نهرٌ من النفاق.. قصة قصيرة

احمد محمود 
هلّا أرحتني وأرحت نفسك ، قول لي مابك ، أنت منذُ وصولك تكلم نفسك ، تارتاً ترفع حاجبيك وتارة تخفضهما ، ثم تلّوح بيدك يمنةً ويسرى ، ما بك ؟ أشفق على نفسك يارجل . 
– البارحة يا صديقي البارحة ! لقد رأيتُ أمراً عجبا !؟ كيف يحدث هذا ؟ والأغرب أنه يحدث فعلاً .
مضى بي العمر وأنا أتقلب بين أسئلة أبحث لها عن إجابات . 
لما ؟ .. لماذا ؟ .. كيف ؟ … من أجل ماذا ؟ … ما هو الشيء الخفي وراء كل هذا ؟… وإلخ .
– يارجل لقد صدّعت رأسي ولم تقل لي بعدُ ما الشيء الذي حدث معك البارحة ، وجعلك تهذي بهذا الشكل ؟ . 
– حسناً ، أسمع : بينما كنت جالساً كعادتي أتآمل سطح النهر الهادي في جريانه ، أتساءل بيني وبين نفسي .
كيف لسطحه أن يتحول لمرآة عاكسة ؟ بمجرد أن يستقبل ضوء النهار ، وكيف يتغير لونه بتغيّر حدة الضوء المسلّط عليه ؟ . ثم يتحول إلى قطعة من الظلام المخيف ! بمجرد أختفاء ذاك الضوء ؟ . 
بينما أنا على هذه الحالة وإذ أرى زورقاً على متنه شخصان يقترب من بعيد ، ما أن وصل الزورق قبالتي وإلى حدود سمعي ، حتى خاطب أحدهما الأخر ، قائلا له : أنظر لهذا الأبله ، يظن أنه بهذا الشكل وبهذه الهيئة سيستطيع الحصول على إيجابات . رد عليه صاحبه : دعه في تيهه يسبح ، ربما لا يدري أن للأقفال مفاتيح . 
أزدادت حيرتي حيرة ، كيف عرفا ما في داخلي ؟ 
أستصرخت عليهما ولكن دون جدوى ، لقد مضيا وأبتعدا . لم تمضي على حالتي تلك هنيهة ، حتى أبصرتُ زورقاً أخر قادم وعلى متنه هذه المرة بضع رجالٍ تظهر عليهم علامات الثراء ، وما أن أصبح زورقهم بمحاذات جلوسي حتى قهقهوا جميعا قهقهة أستهزاء وهم يشيرون بأيديهم نحوي !؟ .
بعدها تتالت مرور الزوارق المحملة بالرجال ، منهم المستهزء ومنهم المشفق ومنهم المستهجن ومنهم المستغرب …!. 
فما كان عليَّ سوى مغادرة المكان كُرهاً . 
من البارحة وحتى الأن ، كما تراني أحدّثُ نفسي وأضرب كفٍ بكف .
– لا عجبَ فيما رأيت ، أنت تحّمل الأشياء أكثر مما تستلزم ، ما رأيته يراه كل متآمل ، العبرة بالنتيجة صديقي وليس فيما جرى ويجري . الفارق هو أنك جالس وهم سائرون ، أنت باقٍ وهم ماضون .
طريق النهر هذا بأتجاه واحد لا عودة له ولا رجعة فيه مهما أستصرختهم . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…

إبراهيم اليوسف

لم يكن إصدار رواية” إثر واجم” في مطلع العام عام 2025 عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، مجرّد إعلان عن عمل سردي جديد، بل ولادة مشروع روائية- كما نرى- تُدخل إلى المشهد الروائي صوتاً لم يُسمع بعد. هذه الرواية التي تشكّل باكورة أعمال الكاتبة الكردية مثال سليمان، لا تستعير خلالها أدواتها من سواها، ولا تحاكي أسلوباً…

عصمت شاهين الدوسكي

الشاعر لطيف هلمت غني عن التعريف فهو شاعر متميز ، مبدع له خصوصية تتجسد في استغلاله الجيد للرمز كتعبير عن مكنوناته التي تشمل القضايا الإنسانية الشمولية .

يقول الشاعر كولردج : ” الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدة … ذلك لأن الصورة المجازية جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة…