حاوره: ماجد ع محمد
إذا كانت وسائل الإعلام وعلى اختلاف منصاتها، تتكفل من خلال البث الحي أو النشرات والبرامج اليومية أو الاسبوعية بنقل الوقائع المفجعة أو المفرحة إلى العالم، فإن الفنان أيضاً ينقل تلك المواجع والوقائع ولكن ليس من خلال الأدوات الإلكترونية إنما عبر حساسية ريشته، ويعبّر بالتالي عما يخالجه كأي فرد من أفراد المجتمع، باعتباره يعايش ويعاني ما يعانيه الآخرون، حيث ينقل من خلال الفن صوراً من آلام الناس إلى الرأي العام الإقليمي أو العالمي، بناءً عليه فإن الفنان السوري الذي عايش المجريات منذ ثماني سنوات ربما كان الأقدر على تصعيد الهواجس ونقل الأحداث من الحالة الآنية لها إلى لوحات فنية تكون أعظم شاهد مستقبلي على مجريات الزمان والمكان، وعمن يجسد الواقع المؤلم إبداعياً من خلال الفنون كان لنا لقاء خاص مع الفنان التشكيلي أحمد محمد كبار.
ـ هل كانت معاناة أبناء البلد الدافع الرئيسي لتفجير مكنوناتك الفنية في الغربة؟ خصوصاً وأنك أقمت بعد انتقالك من سورية إلى تركيا أضعاف ما أنتجته في سورية مِن قبل؟
أكيد الفنان جزء من المجتمع ويتأثر بما يدور من حوله من أحداث محزنة أو مفرحة ويعبّر أكثر عندما يدخل مجريات الأحداث اليومية ويعيشها كأي فرد من أفراد المجتمع، إلا أن الفنان يعمل على إعطاء قيمة إضافية للحدث الذي قد يلفه النسيان، ويؤرخ الوقائع في لوحات فنية لا تموت.
ـ أكان اختيار عنوان “الصرخة” في معرضكم المشترك في مدينتي غازي عنتاب واسطنبول، بمثابة رسالة أُريدَ منها عدم السكوت عما يجري في البلد، وأن يصرخ السوري بأعلى صوته وألا يكتم مواجعه؟
بخصوص معرض “الصرخة” كنا وقتها في بداية النزوح، ونعيش الحالة المؤلمة بحذافيرها، وشعرنا بأنه ما من أحد كان يريد سماع أصواتنا، فمن خلال الرسم حاولنا “الصراخ” بكل بقوة من خلال لوحاتنا، كلغة بصرية يجيدها أبناء المعمورة ولا يملك الفنان غيره، وذلك عسى أن يسمعنا أحد.
ـ شاركتَ بتاريخ 30/9/2017 في مدينة “غازي عنتاب” بمعرض كان بعنوان “حكايات” فهل كانت لوحاتكم صدى لحكايات أبناء سورية ككل؟ أم عبّرتم من خلال اللوحات كفنانين عن هواجسكم الشخصية فيه؟
معرض “حكايات” كان هدفه تجسيد ما يحمله الفنان من حكايات بداخله، حكايات يُخشى من اندثارها مع تتالي الأيام والشهور والسنين، وفعلاً شاركت بعدة لوحات تحكي قصص مؤلمة وقصص تحاكي ريف مدينتي.
ـ من خلال متابعة مسيرتك الفنية الأخيرة يُلاحظ بأن أغلب المَعارِض التي شاركتَ بها كانت في اسطنبول، فهل لها علاقة بكونك تقيم في تلك المدينة؟ أم أن فضاءها الرحب هو الذي يدفعك للمشاركة بمعارضها أكثر من المدن الأخرى؟
لا أخفيك أن “إسطنبول” مدينة ساحرة بكل ما للكلمة من معنى وحيث يتداخل فيها الحديثُ بعبق الغابر، وكل شيء فيها يدفعك نحو الإبداع، وهي مدينة عالمية، وفيها نشاطات ثقافية أكثر من أغلب المدن التركية.. وطبعاً لأني مقيم فيها أيضا فيكون نشاطي الفني أكبر من غيرها.
ـ أبمقدورك أن تحدثنا ببضعة كلمات عن الرسائل التي حاولتم إيصالها للمتلقي في كل من معرض “مساحات” و”أطياف” و”خواطر لونية” الذي أقيم في اسطنبول، ومعرضي “لمسات” و”ألوان حارة” في غازي عنتاب؟
طبعاً في كل معرض يحاول الفنان إيصال فكرته وإحساسه إلى العالم، ووظيفة الفنان ترجمة ما يجول في صدره من مشاعر، وهو أحد أدوات المجتمع القوية التي تعبّر بسهولة عن أوضاع البيئة التي يعيش، فيها طالما كان الإنسان ابن بيئته.
ـ إذا كان الفن يخاطب شرائح معينة من السكان وليس كل مواطني البلد أي بلدٍ كان، فهل استطعتم نقل حقيقة ما يتجرعه الشعب السوري في الداخل إلى تلك الشريحة من المجتمع التركي التي تزور المعارض؟ وهل كان هناك ردود فعل إيجابية من قِبلهم ونقلوا بالتالي الصورة كما هي إلى المجتمع التركي ككل؟
أظن أننا في بداية قدومنا لتركيا كنا قد خرجنا من مأساة قاسية، وكان يطغى على لوحاتنا طابع الخوف والهروب والتشرد، وصور من الذاكرة التي امتلأت بلون الدم والدمار، فكان لِلَوحاتنا تأثير كبير وكان المتلقي يتفاعل بقوة مع كل ضربة فرشاة.
ـ كنتَ من أحد أبرز المشاركين في معرض “فنانون حول العالم الدولي” ومعرض “قراءة في لوحة الدولي” ومعرض دولي باسم “كلنا تشكيليون” في إسطنبول، أيمكنك أن تحدثنا عن لوحة ما استطاعت أن تعبّر عن محنة الشعب السوري من بين اللوحات التي شاركت بها في تلك المعارض؟
من خلال مشاركتي في بعض المعارض الدولية ومن خلال مشاركة الكثير من البلدان فيها كنتُ أشارك بلوحة من تاريخ وفلكلور بلدي، أو حالة ما تجسد في اللوحة فكرة ورسالة للعالم الخارجي.. مثلاً شاركتُ في إحدى المعارض الدولية بلوحة اسمها السلام، وجسّد في اللوحة رسمَ فتاةٍ تحمي حمامة السلام وتبعدها من بلد كان ينعم بالأمان، وما كان خروجها من الإطار إلاّ محاولة منها لإنقاذ رمز السلام، ولكن عينها إلى الداخل، وإلى ما يربطها ببلدها من شجرات الزيتون والحقول والجبال وتراصص البيوت بقريتها وفي نظراتها تستطيع أن تفهم ما تريده وهي الرجوع إلى ذاك المكان.
ـ هل لكَ أن تحدّثنا عن الفكرة الجوهرية لمعرض “الفن يوحد الشعوب” الذي أقيم في مدينة غازي عنتاب التركية؟ وما الذي تم التركيز عليه في المعرض؟
من خلال المعرض الدولي “الفن يوحد الشعوب” كانت رسالتنا تحطيم قواعد الحدود التي صنعها يد الإنسان لفصل الشعوب عن بعضها، وحيث من خلال الألوان نستطيع توحيد الأفكار وتوحيد ما يطمح إليه شعوب الأرض قاطبةً، وتستطيع اللوحة إيصالَ الفكرة والمغزى بسهولة إلى عقل وقلب المتلقي لأن الفن التشكيلي لغة يستطيع الكل فهمها والوقوف عندها.. وحاولنا أن نوحّد الشعوب ونصلح ما خرّبه الساسة والحكام.
ـ بما أنك من أبناء منطقة عفرين فهل كانت عفرين حاضرة في كل معارضك الفنية؟ أم غابت عن بعض بعضها فيما حضرت بقوة في أخرى؟
طبعاً الفنان ابن البيئة وعليه تجسيد كل ما يراه من المحيط الذي هو فيه ويرسم ما يجول بخاطره، وتكون لوحاته رسائل من المجتمع والبيئة، ويكون هو رسول المجتمعات للخارج، وأكثر ما رسمت من لوحات كانت عن بلدي بشكل عام.
ـ سؤال أخير استاذ أحمد، أمن الممكن أن تحدثنا بأسطر قليلة جداً عما يختزل تجربتك الفنية من جهة، ومن جهة أخرى تُطلعنا على “الجمعية السورية للفنون التشكيلية” متى تأسست وما هي أهدافها؟
بالنسبة إليّ الفن هي الأبجدية الأولى للإنسان، وبما إني أعيش في الشتات فأنا أحاول ترجمة هذه الأبجدية لإيصال كل مكنوناتي الداخلية إلى الخارج.. وفي الحقيقة تجربتي ليست طويلة جداً، ولكن أثناء الكوارث والمآسي ومن رحم المعاناة يولد الإبداع، والفنان عليه في تلك الظروف أن يعمل كثيراً فالأحداث كبيرة والفنان عليه أن يوثق كل ما يحدث؛ وبالنسبة لجمعية شام، ونحن في الغربة سعينا إلى بناء كيان فني من خلاله نستطيع تجميع كل الفنانين التشكيلين من حولنا تحت هذا الاسم، ونكون نواة فنية، ونقول للعالم بأنه ومنذ فجر التاريخ والإنسان كان في هذه المنطقة أناسٌ مبدعون ولديهم أفكار خلاقة، ولسنا أقل شأنا من الآخرين، وحاولنا الاندماج بالمجتمع التركي، ونعرّفه بطاقاتنا الفنية وكان لنا ذلك، وبالمناسبة جمعيتنا ليست للسورين فقط، ففيها أعضاءٌ كُثُر من الدول الأخرى، وأسسنا هذه الجمعية كي نستطيع إيصال أفكارنا ولوحاتنا إلى كل مكان من خلال العمل الجماعي.
نماذج من اعمال الفنان أحمد كبار: