إبراهيم محمود
ولدي الجحش- الحمار فلذة كبد والده الحمار
كن على يقين تام يا ولدي الجحش- الحمار يا بؤبؤ عينيَّ والدك الحمار الطاعن في السن، أن ليس من فرح ينعش روح حمار أضناه العمر تحت سياط الآخرين، من فرح ولَد بات قدوة لديهم. تلك عجيبة من عجائب زماننا، أن ينال حمار مكانة كالتي تصفها لي. أحياناً يتهيأ لي أنك لا تقول الحقيقة لي، سوى أن كلماتك التي يجلوها الصدق، كما تعلَّمتَه من والدك الداعي، تبعث السكَينة في قلبي الذي عانى كثيراً في حياته، وأنك ولدي لا تقول إلا الصدق. فيا للبشرى الحمارية .
أراحتني كلماتك كثيراً، وأنسَتْني آلام شقاء العمر، وما أكثرها وأوجعها، عمرنا نحن سلالة الحمير تاريخ طويل من الضرب، ومضت بي، وأنا أتصورك في كامل حيويتك الجحشية- الحمارية، إلى شبابي الحماري، حيث كانت أتُن كثيرة تتنافس في وصالي، وبقت والدتك هي الأقرب إلى نفَسي، وإلى ميلي الحماري الجارف. لا أخفي يا ولدي الجحش-الحمار، أن والدتك فاقت نظيراتها من الأتن في كل شيء، موسيقية حركاتها، انسيابية نهيقها، فتنة كفلها، وكنت أرى نجوم سماء تشع في ليل عينيها الواسعتين، كنت أبصر صورتي فيهما، لتكون أنت من صلبي .
لا بد أن هناك جحاشاً، في سنك هنا وهناك، من صلبي أيضاً، سوى أنك وحدك، من يمكنني التباهي به، ولو أن والدتك التي لازمتُها لبعض الوقت، وأمضينا معاً متعة حميرية رائعة، كانت حيّة، أو سمعت بك، لأصدرت نهيقاً تلو نهيق، وهي تعلق افتخارها بك، وكونك ولدها .
ولدي الجحش-الحمار الأثير على روح والده الحمار
لا أبالغ أبداً في أن عرْضك مغر ٍ، إنما ماذا أقول لك يا ولدي الغالي بكلّيته، وأنا في هذا العمر الذي أوشك على نهايته؟ العمر الذي أنوء تحت ثقله، كيف لي أن أستجيب لطلبك، وهو أعز طلب من أعز كائن لدي، وأنا بهذه الحالة ؟
أتريدني أن آتي إليك، وأكون سنداً حمارياً لك، ويملأ نسلانا من الحمير المدينةَ ؟
يا له من طلب لا يُرد؟ إنما كيف يستجاب لطلب مكلف كهذا؟ طلب يحتاج إلى مقدرة جسمية، وإلى قابلية تحمُّل المشاق، حتى يتحقق المرجو ؟
وأنت تعلم، كما أخبرتك مراراً، بالسنين الصعاب التي عشتها هنا، وأنا أتعرض لقسوة برد الشتاء، ولسعة حرارة الصيف، وقسوة من يعرّضونني للجوع والعطش والتعب المستمر.
كيف لي أن أتحرر من أعباء هذه السنين، وقد سمّمت دمي، وقد عانيت الموت اليومي، وأنتقل فجأة من حال إلى حال، وليس لدي ما يساعدني لأكون الحمار المنشود ؟
أنا أعرف فيك نعْم ولد حمار لنعم والد حمار، وتريد أن تعوّض عن والدك الذي قاسى الويلات على أيدي هؤلاء الذين تعرفهم جيداً، ولو في القليل القليل. إنما أين هي القوة التي تمكّنني من تحقيق ما تصبو إليه، أن تكون مقتدراً، قادراً على الإنجاب، ويكون لك مني أخوة جحاش، وهم على صورتك الحمارية المشرقة الجذّابة فيما بعد، وقد جفَّ صلبي، أو كاد، وضعفت حيلتي؟
لهذا، سأكون صادقاً يا ولدي الجحش- الحمار العزيز على روح والده الحمار، سأكون عند حسن ظنك الآن، وأنا أصارحك بأنني عاجز عن تنفيذ ما طلبته مني.
ستقول لي سائلاً: ولماذا ؟
سأذكّرك بما أشرت به إلي في رسالتك الأولى، وهو أنني لم أصب في توقعي عما ستتعرض له من آلام، حين فارقتك وأنت جحش، وأخشى أن أخيّب ظنك بي، لا بل وأن أصدمك بما سأكون عليه من عجز وضعف، وأن تراني قوياً، كما كنت حمار أيام زمان، وحينها كنتَ جحشاً تتقافز في الهواء، وربما ينحرج موقفك، ولا تعرف كيف تجد مخرجاً من هذا المأزق، ويقل مقدارك في أعين المحيطين بك، وحينها أيضاً لن يعود الندم مفيداً، وستخسر ما بنيته سريعاً .
لهذا يال ولدي الجحش- الحمار، لا يمكنني القدوم إليك، وأنا بعجزي هذا، وفي وسْعك أن تقول لهم ما تشاء، وأنت لا تنقصك قوة الحجة الحمارية الدامغة، طالما أنت أصبحت قدوة لديهم، قل لهم إن والدي الحمار الكبير شأناً لا يستطيع التخلي عن مدينة أمضى فيها عمراً، وأنه في مقدورك أن تقوم بالوظيفتين، أن تكون معلّم أطفالهم، والمستشار الخاص لكبير مدينتهم، لا بد أنهم سيبتهجون لهذا الاقتراح، وكلّهم ثقة بك. ركّز على هذه النقطة، لتصبح الآمر الناهي فيهم.