التفاحة

إبراهيم محمود

وبعد يا تفاحة
وبعد، 
وهناك قبْلٌ مبارَكٌ
وبين قبْل وبَعْد
 مسافة تملئينها بإشراقاتك الشهوية السامية
بريئة من كل شبهة طبعاً
لأكرر
وبعد يا تفاحة
حين ولدتُ بمقياسي البشري
ونسيجي الحيوي يحمل دمغتك 
وتحيط بك حالة استئثار من حواء العظمى كما أعرفها أنا
يا لها نظرة عاشقة بعجبها العجاب للحياة
يا لها من يد مبصرة لساعة الاستقلال عن النظر المراقب
أي آدم كان هذا الذي أيقظتِه من تنويم مركَّب؟
ليبتدىء تاريخ لا يتنكر لجميل فضلك الكوني
 بملء روحي أثني عليك
وأنت ملء راحتي
وأنت ملء عينيّ
وأنت ملء قلبي
وأنت ملء تكويني
بملء قدراتي الموجودة
وأنا امتلاء بك حتى اللاتناهي
وأنت امتلاء برهاني حتى إلى ما وراء العدم
وأنت بعريك المرنان
بعريك الذي استدرج الفن إلى خالقه الأوحد
ليكتنه سرّ هذا العري اللامتناهي
عريك المكتنز
عريك الذي يسمّي:
غابات
بحاراً
محيطات
جبالاً
أطالس معلنة وخفية
أكواناً في طي العدَم الآن
لغات 
كائنات
لامرئياً
وأغرب
وأخصب
وأطرب
من كل ما ذُكر
حيث كل كثير باسمك قليل
لأن الرهان على عريك
في الأساس
وليس في عريك ما يخدش الحياء
إلا به لوثة يسقِطها عليك تفقهاً
إلا من يخشى معايشة عريه
وأنت عريك يقود إلى ماوراء المرئي ضمنك
يا خزينة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
لا يد لمست ولا سن طحنت
ولا معدة هضمت
ولا لغة سمّت
بعريك ذي الفصاحة 
كما هي الجارية تسميتها بأنثى
وأنت مثال الأنثى الأيقونة
الأنثى العصية على كل مأهول بذكورة ثُورية/ تيسية/ قطّية…
باسمك وأنت بعريك العالي الجمال 
الذي لا يُسبَر غوره
أرفع صوتي عالياً
وأنا أسمّيك كما أعرف عنك
كما أعرفني بك
وأعرُفك بك لو تكرمت ِ
التفاحة التي أهدتني إلى نفسي
التفاحة التي أوصلتني إلى ما أنا عليه 
التفاحة التي يختلط فيهما ملمس المتعة الفردوسية ومتعة ملامسة الجلد
فتتملك قشعريرة يقظة موقوتة ليعيش الجسد لاتناهيه ولو لثانية
أي لسان خبيء داخلك لتتضمني عصارة تتوقف على اسمك؟
أي عين تقيم في بنيتك الفكهة لتشد كلّية الجسم إليك
بين تكويرتك واليد التي احتضنتك وطاوعتها حباً بها
بين دائريتك والبذرة التي تكبر في الرحم شبيهك
بين كرويتك والكوكب الأرضي
بين صلابتك المشهَّاة ونظيرتيك في الصدر الأنثوي
بين دحرجتك خلل الأصابع وكل ما يماثلك في المكوَّر الجسدي حوائياً
كيف تريدينني أن أتجاهلك
ألا أسمّي تاريخاً كاملاً باسم مذ وجِدت: 
الحكمة اللماحة في تاريخ التفاحة 
وأن أوسّع حدود الكتابة كلما شعرت بنهاية ما
فأنت أعمق من كل عمق
وأنت أثقل من كل ثقل حتى وأنت محمولة
أيتها التفاحة
يا السريعة العطب حساسية
يا المنتحرة عشقاً للفم الجدير باحتوائه
يا شهيدة اسمها الاستثنائي باسم متعال ٍ
يا الرائعة اللون جمال فن لا يساوَم عليه
يا العجيبة بما هو غفْل عنه في اعتبارها الطليعية فواكهياً
يا المفعمة بأسرار تتنفس ما بين السماء والأرض
يا المأهولة بسر إلهي ” كلمة مروره “
اسمك محفور في تلافيف دماغي حتى مذ كانت ” شيت ” البهية “
أنت كما أنت كيفما أدرت وانحدرت وتبينت
لا بد أن واهبك أبقاك فكرة ثم تطبيق فكرة طويلاً طويلاً
وحيث يليق بك أن تكون أهلاً لمناقب تترى
وأن تكوني فوق الشبهات
لك يدي وهي تتوسلك بمجموع أناملها تبركاً بك
لك عيني وهي تنشدك طازجة تتجدد مع كل قضمة
لك فمي وهو يستسيغك استثناء من بين كل بنات نوعك
لك قلبي وهو ينبض طرباً مع كل رشفة عصير منك
لك معدتي وأنت إكسيرها الذي يصلني عبرها بما هو مفارق
يا التفاحة
يا المقيمة في أولمب خيالات كتاباتي
دائمة الحضور أبعد من الذاكرة
فقط أحببت أن أذكرك برؤوس أقلام وجْدي النشوئي الخالص
واسْلمي لمحبك المحرر من التابوات الكابوسية
عنواني
حيث تكونين وأنا أكوكبك داخلي
التوقيع 
الحبيب أكبر من اسمه

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن حديثاً المجموعة القصصية “تبغ الفجر” الشاعر السوري الكردي علي جازو، في كتاب يضم اثنتين وعشرين قصة قصيرة تتنوع بين النصوص اليومية المكثفة والمقاطع التأملية ذات الطابع الشعري والفلسفي.

تتّسم قصص المجموعة بأسلوب سرديّ دقيق، يبتعد عن الزخرفة اللغوية ويميل إلى الكتابة من الداخل. الشخصيات تتحدّث من دواخلها لا من مواقفها، وتُركّز…

خوشناف سليمان ديبو

 

يُعد الأديب والفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي من أبرز وأعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي. فقد أدرِجت معظم أعماله ضمن قوائم أفضل وأهم الإبداعات الأدبية وأكثرها عبقرية. وتكمن أعظم ميزات أدبه في قدرته الفذة على سبر أغوار النفس البشرية، وتحليل خفاياها ودوافعها العميقة. قراءة رواياته ليست مجرد متعة سردية، بل رحلة فكرية وروحية تُلهم…

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…