القرية ثانيةً وبنتْ لها منزلاً جميلاً في حقل الزيتون، وهي مسرورة بعودتها الى مسقط رأسها، ولا سيما هي تشم رائحة أشجار أبيها المباركة وتردد لزوجها وأولادها وتقول : ما أعظم وأجمل أن تحقق العدالة ! 
وهل أيضاً توجد بريفان أخرى  ! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…

عبدالوهاب پيراني

 

تعد نضال سواس إحدى الوجوه السورية الفنية المبدعة التي رسمت بجرأة ملامح الألم والأمل في آن واحد، المعتزة بجذورها، حيث ولدت وعاشت ورسمت وكتبت، وازدادت قلقاً في ظل معاناة الوطن من الحرب والدمار، التي تركت بصمات لا تمحى ،وارهقت ذاكراتها البصرية واللونية، وحملتها الظروف إلى دروب الاغتراب، حيث فرض الواقع البارد للصقيع الاجتماعي…