كلمة يوم المسرح العالمي 2020.. الحاجة إلى ثقافة التسامح

أحمد اسماعيل اسماعيل
أيها المسرحيون في الوطن والعالم،كل عام وأنتم بخير
منذ تسع سنوات والعالم يتابع مشهد الموت المجاني الناهض على أرضنا بعيون تنظر ولا ترى.
ولقد كان العالم ذاته يسمع أنين ضحايا صناع هذا المشهد في كواليس المسرح ذاته منذ زمن، ولا ينصت لها.
ومايزال هذا المشهد قائماً، والمسرحية مستمرة، المسرحية المسبقة الصنع بمكائد الساسة، وتدابير تجار الحروب، وضمن لعبة مبنية على خطاب الكراهية، وأفعال القتل والدم والصراخ.
لعل نجاح صناع هذه المسرحية الدموية يعود إلى استثمارهم لعنصر الايهام، وتفعيله بما يكفل لهم سلب فكر المشاهد وروحه، وإحداث فوضى في المفاهيم والمصطلحات لدى المتورطين في هذا العمل، من جناة وضحايا، لينقلبَ كلُّ شيء إلى النقيض: الاقتتال إلى تفاعل ومشاركة. والمصير المرسوم سياسياً إلى قدر إلهي، وسؤال الوطنية والمواطنة إلى لغز.
لاشك أن هناك من يعمل على إيقاف عرض هذه المسرحية، ومنذ البداية، والمساهمة في إسدال الستارة على كل ما في المشهد من عنف ودم وضحايا، غير أن تعدد المساعي الحميدة، وكثرة الحلول والمقترحات غير الحميدة، المرهونة في غالبيتها بأجندات خارجية، والأسيرة لذواتها المتورمة، ساهم في صنع مسرحيات أخرى، السلاح فيها لغة نيابة عن الحوار الجاد، والكراهية خطاباً بدلاً عن التسامح ثقافة، وسياسة إنكار الآخر عوضاً عن الإقرار به، واحترام وجوده: مسرحيات داخل مسرحيات، وعروض على منصات عديدة، داخل الوطن وخارجه.
غير أن ذلك ليس كل شيء، ولا نهاية المطاف، إذ أن ثمة طرائق وثوابت كثيرة تعلمها المبدعون في مدرسة المسرح، منها كسر الإيهام لتحرير الفكر وفك أسر الروح، وعدم الانتظار بلا فعل وهدف لأنه عبث، وعدم منح السلطة مكافأة لمغامر يحل لغز الوحش الجاثم على بوابات المدن خشية تفشي الطاعون. 
أما تحقيق ذلك، فمرهون بإعادة الجمهور إلى المسرح، بعد أن تم تغييبه عنه، كما عن الحياة السياسية، وتجديد العلاقة معه، على أساس شراكة تقر له بالسيادة على العرض، إذ لا عرض يبدأ إلا به، ويتحدث عنه.
وإني على ثقة من أن المسرحيين في الوطن، الذين قاوموا على مدى عقود من السنين، وبإمكانيات متواضعة، فنية وغير فنية، وفي أقسى الظروف، جور النظام ومحاولاته صهر الكرد بأسيد الشوفينية، وطمس وجودهم القومي، لقادرون هذه المرة أيضاً، على كسر إيهام هذه المسرحيات الدموية، وفضح خطاب الكراهية فيها، وذلك بمزيد من الإصرار المشهود لهم، والرغبة الصادقة، وإن بإبداع حقيقي، جميل وواع، يبشر بثقافة التسامح، ويدعو إلى احترام الآخر ويصون حقوقه، وينشر قيم الخير والجمال.               
فالمسرح الذي يتنكر لقيم مَدَنيته، ليس سوى ملهى وفسحة لقتل الوقت، والمدينة التي لا ترفع الستارة عن المسرح وتتفاعل معه، تحكم على نفسها بالبقاء الدائم في العتمة، مغيبةً خلف الستائر السميكة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…