جان كورد
من الإخوة والأخوات الذين أقرأ لهم بشغف ومتعة، هو السيد عبد الباقي حسيني، الكاتب الكوردي (النرويجي)، وأحد المسؤولين عن الاتحاد العام للمثقفين والصحافيين الكورد في سوريا، وهذا الكتاب (عكس الطيور) هو الهدية الثانية باللغة العربية، التي أتلقاها منه بالبريد من تلك البلاد الباردة في أقصى شمال عالمنا. وفي الحقيقة فإن برودة الشتاء في أوروبا لم تخفف أبداً من الحرارة التي تبعثها في الافئدة هذه ال12 قصص القصيرة التي كتبها بين عامي 2000 و 2018 وجمعها في هذا الانتاج الرائع. والأستاذ عبد الباقي معروف في الأوساط الثقافية الكوردية منذ زمنٍ بعيد ككاتب ذي حساسيةٍ بالغة في التعامل مع الواقع الذي عاشه في الوطن ويعيشه في المهجر ومع التراث الأدبي الكوردي أيضاً، وله في هذا المجال كتب عديدة ودراسات ومقالات كثيرة، وأجده قريباً جداً من الأحداث الاجتماعية والسياسية في كوردستان التي ابتعد عنها كأي مهاجر آخر، إلا أنه لايزال هناك بوجدانه وعشقه للناس وباهتماماته المتنوعة بما يجري في تلك البقعة من الأرض.
الكتاب الذي يضم هذه القصص المختلفة والمثيرة للرغبة في قراءتها خرج للسوق بأناقة وجودة وقد تم طبعه ونشره لدى دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع في عام 2018 وقدّم له الأستاذ محمد عفيف الحسيني الذي كتب بأن الأستاذ عبد الباقي يذكره بالكاتب القرغيزي جنكيز إيتماتوف والتركي عزيز نيسين لانغماسه في عوالمه بدقائقها وتفصيلاتها ولكنه صارم فيما يسرده ومقتضبٌ في نصه وواضح، وحقاً أوشكت أن أكتب عن الأستاذ عبد الباقي بأنه أشبه بعدسة التصوير الذكية فوجدت أن الأستاذ محمد عفيف الحسيني قد وصفه ب”عين الكاميرا” في مقدمته. وهذه من صفات القلائل من الروائيين والقصصيين.
يتضمن الكتاب الذي رسم لوحة غلافه الأوّل عملاق الفن الكوردي، عنايت عطار، مجموعة قصصية، وهي “الدونجوان، أمل الحب (ضحية الحب)، أزعر قدور بك، الحريق المستمر، جريسكه، الأرملة الصغيرة، “بوزو” من التدين إلى الإلحاد، صاحبة القلب العجوز، صقر الجبال والوديان، فلافل ورقائق الفافل، لا للتكنولوجيا، كازانوفا في كولن.” وفي هذا كله نرى عالمي الماضي والحاضر، وعالم البساطة والحياة المفعمة بالأمل يقابله عالم متقدّم وشائك، بينهما ما يمكن تسميته ب”صعقة الحضارة”، واكتشاف هذا العالم الجديد مثل وقوف ابن البادية لأول مرة على شاطىء البحر، ولا يختلف كثيراً فعلاً عن رؤية الارملة الفتية لجسدها العاري من خلال المرآة، إنه بمجمله العالم السحري الرائع الذي يتوقف عنده الكاتب ليصفه عن كثب، رغم الحسرات والتأوهات التي تصدر من العشاق أو ممن ظنوا أنهم العشاق في هذه القصص، وذلك بلغةٍ عربية لا تكلّف فيها، يمكن لعامة الناس فهم كل ما يبغي الكاتب قوله لهم. إلاّ أنه يدرك عمق البحر واضطراب موجاته فيقود سفينته بهدوء وبفهمٍ عالٍ للواقع من حوله، فتظهر رصانته من أو مقطعٍ في أوّل قصةٍ من قصصه، حيث يكتب في (الدونجوان): “كان (ريبر) يردد العبارة التالية: انتقال المرء من بيئة نائية ومحافظة إلى بيئة حضارية منفتحة بشكل مفاجىء، يدخله في متاهات عدة، ويصعب عليه التأقلم بسهولة مع البيئة الجديدة. بالرغم من أنه كان واثقاً من تحضره، لكن، فهمه للبيئة الجديدة كان فيه شيء من المبالغة، فكان يعتقد أن المجتمع الحضاري المنفتح، يعيش في بيئة دون قيود ونظمـ بإمكان المرء أن يعملمايريد، حراً، دون الالتزام بأي معايير إجتماعية أو أخلاقية…” وهذه الحقيقة ترتدي أثواباً مختلفة، متقنة أدبياً وفنياً، إلا أنها تظهر ناصعة في رحاب هذا القصر الذي تحلّق فيه الطيور من كل نوع وإلى كل صوب، وهي باقية بين عالمين، عالم التشرّد والهجرة، وعالم الحرية الخادعة التي يبحث عنها ابن القامشلي منذ صباه…
إنها قصص قصيرة متنوعة جديرة بالقراءة والترجمة إلى لغاتٍ عالمية مختلفة حقاً.
Facebook: alakurdi2019 kurdaxi@live.com http://cankurd.wordpress.com