جان دوست: رواية «كوباني الفاجعة والربع» تعني لي أنني انتصرت على الحرب بالحرف

  حاوره: إدريس سالم 

 

تتسم رواية «كوباني الفاجعة والربع» بالسوداوية والألم، وهي «لوحة أنتروبولوجية» كما وصفها البروفسور «عقيل المرعي»، إذ تعتبر مع رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» لابن كوباني الآخر «جان بابيير» توثيق تاريخ مدينة بأكملها. تقع الرواية في (546) صفحة، وواحد وستين فصلاً. صدرت باللغة الكردية في مدينة «كولن» الألمانية، عن منشورات «دارا» في عام 2017م, ومن ثم بطبعتها العربية، وترجمة الكاتب نفسه بتصرّف إلى العربية عن دار «مسكيلياني» للنشر والتوزيع في تونس عام 2018م. 

  تفتتح الرواية بثلاث مقولات مقتبسة، الأولى من كتاب (فصل في الجحيم) لآرثر رامبو، والثانية من (مراثي إرميا) من العهد القديم، والثالثة يدوّنها جان دوست بقوله: «في القصف انكسرت عكّازة أبي إلى نصفين، نصف يلعن الحرب، ونصف أهشُّ به على ألمي».
 
خلق مونولوجها حركية ماتعة في المنجز النصّي، إذ استنطق ذاتيات الشخوص وصفاتها وأسرارها، وعرض صوتها الصارخ والفاضح لوقائع الماضي المأساوي والحاضر الجحيمي والمستقبل القبيح، إذ صرّح عن هذا الواقع عبر المتواليات السردية الآتية:

  • المهاجرون وصمة عار اجتماعية لحقت بكوباني، وبتلك العائلة نفسها.
  • مقت البرازيون من المهاجرين.
  • رفض قيام الأواصر الاجتماعية مع المهاجرين.
  • الأطلال والذاكرة والذكريات للراوي.
  • لحنين إلى الماضي وربطه بقُبح الحاضر.
  • موت أفراد عائلة الحاج مسلم بطريقة ممنهجة.لتكون دفّة المونولوج بيد كاتب هذه الملحمة الروائية. فمَن هو جان دوست؟ وماذا قدّم للأدب عامة، والأدب الكردي بشكل خاص؟هو كاتب كردي سوري، يحمل الجنسية الألمانية. ولد في مدينة كوباني في 12 من آذار عام 1965م. أصدر العديد من كتب البحث والترجمة والدواوين الشعرية والروايات. نال عام 1993م الجائزة الأولى في القصّة القصيرة الكردية في سوريا عن قصّته (Xewna Shewitî – حلم محترق); التي تحوّلت إلى مسرحية، عرضت في بعض مناطق تركيا. كما تحوّلت قصّته (Mistek Ax – حفنة تراب) وهي مكتوبة باللغة الكردية، وتتحدّث عن مشكلة الاغتراب الجغرافي، إلى فيلم سينمائي قصير. عمل في التلفاز مذيعاً في قسم الأخبار، ومحرّراً ومقدّماً للبرامج السياسية في قناة (ميديا تيفي) الكردية، وقناة زنوبيا التابعة للمعارضة السورية، وكلتا القناتين كانتا تبثّان من بروكسل في بلجيكا. حصل على جائزة الشعر من رابطة الكتّاب والمثقّفين الكرد السوريين، وذلك خلال مهرجان الشعر الكردي الذي أقيم عام 2012م، في مدينة (إيسن) الألمانية، كما حصل في 15 آذار 2013م على (جائزة دمشق للفكر والإبداع)، التي أعلنتها مجلة (دمشق)، الصادرة في لندن عن كتابه «رماد النجوم»، الذي هو عبارة عن مجموعة قصص كردية قصيرة، لعدد من الكتّاب الكرد. وفي عام 2014م وخلال مهرجان (گلاويژ)، الذي يقام سنوياً في مدينة السليمانية بإقليم كردستان، حصل جان دوست على جائزة (حسين عارف). أهم المؤلّفات التي كتبها جان دوست:الأعمال الشعرية: 
  1. (قلعة دمدم – Kela Dimdimê): ملحمة شعرية بون – اسطنبول، 1991م. صدرت الطبعة الرابعة عن دار (آفستا) – اسطنبول، 2011م.
  2. (أغنية لعيني كردستان – Sazek Ji Cavên Kurdistan Re).
  3. (ديوان جان – Dîwana Jan): الطبعة الأولى (سما كرد) – دبي، 2010م. الطبعة الثانية (آفستا) – اسطنبول، 2012م.
  4. (قصائد نسيتها الحرب في جيب الشاعر): دار (فضاءات) – الأردن، 2019م. الترجمات:
  1. (الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافيا كردستان): أربيل – 2001م.
  2. (مم وزين): قصّة من تأليف أحمد الخاني، طبعة دمشق – 1995م، طبعة بيروت – 1998م، طبعة دهوك – 2006م، طبعة دمشق الثانية – 2010م، طبعة القاهرة – 2014م.
  3. (بدائع اللغة): قاموس كردي عربي.
  4. (رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم): أبو ظبي – 2010م.
  5. (أنشودة المطر): مختارات من شعر السياب، اسطنبول – 1996م.
  6. (مهاباد إلى أولمبياد الله): اسطنبول – 1996م.
  7. (شرح مم وزين باللغة الكردية): (آفستا) – اسطنبول، 2010م.
  8. (قاموس كردستاني): باللغة الكردية، ترجمة من الفارسية، (نوبهار) – اسطنبول، 2010م.
  9. (متاهة الجن): ترجمة رواية حسن مته Labîrenta Cinan، مشروع كلمة – أبو ظبي، 2013م.
  10. (مختارات من القصّة الكردية القصيرة): ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع آذار 2013م.
  11. (رماد النجوم): مختارات من القصّة الكردية القصيرة، ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع آذار 2013م. صدر الكتاب عن دار مقام للنشر والتوزيع، القاهرة 2015م.
  12. (الريش Perik): ترجمة رواية سليم بركات إلى الكردية، دار نشر (Ayrinti) – اسطنبول، 2015م.
  13. ترجمة شرح ديوان (ملاي جزيري) من العربية إلى الكردية، (دارا) – اسطنبول، 2018م. الروايات:

1.    (Mijabad): باللغة الكردية. الطبعة الأولى منشورات (بلكي) – 2004م. الطبعة الثانية (آفستا) – اسطنبول، 2012م. وقد ترجمت إلى التركية بعنوان (Sisli Sehir).
2.    (Gav Û 3darek): باللغة الكردية. الطبعة الأولى (آفستا) –  2007م. الطبعة الثانية (آفستا) –  2012م.
3.    (Mîrname): باللغة الكردية. الطبعة الأولى (آفستا) – 2008م. الطبعة الثانية (آفستا) – 2012م.
4.    (ميرنامه الشاعر والأمير): ترجمت إلى اللغة العربية من قبل مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في الإمارات العربية المتحدة عام 2011م، كما ترجمت إلى اللغة التركية من قبل «محسن قيزيلقايا»، ونشرتها دار نشر (Ithaki) في اسطنبول عام 2011م.
5.    (Martînê Bextewer): باللغة الكردية. (آفستا)، اسطنبول – 2012م.
6.    (مهاباد): 2014م – دار مقام.
7.    (مارتين السعيد): ترجمت إلى اللغة العربية من قبل مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في الإمارات العربية المتحدة عام 2015م.
8.    (عشيق المترجم): 2014م – دار ورق.
9.    (دم على المئذنة): 2014م – دار مقام.
10.   (نواقيس روما): 2016م – دار الساقي.
11.  (ثلاث خطوات إلى المشنقة): 2017م – دار الساقي.
12.  (Kobanî): باللغة الكردية. منشورات (دارا) – 2017م.
13.  (كوباني الفاجعة والربع): 2018م – دار مسكيلياني.
14.  (باص أخضر يغادر حلب): 2019م – دار المتوسط.
15.                     .
 
يعيش منذ عام 2000 في ألمانيا، بمقاطعة شمال الراين، يتنقل بين المدن الأوروبية؛ وذلك للتواصل والتفاعل في سبيل الأدب والثقافة، وفتح نوافذ ثقافية بين الأدب الغربي – العربي والكردي، ترجمت مؤلفاته للعديد من اللغات.
 
إلى حوار موقع «سبا – Siba» الثقافي مع الروائي الكردي «جان دوست»؛ للوقوف على روايته «كوباني الفاجعة والربع»، وما يحملها من أهداف اجتماعية ورسالات إنسانية وسيميائيات لغوية، إضافة موقفه من بعض القضايا السياسية والاجتماعية:
 

  • بداية… ماذا أردت أن تقول عبر «كوباني الفاجعة والربع»، والتي وصفها البروفسور «عقيل المرعي» في مقالته النقدية بأنها «لوحة أنتروبولوجية بامتياز»؟ وماذا تعني لك روايتك؟ ما أردت أن أقوله قلته. ولكن بقي الكثير مما بقي في قلبي. لا يمكن قول كلّ شيء. وقد رددت مرّات عديدة أن حدثاً مثل كوباني يحتاج إلى روايات كثيرة ومن زوايا متعدّدة. كوباني، الرواية، تعني لي أنني انتصرت على الحرب بالحرف. تعني أنني أعدت بناء ما دمّرته الحرب في الرواية. صحيح أن حارتي دمّرت، وبيتي تهدّم، وكوباني فقدت وجهها البهي الذي كنت أحنّ إليه، لكنني أستطيع القول إنني ساهمت في إعادة إعمارها. وبالطبع هذا النتاج وحده لا يكفي. لا بد من نتاجات كثيرة تعيد إعمار كوباني وذاكرتها قبل حجارتها.  
  • افتتحت روايتك بثلاث مقولات مقتبسة، الثالثة أنت مَن دونتها: «في القصف انكسرت عكّازة أبي إلى نصفين، نصف يلعن الحرب، ونصف أهشُّ به على ألمي».ماذا تعني لك هذه المقولة؟  أعني أن الأشياء التي بقيت لنا بعد المعركة العظمى شهود على هول الفاجعة. وهذه الأشياء على بساطتها تقول الكثير بعد أن نجحت في معركة البقاء على قيد الحياة. عكّازة أبي أحد هذه الأشياء الحميمة التي أوحت لي بالكثير. صندوق عرس أمي. باب الدار. ساعة أمي وغيرها. هذه الأشياء تروي كلّ شيء. وعلى الإنسان أن يحسن الإصغاء إليها ليعرف ما جرى. بدونها لم أكن أعرف الحقيقة المرّة.   
  • «يألف الإنسان كلّ شيء إلا الموت». هل الكرد – برأيك – ألِفوا حتى الموت؟ لا ألفة مع الموت بالرغم من تكراره ملايين المرّات. الكرد وغيرهم يمرّون على جسر الموت إلى ضفة العدم دون أن يألفوه. لكن هناك نوع من التعايش معه. كثرت المجازر في حياتنا فصار الموت عادياً. وفي أمثال الكرد أن النهب العام مثل العرس. فالموت قد شاع بدرجة كبيرة، غاب الألوف وقتل الألوف ولم يعد خبر الموت شيئاً مهوّلاً.  
  • «إن الموت في الغربة غربة إضافية». إلام يشير هذا الكلام في ضمير جان؟ مَن لم يذق الغربة لا يعرف هذا الكلام ومعانيه. عملت في مقبرة ألمانية واستلهمت هذا المعنى الدقيق. تخيّلت أنني أموت هنا وأدفن في مقبرة كالتي أعمل فيها. بلا شك سيعتبرني الأموات غريباً. فأنا لا أشبّههم لا في اللغة ولا في الكنية ولا في أيّ شيء. أخيراً ستتشابه هياكلنا العظمية. أعرف هذا. لكن مجرّد فكرة الموت في الغربة تصيبني بالرعب.لقد مات أخي في اسطنبول في اليوم الذي تحرّرت فيه كوباني. وقرّرت العائلة أن يتم دفنه في كوباني. كانت هناك قبور كثيرة تستطيع أن تضمّ جثمانه سواء في اسطنبول حيث مات أو في أربيل حيث عاش منفاه. لكنها كانت وصيته وكان لا بدّ أن تنفّذ بالرغم من كلّ الصعوبات.   
  • «حمْزِراف» مهاجر من مدينة قارص. هرب من الحرب الروسية العثمانية، وسكن في كوباني.هل عشيرة «المهاجرين» تعود نسلها إليه؟ وهل سكان كوباني سكان أصليون، مقارنة برفضهم ومقتهم لها؟ حمْزِراف شخصية متخيّلة. لكن هناك مَن يماثله في الواقع. قرأت مثلاً في مذكّرات نور الدين زازا أنه هرب في القطار ورمى ينفسه قريباً من عامودا. سكان كوباني لم يكونوا أصليين؛ باعتبار المدينة حديثة العهد. الموضوع يتعلّق بالذهنية العشائرية. مَن سكن كوباني كانت له عشيرة يعلن الانتماء لها. أما الذي هاجر من أماكن قصية من بلاد الكرد واستوطن كوباني فلم يعتبر ابناً لها، وبالتالي ابناً لـ «دشتا برازان»، أيّ سهل البرازية، حيث عاشت العشائر الكردية البرازية. عائلة سيدا، وبالرغم من أنها من الأسر الأولى التي استوطنت كوباني، لم يعتبرها الناس من سكان كوباني؛ بسبب عدم وجود عشيرة لهم في تلك البقاع. إنهم ينتمون إلى بقعة جغرافية بعيدة، ولا صلة لعشيرتهم بعشائر البقعة الجديدة التي قدموا إليها.  
  • زحفت – بعد خروج فرنسا من سوريا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية – قبائل «البرزان وكيتكان وشيخان وشدّادان وبيجان ومعافان وزرواران وعليدينان وقركيجان…» صوب المدينة. أين موطن هذه العشائر الأصلية حسب قراءتك للتاريخ الكردي؟ البرازان من القبائل الكردية الكبيرة التي وصلت حتى «سنندج» في كردستان إيران. ويوجد في صفحات التاريخ الكردي وصف لهذه القبيلة بالشجاعة والعزّة والأنفة، وتعج الوثائق العثمانية بأخبارهم التي يضيق بنا المجال هنا لسرد نتف منها.جغرافياً استقرّت هذه القبيلة بفروعها الكثيرة في المنطقة الممتدة من «أورفة»، وحتى «رأس العين» ثم جنوباُ حتى تخوم «الرقة».  
  • مع بداية الثورة السورية عام 2011م ظهرت شعارات مختلفة. ما الفرق بين شعار (آزادي… آزادي)، وشعار (أطلقوا سراح شمسنا)؟ وأيّ الشعارين يحتاجه الكرد في سوريا؟ الكرد لا يحتاجون إلى شعارات. الكرد يحتاجون إلى عقول مستنيرة ترسم دروب الخلاص. قتلتنا الشعارات. فرّقتنا الشعارات. إنها لم تكن سوى أكاذيب ينثرها مطلقوها على أعين الناس فيصيبهم العمى الأيديولوجي. الحرّية بالمطلق نحن معها. ومن هنا نحن نطالب أيضاً بحرّية «شمسهم». لكن المصيبة أن الشعارات الجميلة تم تسييسها فصارت وراءها غايات سياسية دنيئة.  
  • ما الفروقات السيكولوجية بين المجتمعات الكردية والعربية والغربية من حيث النظرة العشائرية، وإعطائها الأهمية أكثر من الدين والقومية والوطن؟ الكرد وللأسف، غارقون في وحل العشائرية. العشيرة هي رأس الهرم الاجتماعي الكردي. ولن تتقدّم المجتمعات الكردية ما لم تركل الذهنية القبلية وقيمها المتخلّفة البالية وتنطلق إلى الأمام. في موضوع الفروقات، الإنسان الغربي نسي العشائر. ربما هناك تعلّق بمدينة ما، بفريق كرة قدم، ولكن دون أن يكون بالمستوى المتخلّف الذي يكون عليه ابن العشيرة. أعيش مثلاً في مدينة ألمانية اسمها «بوخوم» مؤلّفة من ضواحٍ كثيرة. أهل الضاحية التي أعيش فيها متعصّبون لضاحيتهم كثيراً. وقد نجحوا في فرض لوحة سيارات حذفوا منها الحرفين الأولين من مدينة بوخوم واستعاضوا عنها بأحرف تمثل ضاحيتهم. التعصّب يظهر بأشكال مختلفة حتى في المجتمعات المتقدمة، لكن المهم القيم التي يحملها الإنسان والنظم التي تضبط حياته.  
  • أيّهما كان أكثر ألماً على كاهل «جان دوست»، وهو يدوّن وجع الكوبانيين: الخراب أم الأطلال أم الذكريات؟ وكيف السبيل إلى وضع حلول للحدّ من محنة الأطلال وامتزاجها بالذاكرة؟ كلها مؤلمة. الصور التي وصلتني من كوباني ذبحتني. حارتي الفقيرة البهية الجميلة التي احتضنت طفولتي وشبابي حتى مغادرتي البلد إلى غير رجعة أصبحت مجرّد أطلال. كانت خلال خمسة عشر عاماً أملاً أحلم بتحقيقه. كنت أعدّ الأيام للعودة إلى تلك الأماكن التي غادرتها والأهل الذين تركتهم. وفجأة اختفى المكان… رأيت أشباحاً تتحرّك في مدن غريبة نائية ادعوا أنهم أهلي. حقيقة لم أتعرّف عليهم. بل وجدتهم غرباء عني مع أنني كنت أعرف أنهم هم مَن غادرتهم وتركتهم واشتقت إليهم. ماذا حدث؟ لا أدري. الذاكرة نفسها محنة. ولا يمكن لمَن له ذاكرة أن يعيش سعيداً.  
  • عائلة المهاجرين كانت من وجهة نظر عشائرية «وصمة عار» لحقت بحمْزِراف، وعانى منها. ماذا عن وصمات العار المستفحلة في عقلية المجتمعات الكردية؟ العار يجلل مجتمعاتنا… نحن لم نتخلّص من إرث الإقطاعية ومثلها المقيتة حتى بعد دخولنا عصر الديجيتال. نحمل الآيفون في أيدينا والعقلية المتخلّفة في رؤوسنا. مازال الذكر سيداً والأنثى عبدة محتقرة. مازالت الثقافة بعيدة عن التأثير في عقلية المجتمعات التي ذكرتها. لا أعوّل على الأدب في أيّ تغيير قريب. لا أعوّل على الكلمة الحرة في مجتمع يكره الحرّية ويعبد المستبدين. المجتمع ينجذب إلى بريق الشعارات أكثر من انجذابه إلى عمق الفكر. سنعيش عقوداً أخرى قبل أن يستيقظ المجتمع الكردي من سباته التاريخي. معركتنا كبيرة. نحن لا نقاتل مستعمرينا ومحتلي أرضنا إلا بعقلية مهزوزة لذلك لن ننتصر. ثم أيّ قيمة لنا في هذا العصر الذي تحوّلت فيه بعض الشعوب إلى منتجين حصريين للفكر والتكنولوجيا؟ ماذا نحن؟ وما موقعنا؟ ننفخ أنفسنا بالوهم وندّعي أننا شعب الله المختار، ونحن لم نقدّم أيّ إسهام حضاري. ربما نتبجّح بأننا قاتلنا داعش… وللكلام عن هذا الموضوع نحتاج إلى فتح ملفات دهليزية نحن بغنى عنها الآن.  
  • عبر شخصيات «مَتْين ورَوْشَن ولَوَنْد»، وهم أبناء الحاج مسلم المهاجري، أردتَ أن تثبت بأن عشيرة المهاجرين المنبوذة من قبل العشائر البرازية هي عشيرة وطنية وقومية، وتملك في وجدانها قيم إنسانية عميقة، وأنها تبنّت روح النضال الكرداياتي والمقاومة الثورية في الجبال.ألا تزال هذه العقلية طاغية على الشارع الكردي في كوباني؟ أنا للأسف بعيد عن الشارع الكردي في كوباني منذ عشرين عاماً. لا أعرف كيف يفكر المقيمون على أرض كوباني الآن. لكن لا أعتقد أن العقلية تغيّرت. ربما الطاغي الآن هو اقتصاد الحرب والقيم العسكرية التي تشبعت بها روح المجتمع خلال هذه العشرية السورية السوداء. أعرف أن الطفيليين ازدادوا شراسة ونمواً، وأن الانتهازية بلغت أقصى مدى لها. أعرف أن العنف أصبح أمراً عادياً وأن أطفالنا لن يتخلّصوا من آثاره النفسية على مدى عقود قادمة. كوباني لن تتخلّص من الإرث العشائري إلا بتطور البرجوازية المحلية وانحسار آخر أثر للإقطاع. حين يكون المعمل هو مكان التجمّع الأهم بدل المضافة ستزول العقلية المتخلفة بسهولة ويسر.  
  • ورد في الصفحة (204) من فصل «ظلال البندقية» بما معنى: «الحبّ بحسب فلسفة قيادة الكريلا هو حبّ الوطن».ما هو الحبّ من وجهة نظرك كروائي وشاعر اختبر الحياة والفكر والفلسفة؟ هل هذا الحبّ العسكري نجح بفكرته النظرية على الأرض؟ لا يمكن حصر الحبّ في جملة أو جملتين. لكن على العموم الحبّ عاطفة انجذاب وتعلّق إما بالمحبوب، أو بالأرض، أو بأيّ فكرة ما. ما حدث هو تشويه للحبّ. ما هو الوطن من وجهة نظر هؤلاء؟ إنه القائد. وكلّ العواطف يجب أن تكون عواطف حبّ القائد. لا تحب أباك وأمك. لا تحب بيتك ولا تحب مَن تحب. عليك فقط أن تحبّ القائد. دعوة إلى العبودية العصرية تحت قناع حبّ الوطن.   
  • «مَتْين» التحق أبدياً بالكريلا، و«مصطفى» بالجيش السوري كمجنّد في الخدمة.ما الفرق بين أن يخدم الكرد في الجيش السوري عمداً، أو أن يحاربوا مع الكريلا في الجبال بغسيل للأدمغة؟ وهل الوعي دخل إلى العقلية الكردية للحذر من الجهتين؟ الحياة العسكرية تفسد روح المرء. صحيح أنها حياة تتسم بالنظام والانضباط والروح القتالية، لكن أية حياة هذه المبنية على العنف والتدريب على القتل!! أنا خدمت الجيش السوري في لبنان، وأعتبر تلك المرحلة نقطة سوداء من حياتي. وقتها أدركت أنه بمجرّد حمل البندقية تتقلّص قدرة العقل على المحاكمات المنطقية والتفكير السليم. ربما مَن يلتحق بالكريلا طوعاً يفعل ذلك لغايات نبيلة وقيم سامية. ربما يعتبر ذلك نضالاً من أجل الحرّية وهذا صحيح في الظاهر فقط.  
  • تقول في الصفحة (214) من فصل «العريس»: «مع بداية عام 2005م، كانت قد مرّت على انتفاضة قامشلو حسب ما سُمّيت في السرديّات الكردية عشرة أشهر». كأنك هنا ترفض تسمية «انتفاضة قامشلو»، أم لك كلام آخر؟ لست في وارد رفض التسمية بقدر ما أحيل الاسم إلى السرديات الكردية. الاسم على كل حال يشبه «انتفاضة الأقصى»، التي عمّت كلّ بقاع فلسطين وليس المسجد الأقصى وحده. الانتفاضة انطلقت من القامشلي لكنها شملت كلّ مكان وجد فيه الكرد السوريون حتى الأحياء الكردية في دمشق العاصمة البعيدة عن القامشلي. هناك مَن يتحسس من الاسم لأسباب مناطقية وهذا مفهوم.  
  • سأعود إلى سؤال زرع نفسه في ذاتي بدهشته وحيرته، وأنا أقرأ الرواية عميقاً، وأراقب تقنيات السرد والحبكة والراوي والحوار والشخصيات:ما الغاية من ربط الماضي بالحاضر من خلال استحضار تاريخ وآلام المهاجرين، وخرائب الثورة – الحرب السورية عبر تقنيتي الراوي والحبكة؟! أردت أن أقول أن الحدث دائري. التاريخ دورة تدور فيها الشعوب معه. حتى إن لم تكن حركة التاريخ دائرية فهي متكرّرة. ما عاناه أجدادنا في بدايات القرن العشرين عانيناه نحن بعد مئة عام. النزوح والثورات والتشرّد والموت آنذاك لا تختلف أبداً عن الثورات والنزوح والموت الذي نعيشه حالياً. وقس على ذلك جميع الشعوب والأوطان. تاريخ من الفجائع يتكرّر، وربما بشكل أقسى وأمرّ.  
  • وهل تَعني عائلة – عشيرة المهاجرين في وجدان جان من شيء؟ نحن كأسرة قادمة من منطقة الجزيرة عانينا ما عاناه المهاجرون في كوباني. كثير من أبناء العشائر لم يفرّقوا بيننا وبين المهاجرين الذين قدموا قبلنا. لم يكن يهم أبناء العشائر الكوبانية من أين أتينا ومَن نحن وما هي عشائرنا التي ننتمي إليها، المهمّ أنه لا عشيرة لنا ننتسب إليها في كوباني. أيّ نحن غرباء. لقد كبر معي هذا الشعور بالغربة عن كوباني وفي كوباني…، وكان لا بدّ أن يجد هذا الشعور متنفّساً له في مكان ما من الرواية.   
  • في فصل «جديلة مشاكسة»: «لا حرّية للمجتمع من دون حرّية المرأة يا خالة. الوطن كلّه لن يتحرّر ما لم تتحرّر المرأة».هذا ما قالته «زِيْلان» إحدى مقاتلات وحدات حماية الشعب لوالدة «رَوْشَن» في الصفحة (229).كيف تعلّق على هذه العقيدة (العقيدة الحزبية الجبلية)؟! وماذا أردت أن تقول؟! هذه من الشعارات الكثيرة التي تطرحها الأحزاب الشمولية المتطرّفة مثل طُعم لجذب الطرائد إلى الفخاخ. هي كلمة حقّ. حرّية المرأة أمر ضروري لتحرّر المجتمع، فالمرأة تشكّل جزءاً هاماً ومؤثراً من المجتمع أيّ مجتمع. وإنصافاً نقول فإن الحزب حرّر المرأة لصالحه، أيّ لم يحرّر المرأة لتصبح عضواً فاعلاً في المجتمع. حرّرها لكنه استعبدها لنفسه وضمّها تحت جناحيه تأتمر بأمره وتعمل لصالحه. عبودية من نوع آخر  تحت مسمّى الحرّية.  
  • توظيف (نوستالجيا المكان وسطوته على الكاتب) هل يعتبر عامل سلبي، أم ورقة نجاح لعمل الكاتب الأدبي؟ الحنين إلى الماضي وتجلّياته في الأعمال الأدبية دائماً ما كان سلاحاً ذا حدّين. وهو موضوع أثير لدي على الأقل. يمكن أن يرمي النوستالجيا بثقل سلبي على العمل الروائي، لكنه في الغالب عامل نجاح إن استطاع الكاتب إقامة توازن بين موضوعه الأساسي وبين ومضات النوستالجيا التي تضيف عوامل مهمة للتأثير على مخيّلة القارئ.  
  • لنعد إلى بعض الأسئلة التقنية: إن التشويق الجميل والدراما العميقة والحبكة المحكمة… عناصر – تقنيات كانت حاضرة بقوة لقطع سلسلة السرد التي ترويها مرّة بين حاضرك وماضيك، ومرّة أخرى للعودة إلى عائلة حمْزِراف…ما الدلالات الفلسفية والنفسية الكامنة خلف ذلك؟ ما من دلالات كبيرة حسب قناعتي سوى إحداث تنويعات على السرد؛ لدفع الملل عن القارئ، خاصة مع رواية ضخمة نسبياً مثل كوباني. فكرت في تجربة تعدّد الأصوات التي جرّبتها في «ميرنامه»، لكنني لم أرد أن أكرّر نفسي. صحيح أن الأصوات هنا متعدّدة ومتنوّعة وتنتمي إلى فئات عمرية مختلفة، قناعات متباينة، وأزمنة متباعدة لكن الراوي العليم هو الذي يمسك بزمام الأمور، ويضبط إيقاع الرواية من أولها إلى آخرها.  
  • ضخخت شخوصك بسمات اجتماعية دون الفكرية منها، في المقابل لم تتفاعل الشخصيات مع الواقع الاجتماعي والفكري بحرّيتها ومدى حاجتها إلى ذلك، بقدر تعمّدك – بصفتك راوياً – إلى أن تكون قضاءً وقدراً في رسم حياتهم.ماذا تقول؟  كما قلت في جوابي السابق حاولت الإمساك بزمام السرد ورسم الفضاء الروائي. ربما كان هذا هو السبب في أن الشخصيات لم تتمكّن من التمرّد علي واختيار مصائرها بنفسها. كنت قاسياً على شخصياتي في كلّ شيء حتى في ضبط الحركة والأقوال.  
  • خلق المونولوج حركية ماتعة في المنجز النصّي، إذ استنطق ذاتيات الشخوص، وعرض صوتها الصارخ والفاضح لوقائع الماضي المأساوي والحاضر الجحيمي والمستقبل القبيح، وقد صرّح المونولوج عن هذا الواقع عبر المتواليات السردية الآتية:
  • المهاجرون وصمة عار اجتماعية لحقت بكوباني، وبتلك العائلة نفسها.
  • مقت البرازيون من المهاجرين.
  • رفض قيام الأواصر الاجتماعية مع المهاجرين.
  • الأطلال والذاكرة والذكريات للراوي.
  • الحنين إلى الماضي وربطه بقُبح الحاضر.
  • موت أفراد عائلة الحاج مسلم بطريقة ممنهجة.لم كانت دفّة المونولوج بيدك ككاتب لهذه الملحمة، فلم تترك الشخوص تعبّر عن ذاتها وواقعها ومستقبلها؟ والأهم لم بنيتها على أساس سخرية البوح، والبوح بتذويب الذات؟ هذه الرواية على مستويين، مستوى ذاتي شخصي لا يصحّ عليه ما تفضلت به في متن سؤالك. فأنا أتحدّث عن نفسي بصدق تام. ما انتابتني من أحزان وأزمة نفسية الخ. أما المستوى الثاني فهو المستوى العام الذي تحدّثت فيه عن شخصيات متباينة في الأفكار والمعتقدات، بل ومعادية بعضها لبعض مثل شخصية زياد الداعشي التونسي. أرى أنني أنصفتها وأعطيت كلّ شخصية أن تعبّر عن نفسها ومعتقداتها. فالسكير سكير ويسخر من الدين براحة ضمير. والمتطرّف متطرّف يعبّر عن تطرّفه بمصطلحاته هو لا بكلمات ألقنه إياها. ربما يظهر للقارئ أنني أوجّه الرواية الوجهة التي أريدها منذ البداية. هذا يعود إلى أن الراوي العليم هو الذي يتبنّى البوح بدلاً من الشخصيات.  
  • تقول إحدى أدبيات ثورة الجبال في قنديل من فصل «شاب في السيارة»: «إن الارتباط بالأب والأم والعائلة ابتعاد عن خطّ الثورة». الصفحة (283).أين إنسانية الإنسان من هذه الأدبية؟ وما تقييمك لها وأنت المتهم من قبل أنصارهم بأنك شاتمهم ولاعنهم وحاقدهم ومعارضهم، وحقيقة الأمر تقول بأنك تنتقدهم بشكل موضوعي؟ الأحزاب الشمولية المتطرّفة تنزع من الإنسان كلّ جوانبه الإنسانية؛ لتستطيع فيما بعد التحكّم به. هناك مَن يتمرّد على هذه المحاولات فيهرب من الجبال (وربما يعتبرونه فيما بعد خائناً). لقد لاحظنا على حزب العمال الكردستاني منذ البداية أنه يريد نسف العلاقات المجتمعية الطبيعية ويدمّر العلاقات الأسرية؛ ليبني بدلاً عنها علاقات أيديولوجية حزبية. أشتمّ مَن يقتل ولا أخجل من شتمهم. فالذي يسفك الدم الحرام يستحقّ اللعنة والشتيمة. أما مَن يسفك الحبر فيستحقّ التأييد بنظري. لذلك قدّمت ترجمة «دم على المئذنة» إلى الكردية بقولي: «هم سفكوا الدم وأنا سفكت الحبر».أعتقد أن مثل هذه الأحزاب تخلق وعياً مجتمعياً مشوّهاً إن جاز لنا أن نسمّيه وعياً أصلاً. ونحن رأينا بأم العين المآلات الكارثية لنظرياتهم المضحكة.  
  • ماذا تعني لك قصيدة «الأبواب إذ تبكي» الواردة في الصفحة (298) من الرواية؟ هي قصيدتي. قصيدة روحي المنكسرة التي كانت تحلم دائماً أن تعود من منفاها وتقف أمام الباب لتطرقه بلهفة وتنتظر. في زيارتي المتخيّلة إلى كوباني، انفتح الباب على الخراب. طبعاً هذا الخيال بنيته على الصورة التي أتتني من هناك. فالباب اليتيم وقف صامداً لكنه لم يكن يحرس إلا الخراب. استنطقته، فنطق بما حفظ من ذكريات العائلة. بيوتنا التي غادرناها كنوز متخمة بالذكريات. لا يشبه باب بيتي هنا في ألمانيا بابَ بيتي هناك في كوباني. هناك للباب ألف حكاية وحكاية. سردت بعضها في الرواية. هنا الباب لا يحمل أيّ طاقة تفجير ذاكروية. لا تربطني بالباب الألماني أيّة عاطفة أو علاقة إنسانية. هذا أمر بحاجة إلى تفسيرات معمّقة ودراسات مفصّلة، لعلّنا نجد ظلاً لها في كتب علم النفس.  
  • كان موت أبناء الحاج مسلم يتوزّع على مدار صفحات الرواية،وفي أماكن جغرافية مختلفة.هل كنت كاتباً سفّاحاً (عذراً للكلمة) وأنت تقتل شخصياتك، شخصية تلو الأخرى؟ لا يا سيدي. أنا كاتب رحيم أبكي على شخصياتي التي تموت. لا أقتل أحداً. هم ضحايا يسقطون فأرصد لحظة سقوطهم وموتهم. أتتبع مسارات شخصياتي التي أجمع بعض قصصها من الواقع ثم أصوّر ما جرى بطريقة فنية. لست أنا مَن اختار هذه النهايات المأساوية لأبناء عائلة واحدة. هذا ما فعلته الحرب المجنونة بهم وبنا. وأعتقد أن تحميل الكاتب أعباء الحرب والجرائم التي تحصل في الحروب ظلم.   
  • رواية «كوباني الفاجعة والربع»– بحسب قراءتي لها – رواية إبداعية تتميّز بالسوداوية والألم… هل تحمل أيّ مفاتيح للأمل؟ وأين تتواجد تلك المفاتيح؟ شخصياً أنا إنسان متشائم. وقد زادتني الحرب تشاؤماً على تشاؤم. لا أريد بيع السراب مع أنني أملك منه الكثير. الأمل غادر قاموسي منذ زمن بعيد. لكنني أتمنى أن يكون المستقبل أفضل. وحتماً سيكون أفضل من الناحية التقنية. أما على مستوى العلاقات بين الدول والجماعات البشرية فلا أمل لدي. ستبقى الصراعات، وتتأجّج الحروب ويموت الناس بالملايين عبثاً.
  • بدا في متن الرواية أن فئة الشباب ممَن انضموا إلى وحدات حماية الشعب كانت فئة صادقة حملت الهمّ الكردي بكل أمانة وإخلاص، رغم أنها لا تعرف شيئاً عن الحرب والسياسة والقيادة.لم يتلاعبون بعقول الشباب بفلسفات تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر؟! لا يمكن لشباب يضحون بأراوحهم في سبيل فكرة ما إلا أن يكونوا كما ذكرت في سؤالك. وهذه خسارة كبيرة. فالأكثر استعداداً للتضحية والأكثر إخلاصاً لقيم الحرّية والعدالة يتم استغلالهم والزجّ بهم في حروب ومعارك تبدو ظاهرياً أنها معاركهم. خسرنا خيرة الشباب في جبال كردستان من أجل وهم. وحين نقول هذا الكلام يرفع بعض الناس عقيرتهم ويصرخون في وجوهنا ناعتين إيانا بأوصاف بشعة. الحقيقة المرّة التي نحكيها تموت بين أرجل الفيلة العقائدية ورهط من المنتفعين.  
  • «على الدم أن يُراق. فهو وحده الذي سيطفئ الحرائق التي أشعلها الظالمون في أرواحنا». الصفحة (388).ربّما لا فرق بين الثورة في تونس ومصر وسوريا… ولكن هل إراقة الدماء وظهور التطرّف كفيلان للقضاء على الديكتاتورية في الشرق الأوسط والعالم العربي؟ هل تنبّأت – حدسياً – بهذا الخراب؟ لا أدّعي أنني تنبّأت بهذا الخراب. حقيقة لم أكن أتصوّر أن الأمور ستؤول إلى هذا المآل الكارثي المدمّر. لكني وأقولها بكلّ تواضع نبّهت إلى موضوع عسكرة الثورة وأسلمتها. منذ البداية لاحظت أن شيئاً ما يسير في اتجاه خاطئ، لم أكن أتصوّر أنه الهاوية التي وصلنا إليها. لي مقالات عدة عن هذا الموضوع مكتوبة في العام الأول من الثورة في سوريا. التطرّف نتاج من نتاجات الديكتاتورية. ويتم تدويره لصالح الديكتاتوريات والقوى العالمية. بعبع التطرّف كفيل بأن تبقى الأنظمة الفاسدة المستبدة تتحكّم برقاب الشعوب إلى ما شاء الله. دائماً يتم دفعنا إلى الاختيار بين التطرّف والاستبداد. هذه لعبة قذرة فهمنا خيوطها. نرفض التطرّف ونناضل ضدّ الاستبداد.   
  • كنت قد انسحبت من مجموعة دعم السلام برئاسة مبعوث الأمم المتّحدة «الأخضر الإبراهيمي». لماذا انسحبت؟ ولماذا وصفت وجودك فيها بالعدم؟ انسحبت؛ لأنني رأيت أن مشاركتي لا تعدو كونها سياحة مجانية على حساب دماء الناس. كنت أخجل من نفسي وأنا أقيم في فنادق فخمة على شاطئ بحيرة جنيف، أستمتع بمناظر فردوسية فيما أدّعي أنني أشارك في محاولات إيجاد حلول. ثم رأيت أن الموضوع عبثي وتضييع للوقت. لا يمكن لنا أن نوجد حلولاً تقف دول عظمى في وجهها بما أوتيت من فيتو وميليشيات وقوى فاعلة.  
  • ما السيميائيات التي تقف خلف قضية غربال الحاج مسلم، وذهابه إلى الحدود يومياً، وغربلة الهواء في كلّ انفجار داخل كوباني؟ واقعنا تلوّث بالحرب. كوباني لوّثتها الغارات التي حرّرتها من قبضة داعش. التحرير كان تلويثاً وتدميراً. وكان لا بدّ من تصرّف سريالي ضد هذا الجحيم الواقعي. لم يجد بطلي المسكين ما يفعله سوى أن يمارس جنونه ويقاوم به واقع الحال. أعتمد في رواياتي على الومضة السريالية. لا أميل إلى السريالية حتى النهاية. أعتبرها نقشاً يزيد من قوّة الرواية الواقعية… الواقعية السحرية أقرب إلى ذائقتي وتجد في كلّ رواياتي آثاراً واضحة منها.  
  • نهاية الرواية كانت مأساوية، ومفتوحة الأبواب… إذ قد يتساءل القارئ: ماذا حلّ بباران في بلدة عين عيسى؟ ماذا حلّ بحَمِه الذي اختفى فجأة دون أي معلومة عنه؟لم تركت هذه الاحتمالات المفتوحة بيد القارئ؟ تركت الأمور هكذا لأننا ما زلنا في وسط المعمعة. لا ندري وليست لنا القدرة على التنبؤ بما سيحدث. الحرب مستمرة. ونتائجها الكارثية ستبقى لمئة عام على الأقل. هناك كثيرون فقد أثرهم في الواقع وليس فقط في الرواية وغابوا إلى الأبد. وهذه الروايات بخواتيمها الغامضة صدى لما حصل ويحصل وسيحصل. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…