عمر حمدي (مالفا) فنان بوسع اللوحة

علي شيخو برازي
 
بعد  شهرته عاد الفنان الراحل عمر حمدي إلى وطنه سوريا, في بداية الألفية الثالثة كآنية فخارية مطحونة, طحن في الوطن وجبر في المهجر, لكن الجبر لم يكن بتقنية لوحاته وفكره, فسرعان ما أنهار ذلك الجبل الجميل, دون أن تثلج السماء على قمة أحلامه بوح السنين و سِحر السَحر .
لفت نظري وفكري, فلم أعدته قناة  k t v الكوردية عن هذا الفنان الضائع في متاهات الحياة , ودهاليز الثقافة الأوربية التي تضع كل شيء في كفة ميزانها, وهذا ما جعل عمر حمدي دائم البحث عن ذاته , كمن يبحث عن إبرة في كومة قش, لم يلتقي الفنان بنفسه إلا من خلال اللوحة وما تحتويها من أبعاد خلف خطوط النظر.
اختار اسمه (مالڤا ) تحت ضغط الحاجة, ولكي ترى لوحاته الرواج, لكنه بقي دون اسم لأنه لم يختار اسمه بإرادته , بل فرض عليه, وفرضت الحياة المخملية كل إحداثياتها حتى يكون هذه الفنان دودة قز لإنتاج الحرير الذي يحبذونه .
في مسيرته التشكيلة, اختار المدرسة الانطباعية التي تتماشى مع بعده الإنساني, والتجريدية, حتى يتجرد من أثقاله وأوجاعه, وكان دائما يرتدي الخوف, وهو ما جعله يقول في مقابلة  له على الفضائية السورية: (كان دائما في داخلي إنسان عربي). كان يقصد خوفه من الأنظمة العربية ليس إلا.
رغم خوفه اللامحدود من كلمة (القتل) هرب إلى لبنان مستغلا الفوضى والحرب الأهلية هناك, بعد سبع سنوات من أوامر السلطة العسكرية في الجيش السوري, ليسلك بعد ذلك زرقة البحر وسواد الليل , إلى عالم أبعد من حلم الطفولة, وأكبر من مخاوفه .
رسم بكل جوارحه الوصايا العشرة على المساحات المربعة, بكى على نفسه في هيروشيما, والبس اللوحة لبوس العروس الكوردية, وحمل على كتفه العمود الذي تساقط من سقف سينما عامودا, حتى احترق مع محمدي سيعد آغا, واحتضن في لوحاته كل الأطفال الذين التهمتهم ألسنة تلك النيران الشوفيني .
حاول حرقت الماضي من خلال حرق لوحاته, لكنه كان الرماد الذي بقي في ذاكرة الواقع .,
بكى لكرديته التي كانت مع أمه وأبيه ,حتى غرق في بحر دموعه .
جوعه كان جوعا كرديا حتى في أوربا , وعذابه كرديا, كان يقول في سياق حديثه: كنت أضرب من قبل المعلم العربية في المدرسة لأني كردي- لأن كردي لم أحصل على شهادة دار المعلمين – لأني كردي خدمت سبع سنوات في الجيش السوري دون أن أعرف أي قانون يطبق عليّ, كرديتي كانت دائما عامل ضعف , الكل منعني أن أكون كما أهوى !!!؟؟؟ .
أصبحت بعض شتات, أتكلم الألمانية وأكتب بالعربية وأحسّ بالكوردية , وسأبقى بعض لون في متاحف العالم .
وأردف : لم أصنع شهرتي, من صنعوا شهرتي هم مافيا الفن, من بيدهم رفع كفة ميزان اللوحة , حتى بتَ مصنعا لإنتاج اللوحة, كي أشبع جيوبهم المثقوبة, لكن ثمني بقي ثمن شرقيّ لاهث, شرقيّ يتسلق الجبال, وأثقالهم تشدني إلى الأسفل, إلى حيث يودون أن يكون .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…