آذار و شعلة نوروز هي صرخة المرأة الكردية

أمل حسن

عندما يكون حبُّ الوطن من أسمى صفات الإنسان ، فإنك تتجاوز كل حدود الخجل والخوف ، وتعبر عن ألمكَ الداخلي برفع قلمك ، و بابتسامة حزينة تكتب الأشعار ، و تستقبل الربيع بألوانه الزاهية وجماله ، و تستمتع بأجمل و أروع الأغاني التراثية والوطنية ، ثم نودِّعُ برد الشتاء القارس ، و رغم أن شدتهُ كانت أجملَ وأخفَّ على الشعب الكردي ، وخاصة على المرأة الكردية ، لأن رياح الشتاء استطاعت أن تحافظ على جمال عيون المرأة الكردية ، وسحر نضال الكحل في عيونها الجميلة ، أكثر بكثير من جمال و رائحة رحيق زهور الربيع التي تلمع العيون و تسحر القلوب .
و هنا يندهشُ المرء من الحياة بمختلف فصولها ، و يتساءل كالعاشق و يسأل في قلبه : ما سبب هذا الحب العميق لمطرقة كاوا الحداد و أبناء الإمبراطورية الميدية و العرق الآري و قصصهم في الربيع و شهر آذار مع الأمة الكردية و المرأة الكردية ؟ و دموع أمهاتهم الأبيَّات و الصامدات في قلب التاريخ ضدَّ شقاء الحياة و المستبدين الذين سلبونا صوت و بركة الحياة المجيدة لنحيا كباقي الشعوب .
لأن الربيع يأتي بفصله الجميل إلى البلاد ويطرق الأبواب وتزدهر الحياة ، و معه يبدأ ألم و معاناة شهر آذار بالبكاء و الأنين ، و تحتضن المرأة الكردية الربيع الملون و تقول : من روحها الحزينة ، و مع بداية فصل الربيع ، نأمل أن يحمل لنا الدواء والفرح والسعادة ، ما زال جمالنا أسودا ، فلتكن شعلة نوروز و شمعة آذار ربيعاً مليئاً بالحب والأمان ، و ملجأ يحمينا من غدر الزمن وظلم الطغاة الذين يحتلون أوطاننا ، لأننا هاجرنا إلى كل أنحاء العالم ، و لا يوجد ملجأ يحمينا و يحتضن جراحنا من جديد ، فأرضنا محتلة و وطننا جريح ، و كل ما في داخلنا يصرخ و يصيح ، حتى شجرة الزيتون المقدسة لم تسلم من الذين اجتاحوا مدننا و قرانا .
ففي مدينة جنديرس الجريحة التي توالت عليها المصائب واحدة بعد الأخرى بعد كارثة الزلزال ، تهتز أرضها من جديد تحت الأقدام ، بسبب فظاعة الجريمة الجديدة التي ارتكبها المجرمون بحق طفل عفريني ، حيث قاموا بطعنه بأكثر من عشر طعنات ، فقتلوه و رموا بجثته الملائكية في بئر عميق ، ليخفوا آثار جريمتهم القذرة ، و آذار السنة الماضية لم يقل إجراماً و سفكاً لدماء العفرينيين على يد المجرمين ، حيث قام الأشرار بتوجيه نيران أسحلتهم إلى صدور أربعة رجال من عائلة الپشمرك المناضلة ، فقتلوهم جميعاً بدم بارد ، لأنهم كانوا يشعلون الشموع في ليلة عيد النوروز ، فارتقت أرواحهم إلى السماء لينمضموا إلى قوافل شهداء كردستان .
هكذا يحاول الأعداء في عفرين الجريحة و جنديرس الشهيدة طمس الهوية الكردية و روح الكردايتي في صدور أبنائها الكرد الذين يتحملون كل المظالم في سبيل التمسك بأرضهم و عدم تركها للمرتزقة .
وهنا أعتقد أن علينا أن نتوقف ونسأل أنفسنا، رغم كل ما قلناه : لماذا نتطلع إلى الربيع و شهر آذار ؟ لأن شهر آذار بداية الربيع و الحياة الجديدة ، و هو أحد الأشهره الثلاثة الأكثر إثارة واهتماماً للأمة الكردية ، لأنها مليئة بالحزن والفرح والتمرد واليأس، و في كل آذار تأتي موجة جديدة من الخيانة والقتل وسفك الدماء على أيدي غزاة بلادنا ، و بسبب ذلك و مع كل شعلة نوروز ، نحمل قوافل الشهداء على أكتافنا للشباب الكردي الذين لم يفرحوا بزفافهم ، و الآباء و الأمهات يودعونهم برثاء الألم و غضب الشعب ، و الشارع الكردي يغلي ، و يرفع رموز التراث الشعبي كالوسائد المزخرفة التي تزينها أيادي الأمهات العفرينيات ، و تضعها تحت رؤوس الشهداء في مواكب التشييع ، وخاصة في عفرين و غيرها من المناطق الكردية في أربعة أجزاء من كردستان .
أجمل تحية عزة وشرف، مع صوت أجراس الفرح وشموع الألم، لقوة قلب كل امرأة كردية تعتبر نفسها وصرخة حبها للوطن شعلة نوروز في كل آذار  بأفراحها وأحزانها

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…