خالد إبراهيم
أن الحديث عن المرأة عموماً وحرية المرأة خصوصاً في عصرنا هذا أصبح حاجة ملحة وضرورة لا غنى عنها و سيما وأن عصر الحريات لا مكان فيه للأفكار البالية والقديمة التي مرت بها البشرية خلال مراحل تطورها، والدور السلبي الذي اخترناه للنساء بل فرضناه عليهن قد تحول إلى عائق تاريخي، من الضروري التخلص منه ومن تبعاته لكي نستطيع دخول العصر الجديد متحررين من الاستعباد قبل أن نكون متحررين من العبودية .
تعاني المرأة الكوردية داخل إطار الدولة السورية خصوصاً من اضطهاد مزدوج يتمثل أولاً اضطهاد السلطة لها بوصفها جزءً مهماً جداً من الشعب الكوردي داخل سوريا وتعاني ثانياً من اضطهاد الرجل الكوردي لها بوصفها العنصر الأضعف جسدياً في المعادلة الإنسانية ما يشكل ضغطاً نفسياً هائلاً عليها ينعكس تلقائياً على البيت والزوج والأولاد أي على الأسرة عموماً.
من الذي أوصل المرأة إلى هذه الحالة التي نراها ومن الذي فرض على المرأة أن تكون مجرد أداة لذة ووعاء حمل بعد أن كانت هي الآمر الناهي حتى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وكانت معظم الآلهة والأرباب في ذلك العصر تحمل أسماء أنثوية تشهد على ذلك التماثيل والحفريات في معظم بقاع الأرض ؟
أعتقد أن السبب الرئيسي الذي وصل بهن إلى هذه الحالة هو افتقاد القوة العضلية لا أكثر ولا أقل ، ولأن المرأة أضعف من الرجل في ما يتعلق بالقدرة على القيام بالأعمال المجهدة وتحمل الظروف الصعبة، فقد فرض عليها المجتمع البدائي أن تقيم في البيت ترعى الأولاد وتغزل الصوف وتطبخ الطعام منتظرة عودة الرجل الصياد أو ملتقط الثمار. ولكن الآن وفي أيامنا هذه التي ندعي فيها أننا وصلنا إلى سن النضوج البشري وأننا أقمنا أسس الحضارة بأرقى أشكالها أية ميزة في امتلاك قوة عضلية يمكن أن تفرق بين الرجل والمرأة على صعيد العمل والكفاءة فيه ؟
أليست المرأة قادرة على استخدام دماغها بدل عضلاتها ؟
أليست قادرة على التعامل مع الآلة وباقي مفردات العلم علماً أن ثلاثة أرباع أعمال هذا العصر ووظائفه أصبحت لا تتطلب أكثر من القوة العقلية خاصةً مع وجود هذا العدد الضخم من الاختراعات التي سهلت حياة الإنسان ووفرت عليه الكثير من المشقات .
واقع الحال أن الرجل الكوردي يعود إلى بيته مجهداً من ضغط العمل بشقيه الجسدي والنفسي فلا يجد أمامه سوى هذا الكائن الضعيف الذي لا حول له ولا قوة فيفرغ جميع شحناته السالبة على رأسها حتى دون أن يكون لها ذنب في ذلك، يبدأ الأمر بالكلام البذيء لينتهي بالعنف وقد يصل إلى أبغض الحلال إلى الله لتسقط المرأة رغم إرادتها في دوامة هي أقسى عليها من الزواج الفاشل ألا وهي كونها مطلقة والمطلقة في مجتمع بدائي إقطاعي كالمجتمع الكوردي هي في أفضل الأحوال كائن أدنى مرتبة من المرأة المتزوجة أو العزباء.
وجملة هذه المواقف قائمة على ثلاثة أركان هي الجنس والدين والسياسة وفي الجوانب الثلاثة تلاقي المرأة اضطهاداً يفوق بكثير ما يلاقيه الرجل فالمرأة الزانية لا يحكم عليها بنفس الحكم الذي يحكم به على الرجل لا من قبل المجتمع ولا من قبل القانون. والدين الإسلامي الذي يدين به معظم الكورد يجعل من المرأة جارية عند الرجل وشهادتها بنصف شهادته وميراثها بنصف ميراثه ولا يحق لها السفر إلا مع محرم ولا يحل لها أن تذبح ذبيحة ولا أن تؤم المسلمين ولا أن تتسلم المناصب القيادية بل على العكس فإن الإسلام يفرض على النساء الحجاب بحيث لا تكاد المرأة تبصر أمامها وهي ماشية في الطريق بحجة أن القرآن دعا منذ ألف وأربعمائة سنة إلى تحجيب النساء خشية الفتنة ولكن ما يبعث على التفاؤل أن غالبية النساء في مجتمعنا الكوردي المسلم غير محجبات كما في مجتمعات أخرى متشددة مثل حلب وحماه ودمشق .
ولا ننسى هنا قضية المهر التي تجعل من المرأة سلعة تباع وتشترى ولا يخفى ما سببه ارتفاع المهور من تفشي ظاهرة العنوسة الناتج عن عزوف الشباب عن الزواج الأمر الذي يؤثر سلباً على تكوين الأسرة التي هي عماد المجتمع أي مجتمع.
ومن جهة أخرى فإن المرأة الكوردية تعاني نفس معاناة الرجل فيما يتعلق بالموقف من السلطة أو موقف السلطة منهما حيث نراها ولأسباب سياسية بحتة محرومة من الميزات الكثيرة التي تتمتع بها قرينتها المرأة العربية ابتداءاً من الدراسة بلغتها الأم مروراً بعدم قبولها في تشكيلات الدولة ومؤسساتها وانتهاءاً بتعرضها للضرب والإهانة والاعتقال لأتفه الأسباب كما حدث ويحدث خلال المظاهرات والتجمعات والاعتصامات التي يقوم بها الكورد وتشارك بها المرأة الكوردية .
إن تحرير المرأة واحد من أهم مهمات الرجل ولكي نسلك الطريق الصحيح في هذا الاتجاه من المهم جداً وقبل كل شيء التخلص من النظرة الدونية التي ينظر بها البعض إلى جنس النساء لأن ذلك هو أساس جميع المشاكل الناشبة بين الطرفين فالمرأة مثل الرجل تماماً وإذا كان ثمة اختلاف بيولوجي بينهما فذلك أمر طبيعي فرضته طبيعة الوجود البشري على الأرض ودعت إليه حكمة بقاء الجنس البشري واستمراره وأي احتقار أو استضعاف للنساء لن يؤدي سوى إلى الحفاظ على التخلف ولن يتم التخلص من هذه النظرة إلا بنشر الوعي والثقافة في صفوف الشعب عامةً حتى يدرك الجميع حقيقة أن النساء أنداد الرجال ولدينا أمثلة ناصعة عن المعاملة بالمثل في الكثير من دول أوربا وأمريكا المتحضرة .
لنعط المرأة حقوقها ونكف عن استعبادها باسم الدين أو المجتمع أو القانون لأن الأحرار الحقيقيين هم أولئك الذين لا يستعبدون أحداً كما يقول ” نهرو ” والشعب الذي يناضل من أجل الحصول على حريته لا يليق به أن يترك نصف مجتمعه مهملاً وقاصراً ومستبعداً.
وعلى المرأة بعد ذلك أن تقوم بما يترتب عليها من واجبات وتكف هي بدورها عن لعب دور السلعة المعروضة في واجهة المحلات تنتظر من يشتريها أو دور الطفل الضعيف الذي يتوجب على الرجل الأب إعالته حتى يكبر بل على العكس فالمطلوب منها في هذه المرحلة الحساسة هو دخول معترك الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل ومزاحمتها له في جميع مجالات العمل بما في ذلك العمل السياسي والحزبي لأن قيام المرأة بدورها الحقيقي في المجتمع سيساهم بشدة في تخلصها من آثار العبودية الطويلة ويضع قدمها على أول الطريق الصحيح ، ويوم الذي سنرى فيه امرأة تتسلم منصب الأمين العام لحزب كوردي سيكون بلا شك يوماً مشهوداً في التاريخ ومحسوباً لصالح الأمة الكوردية الساعية إلى التحرر .
إننا ننتظر الكثير من المرأة الكوردية ونطمح إلى أن تكون جميع أمهات أولادنا متعلمات ومثقفات ومتحررات من أعراف الماضي وتقاليده البالية لأن تحررها هو بشكل أو بآخر مرآة سينعكس فيها تحررنا جميعاً
*كاتب و روائي كردي سوري