كونى ره ش
انفقت كثيراً من الوقت في البحث والاستقصاء بين الكتب المختلفة واجهدت نفسي في السؤال والاستفسار من الشيوخ والعجائز للحصول على معلومات، اعتقدت انها ستكون لي عوناً في إماطة اللثام عن مسألة تخص تاريخنا أو كشف حقيقة من الحقائق الغامضة التي ننسب إليها.. كإضاءاتي حول بلدة جزيرة بوتان والعائلة البدرخانية، هذه العائلة التي تعتبر بحق احدى عواميد الثقافة الكوردية بقديمها وحديثها.. وكم يسعدني ان اكتب عنهم فرداً فرداً، لإنارة الطريق امام الجيل الصاعد وبالتالي ليقتدوا بهم ويسيروا على هدى دربهم الجميل.. وهكذا ارهقت نفسي منذ اكثر من ثلاثين عاماً، عندما كنت شاباً في مطلع العمر ولغاية اليوم.. واليوم، بودي اطلاعكم على الإرث المادي والثقافي للأميرة سينم خان بدرخان من خلال مدرسة الحمراء كنموذج.
المدرسة الحمراء (Medresa Sor)؛ هذه المدرسة أو الجامعة بناها (الأمير شرف خان بن الأمير عبدال خان)، من أمراء (آزيزان)، الذين حكموا إمارة بوتان حقبة طويلة من الزمن، من نهاية انهيار الدولة المروانية الكوردية ولغاية نفي الأمير بدرخان من جزيرة بوتان الى قلعة جزيرة كندية في عام 1847م. بناها من ماله الخاص، على سور بلدة (جزيرة مير شرف)، نسبة إليه، من جهة الغرب، على مقربة من نهر دجلة ووقف عليها أراض وعقارات وقرى كثيرة كقرية عين ديوار، التي كانت إحدى اوقافها..
كانت هذه المدرسة أو الجامعة (الحمراء)، تضم عدداً كبيراً من طلبة العلم الدائمين واساتذة مختصين يدرسون فيها كافة انواع العلوم والفنون الدينية والدنيوية من جميع ارجاء كوردستان، مثل: نحو وحديث وفقه وفلسفة وطب وحساب وتنجيم وميكانيك.. وكان الطلاب يأكلون وينامون على حساب الأمير شرف خان ومن تبعه لاحقاً من العائلة الآزيزية بشكل مجاني.
واليوم، الأميرة سينم خان جلادت بدرخان المولودة في دمشق عام 1938م، بالمنفى والمقيمة بهولير عاصمة اقليم كوردستان العراق. يحق لها المطالبة بإرث عائلتها من الحكومة التركية، بموجب شروط الديمقراطية والقوانين الدولية الخاصة بمثل هذه الأمور، كونها سليلة الأمير شرف خان، باني هذه المدرسة. فهي ابنة الأمير جلادت بدرخان، رائد الثقافة الكوردية الحديثة، ووالدتها الأميرة روشن بدرخان، الكوردية الوحيدة التي ذهبت إلى اليونان عام 1957م، وبيدها علم كوردستان، لتمثل شعبها الكوردي في مؤتمر (مكافحة الاستعمار والعنصرية)، وحفيدة الأمير بدرخان الآزيزي الذي نادى بفصل الدين عن الدولة، عبر مقولته الشهيرة (الدين لله وكلنا أخوة). هذه المقولة التي تناضل من اجلها شعوب الشرق الأوسط منذ سنوات واريقت دماء غزيرة في سبيل تحقيقها، وقيل في وصف عدالته: (العدالة هي بدرخان، بدرخان هو العدالة).