على عتبة الأربعين..

هدى سليمان
أعصرُ العمر أمام بابٍ مواربٍ..
أنتظر طفلة دخلت مكتبة المدرسة..
ولم تخرج بعد..
على عتبات الأربعين..
لم تشرق شمس من مغربها..
لم تأفل نجمة..
لم يسقط قمر..
وحدي أنتظر..
وبابٌ ينفتحُ على شخصيات وحكايا:
مراهقةٌ تجلس قبالة نهر..
يقولُ لها فلسفة.. تجيبه شعرا..
تكتمُ أنين دقّاتها..
لأن حلمها لم يعد يسعه..
لأن صدره لم يحتوِ أغنياتها..
تغلق نافذتها على البحر والعصافير ..
تحرقُ في موقد كل رسائلها التي لن يقرأها..
تدفنه في رواية..
وتظنّ.. تنسى..
امرأةٌ بكتبٍ ومشاريع..
تقطف أوراق الأحلام كتفاح طازج..
تسابق وقتا لا يعترف وجهها به..
تسابق الحزن.. والانكسارات..
تركض.. تغني.. ترقص..
نجمةً في سماء..
أمٌ قيد الرحيل..
تمسك بلحمها الحيّ
قطعة من رحمها الحيّ
وتودعه خوفها العميق..
أيها النّازل توًّا من القلب..
يا ابن الدمع والشوق والترقّب:
انتظرتك طويلًا..
لكنْ..
تلك الحفرة لا تتسّع لاثنين..
عصفورة بيضاء..
تلوذ من كل الخيبات بجناحيها..
تصادق المدن..
والبحر..
والطرقات..
تبحث عن وجهٍ وطنٍ..
لأنّ كلّ المدن مرتع لغنائها..
امرأةٌ بقلبٍ هشٍّ..
ويدين جبّارتين..
تودعُ الأهلَ قبرًا..
تشقّ بعصاها بحر إيمانها..
تغرقُ أوهامًا ادّعت ربوبيّة على روحها..
تصنع سفينتها:
من كلّ حلم.. زوجين اثنين..
لقلبٍ واحدٍ أحدٍ..
تفقد عذرية روحها معه..
على عتبات الأربعين..
أتذكر حكايا جدّات لا يعرفن أجسادهن..عن أجسادنا:
“نكبر ونشيخ في الأربعين..
نلوك اللحظات بائتة..
تبرد لهفتنا..
يقلّ حظّنا..
ولو همسنا بهذا الرقم..
يا ويلنا! يا ويلنا!
يأكلنا ذئب العمر باكرًا”..
أتذكر.. خيبات النساء حين تصبح سيوفًا على النساء:
“تموت أرحامنا في الأربعين..
ينطفئ نجمنا..
ونصبح فزّاعات في حقل الوقت..
يتكدّس فينا فراغ اللهفة..
والملل.. والخوف..
نقضم أظافرنا من حسدٍ..
كلما لاح شبابٌ أمامنا..
وتغفو أعيننا على الحسرات..
تهدهد سرير موتنا القادم”..
على عتبات الأربعين..
أقنع وجهي أن يكبر قليلا..
وقلبي أن يعقلَ قليلًا..
ويومي المليء بالمشاريع..
أن يهدأ قليلًا..
وأقنعُ حبيبا مجنونًا..
أنّي لم أجد فيه حقول قريتنا..
وأنّ أفكاره حلوة حلوة..
لكنّ بحري لم يستسغ ماءها..
وأرجوه.. أن يحبني قليلا..
وينساني.. كثيرا..
على عتبات الأربعين..
أرقب شمسًا تعاكسني أكثر..
كلما أودعتها أسراري أكثر..
أقفُ.. والباب الموارب يروح ويجيئ معي..
ومنه خرجتُ أنا..
مراهقة..
عاشقة..
حالمة…
ناضجة..
عصفورة بيضاء..
كاتبةً.. تعدّ موقد العمر..
جمرًا من علومٍ.. وخمرًا من حكايا..
وتلكَ الطّفلة..
لمّا تخرجْ بعد…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تُعتبر الصحافة مرآة تعكس حياة الشعوب وتطورها، ولا يقتصر دورها على نقل الأخبار والأحداث فحسب، بل تتجاوزه لتكون أداة أساسية في بناء الثقافة، وصون اللغة، وتشكيل الهوية.

بالنسبة للشعوب التي لا تمتلك كياناً سياسياً مستقلاً كالشعب الكوردي، تكتسب الصحافة أهمية مضاعفة، إذ تتحول إلى وطن متنقل لمثقفي الأمة ومنبر رئيسي للحفاظ على إرثها الثقافي ونهضتها الفكرية.

وفي…

بنكين محمد
شعبٌ إذا أراد أن يتكلم،
يصمت العالم ليعرف ماذا سيقول.
وإذا أراد أن يغضب…
ترتجّ الأرض تحت أقدام الذين اعتادوا رمي الحصى من قاع الجُبِّ نحو قممنا العالية.يقولون: نشوّه صورتهم
فليجرّبوا.
فالماءُ لا يتسخ من يدٍ غارقة في الوحل،
والجبلُ لا تنال منه صيحاتُ من يعيش في ظلّه.نحنُ قومٌ
لم نتاجر بخوف طفل،
ولم نُسقِط امرأةً تحت سيف،
ولم نُلَبِّس تاريخنا ثوباً ليس…

ا. د. قاسم المندلاوي

توفي يوم الاربعاء المصادف 24 نوفمبر 2025 احد ابرز نجوم موسيقى وغناء الكورد الفيليين الفنان ” خليل مراد وندي خانقيني ” عن عمر ناهز 78 عاما … وبرحيله تخسر كوردستان عامة و خانقين ومندلي وبدرة و خصان ومنطقة كرميان خاصة صوتا قوميا كورديا كلهوريا جميلا في الغناء الكلاسيكي الكوردي الاصيل نسئل الله الباري…

حيدر عمر

الخاتمة

تضمنت الدراسة سبع عشرة حكاية شعبية تنتمي إلى شعوب آسيوية هي الشعوب العربية والأوزبكية والجورجية والكوردية والفارسية والروسية واللاتفية، بالإضافة إلى واحدة ألمانية، وكانت متشابهة إلى حدّ بعيد في الأحداث والشخصيات، التي هي في أغلبها من الحيوانات، مدجنَّة أو غير مدجنَّة، ولكنها جميعاً تنتمي إلى البيئة الزراعية، ما يعني أن جذورها…