الرّحلة البشرية الأولى

صبري رسول
انزعج الإله آهورا مزدا من أحد الملائكة المقرّبين إليه «آفري» ذات السّلطة على الأنهار الكبرى، منابعها ومسراها ومصبها، كلّفه بمهمّة صعبة، أوكل إليه مهمة إعمار الحياة في زاوية سيروس، على أقدام طوروس الغربية، قرب ضفاف نهرٍ يسيل أبيض من منبعه، من المرتفعات ويتلّون بالأحمر إلى المصبّ، ثمّ يتّجه غرباً حيث البحر. 
حمل الملاك آفرين رجلاً (آهورو) وامرأته (سوري) من سفوح جودي الغربية، على جناحه الأيمن، طار بهما في الفضاء الشّاسع، حتى وصل آفري قرب سيروس الغنية بالمياه والأشجار، فوضعهما على هضبةٍ كبيرة، تتدفق المياه غزيراً من الصّخور العالية، (قرب ميدانكي الآن). انفتحت أسارير الهضبة، وارتَسمَت بسمةٌ بلورية على وجه النّهر وفي عنق الشّلال؛ أشار الملاك إلى مكانٍ يبعد عن الهضبة 50 كيلومترا شمالاً لبناء معبدٍ للإله على علوٍّ مريح، قرب ينبوعٍ ماء لايرتوي المرء من عذوبته، ثمّ التفتَ الملاك -«آفري» أي الماء بلغة «آهورو وسوري»- إلى الخلف ورجع سريعاً.
 تحيّر آهورو في أمره، فبنى معبداً على ذاك السّفحٍ يقابل شلال النّهر غرباً، يزورانه في الشهر مرة، يطلبان غفران الإله آهورا مزدا. تخلّصاً من الوحدة في عراء هذا الكون، بنى هو وأبناؤه صداقاتٍ قويةً مع كائنات المكان، فاستأنسوا كلباً برّيّا كما روّضَوا شياهاً بريّة صعبة المراس، وفي أحواض مائية استأنسوا مع الشّبوط النّهري، ومن ذلك الوقت حُرِّمَ لحمُ السَّمك الشّبوط على طول مسرى النّهر الأبيض، الأسود، الأحمر. 
شكّل الإلهُ في مخيّلة آهورو وزوجته كهيئة أسدٍ عظيم مهيب، فبنَى أبناؤه تمثالاً للإله من الحجر البازلت الأسود، ليحافظ على النّسل البشري في المرتفعات المتناثرة شرق وجنوب سيروس.
فأصبحت الممراتُ الجبلية بين ميدانكي و«عين دارة» تحت سيطرة آل (أهورو وسُوري) حتى جاءهم النّداء الكبير أيام الطّوفان العظيم- من الإله «إينان» باللغة الكردية الذي يعني «اليقين والإيمان» -لإنقاذ الحياة في سفينة نوح التي رسَتْ بهم ثانية على موطنهم الأول جبال جودي، موطن الشّمس، .
ارتفعت مياه الطوفان حتى غمرت جبال طوروس الغربي، وأحواض عفرين، والمرتفعات الغربية من سيروس، فاستنجد أحفاد أهورو بالإله «آهورا مزدا» من معبدهم وهو يغرق في المياه الملوّنة بالأحمر، فأرسل إليهم الملاك «آفري» ليضعهم في سفينة نوح. دفن الأحفاد تماثيل آلهتهم «إستير وشاويشكا» مع تماثيل الكائنات الأخرى كالأسود والنّمور، في كهفٍ على مرتفع جبليّ، ورتّبوا الألواح الحجرية المحفورة عليها تعاليمهم وتاريهخم وأسماء أبطالهم، وكانت هناك لوحة تضمّ صورة الإلهة «آف- Av» أي إله الينابيع والأنهار، ثمّ صعدوا مع الملاك متجهين إلى سفينة نوح. 
 فانتهت الرّحلة البشرية الأولى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…