حب بحجم كردستان : محمد سيد حسين في «الوطن جنَّتي»

ابراهيم محمود
يحاول كاتبنا الكردي محمد سيد حسين، أن يلملم جراحاته، وهي مشدودة إلى هموم كرديته جغرافية وتاريخاً، وتبدو العاطفة بالنسبة إلى رجل في وضعه، وهو مأخوذ بتأملات الطبيعة، وبعيداً عن أي تأطير سائد لدى خرّيجي الجامعات وغيرها، بمثابة موقد ريفي منصوب في الطبيعة، حيث رائحة دخان حطبه، والطعام المطبوخ تمتزجان بأنفاسه، ولا تؤذيانه.
ذاك حاله في كتابه: شعره، أعني به: استرسلاته الوجدانية ” الوطن جنَّتي ” وما يشبه الإبلاغ ” أنينك جعلني أسير الحب “، وبالكردية ” Welat bihuşta mine ” nalîna te kirime dîlê evînê  ” helbest ” “
والصادر سنة 2012، مع التنويه إلى أن محتوياته تنتمي إلى الفترة الزمنية الفاصلة ما بين عام 2009، ومطلع عام 2011، أي حيث اندلعت الأحداث في سورية.
وكما هو شأن جملة إهداءاته في كتبه الأخرى، يتكرر الإهداء ذاته، ليجمع بين كل المنتمين إلى وطنه: ثوريين، كتاباً، مثقفين، مناضلين، معلّمي الحرف الكردي ممن علّموه الحرف في ” الحجْرات ” وغيرهم، حيث ترد أسماء عديدة ممن لهم حضور في المضمار الأدبي، الاجتماعي، السياسي، والثقافي، وأفراد من عائلته، كون الموضوع حباً لذوي القربى أهلاً وخلاناً وذوي مكانة جديرة بالتسمية وأولاده.
سوى أن لي ملاحظة حبّية بالمقابل، وهي أنه كان يفترَض ذكر اسم ” شريكة حياته ” وبتعبير أدق ” رفيقة دربه ” وأسماء بناته، طالما أنه أتى على ذكر أسماء أبنائه، ففي ذلك الحب الأتم، وأنا على قناعة أن كاتبنا يحب بناته كما هو حبه لأبنائه، كما أعرفه عن قرب، ولو لم يكن الوضع كذلك لما ثبتُّ ملاحظتي بالطريقة هذه .
وفي المقدمة، يتحدث عن وجوده في مغتربه التشيكي، مع أبنائه، ولا بد أن وجوده وفي ضوء الأحداث العاصفة في سوريا لعب دوراً في الإسراع بطبع كتاب كهذا، إلى جانب بقية كتبه، وشعوره بالتمزق بين عالمين .
في تأكيده لأهمية الحب في الحياة، لا يستشهد بأحد، إنما تأتي السليقة وخبرة الحياة خميرة خياله وعجينة كلماته، كما في ( أنا على يقين تام أن المرء يمكنه، عبر الحب، مواجهة أشد المواقف قسوة برحابة صدر. ص 10 )، وأن ( الحب في تصوري واعتقادي هو الحياة ذاتها . ص 11 ) .  
كلمات لا تخفي ماوراءها، إنما تتقدم بشفافيتها، وإن كانت الشفافية هذه تنبئ عن توجُّع مما يجري في وسطه، ومن مجافاة قائمة، أو تنافر اجتماعي وخلافه.
كأي رجل مندمج بالحياة، ومنوّع في علاقاته، وتتقاسمه تقلبات كرده، وحسرة الوطن الموعود، فإنه يجد عزاءه ومناجاته في تعابير تبقي الوطن حياً أمام ناظريه ( وطني، لقد ادَّخرت كل أهدافي باسمك في قلبي .ص 17 ).
تالياً، تتسلسل عناوين نصوصه بومضاتها الوجدانية،وتعزيزاً لما بدأ به كتابه: ديوانه، موصولاً في أسلوبه بمن سبقوه من الشعراء الكرد إنما بعيداً عن الوزن أو القافية المعتادة.
كما في ” حب القلب ” :
لم أعد أدري
بأي طريقة
أسمعِك 
صوت قلبي
بأي طريقة أثني عليك . ص 38 
ومقابل هذا التوحد مع حب الوطن، وما في ذلك من رحابة انتشار وامتداد الرؤية، نجد تألماً إزاء من تركوا تأثيراً في كتابته، جرّاء وطأة التفاعل معهم، وهم، كما في ” حب الوضع السياسي “، ومن ينشغلون بذلك، وبمرارة:
إنهم لا يقاربون
العمل السياسي
أن قلمهم قد تصدَّأ
في ” الغمد: القالب ” . ص 93
وما يزيد في وجع المكابدة جرّاء الجاري:
عذراً
في بعض الأحيان
بسبب الوضع السيء نفسه
أكاد أخرج من 
جلْدي
إذ أجدني
دون أهل
دوي مهتم وعمل
أعزل في العراء. ص 94
إنه كلام يكاد يكون يومياً، يتردد هنا وهناك، وهو منثور هنا، ويشكّل نقداً إلى أولي أمر الكرد طبعاً.
الهم السياسي، كما يلاحَظ وبتأثيره المباشر، يشكل رد فعل لا يخلو من رؤية سياسية طاغية عموماً، وحتى لحظة التعبير عن حبه لكردستان، في ” كردستان عنواني “، نجد مثل هذا التصوير:
كردستان
المكان الذي
أشرقت منه الشمس
للمرة الأولى
المكان الذي ضم طليعة الإنسانية
ومنه انطلقت شرارة الحياة. ” 133 “
كلمات لا تخفي حباً بالتأكيد، لكن الصورة الشعرية أعمق وأكثر كثافة. وهنا لا نتحدث عما إذا كان الكاتب الشاعر صادقاً أم لا، تلك مسألة أخرى تماماً، إنما ما يبقي الصورة الشعرية عالقة في الروح. تلك هي المسألة طبعاً .
الكاتب الشاعر متخم بالتحسرات والتفجعات، كما في تكرار سؤاله ” لماذا… ؟ “:
لماذا لم نهرب مرة
من الظلام الأسود . ص 220 
لماذا لم نستو مرة
معاً
مثل سنبلة القمح
في مهب النسيم العليل والرطب
طوع أشعة الشمس
ولم نحلف برؤوس بعضنا بعضاً
بصدق وإخلاص ؟ ص 221
لماذا ناصبنا بني جلدتنا العداء
مثل حجل الشَّرك ..؟ ص 226 .
تلك إشارات سريعة، إلى كتاب يظل شاهداً على كبوات، وصبوات في آن، ومن باب الاهتمام بها .
إنها زفرات كاتب، شاعر، مسكون بآمال وطنه، شعبه، تراثه،وآلامه، دون ذلك، ماالذي يدفع به، لأن ينكبَّ بجراحاته على ورق بارد، أو شاشة أكثر برودة ، ليودعها مثل هذه التأوهات إزاء وطن ممزق، وشعب ممزق، ومعنيين به، ولا أكثر منهم، يزيدون في تمزيقه وتخريقه ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…