أحلام خانعة

أحمد مرعان

 
هذا العالم مترامي حدود التمرد والتشرذم والمساومات على القيم والشعارات يتم فيه الاحتفاء بمسميات تشي بظاهرها إلى قمة الروعة والجمال والكمال، لكنها تضمر خفايا شتى على النقيض. عالم  يسترسل في إطلاق نظرياته على الملأ مغطاة بشهد العسل في أواخر الربيع، ليجني محصوله من خبايا الكواراث للشتاء القادم، في حين تطرح فيه السموم على بقايا الأغصان التي ستزهر في قادم الأيام، تحت غطاء القضاء على المن والحشرات وتطهيرها من الآفات ..
هذه المقاسات من المنطلقات تأخذ فعلها الموسمي وتختفي، لكنها تستطرد فريستها للبحث عن مخارج أخرى تنسف الماضي وتراقب عن كثب  محتوى آخر تجني منه ما يبغي قوتا لأعوام أُخرى..
إنها المصالح التي لا تنتهي والضحايا الكثر ..
ترقب مسميات الرقي والتحضر لهو أمر مغرٍ، والباحث عن مستقر تأخذه العبر ويتشوق بحنين ضربة حظ في المعتبر، فالغارق يمتشق الأمل، والجائع لا يفقه حديث الشيخ في المحراب ولا على المنابر في الخُطب، ولا عقاب القوانين في المخفر، ولاحتى قرار القضاة في محاكم القدر ..
سلاح الجناة أفخاخ تنتظر، تتناثر الأشلاء كحبات المطر ويسقي الحرث أينما يقع ستخضر، مناجل الحصّاد مسنونة تقتلع أيما حان وقتها، لا يفرق بين غث وسمين فكلاهما ينفعان كعلف للجاحدين ..
بعض الدروب تنتهي لمواقع الحنين، وبعضها يتواصل بالآخرين، تتجاوز الحدود والمسافات وتلتف على بعضها كالقنب المجدول بحياكة الصانعين، تخيط أفواه المتمردين، وتغزلهم على نول البارعين، وترميهم كبكوبة إلى حين، وما زال النول يراوح في المكان ويستجر إليه خيوط العابثين بالضلالة، ويعلنون الفوز رغم التمرغ بالأوحال والطين، نجواهم فقط سلعة بيد الطاغين، وهم يتفاخرون بالبقاء وتحسبهم منتصرين، وماهم بمنتصرين ..
رشفت ما تبقى من حثالة في قاع الفنجان، قلبتها لأقرأ حظي العاثر في خفايا الدروب والفاصلة بتعاريجها الملتوية تخفي في ضلالة وبلاهة نوايا مبيتة من الساعات الأخيرة لليلة الفائتة لعلي أصطاد سمكة بلا حراشف ومتبلة لأشويها على جمر القلب كالمسقوف في المطاعم، أو حمامة تكاد تفرد جناحيها للتو على أمل الطيران تحمل في عُنقها رسالة الغفران، وأضع بصمة لأحظى بخاتم الحب الذي ينتظرني في مفترق طريق التيه، انتهت أحلامي حينما نهض الحوت خفية وابتلع كل الأمنيات المتناثرة بفضاء الذات، خلدت للنوم من جديد لعلي أجمع أحلاما أخرى أكثر وجدا وبريقا  ..
وتبقى دوامة الحياة ترتدي قميص الندامة بنديم الأرض التي احتلت منذ ليلة زفاف أبي، وتوارثنا الغفلة الموجوعة ما دمنا من نسل الأجداد، وسيتوارثها الأسباط والأحفاد، وتحطم الآلهة الكبرى أي هبل أو بعل يحاول أن يبني الأمجاد، نحن أمة توارثنا الخضوع والخنوع واليأس والانقياد بسلاسل القواد، فلا الماضي يعزينا ولا الحاضر يسعفنا ولا المستقبل يواسينا ..
نحن أمة نائمة على الأحلام، والآخرون يعزفون لنا سيمفونية التلاشي ونرقص على أنغامها بوئام، وتفتح حدود العالم لنا بخصام، ومازلنا نياما ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…