في حظره الناقص.. كورونا يعلن هزيمته

إبراهيم اليوسف
لطالما أسمع شكاوى الكثير من الأصدقاء حول متاعب الحجر الصحي، لاسيما بالنسبة إلى هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم -فجأة-أسرى بيوتهم: لا عمل. لا مدارس. لا زيارات. لا مقاه. لا مطاعم. لا ندوات لا مجالس عزاء. لا كرنفالات. لا حضور عروض سينمائية أو مسرحية أو غيرها. أفق الحرية كلها محجور في مجرد شقة، أو حتى عمارة، أو غرفة، ولا وجوه في التقارب الفيزيائي  ما خلا وجوه أهل البيت، ولقد راحت بعض الدراسات تنبه إلى مخاطر الحجر الصحي، سواء أكان على صعيد تأزيم الخلافات النفسية، أو الزوجية، أو البيتية، من خلال استشرافات رؤى بعضهم، أو استبيانات بعضهم، أو من خلال تخمينات آخرين، وكأن جمهور البيت الذي سيلتقي بعضه بعضاً – على نحو فريد- لم يكن ليفعل أفراده ذلك من قبل، لاسيما إذا استطاع هؤلاء توظيف زمنهم الجديد الفائض، في سبيل استكمال جوانب حياتية يومية أهملوها، 
ومن بينها منح الأهل مساحة أكبر من الحوارات، لاسيما في ظل إمكان خلق الحب، أما في حال عدم توافره، فإن مساحات الوقت الجديد الممنوح لأفراد الأسرة ليست سوى امتحانات، واختبارات، سرعان ما تقدم – مجاهرها المكبرة- لاكتشاف فيروسات من نوع آخر تنخر بناء الأسرة، كي تعاضد فيروس كورونا وتستعجل الهدم على أكثر من جانب، إلا أنه هدم سابق، هدم مؤجل!
أهو كلام تنظيري؟.
أم هو مجرد تهويمات؟
عندما تلقينا قرار الحجر الصحي الذي سبقت أسرتنا إلى تطبيقه على نحو جزئي، وتمَّ  اكتمال بنيانه، وأسسه، وقواعده، وشروطه مع الأنباء المنتشرة عن محاولات كورونا تعلم  اللغة الألمانية، إلى جانب الصينية والإسبانية والإيطالية والفرنسية وغيرها، رحنا نتأهب بدورنا لأخذ ما يلزم من احتياطات نفسية، في الوقت الذي كان بعض معارفنا قد أعدوا العدة، لاسيما على صعيد تأمين المؤونة، والاحتياجات، والأدوية، بما يكفي حرباً عالمية جديدة، لم أجد مصاعب شخصية من لدني، وإن كنت سأشارك العالم كله قلقه، وبخاصة إنني رحت أقرأ، وأتابع ما ينشر، ويبث من أنباء حول هذه الآفة الدولية التي قد تذكر بيوم القيامة، والصراط المستقيم، لاسيما وأن السيد دونالد ترامب الذي كان ينام كل ليلة وهو يقول في نفسه:
أنا هرقل
أنا الفرعون
أنا من أقود العالم
أنا الجبار
وبدت صواريخه قادرة على استهداف أي كائن حي في أية بقعة في العالم، وكانت هناك خلال الأسابيع، والأشهر القليلة التي سبقت ظهور كورونا بعض الغارات القارية التي أدخلت العالم في حالة رهبة كبرى، وبات أمثالي يتخيلون أنه ما من نملة. ما من بعوضة. ما من دودة تحت الأرض في منجى من أمريكا، لاسيما بعد أن أجرت اختباراتها على بعض الإرهابيين، على مرأى العالم كله، إلا أنه بات مرتعداً، يواصل اختباراته الكورونية على نحو يومي، إذ إن هذا الكويئن يقول له:
ماقوته، وما جبروته، ومن هو في الحقيقة.
لم يتغير معي شيء!
كنت أقول لبعض الأصدقاء الذين يتصلون بي عبر الهاتف أو الواتس آب، ولسان حالهم:
نحن نفكر بك لانك أكثرنا ضيقاً بالمنزل
بل أنا أكثركم التزاماً بالمنزل منذ سنوات
صحيح أنني ألتقي الأصدقاء، إلا أن الأماكن التي أخرج إليها جد قليلة، ومعروفة:
كورس اللغة
المقهى وذلك في يوم واحد في الأسبوع
أداء المناسبات الاجتماعية في الأسبات والآحاد، أو المشاركة في الأنشطة الثقافية، إلا أنه يحدث ألا أخرج أياماً كاملة من البيت، لولا هذه المناسبات. ثم أقول لهؤلاء:
حضرة الإمبراطور كورونا تمكن من الشك بكل شيء. الأسطح. الهواء. الأطعمة. الجلسات. وسائل النقل. الألبسة. الأهل. الأصدقاء، فلم يبق من حولنا شيء خارج دائرة الشك والخوف منه، إلا أنه لم يتمكن من أمر واحد وهو أنه لم يستطع تهديدنا بالتسلل عبر أصوات الناس، حتى ممن هم مصابون بداء كوفيد19، أو تسمية كورونا نفسه، كما أنه ترك لنا في بيوتنا فسحات أكبر وهي أن نتابع التلفزيونات، والراديوات، ونتواصل مع الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي. نقرأ الكتب الإلكترونية، وكذلك الورقية التي لا يستخدمها سوانا. نكتب، بل الأكثر استفزازاً لكورونا أنه صرنا نتواصل مع الأهل والأصدقاء وحتى مع مدارسنا ومعاهدنا وأماكن عملنا عبر-الفيديو- في تقنية السكايب.
لا سلطة لمخلوق مطلقة
هل كورونا مخلوق
نعم، ولست ممن يجهدون أنفسهم في التعرف إلا على كيفية إمكان مقاومته
أجل، المقاومة التي كنا نسمعها في بلدنا الذي لم يقاوم نظامه إلانا. إلا المواطنين، الآن، بتنا نمارسها في أروع صورها. نقاوم كويئناً غير مرئي، لم يبق أحد في العالم لم يسمع ولم يخف منه. كويئن يقول:
سأمحو الوجود البشري من العالم، وآتي بكائنات أخرى بديلة تعيش عنه، بعد أن سقط في امتحانات الحياة والطبيعة.!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…