سهرة فضائية

إبراهيم محمود

كل مساء
تنحدر السماء من عليائها
مصطحبة معها رعاياها
 من النجوم والكواكب
تتخذ من عتبة بيتك الكوني
 مهبطاً لها
هناك موسيقا كونية 
صخب أصوات غاية في الغرابة
على وقع هذا الهبوط الفضائي
تبسطين لها طبيعتك المضيافة
السماء تمنح رعاياها حرية
وهي تناديها بـ: يا صغاري وصغيراتي
تنطلق رعاياها 
نجوماً وكواكب نحوك
تزداد منك قرباً
وهي تتمسح بأذيال ثوبك
الذي يمتد إلى ما وراء الأفق
الذي يتفلتر فيه الهواء 
الذي يلطف المكان بشساعته
الهواء الذي يترنح طرباً
 في هذا الهبوط المنشّط له
تنظرين إلى قائمة الرعايا الضخمة
وأنت مفعمة بالسرور 
وملء جنباتك ابتسامات تطربها
في إحدى أذنيك
يتسع الفضي من كوكب القمر
ببروده المنعش
في الأذن الأخرى
 ثمة الدفء الفريد بنوره
حيث تتدلى الشمس
أي قرطين هائلين يتمرجحان
تتناوب البرودة والحرارة
 في الموقع ذي الرحابة
تتقافز رعايا السماء
متنقلة بين الاستحمام في البرودة المنعشة
والاستلقاء في الضوء المشع من الشمس
أي لذة تتملكها وهي بأوضاعها تلك؟
تناديك رعايا السماء بأسماء مختلفة:
دادا
خالة
عمة
ماما
البعض منها باسمك كما هو:
الأرض
تنظرين إليها بخفة روح عالية
بقلب يحتضنها
تعرفين جيداً أن مهبطك فرصة ثمينة لها 
للتعارف
وعقد لقاءات
تقرّبها من بعضها بعضاً
وهي تمارس حركاتها طفولية المقام
وهي تتشقلب على صدرك
أو تتمرجح 
على كامل راحتيك المنبسطتين
أو تزدحم
 على المدى الواسع لصدرك
ساعية إلى فتْح عراه بعبث خالص
تنهرينها قليلاً
أن احذري
لتبعديها عنك قليلاً
فتمضي في ضحكاتها
رغم أنها معمرة
كي تتنفسي  بعمق
وأنت تشملينها 
بنظرات قرابة كونية
تاركة لها ما عدا ذلك
قفزاً
مداعبات بالأيدي
عناقات كوكبية – نجومية
صيحات غاية في التنوع
وأنت كما أنت
بروحك الكوكبية التليدة
تتابعينها
بهدوء جم
تستغربين
كيف لك وأنت بمساحتك المحدودة
قادرة على استيعاب هذه الكثرة اللامتناهية
تدركين في الحال أن الفضل يرجع
إلى رحابة روحك
عراقتك في الضيافة الكونية
دون ذلك 
ما كان لهذه السهرة الفضائية أن تتم
تعلمين جيداً أنه الحب
 الذي يفسر كل هذا التواجد الكوني
وهي تتوزع مرحة في كل جهاتك
وهي تمضي ساعات
لتعود إلى مواقعها
وهي تحمل معها صوراً تذكارية
مرفقة بتلك السعادة التي
 تحمل اسمك
منتظرة ليلة أخرى
وأنت تتابعينها بحب
وتنتظرينها بشوق
وتدركين تماماً
أن كل ذلك لا يحصل
إلا لأن خيالاً غريباً عجيباً
يبعث على الفرح والسرور
من لدن منتم ٍ  إليك
وينبض بحبك هو الآخر
يقف وراء كل ما جرَتْ تسميته
وأنت في الواجهة الكونية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كانت الورشة ساكنة، تشبه لحظة ما قبل العاصفة.

الضوء الأصفر المنبعث من المصباح الوحيد ينساب بخجل على ملامح رجلٍ أنهكه الشغف أكثر مما أنهكته الحياة. أمامه قالب معدني ينتظر أن يُسكب فيه الحلم، وأكواب وأدوات تتناثر كأنها جنود في معركة صامتة.

مدّ يده إلى البيدون الأول، حمله على كتفه بقوة، وسكبه في القالب كمن يسكب روحه…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة” للكاتب والباحث العراقيّ مشهد العلّاف الذي يستعيد معنى الفلسفة في أصلها الأعمق، باعتبارها يقظةً داخل العيش، واصغاءً إلى ما يتسرّب من صمت الوجود.

في هذا الكتاب تتقدّم الفلسفة كأثرٍ للحياة أكثر مما هي تأمّل فيها، وكأنّ الكاتب يعيد تعريفها من خلال تجربته الشخصية…

غريب ملا زلال

بعد إنقطاع طويل دام عقدين من الزمن تقريباً عاد التشكيلي إبراهيم بريمو إلى الساحة الفنية، ولكن هذه المرة بلغة مغايرة تماماً.

ولعل سبب غيابه يعود إلى أمرين كما يقول في أحد أحاديثه، الأول كونه إتجه إلى التصميم الإعلاني وغرق فيه، والثاني كون الساحة التشكيلية السورية كانت ممتلئة بالكثير من اللغط الفني.

وبعد صيام دام طويلاً…

ياسر بادلي

في عمله الروائي “قلعة الملح”، يسلّط الكاتب السوري ثائر الناشف الضوء على واحدة من أعقد الإشكاليات التي تواجه اللاجئ الشرق أوسطي في أوروبا: الهوية، والاندماج، وصراع الانتماء. بأسلوب سردي يزاوج بين التوثيق والرمزية، يغوص الناشف في تفاصيل الاغتراب النفسي والوجودي للاجئ، واضعًا القارئ أمام مرآة تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة مجتمعات جديدة بثقافات مغايرة،…