وادي الديازيبام للشاعر السوري عبد الرحمن عفيف يلمس الغبار و يقبّلها

  إبراهيم حسو

 لو لم يكن الشاعر عبد الرحمن عفيف من عاموده السورية لقلت انه رجل هندي ساحر يقضي جل أوقاته بين أفاعي الكلمات و يغازل عقارب اللغة دون مخافة أن تلدغه مفردة هنا و مفردة هناك , ساحر جاء من الشمال السوري المغبّر و المطلي بتواريخ مهملة للأشياء و الإنسان و الكون , جاء إلى الجنوب الألماني كي يتعلم إلى جانب حرفته كساحر كتابة حياة إنسان يعيش في حب لم يذق طعمه قط , منذ أن ترك هذا الشاعر بلدته عامودا , وهو يعقب كل خبر يأتيه منها أية حجرة أو لمسة عطر من القادمين الجدد , يكتب عن كل شئ له اثر أو رائحة عن مدينته التي تعوم على سطح كتابه الشعري الصادر حديثا في دمشق عن دار التكوين
(وادي الديازيبام) يلمس الأشياء كالساحر الهندي ذاك ليحّولها إلى أجسام لها روح و دم تحكي و تطير مثلنا , أجساد تنتفض بغبارها الأزلي لتقول بأنها حية ترزق , البحث في أماكن الطفولة المرمية  التي انقلبت في ليلة و ضحاها إلى أراجيح إسمنتية يلهو بها رجال الاسمنت و الحديد, تصوير اثار الضحكات المتروكة على جسر الخنزير و هو يتحول إلى دخان الجرارات الزراعية التي تجّز الأخضر و اليابس في غمضة عين.
(وادي الديازيبام) يأتي بعد كتاب قصصي أصدره الشاعر في بيروت  (الحجحجيك) وفيه خلاصة (ضياعه) و (تشرده) بين عاموده و القامشلي و فيه يسرد الشاعر الحياة الطفولية بين مدينتي عاموده و القامشلي , و سبق أن اصدر الشاعر في 1998 (نجوم مؤلمة تحت رأسي) و 2000 (رنين الفجر على الأرض) و أسس مع الشاعر إبراهيم حسو مجلة ( قلق) في أوائل الثمانينات لم تكتب لها الاستمرارية , مقيم في هانوفر الألمانية و يعمل مترجما في صحيفة النهار اللبنانية بالإضافة إلى ترجمات من والى الكردية.

من أجواء وادي الديازيبام :

أُفتّشُ في جيبي عن رسالةٍ
أُعطيكِ
إنّهُ ليلُ ريفِ عامودا
العرسُ يدويّ في كآبتي
وأشجارُ التوتِ
في الصيفِ الماضي أتينا
على كلِّ ثمارِها
في زاويةِ الشارعِ البعيدِ
كانَ ثعلبٌ صغيرٌ ينظرُ
عيناه كانتا تبرقان في
العرسِ
وتلتهبُ أذناه
من الطبول…
***
لم أجلبْ لكِ منَ الشتاءِ
أيّ ورقةٍ
جلستُ فقط لساعاتٍ مديدةٍ
تحت ظلّ عشبة
في الطريقِ المقفر
إلا من بعضِ الرّيحِ التّعبة
والشتاءُ أيضاَ نسيتُهُ
لم أرَ القمر يعلو
من الغيومِ المتلبدة
ومن الصّحوِ الذي نادى فيه
مؤذّنٌ
– في هذا الماءِ الكثيرُ من المني
في الطلعةِ إلى المسجد
تعرِفُ حتّى الجدران

جيّداً وبحكمة!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…