القصيدة التي تعلّمني

إبراهيم محمود

تعلّمني القصيدة كيف أنصبُ نفسي سماء
والسماء تنصب الطبيعة مهداً لي
والمهد ينصب العناصر الأربعة التي أحتاجها
يبقى العنصر الخامس الذي يجعلني أنا نفسي
فليس لي إلا أن أختارك يا قرة روحي
فتمنحني السماء والأرض برَكتهما
ويحسدنا آدمنا وحواؤنا 
على هذه الخلية الأسَرية القادمة
***
تعلمني القصيدة كيف أحيل الغابة قلماً
والمحبرة نبعاً متحمساً للتدفق
والنبع يدشن عرساً تحضره الأرض والسماء
يدعو القادرُ الذي يحيلني إلى فلذة خيالي
وليس لي إلا أن أزكّيك عروس خيالي
 بليلها العنبري المعتق
ويباركنا الآتي بغد ينضح حيوية غير مسبوقة
***
تعلمني القصيدة كيف أحتضن الشلال بكلتا يدي ويقيني
فيتغنج مثل نسيم مأهول بحلْم طليق
ويستدرجني الحلم طوعاً إلى أعالي نكهته
ياه، يا لبدعة مصيف يتغزل به شلال حميم اللمس
فأطلق العنان للكلمة المجازة روحياً
لأراك سبحان الخالق  أفق يتدفق بالرغبات 
***
تعلّمني القصيدة كيف أنادي الخس يا طازج الذكْر مرحى
وكيف أخاطب الدود بارع الأنفاق في رطوبة الأرض أسعدتَ مرحى
وكيف أنادم الصخرة الغارقة في نسكها بقول: أختاه المتزنة مرحى
وكيف أكسب أصدقاء من الحشرات بكلمة: إيه شركاء الحياة مرحى
وكيف أسمِع الصحراءَ في عزلتها التليدة بمعلّمة الرشْد مرحى
وكيف أشيد ناطحة سحاب للكلاب والقطط الشاردة معاً باسمها مرحى
وكيف أصالح بين المتاهة والطريق المعبَّد بالوضوح وأجازى بمرحى
وكيف أمضي بخيالي إلى حاضنة المجهول تتقدمني لائحة مرحى
لأحسن إبداعك أكثر من ذي قبل بأفق بالغ الكرَم لا ينفد
***
تعلّمني القصيدة كيف أنام فتنتظرني أحلام من شجر اللوز والسكينة
كيف أصحو وينتظرني ضوء كاف لأتعرف على عتمة أناملي جذلاً
كيف أشد التوازن إلى خطاي وتحملني الكلمات إلى صرْفها المستطاب
كيف أعقد مع الجهات اتفاقاً لأشهد ولادة إنسانيّ على شرفها
كيف أقول لعدوّي عند اللزوم الذي لا بد منه سلام، فيوبخه تباهيه أن كفى
كيف أحيل مفردي في لحظة الإشراقة إلى جمع معدّ لأرض فرحة بكائناتها
وأراك ملء ذاكرتي وتاريخي الذي لم أُمْنَحه في حده الأدنى
***
تعلمني القصيدة أن أرى بكامل كياني
فإذا بلاتناهي الكوني يتسلسل أمام ناظري
تتسربل معان من مباهج  تفاجئني بشرفاتها العالية
أشعرني مستحم َّ العمر في أفقها المندلع بالرغبات
أشعرك كما لو أنك تنتظمين في قرارة روحي فأستقر بك
أي هزة أرضية قادرة على زعزعة احتوائي بك بعد الآن؟
وأنا أراك صحبة أنهار مغناجة بلمس جسمك الإكسيري ؟
***
تعلّمني القصيدة كيف أنظر إلى إمطارَك ابتسامة
تسكن إليها العواصف وتغفو سعيدة
تسكن إليها الطبيعة طالما الابتسامة قائمة
جسدي يتسع بي محيط زهو لا يجارى
أشعرك كلمة السر التي لأجلها حضرتني القصيدة
فأسلسل القياد لقلبي كي يستحيل حمامة
تجثم في ظلك السلس ما بقي الدهر
يا… وطناً أنتظره منذ ألف جَد وجد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…