الكاتب إبراهيم محمود بين الوفاء والإبداع

بهزاد عجمو سليفاني
تعرفت على هذا الكاتب في السبعينات من القرن الماضي حيث كنا نحن الاثنان في الثامنة عشرة من العمر بالتحديد فأيقنت بان هذا الشاب الطموح والموهوب سيكون له شأن كبير في الفكر والثقافة الكوردية فكان له إبداعات كتابية وهو في هذا العمر الصغير وأصدر ديوان شعر باللغة العربية ولكن أثناء دراسته الجامعية جذبته الدراسات الفكرية فأبدع وتألق فيها فكبر هذا الشاب وكبرت معه موهبته فأصبح أشبه بالنبع الذي لا ينضب ويشكل مياه هذا النبع نهر الخير والعطاء أو بالأحرى أشبه بالغيث الكثير المنهمر ليلبس الأرض حلة خضراء جميلة وتنبت ازهار النرجس برائحتها الذكية الفواحة وتتمايل شقائق النعمان
 وأن هذا الكاتب في قرارة نفسه منذ الصغر كان يعتقد بان الأنسان عندما يأتي الى هذه الدنيا لا يمر مرور الكرام بل يجب ان يكون صاحب رسالة عنوانها الفكر والمعرفة والثقافة فهل نجح كاتبنا في ايصال رسالته أقول نعم وبكل ثقة أنه نجح وأبلى بلاءً حسناً أخي ابراهيم أقول أخي لأنه هكذا علمنا فرهاد عجمو أمير الشعراء الكورد حيث كان يعتبر أربعون مليون كوردي هم أخوة له بالإضافة لأخوته الستة أثناء مرض فرهاد كنت أزور فرهاد كل مساء وفي أحدى الامسيات عندما زرته قال لي بان صديقك ابراهيم محمود قد زارني وعندما شاهدني طريح الفراش وفي هذا الوضع المأساوي لقد بكى وبكيت معه أخي إبراهيم دموعك غالية علينا مثل دموع فرهاد عجمو وأن دموعك اشبه بدموع شيخ حكيم قد غدر به الزمان لأنك شعرت بان فرهاد باتت أيامه معدودة وأن رحيله هو طعنة في ظهر الشعر الكوردي لأنه سيترك فراغاً كبيراً في ميدان الشعر الكوردي ولا يستطيع أحد على المدى المنظور أن يملئ هذا الفراغ وأيضاً كانت دموعك أشبه بدموع فارس مقدام خسر احدى معاركه الهامه لأنك شعرت برحيل فرهاد خسارة لا حدى معاركك في هذه الحياة معركة الثقافة الكوردية بشكل عام ان دموعك ودموع فرهاد كان دموع العظماء دموع شاعر عظيم ودموع كاتب عظيم قرأت لك يا أخي بعد هذه الزيارة بان أخوة فرهاد لم يكونوا يودون ان يزوره أحد أقول لك وبمنتهى الشفافية هذا الكلام صحيح وأنك رأيت فرهاد وهو في حالة يرثى لها وهو في شبه  غيبوبة وربما أنك الوحيد الذي ذرفت الدموع بينما معظم الذين كانوا يأتون كانوا يأتون ليشمتوا به وخاصة الأقرباء قبل الغرباء وأعتقد بأنك لم تكن ترضى بان يكون فرهاد عجمو شماتة لبعض السفهاء فلهذا أتخذنا تلك الموقف فأنك كنت تعرفه منذ الصغر وكنت تعرف والده عبد الباقي عجمو الشخصية الوطنية المعروفة حيث فرهاد لم يكن يكتب الشعر من أجل المجد والشهرة فقد ترك له والده أرثاً هائلاً من المجد والشهرة بلغ الأفاق وإنما كان يكتب ليخدم شعبه ووطنه بقلمه وشعره وفكرة حيث كان يرى نفسه بانه خادم لهذا الشعب والوطن ولم يكن يحبذ الالقاب أخي ابراهيم في احدى مقالاتك طرحت سؤالاً مفاده لماذا لم تطبع دواوين فرهاد حتى الأن وأنا أيضاً مثلك أطرح هذا السؤال لأن الامر ليس بيدي فلو كان الامر بيدي لطبعت دواوينه كلها بعد رحيله مباشرة أي قبل أكثر من عامين وبالتأكيد ان السبب ليس لأسباب مادية لأنك كما تعلم فنحن من عائلة ميسورة مادياً وإنما هناك أسباب اخرى لا استطيع البوح بها ولكن لن يهدأ لي بال حتى تطبع كل دواوينه قرأت بانك ( وبافي رشيد) قد زرتما ضريح فرهاد فليس من حقي ان اشكركما فكيف نشكر أخوة يزوران ضريح أخيهما وأعتبره موقفاً عادياً من بعض ما تبقى من الأوفياء أمثالكم في هذا الوطن وكنت أود ان تطرح السؤال التالي كم عدد الكورد الذين زاروا ضريح أمير شعرائهم منذ رحيله وحتى الأن لا شك بان الجواب سيكون مفاجئاً لكما لان العدد سيكون قليلاً جداً روى لي أحد أصدقائي الاطباء الذين درسوا في احدى الجامعات الروسية بان في المناسبات يقف الروس في رتل أحادي يقدرون بالآلاف لزيارة ضريح شاعرهم بوشكين وهذا الامر يحدث في كل الدول الأوربية حيث يزور الأوربيين شعرائهم وكتابهم ومفكريهم أما نحن الكورد فعدد الذين يزورون مبدعيهم لا يتجاوز أعداد أصابع اليدين فشتان بيننا وبين الأوربيين وبين الثرى والثريا وقبل ان اختم أود أن احييك على هذه الشجاعة وقدرة التحمل بزيارتك لضريح فرهاد واقول لك بمنتهى الشفافية بأنني لا املك هذه الشجاعة ولا استطيع أن أذهب وأرى ضريحه وان جسد فرهاد الطاهر هو تحت الثرى لأنني اخشى أن ينهار قواي واقع أرضاً وأغيب عن الوعي ولكن بالتأكيد سأزور يوماً ما ضريح فرهاد وذلك عندما يأخذ الله أمانته ويكون ضريحي بجانب ضريح أخي فرهاد وتلك الزيارة ستكون الزيارة الاولى والأبدية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…