أنثى مع وقف التنفيذ

عبدالباقي حسيني
التقاها آلان في حفلة عرس، كانت مضيئة كوجه القمر، مميزة بفتنتها من بين زميلاتها، عصرية، ترتدي فستانا أنيقا، ألوانه مفرحة و جميلة، قبة الفستان كانت مكورة جداً، تجعل  من نصف صدرها بارزاً منه، من دون أكمام، قصير فوق الركبة، قماشته لم تكن تغطي سوى نصف جسمها. حركاتها و تصرفاتها كانت توحي بأنها انطلاقية، جريئة، منفتحة. هذه المظاهر شجعت آلان للاقتراب منها. سلم عليها و سألها مباشرة عن اسمها. جاوبته بكل جرأة، اسمي شيرين و من عائلة “قوطرش”. ابتسم آلان من اسم عائلتها، وقال: إنها عائلة مشهورة في البلد. ابتسمت هي الأخرى وقالت: صحيح ان الكثيرين من الناس تتهكم من هذا الاسم، إلا أنني أفتخر بأنني من تلك العائلة وأنتسب لتلك الكنية. 
استغل آلان فرصة و جودهما في العرس، فأصبح يقترب منها أكثر ويغازلها في بعض الأحيان من خلال سرده لبعض النكات لها. طلب منها أن ترقص معه، قبلت شيرين بأن تمسك بيده خلال رقصة “شيخاني”، كانا سعيدين في الرقص، يتبادلان النظرات والابتسامات فيما بينهما. قبل أن ينتهي حفل العرس، طلب آلان منها رقم هاتفها لكي يتواصل معها لاحقاً. لبت شيرين طلبه و تبادلا الأرقام فيما بينهما، و أصبحا صديقين على الفيسبوك و تطبيق الواتساب أيضاً. خلال أيام معدودات أصبحا صديقين حميميين من خلال شبكات التواصل الاجتماعي كلها. كانا يتغازلان ويتبادلان النكات والفيديوهات الجنسية الضاحكة فيما بينهما.
في أحد الأيام، طلب آلان ان يلتقي بها في مركز المدينة، اتفقا على المكان والزمان. في المقهى (كافي شوب)، كان آلان في انتظار شيرين، ينتظر بطلَته الجديدة، كان يتوقع ان تكون في أبهى صورها، و بالفعل لحظة ان لمحها و هي تدخل المقهى، اندهش من حسن جمالها و أناقتها. قال في نفسه:
 لم أحظ بصديقة مثلها في حياتي، إنها متطورة جداً، أعتقد ان أفكارها أيضاً في المستوى ذاته. 
ألقت عليه التحية، نادى آلان الكرسون، طلب لنفسه كافي لاتي (قهوة لاتيه) و طلبت هي كابتشينو (قهوة بالحليب)، دخلا في الأحاديث الخاصة جداً، و تكلم كل واحد منهما عن خلفيته و حياته الخاصة. سألها آلان: لماذا لم ترتبطي حتى الآن برجل، كما سمعت منك سابقا أنك أرملة، فمازلت صبية، وألف رجل يتمنى أن يتزوجك!؟ 
تنهدت شيرين بعمق، وقالت: قصتي طويلة، لا أريد ان أزعجك بتفاصيلها، دعك مني. 
أصبح لدى آلان فضول أكثر بأن يعرف السبب. فقال لها: طيب، سأسرد لك قصتي ربما أدفعك بذلك للحديث. ابتسمت شيرين وقالت: ضروري ان تضعنا في الأجواء التراجيدية. دعنا سعيدين، نحتسي المشروبات الساخنة، ونتكلم عن المستقبل. 
رد آلان: معك حق، لكن في قناعتي أنك تخفين حزنا عميقا وراء ابتسامتك و حركاتك و نوعية ثيابك، كأن بك تتحدين نفسك و تتحدين العالم المحيط بك.
شيرين: آه منك يا فضولي، طيب، سوف أقص عليك قصتي، كوني في الأيام المعدودة الماضية اكتشفت أنك صديق حميم، و كما سمعت عنك، أنك تتمتع بصفات حسنة، يبدو انك اشهر من نار على علم ومعروف لدى الجميع.
اسمع يا صاحبي: عندما استشهد زوجي في بدايات الثورة السورية، لم يكن وقتها قد مر على زواجنا عشرة أعوام. كنت قد أنجبت منه طفلين، كنت أحبه كثيراً، كان حقا زوجا و صديقا، بفقدانه، فقدت كل شيء جميل في حياتي. لم أكن أصدق خبر رحيله، خلال الأيام الأولى كنت كالمجنونة، لم أكن أستطيع ان أنظر إلى أي رجل، فخياله كان يرافقني في كل مكان. بعد مرور أربعين يوماً على رحيله، جاءتني امرأة من طرف الأهل، وطلبت مني ان تبقى معي تلك الليلة. بعد ان نام الطفلان، بقينا وحدنا، سألتني: ابنتي، هل لديك الرغبة في الزواج مستقبلاً؟ سؤالها صعقني، وقتها لم أكن مستعدة لسماع هكذا سؤال، و كنت تحت تأثير فقدان زوجي، فأجبتها مباشرة: طبعاً لا، حرام علي ان أتزوج من بعده.
قالت المرأة: إذا سأكون صريحة معك، لدي وصفة خاصة، فإذا قبلت بها، فبإمكاني أن أغلق لك “الصندوق”.
توقفت لحظة و نظرت إليها بشيء من الاستغراب وقلت: ماذا تقصدين بالصندوق؟
كانت المرأة جريئة جداً، قالت: سأضع مادة مختلطة من النباتات على جهازك التناسلي، ستتألمين بعض الوقت وبعدها ستفقدين الشعور بالجنس، طالما أنك حية.
صدم آلان من كلامها وتغيرت ملامح وجهه كثيرا، وقال: و هل قبلت بالأمر، أنت التي يبدو عليك جميع مظاهر التقدم والحضارة، أقبلت بهذه الأفكار البالية والمشعوذة؟ هزت شيرين رأسها وقالت: مع الأسف، نعم. وقتها كنت في عالم لا أشعر بشيء، كانت أفكاري وعقلي ملكاً للآخرين.
آلان: طيب، وماذا حدث بعد ذلك؟
شيرين: بعد مرور عام على رحيله، عشت في عزلة مع أولادي و بعض الأقارب، ساءت أحوالي الاقتصادية، فلم أعد أجد معيلاً لنا. ظروف الحرب في البلد زادت في الطين بلة، وتحول وضعي من سيء إلى أسوأ، نصحني بعض الأقارب بأن أهاجر إلى أوربا، ليكون لي و لطفليَّ مأوى مناسب و مستقبل جيد. وبالفعل بعد فترة وجيزة كنت في أوربا، وها كما تراني أمارس حياتي الآن بشكل طبيعي. 
آلان: و ماذا عن ممارسة الجنس؟
شيرين: تنهدت مرة أخرى وبشيء من التهكم، كما قلت لك سابقا، الصندوق مغلق.
آلان: أمعقول هذا الكلام؟ كما أعرف فقد أصبحت لك فترة جيدة وأنت في أوربا، ألم تتخلصي بعد من تلك الخرافة؟ 
شيرين: بلى، حاولت ان أتخلص منها، لكنني لم أفلح.
آلان: كيف؟
شيرين: قبل أشهر تعرفت على شاب بعمري تقريباً، فهو مقيم هنا منذ فترة طويلة، حاولنا معاً ان نكون عشيقين، عشت معه أياماً حلوة، لكن كلما كان يطلب مني ممارسة الجنس، كنت أرفض. في إحدى المرات بينما كنا عنده في البيت، حاول اغتصابي لأنني كنت على الدوام أرفض الفكرة، فلم يفلح، لأنني صددته بقوة. و من يومها لم نعد صديقين. 
آلان: أمرك عجيب، أعتقد أنك قد وضعت نفسك في حالة نفسية معقدة، فلطالما قبلت بفكرة تلك المرأة الشمطاء، فمازلت تحت تأثيرها. استرسل آلان في الكلام وقال: هل لي أن أجرب حظي معك، ربما أساعدك في التخلص من فكرة “الصندوق المغلق”. 
ابتسمت شيرين وقالت: “غيرك كان أشطر”. لنرى في المستقبل إن كنت شاطراً أم لا.
بعد فترة طلب آلان مرة ثانية اللقاء بها، و دعاها إلى تناول العشاء معا، لكن هذه المرة كان في رأس آلان خطة معينة في ممارسة الجنس مع شيرين و القضاء على كابوسها القديم. كان يقول في قرارة نفسه:
 علي ألا أطلب من شيرين الجنس مباشرة و ألا تكون في كامل وعيها، علي أن أخدرها بطريقة ما لأمارس معها الجنس، وقتها ستتخلص من عقدتها وسترضخ للأمر الواقع.
التقيا ثانية في المطعم، طلب آلان وجبة الطعام و بعض المشروبات الروحية، سأل شيرين: هل أطلب لك أيضاً كأساً من النبيذ الأحمر؟. ردت شيرين وبنوع من التحدي: نعم. فهي امرأة متحضرة، ولا تقبل أن تبدو ضعيفة أمام آلان. 
بدأ بتناول الطعام، بحركة خفيفة وضع آلان حبة مخدر في كأس النبيذ الذي أمامها. بعد ساعة من السعادة والضحك؛ قالت شيرين: أشعر بصداع في رأسي.
قال آلان: إذاً، دعينا نذهب، مارأيك ان أريك شقتي، فهي قريبة من هنا.
هزت شيرين راسها بالموافقة.
أخذها آلان إلى شقته، بعد دقائق معدودات، غرقت شيرين في “نومها السابع”. ألقى بها على السرير، نزع عنها ثيابها و مارس الجنس معها واستلقى بجانبها. بعد ساعات عادت شيرين إلى رشدها، استيقظت وإذ بها بجانب آلان على السرير، مدت يدها بين فخذيها فإذا برطوبة غير طبيعية، و جسمها في حالة انتعاش غير طبيعي. ابتسمت و حاولت أن توقظ آلان من نومه، فتح آلان عينيه وقال: الله على هذا الجمال و على هذا الجسد.
ردت شيرين: أنت شاطر”بالخدعة”، ماذا فعلت بي؟
رد آلان: فتحت الصندوق!.
ضحكا معاً بصوت عال. 
قالت شيرين: كيف خطر ببالك أن “تخدرني” و تحصل على ماتريد؟
رد آلان: لأنني أحببتك، ولأنني أردت أن تتخلصي من عقدتك التي عكرت حياتك، ولأرى هذه السعادة الغامرة على وجهك.
 ضمت شيرين آلان إلى صدرها وقالت: رب خدعة خير من ألف وداد..!. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…