أجرى الحوار: نصر محمد
تكتب النثر وتعتمد على التكثيف وعبق وعمق الجملة. لها فلسفتها الخاصة وخطها الكتابي الذي يميزها دون غيرها.
تعشق الحياة تحترم الإنسان ايا كان بغض النظر عن دينه او لونه أو عرقه. تعشق الوطن وتراه فوق المزايدات العرقية
والطائفية وتعشق الأدب وترى انه الموحد للأمم. فالأدب لا وطن له. انه اممي تقرأ للجميع.
انها الشاعرة التونسية فوزية العكرمي ضيفتنا وضيفتكم في برنامج ضيف وحوار لهذا اليوم
– شاعرة تونسية
– عضوة بإتحاد الكتاب التونسيين
– أستاذة الأدب و اللغة العربية
– أسّست العديد من النوادي الأدبية والثقافية
– تشرف على العديد من فروع لجمعيات أدبية تونسية وعربية
– نشرت جل أعمالها بالصحف و المجلات التونسية و العربية
– لها مشاركات في العديد من التظاهرات الأدبية و الفكرية الوطنية والعربية
– تمّ تكريمها في أكثر من ملتقى وطني وعربي (الجزائر –العراق – المغرب –مصر –ايران –)
– كُتب حول تجربتها الشعرية العديد من المقالات أبرزها (كتاب ظلّ حلم الذي صدر في ايران للدكتور جمال نصاري ) – — قريبا سيصدر ديوان شعري مشترك في كردستان بينها وبين الشاعر الكردي “فرمان هدايت “
– صدرت قصائدها في أكثر من ديوان شعري مشترك تونسي وعربي
– ترجمت أشعارها الى لغات عديدة …الفرنسية –الأنقليزية –الاسبانية-الفارسية-الكردية-الأندونيسية
– من مؤلفاتها:
– وجوه أخرى للشجن (2005)
– ذات زمن خجول (2011)
– كان القمر لي (2014) صدر بلندن
– جدير بالحياة (2017) تونس
لها تحت الطبع :
– مجموعة قصصية (هبوط اضطراري)
كما أسهمت في انجاز بحوث عديدة تربوية خاصة ومقالات متنوعة في صحف تونسية (الشارع المغاربي ) ومصرية (الاثنين …اليوم وغيرها )
على ضوء الشمس
عَلَى َضَوْءِ الشَّمسِ
تَسْلُخُ بِلادِي جِلْدَهَا
بِلادِي التِي رَبّيْتُ تَفاصِيلَ جِسْمِهَا بَيْنَ ضُلُوعِي
أَخْفَيْتُ هَشَاشَتَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّازِحِينَ
تَضْمُرُ سَماؤُهَا
تَصْغُرُ
تَسْقُطُ رُوَيْدًا
رَغْمَ كُلّ الدَّعواتِ المَحْتُومَةِ بالزّغارِيدِ
يَسْعُلُ الوَقْتُ فِي الأَثْناءِ
سُعالًا خَفِيفًا
رَأْفَةً بِقَلْبِ أُمِّي أَيُّها الوَقْتُ الغَرِيبُ
رَأْفَةً بِيَدٍ يَلْتَهِمُهَا العَراء
صَارَتْ البِلادُ خَفِيفَةً
مُوزّعَةً فِي أَكْيَاسِ مِنْ وَرَق
مَنْ يَشْتَرِي ؟
لَنَا الوَحْلُ نَدْبِغُ بِهِ أَيامَنا البَعِيدَة
وَللقَادِمِين من خَلْفِ البِحارِ
رَشفَاتٌ من صَدْرِها المُتَرَهِّلِ
لَا مَعْنَى لِخَرائِطَ مُجَفَّفَةٍ كَإسْفَنْجَةٍ
مُعَلَّقَةٍ عَلَى سُلَّمِ الآهَاتِ
تَرْقُدُ بَيْنَ ماءٍ ومَاء
نَحْنُ لَعْنَةُ المَاء
يَاماءُ كُنْ حَلِيمًا بِتَائِهَا المَفْجُوعَةِ مِنَ البَتْرِ
والكَسْرِ
كُنْ سَخِيًّا حِينَ يَفْجَأُهَا الحَطّابُونَ
وَتَفْجَاُهَا نِيرانُ التّعَب
تَتَخَفَّفُ بِلَادِي مِنْ وَزْنِهَا الزَّائِدِ
مِنْ سُحُبِهَا وتِلالِهَا وأنْهارِهَا
تَتَخَفَّفُ مِنْ جُرُوحِهَا
تَعْصِبُ عَيْنَيْهَا
وَتَعُدّ كَطِفْلَةٍ مِنْ واحد لعشرة
كَيْ يَسْهُلَ خَطْفُهَا
وَتَخْتفِي فِي ظِلِّهَا
إِنَّنا مَوْعُودون بشَهْقَةٍ أُحْرَى يَابِلادِي
تُلُعْلِعُ في يَوْمِنا السّاذج
فَوْقَ رُؤوسِنا
حتّى ترُدَّنا إلى بيوتِنا
….إلى رسائلِنا المَطْوِية في جُيُوبِنا
إلى شَمْسِنا الدّافِئَةِ التِي نَكادُ نَسْمعُ ضَجِيجَهَا فِي أحْلامِنَا
– بداية ماذا تريد فوزية العكرمي من الشعر؟ وكيف تصف للقارئ الشاعرة التي بداخلها؟
* سؤال مفاجئ والله ومحيّر في آن واحد ماذا أريد من الشعر؟ من هذا المارد الذي يسكنني ويعكّر أحيانا صفو ذهني ويهيّج انفعالاتي … أريد من الشعر أن يخلي سبيلي أن يحرّرني ويعيدني نطفة في بحر الحياة بل صرخة عفوية في حنجرة وليد يشهد النور للمرّة الأولى. أريد من الشعر أن يحلّق بي حتّى أتوه عن العودة إلى الأرض فأظلّ معلّقة بين عالمين في نوسان غريب. والسؤال المسكوت عنه ماذا يريد الشعر منّي؟ لماذا يلاحقني في كلّ مكان؟ ويسطو على أجمل أوقاتي ليحوّلني إلى ريشة في مهب الريح. لست شاعرة ولطالما نفيت عمّا أكتب صفة الشعر وعددت مخطوطاتي نوعا من الهذيان لكنّ الشعر يفضحني ويشير بأصابعه الطويلة إليّ حيثما حللت.. الشاعرة التي بداخلي معتوهة ومجنونة وفوضوية وأنا أكبح جماحها بكلّ ما أوتيت من قوة وبكلّ ما منحني إياه المجتمع من قدرات على التلاعب والمراوغة أصاب بالإحباط أحيانا وأنا أحاول أن أفهم حقيقة هذه الروح الماجنة التي تسكنني والتي تصوّر لي العالم تصويرا مضحكا ومؤلما في آن واحد. ليتك تصدّقني إن قلت لك إنّني تائهة فكلّما اعتقدت أنّني عثرت على نفسي أفقدها من جديد ويطول بحثي وتتعمق حيرتي .
– بمن تأثرت بالكتابة في البدايات وماهي الموضوعات التي اخذت حيزا اكبر في قصائدك وقتها؟
* كنت وقتها في المرحلة الابتدائية وكنت أجد متعة وأنا أتلو على مسامع أصدقائي بعض كتاباتي فأجد الاندهاش والاعجاب والتشجيع لقد تفتحت عيوني في هذه المرحلة على أصوات العديد من الشعراء التونسيين والعرب أول هؤلاء الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي ثار على المستعمر وعلى النفوس الراكدة بلغة حماسية جريئة حرّكت دواخلي وأشعرتني بقوة الكلمة وقدرتها على النفاذ إلى الأعماق ثم اطلعت فيما بعد على كتابات الشاعر السوري نزار القباني الذي كان قريبا جدّا من واقعنا العربي ومعبّرا عن هموم العربي وانشغالاته ولا أنسى أمل دنقل ومحمود درويش وفدوى طوقان ونازك الملائكة وغيرهم.. لقد ظللت طوال هذه المرحلة متابعة لما يجري في فلسطين من جرائم ومجازر وانتهاكات أمام صمت الضمير العالمي والمجتمع الدولي فثرت في قصائدي ثورة مازلت أحتفظ ب توهّجها وبريقها لأنّني أشعر انّ رسالة الشاعر لن تكون جمالية بحتة مالم يعبّر عن عصره إن تلميحا أو تصريحا… لقد كتبت عن فلسطين كلّ قصائدي الصغيرة والعفوية وعنونت ديواني الأول ب “صرخات ثائرة “ربما سيشهد ذات يوم النور
– هناك من يصف الخطاب الشعري لدى المرأة عموما بالخطاب الذي لم يزل متعثرا ما رد الشاعرة فوزية العكرمي على ذلك؟
* من يصف الخطاب الشعري لدى المرأة بالخطاب المتعثر هو كمن يحاول إخفاء عين الشمس بالغربال كما يقال وهذا أمر طبيعيّ في مجتمع مازال ينظر إلى المرأة نظرة دونية وكلّ ما يصدر عنها يفتقد للمهارة والابداع لكنّ الواقع يفنّد هذه المقولة إذ تثبت الذات الشاعرة قدرتها على التميز والابداع ولنا أدلّة لا تحصى ولا تعدّ عن تجارب شعرية نسائية استفاد منها الشعراء القدامى فيما بعد كأبي نواس وأبي تمام وغيرهم ناهيك عن اضافات الخنساء لقصيدة الرثاء اضافة الى الشاعرات الصوفيات وقصائد ليلى الأخيلية التي كان لها الأثر العميق في مدونات أهم الشعراء في عصرها ولا ننسى شاعرات عصر النهضة إنّ الحديث يطول عن ابداعات المرأة العربية واضافاتها الهامة للقصيدة العربية لذلك لا يعتدّ برأي من يستنقص من قيمة كتاباتها.
– يجمع المتابعون للشأن الأدبي في تونس اليوم. إن حجم مساهمة المرأة .في الأدب تنظيرا وإبداعا. في شتى المجالات. أكبر بكثير من مساهمة الرجل. وهو ما يدل بأن المرأة في تونس تجاوزت المصطلح وعانقت الإنسانية من خلال ابداعاتها. ما رأي الشاعرة فوزية العكرمي بهذا القول؟
* إنّ المجتمعات التي لها إرث ثقيل من تبعية المرأة للرجل تحتاج إلى وقت أطول للتحرر من هذه القيود والمرأة التونسية منذ الاستقلال ومنذ سنّ مجلة الأحوال الشخصية التي صانت للمرأة حقوقها وكرامتها وحررت المرأة من ربقة الرجل تمكّنت من اقتحام كلّ المجالات التي كانت حكرا على الرجل وأظهرت من البراعة والمسؤولية ما يجعلها رائدة حتى الأدب الذي يعدّه البعض حكرا على الرجل أبدعت فيه وتفوقت ولنا في الجوائز التونسية دليل على ذلك وفي ما أثرت به المكتبة الوطنية من دراسات وبحوث وكتب ودواوين شاهد ينبئ بحجم مناخ التحرر الذي تعيش فيه المرأة التونسية وحرصها على تحمّل مسؤوليتها كاملة في المجتمع وتجاه الأجيال القادمة. وأعتقد أنّ الابداع لا هوية له فمثلما يتفوق الرجل في صنوف ابداعية نجد المبدعة التونسية تلفت الأنظار بتميّز خاطرها ورونق حديثها وتوهج أحاسيسها.
– ماذا تعني فوزية العكرمي بعنوان دواوينها // وجوه أخرى للشجن // 2005 … // ذات زمن خجول // 2011 … // كان القمر لي // 2014…. // جدير بالحياة // 2017 …
هل تكشفين لنا بعض الأفكار الرئيسية عن محتويات المجموعات الشعرية؟
* أنا مقلّة من حيث النشر مقارنة بما تنشره الشاعرات من جيلي وأنشر الدواوين بشكل متباعد في الزمن لأنّني أريد لكلّ أثر أن يحظى بالاهتمام الذي يليق به وحتّى تأخذ التجربة افاقا أخرى فلا تبقى في حلقة مفرغة من التكرار المملّ وانسداد الأفق فديواني الأول «وجوه أخرى للشجن» والذي صدر سنة 2005 به قصائد كتبت في المرحلة الجامعية يعني بعد عشر سنوات تقريبا نشرت مختلف القصائد التي قدّمتني لجمهور طلّابي عريض وكانت القصائد فيه خلاصة مرحلة من التجريب والنّحت للشخصية التي أروم أن أكون ولقد كتب عن قصائدي في هذه المرحلة الكثير لأنّني مزجت فيها بين الشعر والقصّ وأغرقتها في ايديولوجيا تشبعت بها في تلك المرحلة والعنوان يحمل الكثير من الألم والمأساة ويبطن معاناة التونسي في ظل الظلم والاستبداد وانسداد الافاق وتفشّي الفساد تعاضدها هموم الذات وانكساراتها وشتّى أنواع الفشل الذي عشته وتصديت له بالشعر والأدب. أما ديواني الثاني «ذات زمن خجول» فلقد نشرته إبان الثورة. إنّها الثورة التي حلمت بها وتمنيتها قد صارت حقيقة وآن للقصيدة أن تتحدث بوضوح وأن تبسط وجهات نظرها ومواقفها مما يحدث وأن تعبر بشفافية عمّا يعيقها وعمّا تخطّط له مستقبلا وفي سنة 2014 نشرت ديواني الثالث «كان القمر لي» وهو ديوان صدر عن دار مومنت بلندن.. ربّما بحثت في هذه المرحلة عن جمهور أوسع من خلال النشر خارج الحدود وتوقا لقارئ يشاركني همومي الانسانية بعيدا عن كل حاجز وفي ديوان «كان القمر لي» صوّرت مختلف الخيبات التي عشتها إبان الثورة. لقد عشت الثورة بكل جوارحي وانصهرت في معمعانها حتى فقدت نفسي ولم أفهم بعد كيف آلت الأمور الى عكس ما حلم به التونسي أمّا ديواني الأخير «جدير بالحياة» والذي صدر سنة 2017 فهو صرخة في وجه أعداء الحياة دون نسيان هموم الذات التي عادت تتخبط من جديد في رحم الحنين والألم والذكريات المرّة.
– لك قصائد مترجمة من العربية إلى الفرنسية والكردية والاسبانية والفارسية والاندونسية.
الترجمة إلى أي حد تجدينها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلى آخر؟
* أعتقد أنّ الترجمة وإن كانت مخلة بجوانب عديدة من روح النص وانفعالات كاتبه وحميمية اللغة العربية في التعبير عن أحواله الشتى بطريقة مكثفة وقريبة من روح القارئ فهي تظلّ الطريقة المثلى لإيصال صوت الشاعر إلى عوالم ومحيطات أخرى .ولا أنكر فضل الترجمة في إثراء الفكر البشري وتحقيق التواصل المنشود بين الحضارات والثقافات. وترجمة الشعر مظهر آخر من مظاهر هذا التواصل الراقي بين الشعوب والحقيقة أنا مدينة للترجمة التي عرفتني على الكثير من الشعراء وعقدت بيننا من الصداقة والتوافق وكأننا نتكلم بلسان واحد ورفعت الحجب فأمكن لنا اليوم بفضلها متابعة كل ما يكتبه الشعراء الكبار في شتى انحاء العالم.
– قريبا سيصدر ديوان شعري مشترك في كردستان بينك وبين الشاعر الكردي فرمان هدايت.
كيف تنظر الشاعرة فوزية العكرمي إلى القصيدة الكردية الحديثة في كردستان. وهل الخط البياني لتطورها يتجه نحو الصعود او الهبوط؟
*عرفت القصيدة الكردية كمثيلاتها مراحل عديدة من التطور والتشكّل وأرى أنّها قصيدة مغايرة ممتلئة بالروح الكردية ثرية بانفعالاتها مؤرّخة لتواريخ الأكراد عبر العصور وما عاشوه من تقلبات لذلك هي صامدة وراسخة رسوخ الجبال وتشهد شهرة لا مثيل لها لرقة مضامينها وحلاوة تعابيرها ويعود ال بيكه س وسليم بركات ومن قبلهما افتتنا بشعر معروف الرصافي وبلند الحيدري واحمد شوقي.
– الشاعرة فوزية العكرمي كيف تنظرين إلى التحولا فضل في وصولها إلينا إلى الترجمة أولا وحذق العديد من الشعراء الأكراد للغة العربية ولا أنكر انبهارنا بكتابات شيركو ت الحاصلة في الساحة الشعرية في المرحلة الحالية وانعكاساتها على وعي المرأة؟
* منذ القديم والشعر ينهض بأدوار عديدة كالرقي بالذوق الجمالي والتعبير عن الأوضاع المختلفة وهموم الفرد في مجتمع رأسمالي لا قيمة فيه للأفراد واحلام النفوس بغد اجمل وأفضل ومحاولة بث التوعية ويبدو المرأة اليوم بحاجة أكيدة إلى خطاب توعوي يذكّرها بخطورة المرحلة وظهور قوى رجعية تسعى للالتفاف على مكاسبها وامتيازاتها وقد فشل السياسيون التقدميون في تبليغ هذه الرسالة لما في خطابهم من خشونة وترهيب وانفعال مبالغ فيه. إنّ الفنّ عموما هو المنقذ للفرد من الضياع والضلال واستيلاب الذات.
– الشاعرة فوزية العكرمي ماهو مفهومك للحداثة في الشعر وما هي معايير للقصيدة الحديثة. كيف يمكن تحديد الحديث في القصيدة // ان فكرنا في الموضوع كقواعد موجودة يمكن اتباعها //؟
* الحداثة في الشعر يعني تجديد القوالب والرؤى والمضامين بطريقة تجعل القصيدة قريبة جدا من نفس القارئ معبّرة عن سكناته ولواعجه وهواجسه. لقد خاضت القصيدة العربية الحديثة أعتى حروبها ضد القصيدة التقليدية وضد روّاد الشعر الكلاسيكي الذين استبسلوا في الدفاع عنها لأنّهم يرون أنّ المسألة تتعلق بالهوية والأصل ولا أستغرب استمرار نفس المعارك ولو بطريقة خفيّة ومن وجهة نظري أرى أن القصيدة العمودية فقدت الكثير من بريقها ولم تعد قادرة على مواكبة روح العصر حتى قصيدة الشعر الحرّ وما طالها من تهذيب وتشذيب تبقى مقصّرة في مواكبة انفعالات الذات والالمام بالتفاصيل والجزئيات. لقد فرضت اليوم قصيدة النثر وجودها في الساحة الشعرية وافتكت مكانها كوليد شرعي لقصيدة تآكلت وهرمت وظروف بحاجة إلى نمط جديد يستوعب التحولات الطارئة في المجتمع ويخطئ من يعتقد أنّ قصيدة النثر هي الحمار القصير الذي يعتليه كل من هب ودبّ لأنّه غير ملمّ بشروط كتابة قصيدة النثر وما تتطلبه من مجهود اضافي في البناء والايقاع وهندسة الأسطر الشعرية وهذا كله يتطلب مهارة فائقة .
– كشاعرة تونسية كيف تنظرين إلى الناقد التونسي. هل يقوم بدوره على أكمل وجه؟
* الناقد التونسي غير مواكب لما يعتمل في المشهد الأدبي عموما من حركية غير مسبوقة إذ نشهد يوميا ولادة عشرات الكتب في شتى صنوف الأدب شعرا وقصة ورواية ونقدا ولا نجد تقييما موضوعيا لهذه الكثرة ولا تناولا مدروسا للبعض منها لقد ظلّ النقد ومازال حسب رأيي يشتغل في مدارج الجامعات ويهتمّ كالعادة بتجارب معروفة وأسماء مشهورة لن يزيدها النقد شيئا يذكر.
– لا جدال في آن المرأة تختلف عن الرجل برقة المشاعر ورهافة الحس. برأي الشاعرة فوزية العكرمي. هل تعد القصيدة التي تكتبها المرأة هي ومضات ونبضات اتية من الحلم ام الواقع؟
* ما تكتبه المرأة مزيج من تفاعلات كيمياوية دقيقة بين الواقع والحلم فالقصيدة مهربها من مجتمع قاس وجاحد ومنافق والقصيدة حصنها الحصين وجنّتها الأرضية التي تستعيض بها عن جحيم الواقع. إنّ مشاعر الأنثى المختلفة وما يميزها من مشاعر الحنان والأمومة ورهافة الحسّ تضفي على كتاباتها الكثير من الصدق والشفافية ويجعل تجربتها مختلفة اختلافا كبيرا عمّا يكتبه الرجل
– يربط الكثيرون الأدب النسوي بحركة تحرير المرأة من سطوة الذكورية. برأي الشاعرة فوزية العكرمي إلى أي مدى أثر هذا الفكر في خفوت وقلة الأسماء الانثوية. قياسا للذكورية؟
* طبيعة المجتمعات المحافظة التي تكرّس مبدأ التمييز بين الذكر والأنثى على أساس الجنس لا على أساس الكفاءة والقدرات والامكانيات أضاعت علينا الكثير من الابداع الأنثوي المتوهّج. أنا انتصر لجنسي ولبنات جنسي ثمّ إنّ مصطلح «نسوي» فيه استنقاص من قيمة ما تكتبه المرأة لذلك الأصح هو القول بأدب المرأة وما تكتبه المرأة. إنّ من يحيا لقرون بين الحجب وفي الكهوف لن يرى جمال النور للوهلة الأولى ولن يستمتع بدغدغات الأشعة إلا بعد فترة من الزمن لذلك ظلت كتابات المرأة محتشمة يتمّ الاحتكام فيها للرجل فهو السبّاق حسب عرف المجتمع وبأيديه مفاتيح الابداع والابتكار من هذا المنطلق ظلت المرأة لعقود في تبعية أدبية للرجل فالرجل هو من يقدمها للجمهور ويعطيها تأشيرة الانطلاق.
– أضحى الغموض ظاهرة شائعة في، الشعر الحديث. خلقت فجوة عميقة بين الشاعر والمتلقي. ما سر ملازمته لأغلب التجارب الشعرية الحديثة؟
* ليس الغموض هو الابهام أو الإلغاز. الغموض سحر وربط شفيف بين الدال والمدلول دون تعنّت أو نقصان وحسن توظيف المجاز واختيار العبارة الشعرية وحسن التخلص من معنى إلى آخر. الغموض كلمة سر مفتاحها بين روحين متصافيتين روح الشاعر وروح القارئ فكلّما وفّق الشاعر في إغراء القارئ وجذبه إلى عوالمه أمكنه قيادة السفينة وخوض المغامرة الممكنة مهما اصطخبت الأمواج وتعالت ولابدّ أن نعثر على هذا المفتاح فينا لأنّه مخفيّ باحكام في أرواحنا
– الشاعرة فوزية العكرمي كيف تقيمين المشهد الشعري التونسي الراهن في وسط ما يبدو للمراقب البعيد المحايد اضطرابا او تداخلا؟
* المشهد الشعري التونسي لا يختلف كثيرا عن المشهد الشعري العربي من طغيان الأخوانيات واللوبيات وفق منطق الأقربون أولى بالمعروف ماعدا بعض المهرجانات اليوم التي تحسن اصطفاء ضيوفها وروادها من ذوي المواهب الحقيقية. لقد أضعنا الكثير من الشعر بتصلفنا والكثير من الشعراء بأنانيتنا وغرورنا فاختلط الحابل بالنابل والجيّد بالرديء وصارت عملية النشر لا تخضع لأيّ منطق فالمقتدر ماديا ينشر ما يريد من خزعبلات ودور النشر تشجع على هذا لأنّها دور نشر تجارية بالأساس
– الشاعرة فوزية العكرمي ماهو في رأيك. اسباب ارتفاع نسبة العنوسة بين الشباب والشابات في تونس. وهل تؤيدي حق الرجل بالزواج من مثنى وثلاث ورباع. وهل انت مع الزواج المدني وزواج المسيار وزواج المتعة للقضاء على العنوسة؟
* ارتفاع نسبة العنوسة أمر نسبي في المجتمعات اليوم إذ صارت العنوسة اختيارا يدخل في باب القناعات الشخصية لأسباب يطول شرحها لعلّ ابرزها ارتفاع تكاليف الزواج في ظل مجتمع بنيته الاقتصادية هشّة ويعاني من ارتفاع نسبة البطالة خاصة في صفوف الحاصلين على الشهائد أمّا عن الزواج فنحن في تونس لا نعاني من هذه المشكلة لأنّ المسألة صارت من تقاليد الأسرة التونسية وشمائلها وقد سنّ القانون والدستور ومجلة الأحوال الشخصية ذلك منذ الاستقلال. حتّى إن نظرنا إلى مسألة الزواج في الشرع فلقد حذّر الله سبحانه وتعالى من ذلك بصريح العبارة القرآنية «وإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة» ولن يعدل الانسان مهما سما واجتهد. لذلك تمتاز المرأة التونسية بتحمّل المسؤولية والقوّة والعزيمة وهي سعيدة في امبراطوريتها التي لا يشاركها فيها أحد.