النقد يحرك المياه الراكدة .. النقد في مجتمعنا

منى عبدي
النقد بشكل عام في حياتنا ليس مرحباً به. بالتأكيد جميعاً ندرك تماماً أن النقد البنّاء هو تقييم الأعمال والأقوال والآراء التي تصدر عن الآخرين بشكل صحيح بهدف الإبقاء على الإيجابيات وإزالة السلبيات. الناقد يسعى إلى تقويم الخطأ ويحاول إصلاحه، والإشارة إلى مواطن الضّعف، وإبراز الجمال الفني، وهناك أيضا النقد الهدام، هو الذي يكون فيه النقد من أجل النيل من الآخرين وتشويه سمعتهم بإظهار أخطائهم.
نعلم جميعا أن الناقد في النقد البناء يقدم أفكاراً جيدة تتعلّق بالشكل والمضمون، وفق أسس علمية في مجال تخصصه. بينما النقد الهدام ينتقد من غير إنصاف ويقوم على تجريح الناس بسبب تعصبه لفكرة ما. بنفس الوقت أن النقد البناء يسعى لتقديم النصح والتلميح لهم دون تجريح ويعلم الناقد البناء قد يؤخذ برأيه أو يرفض ويستطيع أن يفصّل بين كل فكرة وأخرى ويتقبل الأفكار الإيجابية، بينما النقد الهدام هدفه الانتصار بغض النظر إن كان على صواب أم لا. 
قليلون هم من يمتلكون الموهبة النقدية البناءة التي هي الأساس ومن خلالها يستطيع الناقد تقدير الأشياء تقديراً صحيحاً بعد أن يتزوّد بثقافة نقدية عميقة. والنقد يعتمد على سعة الاطلاع على النظريات النقدية وغيابهم  أدى إلى تدهور النقد في مجتمعنا ولم يعد القارئ يميّز بين الجيد والردي من النّصوص. لدينا مشكلة عظيمة وهي ثقافة الانحياز لشخص ما، وأيضا ثقافة الكراهية. هكذا نحصل على علاقة غريبة ليست من النقد في الشىء. وتتأثر رؤية الكثيرين بمواقفهم الشخصية، ويتم إسقاطها على النص، فيتأثر الرأي بالموقف، والنّص يكون ضحية سلبياً أو إيجابياً.
إنّ النقد الأدبي دراسة متخصصة في الفنون الكتابية، شعراً ونثراً، ودراستها وتفسيرها وتحليلها وموازنتها من شأن النظريات، وإيجاد موازنة بينها وبين نصوص أخرى  متشابهة لها ثم الحكم عليها ببيان قيمتها. وأرى من زاوية أخرى إذا كان الناقد مثقفاً مسلحا برؤى نقدية وثاقب النظر، سريع البديهة فإن صاحب النص موضوع النقد سيعرف مكامن الضعف والقوة لديه، مع الأسف نعتبر دائما الناقد هو العدو أو ربما نراه بعقلية ليست حضارية ونريد أن نكون في الصفوف الأولى من كل مجال ولا نرضى بغير ذلك.
يطغى النقد السياسي عند الكرد على النقد الأدبي، ونتيجة الاختلاف والخلاف السياسي العميق بين الاتجاهات السياسية تتميّز مسألة النقد السياسي بالحدة والعنف. والكرديّ ينظر إلى أي نوعٍ من النقد الأدبي بالعين السياسية، فيجده بتوجّس، ويتعامل معه بتخوّف، إلا إذا كان مديحاً وتصفيقاً كما تعوّد عليه. 
ما دفعني لكتابة هذا النّص هو النصّ النقدي العنيف إلى حدٍ ما الذي وجه فيه الكاتب صبري رسول نقداً قاسياً للكاتبة كلستان المرعي التي مدحت في مقالها المنشور في (ولاتي مه) الشاعر عصمت دوسكي، لكن قد تكون الساحة الأدبية بحاجة إلى هكذا معارك نقدية، لكن لم نجد الردّ من الشاعر ولا من الكاتبة على صبري رسول. 
وقد حدثت سابقاً معارك نقدية قديمة منذ جرير والفرزدق ونقائضهما، كذلك كان الخلاف بين الرافعي وطه حسين في مصر، وقد دارت بينهما أعنف المعارك. وقد نتذكر أشهر المعارك القوية بين طه حسين ومصطفى صادق الرافعي، دون أن نطوي المعارك الكبرى التي عرفت في التاريخ الحديث كمعركة :قصيدة النثر: بين الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي مع والعقاد. وكذلك الاخلاف أو المعركة بين الأديب العالمي نجيب محفوظ والأديب الكبير عباس العقاد عن أهمية الشعر والنّثر.
 وقد يكون أحد أسباب غياب النصوص النقدية عن المشهد الأدبي قلة التجربة في هذا المجال، وطغيان الجانب العاطفي أثناء عملية النقد أو التقييم وبروز روح المجاملة، أوالمهاجمة لدى شخصية الناقد. فالمبدع، شاعراً كان أم كاتباً ينتظر المديح فقط، لايستوعب النّقد على أنه قراءة نقدية للعمل الأدبي، تبيّن فيه الهفوات والنواقص، وتشيد بجمالية العمل في الجوانب الذي أجاد فيها المُبدع.
ولا ننسى أنّ النقد بمختلف أشكاله الأدبية والفلسفية قد يتأثر بالعلاقات الشخصية والخصومات والصداقات.
بالنقد ترتقي ثقافة الإنسان ووتزداد خبراته وتتعمق معارفه. لنكن أكثر حضارية ونتقبل النقد البناء بقلوب مليئة بالحب والعلم.
==================

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…