التعريف بـ «كتاب فرهاد عجمو الوجداني» تأليف: محمد سيد حسين .

ابراهيم محمود
ممتلئاً بالشعر ومأساته، وبالحياة وملهاتها، غادرنا، ودون أن يفارقنا: فرهاد عجمو الكردي نسَب جنس ٍ وكتابة في حرّ تموز اللهاب 2016، وما كتِب عنه، فيه، وحوله، رغم قلَّته، يشهد على هذا التوأم الشعري- الحياتي. ولا بد أن قارئ كتاب صديقه في الحياة ومنادمة لغته الكردية محمد سيد حسين، وهو بعمره المكدود، وقد أشرتُ إليه، ضمن تعريف سريع بأعماله في 7-10/ 2018، والذي يحمل عنوان ” ذكرياتي أنا وفرهاد عجمو : حِداد  ” Serpêhatiya min û Ferhad Içmo: şînengerî   يتلمس مثل هذه العلاقة. إنما لا بد من التنويه إلى نقطة رئيسة، أراها ضرورية، وهي في وجوب قراءة هذا الكتاب ذي الـ ” 130 ” صفحة من القطع الكبير، وبتجليد أنيق، بعيداً عن أي مرتكز نقدي، فهو وجداني في مجمله .
من هذا المنظور، كما هو العنوان الذي تقدَّمت به، أحاول التعريف به دون أن أخل بمفهوم ” الوجداني ” القائم على شعور بالتعاطف، وإبراز الأسى، وضرب من الرومانسية الشاكية .
في أول التعريف بالكتاب، يمكن التأكيد على مفردة ” حِداد şînengerî” وهي أنها لا تتحمل أي مكاشفة نقدية، لا بل تنحّيها جانباً، ولا تقبل أي نقد لذلك، طالما أنه محمول، ومنذ صفحة الغلاف الرئيسة ” حِداد ” بالشجن الجلي. ففي الحداد، تضيق زاوية النظر، ويُثقَل القلب بالهموم، والذاكرة تلبس لونها الرمادي تجاوباً مع هذا المعْلَم .
سأشير إلى نقطة في البداية، وهي تتعلق بكلمة ” الإهداء ” وفي صفحة كاملة، ففيها يهدي كتابه إلى قائمة كبيرة من المعتبرين جديرين بالإهداء، بدءاً بالمتعدد المواهب والشمائل فرهاد عجمو.
ثم تأتي أسماء أحرار الكون جميعاً، والمناضلين المفتدين بأرواحهم، والمثقفين الفعليين مثل الراحل فرهاد عجمو، ورجال الإعلام والمصورين والسياسيين والناشطين المخلصين…الخ، حيث يتم توصيف كل لائحة اسمية، تحت وطأة الشعور بألم فقْد صديقه والمقرَّب منه الراحل فرهاد عجمو .
وتبدأ لحظة التذكير بالمأساة، وهو يفصح عن شعوره العميق بها، رغم معرفته أن ليس من حي باق في الكون، ويثني عليه وما تميَّز من خصال وثقافة وبعد نظر…الخ ” ص 5 ” .
هذا الحزن يتضاعف، أو يتعمق، وهو يشير إلى قائله، البعيد عنه” كان في تشيك ” عندما رحل إلى الأبد.
لا يخفي مؤلف الكاتب، مسَطّره بقالب وجداني، كما أسلفت، تلك العلاقة المتينة التي كانت بينهما،  وهو يستعيد تاريخها في تسعينيات القرن الماضي، وعمق الرابطة إذ كان الفقيد عجمو يقدّر الكاتب وهو يناديه بـ” العم Apo ” ليناديه، أو يخاطبه هو بدوره بادهة بـ” ابن الأخ Birazî.ص8 “، حيث يفصح عما كان يناقشان حوله في مختلف الموضوعات، وبنوع من التناغم .
ثمة وقائع كثيرة لها صلة بالمجتمع الكردي، بمفهوم السياسة فيه، والثقافة، واللغة…الخ، وما كان لكل ذلك من تحاور بينهما. ودون أن يخفي بين الحين والآخر  إشارات إلى أعمال له، كما في كتابة عناوينه وهي سبعة ” بدءاً من الصرخة الأولى، وانتهاء بالمهد . ص 13 “.
معزوفة الحداد الأولى تبدأ في ” قامشلو: الحِداد ثقيل الليلة . ص 15 “، سطور مترعة بالحزن. وما لهذا الحزن من اعتبار ( كل من يصغي إلى إيقاعات قصيدتك وألحانها، سوف يتذكر في الحال خاني، جزيري، جكرخوين، نامي، تيريج وبالو  صحبة الفنانين الشهيرين محمد شيخو وشَيْدا .ص 16 ).
ذلك ما نتلمسه في النص المكتوب بمناسبة أربعينية رحيله كذلك ” ص 17 “، كما في هذه النبرة الحِدادية بالمقابل ( أي نعم، ياابن الأخ، تستحق، أن تستقبلك السهولُ والجبال، المضايق والبحار، البراري وورود حدائق الفردوس بالأحضان. ص 19 ) .
دون أن يُنسى، ولو للحظة واحدة، أن جمل الكاتب محمد سيد حسين، طويلة إجمالاً، ربما تعبيراً عن حالة نفسية،كما يكتم أنفاسها ويطلقها تنهيدة طويلة وهي مرفقة بالتأوهات والحسرات، ليس في هذا النص الحِدادي، وإنما في عموم نصوص الكتاب.
هذا التعبير المتكرر عن اللوحة، الحرقة، الحنق، نتلمسه في ” قامشلو ” وذلك من خلال لازمة بالاسم نفسه وفي اثنتي عشرة  صفحة ” 22- 33 “، وفي كل محاولة إقلاع بالكرب والأسى، يكون الهبوط بالألم حصيلة ما ابتدأ به. ولا تعود قامشلو مجرد مدينة، وإنما اسم لعموم كردستانه، والمفارقة في الكتابة هذا التأكيد على البكاء، وهو في عمر متقدم، ولعله بدوره بكاء على عمر يتقدم سريعاً، وسط خيبات أمل، وتكون قامشلو أكثر من مكان جامد، إنما روح يناجيها ( قامشلو، سأبكي عليك، سوف أعلن الحِداد على بيت ابن أخي فرهاد ومخلَّديك، سأستنجد بالنجوم كي تبكي هي الأخرى عليك… ومن حق قامشلو كذلك، في أن تبكي من أعماق التاريخ كذلك..ص 23 ) .
وهناك اللحظة النيروزية ” نوروز، ميعاد عشاق الحرية. ص 37 “.
وما يخص الحديث المشترك، والاتفاق المشترك حول دور المثقفين، وكيف يتم التعامل معهم ” المثقفون، شتاء 2001، ص 39 “.
وكما كان الندب والتحسر والنكد في ” قامشلو ” هكذا الحال في ” وطني Welato ” وصلته به ( وطني، من أجلك جعلت من عمري  ثمناً للكلمة…ص 44 ) .
ولعل قصيدته التي نشرها، ولأول مرة في مجلة ” جين ” سنة 1994، وكان قد قرأها للراحل عجمو حيث فوجىء به وبطابعها الشعري، أي باعتباره شاعراً، ولم يكن يعلم بذلك  ” ص 49 “
وكيف كان فرهاد عجمو صديقاً له ومتعايشاً وإياه ومشاركه في لزوم الحرص على اللغة الكردية، فيما كان يفكر ويعيش الحياة في صفحات تترى ” ص 56 “.
ويظل سؤال، علامة استفهام ” لماذا اima ” مستغرقاً صفحات عدة ” صص 60-67 ” كما في ( لماذا لا نستوي معاً ، ولمرة واحدة، مثل سنبلة القمح في مهب نسمة الهواء العليلة الرطبة، أمام وهج الشمس، ولا نقسم برأس بعضنا بعضاً بكل صدق وإخلاص . ص 63 ) 
وما يخص لقاءات في ” ذكريات وألحان لم تكتمل مع الشاعر الخالد فرهاد عجمو..ص 82 “، حيث تتسلسل عناوين فرعية، مثل ” أمسية، شتاء، عشق القلب، مسخرة، اليقظة… “
الكاتب محمد سيد حسين صاحب العشرين كتاباً، وهو بعمره المثقل بالأوجاع وأعباء السنين الفائتة، وفجيعة الآمال المتتالية والانتظار المعذّب لتلك الساعة التي يجد فيه كردستان ذات كيان، يجد كرده وقد تفاهموا وتلاحموا وتراحموا وتناغموا مع بعضهم بعضاً، يكاد يشهر جرحه الروحي ( ها قد بلغت زمناً، بحيث إنه يستحيل علي النوم هادئاً دون دواء..ص 121 ) .
كما قلت في البداية، وكما اقتبست بعض العبارات أو الجمل، أو أشرت إلى بعض العناوين، فإن كتاب الكاتب والشاعر محمد سيد حسين، هو كتاب وجدانيات، وأن قراءته تتم من هذا الجانب، ومن جهة أخرى، فإن الملاحظ في هذا الكتاب، هو حضور ظل الراحل، وصديق الحرف الكردي، والوجع الكردي فرهاد عجمو، من ألفه إلى يائه، حيث تتفاوت عناوينه في مساحاتها الورقية، وتختلف بمحتوياتها، لكنه الاختلاف الذي يبقي وحدة الهدف، كما هي وحدة المبرّر، سمة رئيسة للكتاب. بناء عليه، يستحق الكاتب محمد سيد حسين، وهو الآن يصارع أوجاعه الجسدية وآلام أكثر من علة تتقاسمه من ” أخمص قدميه إلى رأسه “. ألا يستحق تقديراً بذلك ؟
دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…