ابراهيم زورو
عندما تريد أن تقرأ نيتشه بحق، عليك أن تترك نفسك تحت سيله الجارف بوتيرة قد لا تتحمل تياره فيرديك جانباً مكسور الرأس كونك حاولت ذات لحظة أن تمنع السيل وأنت باق في مكانك بدون حراك، فيلسوف يستمع إلى موسيقى المستقبل لفكر اوروبي الذي ترك فترة طويلة الباب مشرعاً على الفكر ولن يغلقه في أي وجه مهما بلغ شأنه في تدمير الثقافة الاوروربية الذي اشتكى منها أنجلس في مؤلفه “انتي دوهرنغ” حول أتفه طالب في قسم الفلسفة لا يحكي إلا بالمنهج!. كان نيتشه مستعماً جيداً لبدايات الفكر حتى في أيامه الأخيرة، ابتداء بفلاسفة الطبيعة في اليونان إلى مثلث هيغل وهو قد حدد معالم العدمية جان بول سارتر ضمن الثقافة الاوروبية!!.
وفي ذلك يكمن أبداع نيتشه ليبدو أهم فلاسفة أوروبا الذي ربط بين الفيزيولوجيا والطب والفكر وتأثير ذلك على قادم الأيام لقارة أعطت للعالم فكراً رغم نقصانه ومشاكله حسب نيتشه، وتأثير ذلك ليس على مستقبل الثقافة الاوروبية فحسب وأنما على الثقافة العالمية أيضاً، ولا اعتقد فوق هذا الابداع أبداعاً يمكن أن يفتخر المرء به، وإذا ما علمنا أن العقل هو بالنتيجة النهائية جزء من الجسد وإن المرض سوف يشكل كارثة على علاقة التفكير بالواقع، هذا النوع من التفكير كان صعباً في تلك الأيام ويمكن أن يحسب علامة فارقة لصالح نيتشه، حيث أن الجنون هو فك ارتباط الشخص مع واقعه وذلك ليس بحاجة إلى البرهان لأي كان، كيف ستبرهن على أن المرض النفسي هو كمرض الجسدي بنفس الدرجة يرميان المفكر على قارعة الوجود جملة وتفصيلاً ولكن لا أحد ينتبه على أنه يعاني من مرض داخلي شفهي كالخيال أو الوهم، بقول واحد أن السيكولوجيا يلعب به دون أن يراه احداً ما، وليس هناك مرض كتابي اي حسي كي يعرف الآخرين أن عليه أن يلتزم بحجرة وجوده وكفى!. حتى أن اي حالة عابرة كزكام أو جوع قد يغير رأيه ويحرف به مآل نظريته إلى ضفاف أخرى بعيدة عن فكر المقالة الذي من أجلها أُبدع!، فما بالك بالحالات الآخرى الأكثر تأثيراً يراوده بين الفينة وآخرى، وكل ذلك يؤثر على الإرادة الخاضع (توقاً الى السيادة)[1] لإرادة المخضوع توقاً على المازوشية كحالة نفسيه وهو أمر مهم عند نيشته.
نيهيل Nihil أو Nihilism أي العدم/العدمية ابتداء من نيتشه وحتى يومنا هذا، تصر بأن العالم ينتهي إلى لا شيء، كطفل سوف يخرب لعبته متى جاء المساء لكي يبدأ بفكرة جديدة ليوم جديد وهلمجرا، هذه العودة إلى العدمية ليس لصالح التراكم الثقافي الذي ينادي به العلم كي يبني مجداً للإنسانية عبر تراكم الإصالة، هذه العودة الأبدية إلى بدايات لا اعتقد أن العقل سوف يكون في مأمن من هذه أوابد التاريخية لأنه لا يستطيع أن يجمع جهول الاشياء مع معلوم الأشياء وهذا ما يربك العقل، وقد نقول في هذه الحالة أن العقل يحبذ فكراً ستاتيكياً! الذي أنقطع عن الحركة وبقي بعيداً يعزف على لحنه الخاص، وهل البراهين والمسلمات التي كانت مدار جدال وحوار والتي زُهقت من أجلها أرواحاً باتت كلها قصصاً للاطفال؟ لا علاقة لها بالواقع بعد الآن! وكأن تلك البراهين والمسلمات أصبحت عائقة أو باتت خثرة لحركة فكر الإنسان وبتره من سياقه؟ كيف بإبداع الذي أصبح مسلمة تاريخية أن تلمسه دون أن تذكر من جعله ايقونة في عالم يكره السكون وهو ضد العقل؟! أو بكلام آخر عندما يستثمر ذلك من قبل السياسيين؟! أليس العقل الفلسفي قد أبدع لبقاء العلم والثقافة من ركائز السلطة السياسية لقمع الآخرين؟! مع العلم أن لكل سلطة هناك فلسفة تحميها وتبرر وجودها لتؤبّد قمعها، فمثل هذه السلطة تبقى خالدة بينما الأشياء الجميلة لها قصار العمر؟! والعدمية تسكت أمامها في مثل هذه الحالات التي تدمر كل القيم إنسانية، ويمكن أن نقول أن العدمية لا تستطيع أن تحارب الفوضى والسلطة كونهما من جذر واحد. على ضوء ما ذكر أليست العدمية أوّلى بالعيش؟ وتدمر كل شيء كون الواقع يؤيد وجودها أكثر من العقل، بمعنى كيف يفسر العقل مشهد نحر الإنسان بسكين داعش؟ أليس هذا فشلاً ذريعاً في قيادة العقل لدفة الحياة؟ أذا رأفنا قليلاً بالعقل على سبيل السخرية: إن الفكر السياسي مقطوع عن الفلسفي، والرياضيات عن الحياة وباقي العلوم النظرية الأخرى؟ وهذا ليس من سلوك العقل أنما بمثابة كابوس له؟. كيف يفسر العقل اعماله عندما يجزء بيد دكتاتور أمي، ليجعل الفلسفة تخضع لمعايير تواجده ويهلل للفكر الحر؟! وبأمكان المرء أن يتساءل ويشكك في قدرة العقل على قيادة المجتمعات الإنسانية، رغم أن الإنسان لم (يستخدم عقله بطريقة عقلانية) كما قيل على لسان أحدهم.
العبثية لم تستخدم العقل بتلك الطريقة التي استخدمتها العدمية، وأنما جعله يدخل في باب الفوضى ولا شيء غير الفوضى، فالعبثية هايدغر تدخل في سياق الفوضى الغير المنظم كأن العقل غريباً عن منطقه وحواره، ويقول حتى أننا نحصل على الوعي بطريقة فوضوية ويكدسه في رفوف لا علاقة لها ببعضها من حيث التنظيم. فإنها ليست عدماً وأنما تكون قريبة من العدم فأنك تحصل على الوعي لتجعله لاوعياً بطريقة ما، فقد يكون العدم هو تدمير منظم لفعل الوعي اما العبثية هي اختلاط الفكر ببعضها لا علاقة لها بالنظام أو طريقة استخدامها من حيث الترتيب، وقد وجدت نفسها بعد الحرب العالمية لتقول لنا هذه هي نتائج عقلكم في ارساء السلام للعالم. هناك تشابه بين هذا الكلام والواقع الكوردي من حيث تنظيماته وأحزابه على الرغم أن التنظيم هو من صلب أعمال العقل والاعداد الحسابية التي هي من تجعل العقل عقلاً والقائمين على اعناق هذه التنظيمات بشر فوضويون بكل المقاييس حتى يخمن المرء أنهم فضلات من القرون السحيقة! نعم هناك قضية محقة وبعمق، ولكن المحاميين هم فاشلين بقدر احقيتها، هنا نستطيع أن نقول إن “انتصاب العدمية” مصطلح نيتشوي عندما أراد أن يسمع موسيقى المستقبل الاوروبي، عبر ربطه بين الفيزيولوجيا والطب والفلسفة، وبدأ يركز على وظائف الجسد والفكر وهو أمر في غاية الأهمية، غلماً لدى الكورد الاطباء قد نجحوا بالغش والمسائل الملتوية، والموظفين المأجورين عملاء! وبعض الأميين لا يرتقون للمستوى، وحتى البعض منهم لا يستطيع أن ينتصب بقامته!. وأذكر في هذا المجال الدكتور نور الدين ظاظا كان خريج العلوم السياسية من جامعات اوروبية فقد تم إزاحته جانباً ليأخذ مكانه أمياً بكل المقاييس، علماً بأن الكوردي العاطل عن العمل هوايته هو تأسيس حزب وكأن الأخير يخضع لقوة عضلاته الجسدية وليس مبنياً على أساس الفكر السياسي النظري الحر، أليست هذه قمة الفوضى والعدمية على اختلافهما؟! على أن الحزب لا يخضع للضرورة التاريخية ووجوده ترف فكري وتسلية مع الفكر الحر ويخضع لمعايير ومزاج السلطة القائمة في تمييع حرية شعباً عانى الويلات من بني قومه أكثر مما عاناه من عدوه المباشر، ياله من عدو شفهي يرسم للمرض الكتابي في مشافي الأمن ومبضعهم في تقليم أظافر الكوردي بالكوردي!!. أو كما يقال بالمصطلح الأمني (اعمل لك سنده)! والسندة تعني أن تكون مثقفاً رغم جهلك، السندة وجبة غذائية تحميك من الجوع في قادم الموقف إن أخذته! ختم على رجولتك لتعيش عبداً لرغبتهم الجنسية طيلة العمر!.
وقد بلغت النبؤءة مع نيتشه إلى: ” أن كل قول في الزمان يجد أصله في وضع الجسد الذي يحمل أثر الماضي وعلامات المستقبل فإن كل التصورات التي تتحدث عن خوارق نيتشه في استشراف المستقبل تصل حد “النبؤة”، هي تصورات مجانية للصواب، لأنها لم تدرك أن نيتشه لم يكن ليحكي ويكتب إلا ما يراه ويسمعه”[2] طبقاً لهذا الكلام فالجسد الكوردي مجبول بالجفاف لعوامل الطبيعية والذاتية والموضوعية منذ خمسين عاماً وهذا الجسد بدا مستعمرة للذباب للأنين والأمراض والأوبئة والخوف، تتفسخ أنسجة الجسد وتتعفن فتنشر رائحة مما يستدعي الذباب الازرق على وليمة الجسد، ومن علامات الشيخوخة، الجلد يصبح رقيقاً كجلد الطفل لا يستطيع حمل عبء ثقله فسرعان ما يجرح لأقل نسمة، ماذا يخبأ لنا هذا الجسد في المستقبل حسب نيتشه سوى الآهات وخيبات الأمل والذي يؤدي به إلى الاكتئاب شديد في المستقبل فعوضاً عن الدفاع عن القضية يصبح الدفاع عن الجسد وربما علاجه يستمر سنوات طويلة وغير قابلة للشفاء، فكيف بصاحب هذا الجسد أن يدافع عن قضية؟! طالما القضية هي الأبدية تستلزمها دماء شابة كي تستفيد من تجارب الجسد قبل أن يشيخ؟! في المستقبل، هذا الجسد بات قديماً لم يعد ينتصب أي جزء منه!!، فمه بات ملتوياً وحركاته أرجوحة أو مضحكة للأطفال وحتى لزوجاتهم، كيف بك ان تحترم هذا المحمول المهزوز، “…فإن كل خلق للمعنى والقيمة إنما منبعه الجسد، وكل ما هو ذهني ليس سوى اللغة الرمزية للجسد، وفي أسمى وظائف الفكر لا نجد سوى وظيفة عضوية وحاجات فيزيزلوجية مصعدة”[3] أبَعَدَ هذا الكلام النيتشوي كلام أو موقف آخر يمكن أن يرأف بتلك القيادات ياترى؟! ناهيك عن صراع الأجيال التي تشعل أوارها بين القوة الشبابية الصاعدة أمام انهماك جسد الشيخوخة التي من الممكن أن تدافع عن نفسها عن طريق احتكامه الشديد للعقل، ولكن على الأعتبار أن العقل هو بالنتيجة النهائية جزء من الجسد، ولكن العقل كالجسد يزبل رويداً رويداً وينحو بأتجاه الموت السريري، لو كان العقل الذي نعرفه مغامراً سوف يهاجم دون أن ينتظر العدو على بيادره وعلى أرضه سوف يناوشه وهو يعتبر كارثة بحق ذاته ونحن نحكي عن العقل الشيخوخي الذي بات على حافة الهاوية والحالة هذه لن يغامر حتى وهو يلهث، ولو كان يعمل بوظائفه ما كان يرضى أن يكون لعبة بيد قوى الشبابية التي تدمر بقوته كما لو أنه لم يكن!.
الجسد الكوردي لا يستطيع أن يتوازن كونه خلق وهو ينتظر إهانته وعذاباته والبحث الدائم عن لقمة عيشه منمهك القوى لا حول له، فمن الطبيعي أن يتفسخ جسده فكيف إذا بلغ العمر به عتياً يبحث عن توازنه فلا سبيل إليه كل هذا لصالحه إما أنه يكذب فهو أمر غير طبيعي أبداً ويحاول أن يصيح على مزبلة الآخرين ضد بني قومه هذا التفسخ الولادي عائد إلى عقله العفن الذي اكتسب نتيجة حياته تحت نير الاستعمار القومي والديني، إذا كان شكله الخارجي عويصاً وبحاجة إلى لم شمله مع بعضه البعض، هذا من الطبيعي سيعكس على داخله، فكيف ينعم بالسلام الداخلي مع ذاته، لو استطعت أن أتجاوز العلم والثقافة لقلتُ لا داخل في داخله!.
اهم ما توقعه نيتشه (هو “أنتصاب العدمية” والحقيقة أن لفظ “العدمية” له أكثر من معنى في مدونة نيتشه، فثمة “العدمية النافية”، وتعني نفي قيمة الحياة باسم قيم عليا (افلاطون مثلاً) وثمة “العدمية السلبية” وتعني نفي القيم العليا وقيمة الحياة ذاتها في نفس الوقت، أي فقدان القيم قيمتها جميعاً، وثمة “العدمية الناقصة”، وهي استبدال اساس القيم الالهي باساس انساني، إنساني جداً، وثمة أخيرا “العدمية المكتملة” بما هي إرادة على سلم القيم السائدة، وإرادة خلق جديدة…)[4] .
ترى كم هذا الكلام ينطبق على الحالة الكوردية فترى الأحزاب الكوردية تنفي أي قيمة للحياة طالما لا وطن لنا يمكن أن يكون الأمر قابلاً للأخذ والرد ولكن هناك خلط بين المفاهيم التي جاءت تتسّيد الموقف بدون ثقافة أو علم، ويتم استبدال القيم العليا المستوى الأدنى وعدا أنهم من المصدريّ الكلام الفارغ الذي لا معنى له أبداً في سياق التفكير الصحيح، كان من الممكن أن يكون اعضاء تلك الأحزاب من المثقفين الذين تقع على عاتقهم تسهيل الطريق على شعبهم عدا أنك لن ترى في برامجهم أي موقف مشجع لأهداف نحو الخلاص من هذا الفقر المدقع والأهم من ذلك أنهم لم يفرزوا بين جبهتي الأعداء والأصدقاء أي ليس هناك تناقض رئيسي أو ثانوي على اعتبار هما مفهومي الحركة في أية نظرية سياسية وهذا ما يفتقده برنامج الأحزاب الكوردية، أليس هذا عدماً بكل المعايير السابقة الذكر عن “انتصاب العدمية” في فكر نيتشه؟! فإذا كانت دزينة الأحزاب الكوردية يتصرفون هكذا وخاصة إذا تم تقييمها حسب مواصفات العلم والثقافة فأنك تعيش العدمية بكل معاييرها وخاصة تخبطاتهم في الوضع السوري؟ منهم يقفون مع النظام ومنهم من يقف مع الأتراك! ومنهم من هرب إلى خارج سوريا، نتيجة قراءاتهم المغلوطة للوضع السوري والأقليمي والدولي؟! للأسف الوضع غير مطمئن نهائياً؟!. وقمة العدمية أنك تشارك النظام في تغيير بنية المجتمع الكوردي رغم كل الأمراض التي تعاونت مع النظام في زرعها، ليس غريباً ان تشاهد حزباً يقاتل بالعناصر الكوردية ويتم زجهم في معركة ليست لهم فيها لا ناقة ولا جمل، ولن تقرأ في برنامجه كلمة الكوردي من البعيد أو القريب! وترى من طرف المقابل البعض يتبجح بكورديتهم ولكنهم يستبدلون التناقض الرئيسي بالثانوي وهذا ما لم يفعله سياسياً واحداً على وجه المعمورة.
“…كن ما أنت عليه…إن مجاورة الانسان ذاته فعالية تقتضي انفتاح المستقبل أمامه، وإن كانت هندسة المستقبل تقتضي بمعنى ما تشخيص الحاضر والإنصات إلى صوت الماضي. إنها فكرة لا يمكن فهمها في حدود العلم الوضعي، وإنما يستوجب فهمها انتظار ما لا يأتي: انتظار علم مرح أو فلسفة قادمة”[5].
المستقبل الذي ينتظر الشعب الكوردي هو مصالح الآخرين في وجودنا، والسؤال الذي يلوح في الافق هو: هل نستطيع أن نجعل وجودنا تخدم مصالحهم؟ مصالحهم الاقتصادية مقابل وجودنا كدولة قومية؟ كما هو حال اغلب شعوب المنطقة على اعتبار أن مبدأ السيادة الوطنية قد ولى، بمعنى ليست تركيا، ايران، عراق وسوريا أحراراً كي يمنحوا الحرية للشعب الكوردي ما لم تكن الدولة الكبرى موافقة على هذه الخطوة والأنكى من تلك الدولة هي التي تحدد حتى مستوى التطور لبقية الأطراف التي هي حول المركز الامريكي الذي يتصرف بعقلية الأمبراطورية الوحيدة في العالم والأخرين لها اطراف وكفى! رغم أن هناك قوى كوردية مؤثرة على الساحة الكوردستانية لا تهمها مصالحها الوطنية بل اعتراف بوجودها كحزب كي يتباهى بين اقرانه أنه هو المركز والباقي اطراف، وحيث أن تلك القوى يجعلنا نشك فيمن أوجدهم اصلاً لأن اعمالها تدل على تصرفاتها الغير الوطنية في جل تصرفاتها، واعتقد قيل على لسان احدهم( إن خطوة العملية خير من دزينة البرامج) فبرامجها في وادي الجهل واعمالها في وادي العدو على اي جهة تميل!.
فمنذ إن وجد العقل بشكل عام كان ضد الفوضى كونه يركن إلى الصمت والسكون لأنهما بيئة ملائمة أو مكان مناسب لينشط فضاء الجدل والحوار وهما ما يدلان على وجود العقل أو هما شرطا وجوده أو قل أنه كماء أمينوسي يحمي العقل لأن يكون، لو كان هذا صحيحاً وهو صحيح برأيّ فيكون الصخب والضجيج عدوان لئيمان له ولا يستطيع العقل أن يصبر طويلاً في تلك الأماكن المؤبوءة، والأمر الذي يزعج كثيراً هو: هل العقل اعتاد تلك الاماكن التي قد أصبحت ممراً أجبارياً كي يعبر وإلا لا مكان له لذا فعليه أن يغادر نفسه أيضاً لا أن يترك المكان للجنون وأنما يبرر وجوده ضمن شروط الجنون ذاته، لأن الأماكن المشارة لها بيئة ملائمة للجنون وعدم المبالاة في أوقات عادية، وكأن العقل يهاجم نفسه! قبل أي عمل أخر، أليس هذا عمل من أعمال العدمية؟ وكلنا نعلم أن العدمية تحارب العقل وتنافسه على مناطق أو أماكن تواجده، ويمكن لهذا السبب عرفت العدمية على أنها حركة الثورية التي حاربت السلطة، الكنيسة والأسرة أيضاً على يد قسطنطين باكونين.