إنّهُ هنا .. في اتجاه الوَحْشَة !

سوسن اسماعيل 
كم أنا شقيّة بدونك يا أبي ….
لا حياة إلا بسخاء روحك التي لا تفارقني طيلة كلّ هذه السنوات، وأنا أتدحرج مارقة من دوائر الأمان، ولم أجتزّ إلاّ الأطلال ..! 
حقولي تحترقُ بنهايةِ مواسمها ولا حصاد إلاّ الخناجر في قصص الفراشات الحاضرة على ظهري …
كلُّ الكتب والجرائد التي طالبتني بقراءتها، وقلتَ لي: هذه هي الحياة يا نرجس .. الاسم الذي ما عاد يشيرُ للورد، قلتَ لي: الحياة كذبة كبيرة فلا تصدقيها .. قبورنا في الأعلى أيّتها الوردة …  
أشتاقُ لكأس الشاي المُعتق والطريقة المُبهرة في إعدادها …. أنا لا أنامُ يا أبي، أنا فقط أرى كوابيس من البشر الذين أداروا ظهورهم ومضوا بدوني .. حتى جنسيتي في ثالوث الحياة استلبوه مني .. 
أرادونا دُمى ثم أحرقونا برماد زورهم ..! 
ما عدتُ أحبُّ المكسرات إلا تلك المخبأة في صندوقكَ الخشبي في سقيفة ذلك البيت .. البيت الذي ساهم في موتك، فأدرتَ له ظهرك وخرجت من يومها مُفارقاً …
سنوات وأنا أتجوّلُ في الطرقات التي تشبهك وتشبهني، باحثة عنك لربما خطأ يعيدُكَ إلينا، كنتُ في انتظار آخر النصائح لآخر العمر، لربما اختلفتْ كلّ الحكاية، ولربما كانت الخواتيم أقلّ بشاعة ..!
أبي …… 
في غيابي أوصيتُ الأحبة أن يزوروا قبرك صباح كلّ عيد، طالما أتخلفُ عن طقوس الشوق المعتادة إليك .. سنوات يا أبي ورسائلي لا تصلُ .. كلّ البيوت غادرها أصحابها وسكتوا عن الأمنيات ..!
ما عدنا نلتقي إلا لنحاربَ وما أكثرَ ذبائحنا، الوطنُ تدنّسَ ترابه، وتحوّلَت شوارعنا إلى إشارات فقط للذئاب ..
أبي …..
ما أضعتُ حذائي الزجاجي ولا تلقفه أمير يدلّه على شرفتي .. تعمدتُ أنْ أغيبَ في وجه المنفى، رموا بجدائلي بعد أن أشبعوها بالطلقات ..
كم تمنينا يا أبي …
أن يكونَ نسلُ الكلامِ ورداً 
وليتَ نيسان كان مبتوراً من أوله ..! 
لكنهم اغتالوا ألفة الفوانيس ..!
علمني الرحيلُ أبي .. أنْ أجدّدَ في قضبان ذاكرتي ..
ما عدتُ أتبين أيّ الدروب هاجرتها، أتذكرُ فقط شارع /الجسرين/ مسارُ طفولتي إليك ..
سألتُ عنك صباح اليوم في مقبرة المنفى ..؟
 حدثوني عن أعمدة تتكسرُ في زواياها .. قرأتُ اختصارات الحرف في صوتك البعيد .. كم أنت بعيد وبعيد وأبيض كالثلج، حدثوني عن الفرح المنهوب من أسمائنا .. عن الفرح الكئيب .. لا شطآن للطمأنينة هنا ..!
الكلُّ يا أبي باتوا يتقنون القنص .. بلادُ القناصين نحنُ .. أراهم كلّ صباح ..!
كلّ الأسئلة المغايرة أعطتنا أجوبة متشابهة، لربما (ساعة الله) أرشدتني متأخراً يا أبي، ولربما لم توقظني من فتنة الغفلة، نُفشي جروحنا سريعاً ولكننا لا نفرضُ عليها الدواء .. الوقت لا ينقذنا ولا هو رهن إرادتنا ..
ما عاد الشتاءُ للعاشقين .. إنّما للغرباء .. حتى بيوتنا حكراً لهم .. المحاحون فقط يسيرون بخطوات من حصى !
كؤوس الوطن لم تتضاربْ إلا على أعناقنا يا أبي …!   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…