عصام محمد جميل مروّة
أن تبدأ في مشروع الكتابة ليس سهلاً لكى تصل الى إرضاء من سوف يقرأ لك على كافة الاصعدة المتعددة للأدوار الذي يعتمدها الكاتب سواءاً في القصة او الرواية او الحكايات السردية التى يدلو بأراءهِ لكى يُرضى طموحهِ اولاً ومن حولهِ ثانياً لكن الاخطر من كل ذلك هو إيصال الفكرة الى القارئ وان لا تكون مكررة اعتباراً للتجدد المطلوب.
في أواسط شهر شباط الحالى كُنتُ قد تلقيت دعوةً الى حضور حفل توقيع الرواية مناصفةً مع حفل موسيقي اقامهُ “ستيف اوستن” رئيس المركز الثقافي السوري في اوسلو، تضامناً لتسهيل فرصة التوقيع وان تكون المناسبة اكثر حركةً ونشاطاً في تمرير الوقت وعدم دخول المل الى من حضر الندوة والحفلة الموسيقية معاً حيث تخللها عزف الأغاني العربية والكردية كوّن اكثرية الحضور كانوا من الجالية السورية ومن الأكراد.
طبعاً يجب في البداية ان يقدم الاستاذ عبد الباقي حسيني لمحةً عامة او قراءةً يحدد فيها عن محتويات الرواية التي بعدما إطلعتُ عليها وقرأتها من مبدأ المعرفة وحب الفضول والبحث عن اي حديث في لغتنا العربية الجميلة، لكنني لم اعر الأخطاء والسرديات المتكررة حيزاً مهماً حتى لا اصطدم في ان ألاقي التشابه والتكرار في الأبواب المتكونة منها والتي اعتمدها صديقنا مقسما اياها الى إثنتي عشرة قصة ولكل منها زمنها ومكانها وأبطالها.
مثلاً في الباب الاول يحفزُ الكاتب على “الدونجوان”، الذي كان يتنقل في عز شبابه من فتاة الى ثانية في غرور غير مبرر الا في مجتمعاتنا المتخلفة التي ما ان يكون الدونجوان يسودهُ “حب الأنا”، مبنياً على بقايا وشرائح المجتمع الذي يسعى الى تسويق تزويج الصبايا من اول طارق للباب العائلي ضاربين المثل والاخلاق في عرض وسور الحيطان فقط نحو التخلص من الاعباء الأسرية المتجذرة في خرافات تصل الى حد تسمية “المهور حسب النسب” الأتي والفحش في البذخ من جهة الجاني اي العريس، ومن الضحية التي تباع حسب التقاليد والأنظمة السائدة في مناطقنا التي تعاني فقراً وإهمالا فكيف لا والدونجوان يحق لَهُ الأنتقال من نبع نزاز الى نبع اكثر فيضاً حسب الرغبات الجنسية المنغرسة في شباب أهل المال.
امل الحب ،ضحية الحب! باب ثاني، باب يفتح الجروح المتكررة بعد الحروب في منطقتنا العربية وخصوصا الكردية، فها هو يعتمد على باب الهجرة في إستغلال طلب ايادي العرائس اللواتي يجب ان لا ترفضن العروض. ازعر قدور بك باب وقصة لها مواصفات لا تقل عن البلطجية والشبيحة رعباً من أشكال “كفتارو” وعصابته التي تزرع الخوف والرشوة والخوة بين الناس تحت صيغة الحماية او الفرار والهروب من الحارة.
الحريق المستمر، باب اخر او قصة واقعية لكثيرات من النساء المهاجرات اللواتي وصلن الى الغرب والى اوسلو بالتحديد حيث هناك رعاية خاصة للنساء المعنفات من قبل الأهالي والأزواج معاً.
باب جريسكة، صبية في منتهى اليفاعة يطلبها واحدُ من الأغنياء ولهُ اكثر من زوجة حتى لاقت الامرين من ابناء زوجها من سيدات وزوجات أخريات وصولاً الى تقسيم الورثة التى مُنعت جريسكة من حقها الشرعي.
التاريخ والحكايات الشيقة كثيرة عندما نتحدث عن الرغبة الجنسية المكبوتة وسرعان ما نرى بإمكاننا تحقيقها ساعة ما نشاء، ففي الباب الذي يحكي عن “الأرملة الصغيرة” التي ورثت مالاً وفيراً من زوجها المفقود ما فتأت تتوّقُ الى حنينها ومعاشرتها الحميمية العطشى في هيجان ناتج عن رغبةً لا مثيل لها إلا مع من في سنها لإشباع الحاجات، تجدها مع بائع الحليب المتجول في حارات الفقراء، من ما جاء بالحرف في ذلك المشهد ( صحيح ان زوجتي ليست من الجميلات، لكنها تملك بعض “القطع اللحمية” التي ينشد اليها المرء. إنها مغزلية الجسد ،اجمل ما فيها مؤخرتها)،
بعد هُنيهةً سألها هل تريدين اية خدمات اخرى ،أجابت الأرملة وقالت :انت والحليب!.
كما ان باب “بوزو” من التدين الى الإلحاد لستُ بحاجة الى البحث كثيراً لأن التدين إنحرافاً اكثر تعقيداً من الإرهاب والإلحاد.
هناك باب :صاحبة القلب العجوز، كانت الممرضة النروجية تسألها عن تاريخها في بلاد الكرد مع الإثارة الى التحريض على النفور من الزواج والإرتباط.
على ما يبدو من باب “صقر الجبال والوديان” نجدها كأخواتها من القصص الممتلئة حزناً وبؤساً للأجيال المتعاقبة على الفقر المتلاحق.
لم يكن باب “الفلافل ورقائق الفافل” اقل نمطاً عن شخصية الشاب الذي تعقد من موت شخصين حميمين لَهُ كانا قد إختصما على النصف الأكبر بعد تقسيم الساندويش و موت الاخر في حادث مروع بعد سفرهِ في شوارع اوروبا الواسعة.
اما الباب “لا للتكنولوجيا” الذي يحكي من خلاله الكاتب عن مسارعة الأهل الأبناء في مدهم بالفلوس عشية وصولهم الى الامكنة التي لا يعرفونها ولا يعرفوا عن كيفية الإكتفاء بالعيش الشحيح نتيجة عدم الانتاج، مع ذلك الأهل يكررون ويعاودون ويلحون على أرسال المال حتى لو كان مشبوها او غير متوفر.
لو قرأنا باب “كازانوفا في كولن” فسوف نغرق في نرجسية الفنان الذي يرى كل الفتيات عاريات ليس فقط للرسم بل للهو الذي ليس موجوداً إلا لدى كازانوفا الوهمي، لكن على ما قرأته في ذلك الباب الواسع الخيال مع مطلقات، كان كازانوفا المخلص الاول لهم في وحدتهم الموحشة في ليالي اوروبا المعتمة والمتلبدة في الغيوم الغبراء حيثُ كانوا يمارسون الرذيلة وهم يتلذذون مع كازانوفا.
لكن الكتاب ليس كالروايات الاخرى لان مقدمته ِ أتت في مؤخرة الكتاب.
أتمنى ان اكون قد أدليت بصراحة عن موضوعات كان العرب والعجم والكرد تحدثوا عنها مطولاً قبل وبعد النوم، ليس العميق، بل المزمن في احلام اليقظة والخيال.
٢٤/شباط/٢٠١٩