زهير حسيب.. إثارة الزمن و تفكيك المعطيات الحكائية للمكان

 غريب ملا زلال
ينطلق الفنان التشكيلي زهير حسيب بداية في تحديد مكونات عمله الفني ضمن واقع حكائي ينبغي الإنصات إليها مطولاً ، بمرجعياته المختلفة و على نحو أخص مرجعية الحنين إلى الماضي بمعطياته الكثيرة / التراثية و الفولكلورية و اليومية …. إلخ / و مرجعية الخيال الخصب الذي يساعده بالإنتقال بين عوالمه المختلفة ، ورغم أن واقعه الحكائي هو معطى أولي للإنتباه إلى القيمة الجمالية و إلى دورها في تشييد منجزه البصري و هذا من صلب صوته الذاتي المنبثق في توغله لإستكشاف مناطق ينتمي إليها عبر مختلف المستويات لتثير إمتدادات زمنية قد تكون ثيمة معرفية في تواصلها مع سيرورة حداثوية في تأريخ الذات بجرأة طفل و بصراحة عاشق ، و بتعبير آخر فحسيب ينهض منجزه على حكايات متعاقبة و بالإعتماد على تدرجات متعددة يدمجها جميعاً في حكاياته تلك بدءاً من الأقدم متجاوزاً تقنية المزاوجة بين عملية العرض و الإنتقال بين الزوايا المزركشة ، حيث يتعامل حسيب معها بوصفها طريقاً أو أداة توصيل بين صياغاته التداولية ، حيث لا شيء يمنعه في توليد سحر ( اللحظة / الومضة )
و يتمتع في متابعة التفاصيل العميقة على مستوى بناء الأنساق الناظمة لبلورة ما يطمح إليه حسيب حيث كل عمل فني لديه هو محور لحكايا قد تمثل خطابه التشكيلي الجمالي ، فيه يحضر العالم الإفتراضي تداخلاً في تأهب واقعه المتحول من جهة و تكاملاً في تراتبيته من جهة ثانية دون أن يترك أية علاقة شاردة ضمن مداراته الكثيرة ، المفتوحة ، و لو تأملنا عناصر مكوناته البنائية لن نتردد في القول بأنها ذاتها عناصر بناء حكاياته داخل الإطار أو خارجه ، و يمكن أن نقترنه بعناصر وافدة من الماض الحميم حيث مصائر المكان تيه بتيه ، و إن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن مكوناته البنائية تلك خاضعة للشروط الخاصة به ، الأمر الذي يجعله يجول في موضوعاته و على نحو أدق في صياغاته على إختلاف أزمانهم ضمن ما يستجيب دوافعه الوصفية التي منها ينطلق حسيب في عملياته الإختيارية و إن بإستطرادات تستجيب بدورها لإرسالاتها في مجمل ملامح شخوصه و في علاقاتها الفاعلة في سرد بنية حكايته الفرعية منها و العميقة ، حتى كدنا نقول بنمطية الكاميرا المقروءة في وجوهه كلها مؤكداً مجازاته في ترجمة أو في تحقيق ما هو أبعد من الوصف البصري .
و لأعمال حسيب دلالات خاصة في سياق القدرة الفائقة على الجمع بين الموروث الشعبي و بين تلك الثقافات و الحضارات التي تتجلى في التوصيف الضمني حيث المرأة هي التي تشكل النسق الآخر الموازي لمعالجاته المعرفية / الجمالية مع فاعلية متبادلة لعنصري الثنائيات المتقابلة / الموروث ، المعاش / و في هذه الحال و من خلال البحث عن أفق جديد بل و خلقه أيضاً لا بدً من الإغراق في محليته و أقصد كرديته حيث تكتمل الألوان في زركشتها لدرجة أنها أصبحت جزءاً مهماً من متخيله على مدى عديد من العقود مما دفع بمنتجه الذي كاد أن يكون مشروعه للمدى البعيد أن ينتقل به ليكتشفه الآخرون ، فهو يختزل تاريخ المكان كجانب شكلي / بصري و كذلك كمفهوم لفلسفة الحضور دون أي تورط في الجانب الدعائي ، و مما لاحظناه عند حسيب قريب من الذي لاحظناه عند ماركيز في الأدب أي الإتكاء على المفردات المحلية التي تقوده حتماً نحو مكان يليق به ، و أشير هنا بأن حسيب وعبر مجهود يقترب من نصف قرن و هو ينتظر البحث عن حكايته التي تفتح نوافذها لمشروع فيه يكون الحضور الإبداعي فعلياً والتي لا تخضع إلا لخطواته ، تلك التي هي مرهونة بالعثور على الذهول ، لا في مناطق التلامس فقط بل في تلك المناطق التي تفضي بك إلى تحولات جدلية حيث التداخل فيها تغدو إستعادة للموروث و ولادة جديدة لفضاء منحاز لرحم المكان .


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…