رشاد شرف
فتحت عيني على الحياة، كان أبي قد بلغ من الكبر عتياً. كنت آخر ثمرة من الزوجة الثالثة بعد ست بنات. ذات مساءٍ قالت لي أمي وهي تمسد شعري، كنت أحلم بولد ولو بعاهة مستديمة! أمي لم تدخل المدرسة يوماً، وكانت تعارض بشدة أن أدخل المدرسة، خوفاً عليَّ من المرض والسقم، دروب قريتنا كانت موحلة في الشتاء ومغبرة في الصيف. تأخرت عاماً عن أقراني وفي السنة التالية ذهبت مع التلاميذ من تلقاء نفسي وأصبح الأمر واقعاً، فضحك أبي الكهل المحب للعلم والتعلم ضحكة طفولية لأنه لم تعد أمام أمي حجة أن تصدني عن التعليم.
لم يمضي أسبوع
على دخولي المدرسة، حتى تعرفت على صديقات وأصدقاء جدد.
في يوم الجمعة زارت إحدى النسوة أمي مصطحبة معها ابنتها الصغيرة والتي كانت معي في نفس المقعد، سررت بلقاءها. أمي كانت تخبز على الصاج وأمها تقرب لها الحطب وتهمسان بصوت لا يسمعه أحد سواهما. أما صديقتي وأنا كنا نلعب بعيداً عن أنظارهن!
النسوة في قريتنا كن حريصات ألا تلعب بناتهن مع الصبيان، لكن صديقة أمي التهت بالحديث ونسيت أمر الصبية التي كانت تلعب مع صبي يكبرها بعام.
ونحن نلعب في زريبة الأغنام، أغلقنا الباب على أنفسنا، اكتشفنا بأنه هناك زفت جاف على حواف الباب فبدأنا نجمعه بأظفارنا وخبئته في طرف ثوبها. فقلت لها دعك هنا ولا تتحركي ريثما أعود. فهزت برأسها ثلاث مرات موافقة.
مسرعاً ركضت إلى أمي وأخذت منها رغيفاً حاراً وعدت إلى صديقتي، فتقاسمنا الرغيف ووضعنا الزفت الجاف على الرغيف ولفيناه، فذاب الزفت عليه وبدأنا نأكله بنهم وأعيننا تراقب الباب.
26.8.2019