مذكرة اعتقال (قصة قصيرة)

زارا صالح 

شقت السيارة طريقها في ذلك الشارع العريض بسرعة جنونية راسمة خلفها طيف غباراستيقظ فجاة على وقع دوران عجلات منهكة وصدى هدير محرك يئن تحت وطأة استعجال اختصار المسافة، معلناً عن قادم مهمة عاجلة لشخص خسر للتو في لعبة الشدة لينفذ شرطه الجزائي في استحضار ضحية جديدة من حلقة استرخاص حياة الإنسان. بعد أن وصل إلى العنوان المطلوب، ركن سيارته أمام باب المنزل وطلب من عنصريٓ مرافقته الانتظار ثم انطلق بخطى واثقة نحو ذلك الباب الحديدي الأسود، وهو يتحسس شاربه الأسود الغليظ دعكة صبغة منتهية الصلاحية على آثار نيكوتين سنين من التدخين، لتظل منتصبة مثل أشواك القنفذ. 
طرق الباب بقوة لهفة استعجال إنهاء المهمة، لكنه انتظر حوالي الدقيقة التي بدت له وكأنها طويلة إلى أن فتح الباب على صوت زعيق احتكاك المعدن ، لتقع عيناه على رؤية لم تكن في حسابات توقعاته المعهودة. احس برعشة باردة تسري عبر كامل جسده من شدة الخوف بعد أن ارتطمت عيناه برؤية ضخامة رجلين لكائن غريب، وعندما حاول النظر إلى الأعلى، احس بانقباض عضلة حنجرته أفقدته القدرة على الكلام وبدا مرتجفا ثم مد يده إلى جيب بنطاله العسكري ليخرج ورقة ناولها مرتعبا. عندما تصفحها وجد عليها أربعة أسماء مذيلة بعمود طويل من الأرقام تبدوا وكأنها مسودة فوضوية للعبة ورق الشدة،  فاستغرب من الأمر بداية إلى أن أمعن النظر في الوجه الآخر للورقة التي جعلته يتوجه نحوه مزمجرا ” لقد جئت إلى العنوان الخطأ يا عزيزي… أنت في حضرة ملك الموت ” . كان وقع صدى تلك الكلمات مثل سقوط البرق وهي تمزق أشلاء جسده المنهار مسبقاً، ليجد الفرار ملاذاً في تلك اللحظة نحو سيارته مع صوت يلاحقه وعدا بلقاء قريب.
لدى رؤية -يدهم- بتلك الحالة المزرية، هرع العنصران مسرعين لنجدته لكنه أشار إليهم بالقيادة فوراً باتجاه بيته. لاحظوا ملامح غريبة على وجهه ، شحوب مع اصفرار مائل للبياض وشوارب مرتخية وكأنها مكوية، بدا مثل شخص كأنه قادم من الموت. بعد أن أوصلاه لمنزله، عادوا أدراجهم إلى المقر الأمني.
عندما استقبلته زوجته بتلك الحالة، كادت أن تقع مغشية عليها من هول ما رأته. مددت له فراشاً على الأرض وغطته بلحافين كانت تحتفظ بهما منذ بداية زواجهما، لكنه ظل يرتجف ويعجز حتى عن الكلام. ظلت صورة ذلك الكائن حاضرة في مخيلته ولاتفارقه وأفقدته القدرة على النوم وتحول خوفه فيما بعد إلى حالة من الرعب ليظل هكذا ضريح الفراش تلاحقه الأحلام والكوابيس حتى في وضح النهار إلى درجة كان يتجنب فيها حتى إغماض عينيه ظناً منه بأن “ملك الموت ” يظل يراقبه وقد يغافله في تلك الغفوة.. ارتعش من جديد وهو يشدد على عضلات عينيه لتظل مفتوحة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…