هيفي الملا
قال ستيفن كينغ : (الوحوش موجودة فعلاً والأشباح كذلك، إنها تعيش داخلنا وتنتصر علينا أحياناً)
مجازر ترتكب بدم بارد، نساء يتعرضن للاغتصاب والسبي ، أطفال يتعرضون للخطف والاغتصاب ثم الموت، طفل رضيع يتعرض للصفع واللكم ضمن حفلة تصوير مقيتة وذلك لابتزاز ذويه.
بنى تدمر وأخلاق تتهاوى، ونار تنفثها التنانين هنا وهناك ، ومن يضرمها؟ الإنسان طبعاً … عنوان الرحمة والإنسانية، الإنسان الذي يتلوى من الضحك ويداه تقطران دما ، وبين أسنانه الصفراء بقايا لحوم البشر عالقة .
إذن كل الدراسات والنظريات التي دعمت بل وأثبتت وحشية الإنسان صحيحة، وكل علماء النفس والاجتماع كانوا
ومايزالون على صواب ، لأننا لم نشهد في عالم الوحوش الضارية، مايحدث في عالم البشر من وحشية وتجاوز للأدمية.
في مسيرة الحياة قد يخسر الإنسان أشياء كثيرة، المال مثلاً أو وظيفة معينة ، قد يفقد أحد الأقرباء أو الأعزاء ، كلها أمور تحدث وهي من طبيعة الحياة التي تعطي وتأخذ وتستمر، ولكن أن يفقد الإنسان إنسانيته، فهي الخسارة الحقيقة التي لاتعادلها خسارة والطامة الكبرى التي تحول المجتمع لغابة .
الإنسان حامل متناقضات الخير والشر، الجمال والقبح، الإنسانية والوحشية هل فطر على ذلك؟ هل اكتسبه؟ هل يمارسه مجاراة مع واقع دموي وحشي ليكون له نصيب من حصة الدم .
ماينبغي قوله : أن أنظمة القمع والاستغلال ومصادرة حرية الإنسان والتضييق حتى على أنفاسه، من شأنها أن تخلق حالة من الكبت والغضب داخل الإنسان، وكأنه مارد ضخم محشور ومضغوط في زجاجة ضيقة، و عندما تتاح الفرصة وتنفجر تلك الزجاجة ، يرقص ذلك المارد على حلبة الدم ورقصته البهلوانية تلك ماهي إلا انعكاس لماعاناه من اضطهاد ليمارس قسوة أشد من التي شهدها، وكأنه ينتقم لنفسه، فالجلاد هنا قد صنع جلادا أخر، ليتكاثر الجلادون الذين يمارسون طغيانا قد مورس عليهم وقد يكون أشد قسوة لأنه ممزوج باللعنة والانتقام .
ومن منا لم يتفاجأ ويصطدم بنزعة الشر داخله، بذلك الشيطان الذي يهمس ويوسوس له، ومن منا لم يتفاجأ بوجود الوحش الرابض نائما خلف قناع الإنسانية ، وكم واحد منا فقد الإحساس بالأشياء لأنها ماتت فيه، من جراء الظلم والإذلال والرضوخ وقول نعم… نعم لكل شيء .
حتى في جلدنا لذواتنا ومحاسباتنا الدائمة وربما صفعنا لوجوهنا المنعكسة في المرآة ، شيء من الوحشية التي تنتهج العقاب وتتيح المناخ ليلعب الشر دورته متى حانت الفرصة ، وحتى العلم الذي يتقدم لإسعاد البشرية ولتسهيل حياتها وتسخير التكنولوجيا للتطوير، ينتج الموت ويسخر أدواته ويصنعه فيحول الإنسان لأشلاء متناثرة هنا وهناك، والأرض التي تنتج الزهر هي نفسها التي تخصب اليورانيوم أيضاً، وتحوي أسلحة الموت والدمار .
سألت نفسي كثيراً من أين أتى هذا الثراء عندنا في أدب السجون، إن لم يسجن ويعذب أرباب الأقلام ومنابر الفكر ودعاة الايديولوجيات، أن لم يعكس الواقع نفقا مظلما لوحشية تمارس في أقبية سجون معتمة تمارس كل شيء إلا الإنسانية.
الأدب الذي نسجته أقلام التعذيب وصرخات الجلادين والأظافر المنزوعة وآثار السياط وكي اللحم ودواليب الموت والتمثيل بالبشر من خلال وحوش مرسوم على وجهها بعض التقاسيم البشرية .
،وللأسف تاريخ الطغاة يحمله هذا المقموع الذي يكبر وحشه ويتغذى، حتى تحين فرصته ليتنمر ويسود ووقتها ستكون وحشيته أطغى، وكأني به ينتظر في طابور الدور ليحمل سوطه، ونحن نصارع هذه الوحوش أصبحنا واحدة منها كما حذرنا – نيتشه –
وهذا الجانب المظلم فينا هذا الجانب غير المرحب به بالتأكيد راكد ساكن، لكن القمع مناخ مثالي يجعله يثور ويسود .
كيف نروض هذا الوحش؟ كيف ننفض أيدينا من الدم ونسخرهما لكتابة الشعر وزرع الورد وعزف الموسيقا ومصافحة الأخر؟ كيف نرتقي لعالم الحيوان الذي تصدح فيه البلابل على الزهر، والحمام يرمز للسلام، وعين الخيل تدمع إذا فارقت صاحبها،
الأمر بدون أدنى شك متعلق بالأنظمة التي توفر أجواء الحرية وممارسة الإنسان لإنسانيته حتى لايضطر فيكون وحشا.
قد ينام الشر داخلنا!!! قد يسخر الوحش طاقته للبناء لا الهدم!!! قد ننتقم من أنفسنا ومن جلادينا بالمدنية والتحضر بالاستفادة من رقي الأخلاق والعلم، والسعي لتطبيق شعارات الحقوق والحريات ومقومات العيش الكريم لاجعلها لوحات حائط مغبرة،
قد يستطيع الواحد منا توسيع مساحة السلام الداخلي عنده، والوعي بأن الشر موجود منذ بداية التكوين، وسيبقى مابقى الخير في شكل صراعي أبدي ، لكن المتسلح بالوعي المتشرب بفلسفات الأمم والأدب، والتناغم مع لغة الموسيقا وقصص السلام، قد يستطيع تنويم وحشه الصغير وتقزيمه ليسود السلام في داخله أولاً، لينعكس بعد ذلك في ممارساته.
نحن مسؤولون عن إنسانيتنا عن ديمومتها، نرتديها كوجه حقيقي غير قابل للتشويه مهما طالتها صفعات الخذلان .