يا أيها الموت

خالد إبراهيم 
لعلَّ الإنسان لا يعرف قيمة نفسه ألا بعدما  أن يُهان ، و لعله يقع في أتون تكرار أخطائه ليس لأنه يتقن فلول الإيذاء و التملص من حقيقة الواقع الذي يحتويه ، بل على العكس تماما ، لربما يحاول جرح نفسه تعبيراً مما اقترفته مشاعل ظنونه و حماقة يديه ، و بما أن الفاعل هو الأول و الأخير طاعناً نفسه أولا ، فهذا يعطي انعكاس صلادة الذات اللغوية التي لا تعترف بحدية المرارة ، و الغياب ، هكذا عندما نحاول مراجعة تاريخ حياتنا ، منذ أيام طيش الشباب و مراهقة الزمن علينا مثل البثور النابتة على الوجوه ، إلى أيامٍ لم تعد للحياة لنا فيها أي معنى، ولم تعد  تحتوي أي احتمالية سلسة ، تتوهج مثل وجه الشمس أعمالنا السيئة و أخطائنا التي لم يعد لها مكانٌ نخبئها عن أعين الذين يرواأنهم من صلب الشرف  و الكرامة .
الكرامة و الشرف ، و الصدق و الوفاء ، كم بتُ أكره هذه الكلمات التي لطالما قذفوها بوجهي مرارا و تكرارا ، كأنهم أولياء الله على الأرض  في هذه المجَّرة / الحياة / التي تشبه قفص صدر أخر عجوزٍ مُتعب ، ثمة لونٌ قاتمٌ ، وفاقعٌ للواقعية ، ربما  ينقصنا أشياءٌ وأشياء ومن بينها سر الإله وهي  الحقيقة ، نعم تلكَ المُعلقةِ كحبلِ غسيلٍ في معمعة الماء ، أو في كعب حذاء الله ، الغاطس تحت الماء الماجن ، هكذا الحياة كانت أطهر من لوعة النفسِ المنتشرة في كل الأصقاع ، والتي عكرَ طُهرها ثُلةً من الشياطين المتخمة باغتصاب امرأة ما أو زهقِ روح أطفالً كانوا في يومٍ من الأيام ، بدايةُ أملٍ أو سطرِ ابتسامة ، نعم ولا جدليةً أمام زوابعِ من القرارات الساذجة والمطبوخة في غرفةٍ للإنعاش أسمها الحب الوهمي وعلى نحو خمسين عامٍ من الافتراضات المُغمسة بالآيس الغبي  ببطانيته الموحاة بالممانعة القاتلة ، وهكذا وبكل ترفٍ يجلسُ العجوز وهو يخيطٌ كفنا لموته المُرتقب تارةً ، ولطفولته المُتعبة تارةً ، ثمة أشباح على مفرق الحلم والحقيقة ، يجلسُ أمام عتبة مقبرة ينتظرُ قدوم الذييولد من رحمِ المأساة ، من تحت تراب ملايين الخونة ،  ستخرجُ أصوات كانت حٌبلى بالحياة والحقيقة، حُبلى بالذي كان يريد الغناء والرقص عارياً في شوارع تلك القرية التي أسمها /  الخيال  /
هنا وفي هذا الزُحام المشنوق أمام نافورة العدم ، يتسابق نعش الشَبق الأول والأخير في ضمائر بعضِ أولياء الأمور من الكُتاب العرصات والقوادين ، والخونة ،  وأصحاب الخناجر والبنادق ، ربما نشهدُ عصر الانفلات وطعن الأوجه المُتصارعةِ نحو الأنانية المُطلقة ، لعلها حكمةُ الجري كالوحوش نحو لذة حشحشة البطون ، ولحسِ دماءِ دورات النساء  الذي بات لهم  الترياق الذي يقود إلى الفخامة ، والترنح في مفاصل لغز الزعامة ، ولوعة الفقير ، و الجرير ، لا بد أن حب السلطة  يطغي على الحس الأنثوي ، و الرجولي ، كُلنا خطاؤون ، ويجب بدأ عملية المُحاسبة قبل  سحل السجاد المُتبقي في بهو هذا الدمار  و اِنْقِطَاع الأَمَل ناتجٌ من الخيبة ويجب تعرية الخائب لأنه يتحصن في مكائد الخيانة، غُمُوضٌ يلبسُ هذا الشارع الطويل والمزنر بأولاد المُومِسُ والملاعين ويبقى  السر الدفين لدى ذلك العجوز المُتعب ، وبقوةِ ذلك الشيء القوي الذي بيديه منذ بدء الخليقة وهي  / مِسَلَّةٌ / ، ولا ننسى رَجُلٌ قَوَّادٌ يرقصُ بين الحاضر والماضي وهو ينقاد بسهولة لأوامر الآخرين ،مرتزق جبان ، ومُحاط 
بالدرع المصنوع والمنقوش بأوراق الوهم وأقلام الرزالة، وتستتب نياشينه البراقة في  شدَّةُ الشهوة للجماع / الغُلْمَةُ / 
ليسَ للمسمار مكانٌ غير مكان الروث ، و ذلكَ الخشبُ المستعار الهشُّ ، ما بين أنقاض و انقاض ، لا يتيحُ دفش هذا الإرهاق و الرتقِ ، و لايستبيحُ طعنة الأمسيات من على وجه البوليس المتذمر فوق طاولة مهشمة تنط بين جدران  ضلوعكَ المتكسرة ، عبر كوّةَ الزمن اللاسع المطبوع على زجاج النوافذ و أعين العاهرات الألمان ، و لا ترهات الأباريق المهشمة سحلاً عبر البابونج ، و النعناع البري العفن ، و لا عبر رائحة زنجبيلٍ مغطس بحمض الليمون الفاسد مثل عمركَ المومس و القحب الأفاقُ يا أيها الموت ، فلا بد من سلخ الوجوه بقليلٍ من بول الموتى ، وبعض قطرات مني الحيوانات القادرة على الإنجاب ، لا تستطيع ، بل حاول مرارا و تكرارا ربما تتمكن من  إنجاب أطفالاً كثر ، بعدد النجوم والآلام ، و دموع الحيارى و المخدوعين ، بعدد خيانات رجالات الوطن ، بعدد وحجم كمية البقاء في عالمكَ الأزرق ، يا أيها اللون الثاقب للحياة ،و يا طعنة الله ، و إشراقة شمس العابرين نحو العدم المحتوم بكَ أيها الموت ، أيها الثرثار مثل ريح شتاء ملوث ، أيها الخائن  المدقوق  برمالٍ مثل جمرات جهنم ، يا أيها المشلول مثل وطنٍ مخنوقٌ يا أيها الموت ، الفاقد للكرامة ، و الشرف ، نعم ، تعال نبتسم ، تعال لأقول لكَ أين تكمن الكرامة ، و أين هي بقاء الأدمية  و رماح الأغاني الباقية مثل الله ، هكذا و كل شيء إلى زوالٍ يا أيها الموت الفاقد ذاتكَ ، ذاتكَ المصبوغة بالعار و الفضيحة ، لن يبقَ سوى ذكريات الذين عاشوا سعداء من قبلكَ و من بعدكَ أيها السكران على عتبة جهنم ، لن يبقَ سوى الذين جلسوا قبلكَ في المقاهي و تبادلوا و سرقوا أجمل لحظات  القُبل ، لن يبقَ ألا الذين مسحوا وجهكَ بنعال أحذيتهم و هم ينظرون أليكَ خلسة ،دع عزرائيل يتنقل بين موتاه عارياً ، و لا تكشف عن الأفخاذ و جدران الألسن اللاصقة مثل مادةِ الصمغ العالق على باب القيامة ، و إخفاء كذبتهم الأخيرة ، دثر قحف رأسكَ ، و غطي أنفكَ ، و ضع بأذنيكَ أسفينٍ من السم الزلال ، هكذا بعيداً عن صخب الأغاني ، ليسَ للمسمار مكانٌ يُدق فيه غير عينيَّ أنا يا أيها الموت الجبان ، المُبالغ في مجيئه منذ خراب الأرض و ولادة أدم و حواء ، دع الحياة للذين لا يرون غير عبق أنوفهم ، للذين يتسابقون على إثبات عهر الإنسان و كفى ، لا تكن شاهدَ زورٍ مثل جموع المتخاذلين في جنازتنا المُشتهاة ، تعال و ثبت هذه الأطراف  بالمسامير جيداً ، علق هذه الجثث و افقأ العيون و ابقر البطون ، فلا وقت و لا حاجة لكي تُمهل للخيانة و تعطيها استباقية تكوينها و تدويلها و جعلها ورقةً خاسرة ، مثل صرخة الأنبياء عبر مؤخرة الحيوانات .
كيف نسلق بيض العجز بماء التيه يا أيها الموت ؟ 
نرسم ألواح طفولتنا الحدباء ، و نَعجنُ بالقهر شِتاتَ شيخوختنا العارية و القادمة ، نعم يا أيها الممتلئ بصخب النسيان ، المربوط  خنقاً بأربطة أحذية أهل الكرامة و الشرف ، يا أيها المخدوع منذ ولادته عبر نصلٍ مطعونٍ بالإيدز و الطاعون ، اذهب و حرر المقاهي و كل حانات العالم ، و لطخ شاشات عرضكَ الهزلية بالروث و الجيف ، اسدل ستائر المجيء الأحدب عبر دوامةٍ في كراجٍ للسيارات ، و تفرج على سابقات المواعيد الغرامية لعشاق كانوا هنا و رحلوا ،  وانحت جسور خساراتكَ اللا منتهية عبر الشفق الممدد مثل الأفعى ، و لا تخن ضحاياكَ يا أيها الموت ، تقدم و لا تنسى أن تلبسَ عمامات الشرف و الكرامة ، لأنهم باقون للأبد ، و أنتَ العابر عبر ثقب فضيحة تُسمى أنا ،  دورتموند المتكورة الفارغة مثل طبقٍ من الفضة ، تنساب عبر بريدٍ عابر ، ونهرٍ يحتوي ملايين العشاق ، اللاجئين الزناة القادمين في عصر الحداثة والأنترنيت هكذا بدأت مأساة الكثيرين بعد عام 2014 هذا العام الذي ضخ ملايين العرصات و القوادين و الخونة العراة
و نَعجنُ بالقهر شِتاتَ شيخوختنا العارية و القادمة ، نعم يا أيها الممتلئ بصخب النسيان ، المربوط  خنقاً بأربطة أحذية أهل الكرامة والشرف ، يا أيها المخدوع منذ ولادته عبر نصلٍ مطعونٍ بالإيدز و الطاعون ، اذهب و حرر المقاهي و كل حانات العالم ، و لطخ شاشات عرضكَ الهزلية بالروث و الجيف ، اسدل ستائر المجيء الأحدب عبر دوامةٍ في كراجٍ للسيارات ، و تفرج على سابقات المواعيد الغرامية لعشاق كانواهنا و رحلوا، وانحت جسور خساراتكَ اللا منتهية عبر الشفق الممدد مثل الأفعى ، و لا تخن ضحاياكَ يا أيها الموت ، تقدم و لا تنسى أن تلبسَ عمامات الشرف و الكرامة ، لأنهم باقون للأبد ، و أنتَ العابر عبر ثقب فضيحة تُسمى أنا ،  دورتموند المتكورة الفارغة مثل طبقٍ منالفضة ، تنساب عبر بريدٍ عابر ، ونهرٍ يحتوي ملايين العشاق ، اللاجئين الزناة القادمين في عصر الحداثة و الأنترنيت هكذا بدأت مأساة الكثيرين بعد عام 2014 هذا العام الذي ضخ ملايين العرصات و القوادين و الخونة العراة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…