عن الأحبة إذ يرحلون تباعا

عدنان بدرالدين
قبل مايزيد قليلا على الإسبوع، خطف فيروس كورونا اللعين إبن عمي عدنان. أنا أحمل إسمه، إذ كان يكبرني بأعوام ثلاثة، وكان لي أكثر من إبن عم، وأعز من مجرد صديق عمر، قضينا وإياه، وبمعية أخوته من أبناء العمومة الآخرين، تحت سقف واحد، جل سنوات الطفولة والشباب المبكر، بداية في منزلنا المتواضع في القرية، وبعد ذلك في قامشلو في بيتهم، أي بيت عمي الحاج عباس رحمة الله عليه.
وفي بداية السبعينات من القرن المنصرم، كنا حفنة من الأحداث المتقاربين في العمر، نسكن منزلا بسيطا في شارع النهضة الكائن في حي قدور بك العريق، بناه عمي الحاج عباس، وكان رجلا ذكيا وذو حس تجاري مرهف، على عجل لأيواءنا بعد أن توجب علينا جميعا الإنتقال إلى المدينة لإستكمال دراستنا الإعدادية.
وكان “مأوانا” هذا يقع تماما مقابل ما كنا نطلق عليه “بيت العائلة الكبير” التي كانت ملكيته تعود لعمة والدي التي كانت تقطن المدينة قبل التاريخ المشار إليه بعقود، ثم إنتقلت ملكية الدار بعد وفاتها إلى كنتها العمة أمينة وكانت ولاتزال، إمرأة مكافحة، ذات شخصية قوية، وأما حنونة، ليس لأولادها فقط، ولكن لنا جميعا.
وكنا ثلاثة “عدنانات” نقطن في هذين البيتيين اللذين كان يفصلهما الشارع الذي كنا نستخدمه ك “كوريدور” للإنتقال إلى ركن أخر في هذا البيت المزدوج. وأتذكرالراحل أكثرنا تواضعا وهدوءا وطيبة.
وإذ أتقدم بأحر التعازي لزوجته، الأخت العزيزة حياة، وولده كاوا، فإنني أود الإشارة إلى أن الرحيل المفجع لعدنان قد أدمى قلوبنا جميعا، وبخاصة والدتي العجوز التي أحبته كأحد أولادها.
ولأن المصائب لاتأتي فرادى، فقد سلبنا القدر خلال الأسابيع القليلة المنصرمة بعضا من أعز أهلنا: الحاج علي إبن خالنا رشيد، وكنا نعده لفرق السن بمثابة الخال، وإبن عمنا محمد أوسكي زاخوراني، وعبدالرحمن داوود زوج بنت خالتنا أديبة، وكان من أصدقاء المرحوم والدنا المقربين. لهم جميعا الرحمة وجنان الخلد، ولأهلهم وأحبتهم الصبر والسلوان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…

عبدالوهاب پيراني

 

تعد نضال سواس إحدى الوجوه السورية الفنية المبدعة التي رسمت بجرأة ملامح الألم والأمل في آن واحد، المعتزة بجذورها، حيث ولدت وعاشت ورسمت وكتبت، وازدادت قلقاً في ظل معاناة الوطن من الحرب والدمار، التي تركت بصمات لا تمحى ،وارهقت ذاكراتها البصرية واللونية، وحملتها الظروف إلى دروب الاغتراب، حيث فرض الواقع البارد للصقيع الاجتماعي…