قرآن الله

إدريس سالم
قالَ اللهُ تعالى في كتابه الجليل:
﴿ليعلمْ مَن في قلوبهم عشقٌ عُذريٌّ، أن الأربعاءَ ينجبُ الخميسَ، لكنه لا يقدِرُ على إنجاب الأحدِ. أن آذارَ يحملُ في أحشائه نيسانَ، ونيسانُ ينجبُ أيّارَ، ولكنْ؛ نيسانُ لا يقوى على حمل أيلولَ في أحشائه. أن الربيعَ يلدُ الصيفَ، لكنّ الصيفَ لا يلدُ الشتاءَ…﴾.
يسألُني الذاتُ، بارتباك كبيرٍ ودهاءِ حاذقٍ:
من أيّ سورةٍ تنتمي هذه الآية؟! وعلى مَن أُنزِلَ الوحي؟!».
إنها من سورة «عالمٌ يدورُ، ولا يتوقّفُ».
هكذا أجبْتُه لمجرّد أن تذكّرْتُ صراعَ «صالبا» مع ذاتِه الهالكةِ في عتمة وعيه التائهِ، يومَ أعادَني «يلماز غوني» إلى سبعينات ذاك القرن الفلتان، على أمّة لا زالَتْ مكبّلةً بقيودها.
يقولُ رسولُ اللهِ، ذاك المعلومُ في بعض القلوب، والمجهولُ في قلوب أخرى:
«لم الشرُّ والخيرُ ينامان أبدياً على الورق؟! ألأن اللهَ تاهَ في غيبوبته؟ لم كلُّ الفلاسفةِ رجالٌ؟ ألأن الزهورَ قُمعَتْ من شهوات الأتباع والمناصرين؟! لم النساءُ والرجالُ لا يصلّون معاً، إن كانوا ينادون حيّاً قيّوماً، حبّاً أو إيماناً أو خشوعاً؟! مَن نحن حتى حرّمنا ذلك، وفق أهواءنا؟! الدينُ إيمانٌ ثم استقامةٌ، فلماذا صارَ في الظاهر كلاماً فارغاً، وفي الباطن أفعالاً شنيعةً؟!».
يسألُني الذاتُ مرّةً أخرى، ودهشةٌ مُرّةٌ تزهرُ من ملاحمه:
«مَن روى هذا الحديث يا مَن لا تعلمُ كيف تعبدُ، ومَن تعبدُ، ولِم تعبدُ؟ ومَن أخرجَه؟ 
ربّما «كانط» أو «أرسطو» أو «نيتشه»، لا أعلمُ، لكنّ المخرِجَ لا زالَ يحاورُ عرّافة «دلفي»، في أن قدراً أسودَ سيسكنُنا، سيغيّبُنا عن الوعي، ينطقُ عنّا، أمامَ الربَّ والحبَّ والتاريخ…
ها ذا الوحيُ، ينزلُ عليّ بكلّ جبروته ونوره. تمتمْتُ مع ذاتي السارحةِ في سرحاني: تُرى أأدركُ هو أيضاً أنني أكفرُ أو أتعالى على الربّ العالي، أم هناك جللٌ ما؟! لكنه ربَتَ على مخيّلتي الشاهقة، وبادرَ بسؤال أنهكَ خوارقَ شعوري: لم الأنبياءُ يعتبرون دهشةَ الفلاسفةِ زندقةً؟!
أين ذهبَ الوحيُ؟! أأنا في حضرة حلمٍ؟!
لقد رحلَ… (يجيبُني ذاتي). 
لماذا أُنزلَ الوحيُ عليَّ؟! أنُزِلَ بأمر من الله؟! لكن؛ لماذا سألَني هذا السؤالَ؟!
اهدأْ فأنت لسْتَ بكافر… ولا بعاصٍ.
فجأةً، ودونَ استئذانٍ، يصرخُ قلبي في عقلي، ويثورُ عقلي في روحي، وذاك النهارُ الغريبُ يهبُني ميادينَ ضجيجِه:
فلتسقطْ كلُّ المآذنِ.
لتسقطْ كلُّ الأجراس.
لتقسطْ كلُّ المذاهبِ والعقائد…
لا لوحي القُسُوسِ والكهنةِ والشيوخِ والدجّالين…، ولا لرسالات المبعوثين وقابضي الأرواحِ، على جغرافيتنا الملطّخةِ من نطفة كراهيتهم لانتمائنا لبشريتنا، المجلّدةِ من تلك الرسالات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…