تراجع الشعر وتقدم الرواية ؟

محمد القذافي / كاتب وصحفي مستقل من ليبيا
  
منذ قديم الزمان عرف الشعر بأنه ديوان العرب ومع تسارع وتيرة التطور صارت الرواية ديوان العرب حيث تربعت على عرش الادب وتسيدت كل ساحات الثقافة والاعلام و رغم الشكوى المستمرة من قلة القراءة في العالم العربي ونقص مبيعات الكتب الا ان انتشار الرواية يزداد كل يوم ومعها ترتفع ارقام المبيعات الا يدعو هذا الامر للتساؤل عن سبب انحسار الشعر لصالح الرواية والقراءة في بيئة انعدمت فيها قراءة الكتب بحسب استطلاعات الرأي ” ؟

 صلاح بوسريف. شاعر من المغرب
ما الذي نعنيه بالتراجع هنا، هل بالمعنى الشعري الجمالي، و أعني القيمة الإبداعية، أم بالمعنى التداولي؟
يبدو لي أن الشعر اليوم، عرف اختراقات كبيرة، وجرى فيه كثير من التوسع، سواء من حيث المفهوم، أو من حيث الدوال التي تتأسس عليها شعريته، وهذا أفضى إلى ابتعاد الشعر عن “القصيدة”، بمعناها الشفاهي الإنشادي، وأصبح النص الشعري مركبا، مربكا، شبكيا، أو هو، كما أسميه دائما، بلوريا، متعدد الزوايا والأضلاع، ما أفضى بالقاريء إلى أن يجد  صعوبات في الدخول إلى كتابة مغايرة ومخالفة للسائد والمألوف . النص الشعري، بات أكثر اشتباكات مع غيره من الأنواع الكتابية الأخرى، يستدعيها، يتحاور ويتجاسر معها، وبالتالي، خلق ارتباكا في علاقته بالقاريء النمطي الذي كان الشعر عنده هو القصيدة، أي الكلام الموزون المقفى الذي يسهل أن ندرك معناه.هذا الوضع المشكل في الشعر اليوم، هو ما جعل الشعر يفقد قارئه، أعني القاريء النمطي الذي هيأته المدرسة والجامعة لنوع من الشعر، كانت القصيدة هي نموذجه الأعلى، لكنه شرع في اكتساب قاريء يتساءل، يبحث، يدخل الشعر من أكثر من باب، وصار مشاركا في بناء معانيه ودواله. أغلب الذين تعذر عليهم الشعر، بالمعنى الجديد، المربك، ذهبوا إلى الرواية، بمن فيهم الشعراء الذين كتبوا الرواية.الرواية، اليوم، لا ترقى، في أغلبها إلى مستوى الروايات العالمية الكبرى التي احدثت انقلابات في فكر وخيال القراء، فهي صارت نوعا من الكتابة التي تخضع للطلب، خصوصا مع وجود جوائز سنوية، دفعت إلى كتابة الرواية للتسابق والتنافس، وشرعت القيمة الإبداعية الجمالية في التراجع.أغلب الروايات التي تكتب اليوم، نقرأها دفعة واحدة، وننتهي منها دون الرغبة في العودة لقراءتها. فهي تشبه أكلة الفاست فود، مصنوعة للاستهلاك الآني، وليست رواية عابرة للأزمنة، كما نجد في روايات دستويفسكي، أو إميل زولا، أو بلزاك، وغيرهم من الذين انشغلوا بالقيمة الإبداعية بالدرجة الأولى.الشعر، إذن، هو كتابة متأنية، فيها بحث واختراق، وبات الشعر متمسكا اليوم، أكثر من الماضي، بالقيمة الشعرية الجمالية، ولهذا فقارئه يأتي من المستقبل، وهو يعمل على إعادة تربية قارئه على ما أحدثه من معاني وأشكال جديدة.الشعر، بهذا المعنى، لم يتراجع، بل هو يشتغل بهدوء، في صمت، لأن قيمة الإبداع، لا تحسب بعدد القراء، بل بالأثر الذي يتركه في القاريء، وبقدرته على البقاء في الزمن، يتجدد، ويتخلق، ويقبل القراءة باستمرار.

 انعام القرشي  قاصة وروائية من الاردن
اعتقد ان الشعر الآن في ازمة..! وان الرواية تصدرت المشهد الثقافي، وهذا يعني ان الشعراء ايضاً في ازمة حقيقية،  وان تحول الكثير من الشعراء الى كتابة الرواية يعود لإنخفاض عدد القراء للشعر وتوجههم لقراءة الرواية، التي تلاقي رواجاً عالياً في المعارض ودور النشر والقراءات على مستوى اجتماعي وثقافي واسع،بات يرتاح القارىء لقراءة الرواية لأن السرد وحده يمكن أن يتجول حراُ من اي بلاغة او مجاز ، ولأن الإنسان هذه الأيام اصبح محتاجاً لأن يكون هنالك من يعبر عنه بلغة بسيطة وسهلة التناول، للتخلص من الحمولة الزائدة للذاكرة ، فالقارئ المتعب من الإرهاق وصعوبات الحياة  يجد في قراءة الرواية  فرصته الأثيرة للبعد عن  حياته الحقيقية والإقامة في حياة موازية يستطيع من خلالها  أن يندمج مع ابطالها في حالات انتصارهم وفرحهم، ويستطيع ان يتركهم  في اللحظة التي يشعر فيها ان مصائرهم تنحدر إلى نهايتها، وأن يبتعد يهرب من القراءة  كما يهرب النائمون من الكوابيس. عدا على  ان الرواية  تفسح لقارئها طرق التلصص على الحياة.من حق كل شاعران  يبحث عن قرّاء له وهذه نقطة مهمة، من جهة اخرى  اصبحت دور النشر لا تنشر الدواووين الشعرية الا اذا تم دفع كامل القيمة وهذا ما لا يحدث مع طباعة الرواية التي اصبحت قيمة مالية وسيولة نقدية  حركت سوق الطباعة حتى وان كانت على اقساط لإقبال القراء على شرائها وان كان سعرها قد ارتفع حيث انها تبلغ ثمن الرواية 5 دنانير اردنية وفي احيان كثيرة 7 دنانر، اما ديوان الشعر فلا يرتفع سعره عن 3 دنانير.ان اتجاه الشعراء الى كتابة الرواية لا يعني انهم تنكروا للشعر او قل وفاءهم له، وانما هو الوضع وما يتطلبه السوق الحالي، عدا على ان كتابة الرواية لا تعني  التخلى عن الشعر وانما اراه  يسير موازياً  له كون الشعر في الأصل سرداً، هنالك امر مهم لايحققة الشعر وهو كثرة الجوائز المطروحة بغض النظر عن نوعية هذه الجوائز التي تحظى بها الرواية والتي لا تخضع لها دوواوين الشعر وهذا حافز مهم الى التوجه لكتابة الرواية  بهدف الشهرة والمال في هذا الزمن، عالم السرد رحب فسيح يظن البعض انه سهل وكثير ممن كتب الرواية وقع في هذا الفخ في جنس هذا الادب، وفي هذه الحالة كان  السرد جافاً ولا يحمل في جمله جماليات اللغة هذا من زاوية، ومن زاوية اخرى يحتاج الى ثقافة عالية تواكب هذا العصر والاطلاع على ادق تفاصيلة وان تكون له عين ثافبة مراقبة لكل صغيرة وكبيرة، وان يكون الكاتب متابعاً للسرد وصاحب تجربة. كون الرواية تحتوي على شواهد وموسيقى وتلاعب بالألفاظ والخيال وتخلق ابطالاً وهميين وليست مجرد وصف لحدث معين. ولذلك ارى الآن ان الشعر قد انحصر في فئة معينة من النخبة المثقفة.

 ام الخير الباروني شاعرة من ليبيا
 المشهد الثقافي يكتمل اجمالا في وجود الشعر والرواية والقصة والمقالة واللوحة والنغم وغيرها من ألوان الفنون، وسطوة فن وتراجع آخر ربما تعود لأسباب مجتمعية أو تغييرات جوهرية في نمط المعيشة والتفكير وغيرها من المؤثرات الحياتية، فالإيقاع اليومي والهموم المطردة والضغوط المتزايدة، قد تكون هي الدافع للبحث عن الراحة والاسترخاء بين احضان السرد الوثير والحلم الجميل الذي توفره الرواية فيتعايش القارئ مع الشخوص ويتعاطف معها وينتصر وينهزم ويسعد ويبكي معها بتفاعل حقيقي قل ان يجده في الشعر، الذي يمكن أن نعتبره براح الصفوة، لمقدرتهم على استشعار البعد الكامن واستنباط الفكرة وفك شفرة وطلاسم بعض الرؤى المعقدة، وبالتالي لا نقول انه زمن الاستسهال، اذ أن عوالم الرواية وحبكتها وإدارة شخوصها يحمل من المتعة بقدر الاجتهاد الذي يبذله الراوي في اختزال حلمه وألمه وأمله منذ البداية الى النهاية. الصولات والجولات بين الشعر والسرد دائمة ديمومة الحياة في شاعرية الرواية أو الشعر بلغة السرد ويبقى الفيصل في شيوع الجمال وتذوقه الاستمتاع به رواية أم شعرا.

 طه العبد شاعر من فلسطين
هل حقا يتراجع الشعر أمام الرواية؟ هل نسلم جدلا اننا اليوم في زمن الرواية وأن الشعر انكفأ متراجعا أمام ملكة السرد المبجلة؟في الواقع أنا لا اتفق تماما مع هذا التوصيف الزمني للنوع الأدبي، كان نقول هو زمن الشعر او زمن الرواية  ولا اتفق أيضا افتعال عراك واندلاع معارك بين الأنواع الادبية على قاعدة السيطرة، كأن نقول تراجع الشعر وتقدمت جيوش الرواية إن المتأمل في واقع المشهدية الثقافية العربية المعاصرة والعالمية بشكل أرحب قد توهمه النجاحات الفردية لأعمال من نوع ادبي ما بأنه تقدم، فنجاح رواية ما وانتشارها الناري بين القراء يؤدي حتما لتغير مزاج المتلقي بأن يستقبل هذا العمل وغيره من الاعمال للكاتب نفسه وقد ينسحب الى استذواق القراءة في أعمال أخرى، ولكن هذا النجاح بمجمله لا يعكس تراجعا لنوع أدبي آخر اذا في مجمل القول ان الادب هو المنتصر دائما وينتصر بواحدة او أكثر من صوره وتبقى النجاحات الفردية في اطار التميز للأديب وليس للنوع الأدبي الذي يكتبه، لذا تقفز الى الواجهة أعمال أدبية مختلفة وتتراجع أعمال أخرى وتعود اعمال أخرى للبروز وغيرها للانكماش ما يعزز توجه لدى الناس في الاقبال أو الاحجام عن عمل ما

 راضية الشهايبي شاعرة وروائية من تونس
هناك من يقول ان الرواية صارت هي ديوان العرب وسحبت البساط من الشعر قد يكون ذلك صحيحا امام ما يمر به المجتمع من تراجعات ومراجعات تراجع واضح في مستوى تملك العربي للغة العربية التي تأثرت تأثرا سلبيا بظهور الشبكات العنكبوتية التي ظهرت معها لغة تواصل اخرى لا هي بالعربية ولا هي بالاجنبية بل هي خليط هجين بين روف لاتينية لكلمات تجمع بين عديد اللغات ثم ان الاولياء يشجعون ابناءهم على الاهتمام اكثر بالمواد العلمية واللغات الاجنبية مقابل اهمال يصل الى حد احتقار مادة اللغة العربية بالتالي ليس للعربي الان تملك لغوي في اللغة العربية ليدرك مقاصد الشعر الذي يعتمد الترميز والأحياء والتصوير الشعري الذي يتطلب جهدا ذهنيا ومعرفيا معينا أضف الى ذلك تسارع الأحداث التي تمر بها الأمة العربية وكل الشعوب عموما مما يجعل القارئ يميل الى الرواية التي تعتمد في اغلبها لغة سهلة الفهم وتواتر احداث يستمتع به القارئ ولذلك نرى النجاح حليف الروايات الاجتماعية امام تراجع الاقبال على الروايات البوليسية او ذات البعد الفلسفي التي ترهق الذهن الذي هو اصلا  والمرحلة كما هي عليه
نفس الاسباب التي جعلت سوق الرواية يزدهر أمام الشعر هي نفسها التي سوقت لقصيد الومضة امام القصائد الممتدة الطويلة التي تتطلب  ذهنا متيقظا وطول نفس وصبر للتقبل والفهم بينما قصيد الومضة الذي يعتمد الاقتصاد اللغوي والاختزال التصويري والفكرة المدهشة لا يتطلب كل ذلك مما يتماشى وايقاع العصر الذي ارهق الاعصاب وابنفسية حتى صار الانسان  قلقا مستعجلا متوترا طول الوقت ولكن  نجاح قصيد الومضة جعل الكثير يستسهل كتابتها رغم انها شكل شعري يتطلب موهبة اضافية  إضافة لموهبة الشعر وما نراه على صفحات الفايسبوك قليله جدا هو ما يمكن احتسابه قصائد ومضة اضافة الى الخلط الكبير بين قصيد الومضة والقصة القصيرة جدا وهنا يأتي دور النقاد ودور الشاعر نفسه في الاطلاع على الدراسات النقدية التي تتناول قصيد الومضة والاطلاع على تجارب الشعراء الذين نجحوا في كتابة قصيد الومضة ولكن ورغم كل ما تقدم الا ان الشعر سيستمر فنا ابداعيا أدبيا إنسانيا ثابتا وإن تراجع في المرحلة التي نعيش فإن للتاريخ  تغيرات وكما تراجع الشعر الان يمكن في فترة ما ان تتراجع الرواية وعلى العموم وحتى وان ازدهرت الرواية الآن فهي تتضمن الشعر بالضرورة والمهم أن يستمر الأدب فنا انسانيا يحفظ لغة الشعوب من النسيان

 أحمد الشهاوي شاعر من مصر
الشِّعر لا يتراجعُ ، بل الإنسان هو الذي يتراجع ، ويتخلَّف عن القصيدة .الشِّعر لا يموتُ ، بل قيم الحياة هي التي تحتضرُ أو على الأقل تتوارى وتختفي .الشِّعر ليس في محنةٍ ، بل قل إنها وسائل الإعلام ، ودور النشر ، وحال  الجامعة والمدرسة اللتين لا تهتمان  بتربية الروح  ، وتشذيب النفس ، وغسلها من أدرانها وأكدارها .” كُتب الشِّعر لا تبيع ” ، هذه أكذوبة يردِّدها الجميع بمن فيهم الشُّعراء  قبل الناشرين ؛  لأنه لو أتيح لكتاب الشِّعر الحرية في التجوال والترحال والانتقال من مكانٍ إلى آخر ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ ، لنفدت الطبعة الأولى في أسبوع .والشِّعر ليس بضاعةً كاسدةً ، ولكن بلداننا العربية ليس فيها أجهزة للتوزيع ، ومن ثم  لا ينتقلُ ديوان الشِّعر  بين الدول إلا مرَّة واحدة في العام  ، عبر معارض الكتب العربية الدولية ، هذا إذا كانت الدار التي نشرته تشاركُ أساسًا في هذه المعارض . كِتاب الشِّعر صدرُ في صمتٍ ، لا ترافقُه مُواكبة نقدية أو إعلامية .ومع ذلك أقول إنَّ هناك أعمالا شعريةً تنفد في أوقاتٍ قياسية ،  والعيب ليس في الشِّعر أو الشاعر ، ولكن في المحيط الذي يقف ضد الشِّعر ، وضد الفن المختلف والطليعي ، والشِّعر أساسًا فنٌّ نخبويٌّ ، وهو فنٌّ غير جماهيريٍّ  للعامة ، مثلما كان من ذي قبل ، عندما كانت القصيدة تُنْشَر في الصفحة الأولى من الصحف ، والشِّعر بطبيعة الحال يحتاج ذوقًا خاصًا ، والناس فسدتْ أذواقهم .لو  مُنح  الشِّعر حقه في الحُرية ؛ سيستطيع التنقُّل والطيران ، وسيرتادُ  سمواتٍ  كانت مجهُولةً له .فكل يوم هناك نصٌّ جديدٌ يُكتب ، ولكن لا يلتفتُ إليه بالقدر الكافي الذي يستحقه .الشِّعْر لا تُطْمَسُ هُويته .والقصيدةُ كافيةٌ  ، ولا تستطيع رُوايةٌ أو أي جنسٍ أدبيٍّ آخر أن يأخذ مكانها ، أول يحل محلها

 ليلى بارع شاعرة من المغرب
تراجع الشعر امام الرواية يعود أساسا لتنامي الجوائز الأدبية التي  تهتم بالرواية خاصة العالم العربي وما يتبع ذلك من إعلان عن لوائح طويلة وقصيرة وأوراق نقدية تنشر حول الأعمال وما يصحب ذلك من خلافات نقدية….هناك إذن إلى إعلامية ومالية ايضا  تدفع الرواية لتصدر الواجهة …دون اغفال ان الرواية بشموليتها و بتناولها لأحداث اجتماعية وتاريخية تهم القارئ هي أقرب إلى تقديم الواقع وتفكيكه من بقية الأجناس  الادبية…وبالرجوع لسؤالك لا أعتقد ان الشعر يتراجع امام الرواية…فعبر تاريخ الأجناس الأدبية لا يمكن لاي جنس أدبي  ان يمحو الشعر او يجعله ينسحب…هي أسباب موضوعية واجتماعية تتحكم في بروز أحد الأجناس دون غيره…

 خالد المغربي شاعر من ليبيا
إنه الاستسهال بداية كاننت قصيدة التفعيلة وبرزت كخصم من قبل النقاد للشعر العمودي فلم يكن يعرف العرب من الشعر قبل ظهور قصيدة التفعلية غير الشعر العمودي واستسهل معم الشعراء شعر التفعيلة واتجهوا إلية هروبا من الصدر العجز في العمودي والالتزام بثوابتهما .. ومن ثم هرت قصيدة النشر لتكون خصما أيضا من قبل النقاط للشعر باعتبارها نوع من أنو اع الشعر أم لا واستسهل البعض قصيدة النثر هروبا من الأوزارن العروضية واتجهوا إليها  ومن ثم قصيدة الومضة مما ادخل الشعر في متاهات أفقدته القيمة الحقيقة للرصانة والبلاغة والتجديد البناء .. فكل .. فمع كثرة من كتبوا الشعر من خلال قصيدة النثر بان صار كل من أجاد اللغة إلى حد ما شاعرا من خلال كتابة قصيدة النثر إذا ما اتفقنا على كونها من الشعر كثر الهرج والمرج والحشو كل ذلك أبعد الشعر الحقيقي وغيبه عن المشهد خصوصا وأم من التزموا بالنص الشعري العمودي أو التفعيلة لم يجددوا في تاباتهم بل صاروا لايكررون غيرهم فقط بل يكررون أنفسهم في قصائدهم نفسها .. ولقد أدى الاهتمام العالمي بالرواية إى اتجاه الأنظار نحو الرواية كنوع من أنواع الفخامة الأدبية بالنسبة للبعض والوجاهة الذاتية أمام ما اسلفت من تخبط للقصيدة الشعرية وضياع وفوضى .. لقد صار المشهد الشعري من خلال قصيدة النثر التي كثر كتابها مشهدا صعبا بالنسبة للمتلقي يجد نفسه للأسف أمام هراء بعض من يدعون كتابة قصيدة النثر فبدلا من تذوق جماليات الصور يتوه في دهاليز فك طلاسم الجمل ، فادعاء كتابة قصيدة النثر اساء للشعر فالمتلقي لايميز بين قصيدة التفعيلة وبين قصيدة النثر يعتقد أنهما سواء من حيث شكل البناء العام حسب ما يظهر امامه .. هذا جعل المتلقي ينفر من الشعر ويتجه لقراءة الرواية با وشعراء تركوا الشعر واتجهوا للرواية منهم من هرب من الهرج والمرج الشعري ومنهم من أخذ يبحث عن الوجاهة والفخامة العالمية من حيث التطلع للجوائز والشهرة ..

 فرات إسبر شاعرة سورية مقيمة في نيوزلندا
 لا يمكن الفصل ُ بين الرواية والشّعر  من الجانب الأدبي والإنساني . كلُّ  عمل  أدبي  لابد ّ أن يكو ن محاطاً  ببصمة شعرية  تهذبه  وتحسنه ُ. بالرغم من كل  الأراء  الدراسات التي تؤكد انتصارالرواية على الشعر من هنا لابد أن ننظر بعين الأعتبار  لطبيعة هذا  العمل الأدبي ومناخه وأحداثه وأبطاله . البعض  يقول   أن هذه  الرواية  أو غيرها من الروايات  تحمل  نفسا ً وطابعا ً شعريا  أو يغلب  عليها الطابع الشعري ،ولكن  الشعر لا يصنّف  ُبأنه  روائي  أو غير روائي إما أن يكون شعراً  أو لا يكون . الشعر لا يكون  بدون خيال ،بينما  الرواية  قد تكون بلا خيال ، واقعية تمشي على الأ رض أو تكون بثوب الشعر ومن  هنا أقول أن  الشعر ينتصرُ  على الرواية ، لأن الرواية  تلبسُ  ثوب الشعر ولكن الشعر  لا يمكن يرتدي ثياب  الرواية .من الناحية  التسويقية والتجارية الرّواية ُتفوزُ على الشعر   لأنها حركة تجارية تحت شعار الإبداع ،هي  تخضع  لقوانين لا تخضع  لها  الأعمال الشعرية ، هناك ورشات  ودورات ومعاهد لتدريس وتعلم كتابة الرواية ، من هنا لا نجد مدراس  أو دورات أو ورشات  لتعليم الشعر ، إما أن تكون شاعراً  أو لا تكون .! هناك من يحاول  أن يفتح باب الاستثمار  للرواية  كونها مادة تُعرض  وعليها عرضٌ  وطلب ٌ ومن هنا في العرض والطلب  حتى في السوق  الأدبية نجدُ تفوق  بضاعة ٍ على بضاعة ٍ وبضاعةٌ تُكسد  على حساب  اخرى .  وأيضا لاننسى  تجار الأدب يروجون لبضاعتهم وأعمالهم  واعتقد جازمة هناك القليل  ممن يقرأ الروايات  وخاصة الروايات الضخمة  .كان للرواية  سحرها قبل  الموبايل  والنت  وغوغل  وغيرها  ولكن اليوم رغم الدعاية الشديدة  للرواية  هناك قصوٌر  كبير  في قراءتها  والشعر يتفوق  عليها من الناحية  القرائية . أحلم بان يكو ن هناك قنوات تخصص للشعر والرواية  بدلاً  من  القنوات  المخصصة  للدروس  الدينية والوعظ وأن تخصص صدقات  الأغنياء  بالتبرع  لطباعة  لكتب  ودواوين  الشعر  بدلا من صرفها على بناء  الجوامع وتغطية نفقات الأعلام الديني  الذي يتقاضاه رجال الدين عن محاضراتهم التي  لا تقدم سوى التعصب والقبلية وخراب  الأمة وثقافتها .!

 قحطان جاسم شاعر ومترجم من العراق
ان الشعر لا يتراجع امام الرواية ، بالعكس ..الشعر يزدهر .ولهذا تصدر عشرات  الدواوين الشعرية لشعراء يحتلون مكانة مهمة في الادب . صحيح ان هناك شعر بائس، بسبب توفر وسائل نشر عديدة ، ناهيك عن أميّة قسم كبير من المشرفين على الصفحات الثقافية، الذي يتيح فرصة لترويج هذا الشعر البائس .إن أي افتراض لانتكاسة الشعر ، هو في الحقيقة انتكاسة للرواية ذاتها.. لأن الشعر سيرفع شأن الرواية .هناك إشكاليات كثيرة تساعد على ترويج هذا المفهوم ، منها النظرة الاقتصادية للأدب.. ووسائل ترويجه.. وتدخل السياسة واستراتيجيات الدول في توجيه الحس الجمالي والمعرفي للمواطن عندنا ، الذي يعاني من مصاعب جمّة اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية. باختصار، الشعر بخير.. نحن بحاجة فقط الى شجاعة معرفية و، جمالية للخروج باشكال شعرية جديدة تتوافق مع التطورات، الحاصلة في العالم اليوم


حواء القمودي شاعرة من ليبيا
هل يتراجع الشعر أمام الرواية … ؟
يمكنني هكذا أن أقلب السؤال ..لأن الشعر لايتراجع كما أن الرواية لاتتقدم وتكتسح فوف القراء والقارئات .. ااحكاية ان  القراء والقارئات أصبحوا قلة قليلة ..  ورغم ذلك مازال ثمة رواية وشعر  وكتب تصدر بمختلف اللغات وفي شتى مناحي الإبداع  والمعرفة ..  ولكن ربما يكون قراء الشعر وقارئاته قلة …وهم وهن يتوزعون  على مختلف أنواع الشعر … ولايخفى ان قصيدة النثر ورغم اكتساحها الفضاء الالكتروني ..ورغم ذلك مازالت  غير مرغوب فيها وايضا اعتبارها  شذوذا في مدونة الشعر العربي الذي استكان إلى أذنه التي تطرب لعجيج القوافي ..وربما تكتسح الرواية المشهد لان ثمة قصة ..بداية ونهاية وحبكة وشبكة من العلاقات الانسانية.. وهكذا يجد.القاريء والقارئة تلك المساحة التي تأخذه بعيدا عن واقع ربما يحاولان الهروب منه .. أو يستدرجان إلى واقع يتماهي مع احلام اليقظة ..اقول ربما وليس يقينا .لأن الشعر وخاثة قصيدة النثر يخلو  في أغلبه من هذه الحبكة .. أو يحتاج من يقرؤه أو تقرؤه إلى مخيلة تشتط في  نفورها من الجاهز والمكرر باحثة في فضاء  المتخيل عن شروط بقائها الذي يبتكر حياة أخرى .هل يترك الشعر فضاءه  ويدع الرواية  تصول وتجول  معلنة انتصارها .هذه أسئلة ستظل معلقة والإجابة عنها ستتغير  من حين لآخر ..بالنسبة لي كقارئة أعترف أني اعود إلى قراءة الرواية بشغف مضاعف .حتى أني وخلال خمسة عشر يوما اكملت قراءة خمس روايات وذات حجم كبير .ولكن الشعر  فضاء لا استطيغ الا الابحار في عوالمه  وهذا ماتوفره لي صفحات الأصدقاء والصديقات في الفيس بوك و الصفحات الثقافية المعنية بالشعر وعوالمه الثرية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…