جدلية النفور والتنافر الكرديتين في رواية الجبال المصائد للكاتب رضوان حسين

ريبر هبون 
:لغة الرواية –
تتميز بوضوحها واسترسالها في رصد المكان وإقامة الحوارات الهادئة ذات المغزى الدرامي الذي يخلق مشاهداً، يبرز أحاسيساً ،
. يفتش عن المغازي في حقبة زمنية محددة
:عقدة الرواية-
هيفي في البداية من ثم حسو ومن خلالهما أبحر الكاتب في رصده للمكان ودماثة من فيه وبساطة الحال ، يقف الكاتب على جملة من المفاهيم الشعبية الخاطئة والتي استقرت في اللاشعور الجمعي للمجتمع ص53 : „مثلاً يقول للكردي هؤلاء الإيزيدية أو
 اليهودية أو المسيحية كفرة وعبدة للشيطان مكانهم جهنم وبئس المصير، ويأتون بآية أو حديث يؤلفونه مباشرة وينسبونه
” لأي فلان
يمعن الكاتب في الإنتقاد المبطن على نحو موارب، رغم وقوعه في المباشرة والوضوح في عرض الأفكار دون استخدام التلميح لها بطريقة لا تتجاوز تقنية القص والحكائية، حيث يشير فكرياً إلى مساؤى العقيدة وأثرها في إشعار المعتنق أنه مختلف بل وأفضل من غيره ، فيصر على أن التعايش السلمي والعمل بمقتضياته ضرورة واعية لابد من تبنيها والأخذ بها في الحياة وإلا
. غاصت البشرية أكثر فأكثر في أوحال الكراهية والتنازع المقيت
يجسد الكاتب روح الكردي الذي يمد يد السلام لباقي المكونات وأصحاب العقائد وينظر لتلك الاتجاهات ولمن يعتنقها نظرة توسطية اعتدالية فهنا تثني ستير اليهودية على إباء وشجاعة منقذها : ص 65 : „قالت ستير : وأنا لأول مرة يناديني رجل
” بأختي ، صدّق يا أخي هي أجمل مناداة سمعتها أخت يكون لها أخ شجاع كريم مثلك
:تجسيد الطبيعة-
حرص رضوان حسين على ترسيخ الطبيعة في مخيلة المتلقي على نحو سلس ، ذكره لتفاصيل المكان ووادي النهر الكبير دجلة، وطبيعة ذلك التنقل الباعث على الخوف والرهبة، اجتياز حواجز الدوريات التركية عبر الجبال والمشي في جغرافية صعبة،
. أحاديث العناصر ممن ارتكبوا القتل والاغتصاب وتباهيهم بذلك ، وعملية حرق البيوت وملاحقة المتمردين
:ملاحظة
 لغة البحث العلمي غالبة على الروح الروائية في مواضع عدة هذا التداخل بين البحث والأدب يذكي على النص هالة معرفية
. تجعل المتلقي يتزود بالمعارف بينما يواكب حيوية السرد الروائي في آن واحد
العلاقات الاجتماعية بين شخوص الرواية قدمت عرضاً مكثفاً  لطبيعة الحياة المعيشة ، يعالج الكاتب قضايا تتصل بعلاقة الرجل التقليدية بالمرأة والتطورات التي تمر بالقرية والشخصيات على نحو تدريجي ، كذلك الشجار الذي كان متمخضاً عن طبيعة ذلك التنافر بين المختار وحسو والذي أسفر بنتيجته عن قصاص مؤلم , ص 116 : انحن أيها القذر “طوبز” وأدر مؤخرتك، فأنت معتاد على فعل ذلك أيها اللوطي ورفع العصا فوق رؤوسهم، لقد نفذوا الأمر مباشرة وأدخلوا ماسورة المسدس
” وصرخ المختار
:محاولة لفهم جدلية التنازع –
يسهب الكاتب في الحديث عن التنازع من أنه سلوك متكرر عبر التاريخ، لاسيما حينما يتم إقحام العقائد فيه، فإنه يبدو بهذه الحالة شرعياً ومقدساً ، لا سيما وإن الأتراك يستفيدون من إثارة تلك النعرات بين العشائر الكردية والكثير يتم استدراجه لذلك بطريقة أو بأخرى، حيث يعزو الكاتب ميل الكردي للتنافر وعدم نشوء كيان خاص به إلى الطبيعة الجبلية تارة وإلى الدين الإسلامي تارة أخرى متناسياً أن ثمة دول لديها ذات الدين وذات التضاريس الجبلية وتمكنت من تحقيق كيان قومي أو دولة قومية خاصة بها كأفغانستان، ناهيك عن ظروف الفقر التي تعيشها ، فنؤكد ميل الكاتب البحثي مجدداً من خلال ذلك الحوار شبه الطويل الذي دار بين حسو ووالده فالكثير من الأقوام من خلال امتطائها للدين تمكنت من استعباد غيرها من الشعوب وتوسيع رقعة جغرافيتها كما فعل العرب والعثمانيون وقبلهم الصليبيون حيث يقدم الكاتب هنا أسباباً مختلفة جاءت على هيئة تكهنات واحتمالات نسبية كإجابة
. منه حول أسباب عدم الحصول على كيان قومي أسوة بالشعوب الأخرى
:خلاصة – 
الرواية وقعت في التقريرية المباشرة في أحايين جمة، وقدمت مادة معرفية بحثية من خلال زاوية إدراكية لا متخيلة ، فابتعدت عن القص والحكائية والمونولوج الدرامي والتمثيل الفني وأخذت تنحو منحى تداول الأفكار والآراء من خلال حوارات متعددة المناخات، إذ يقدم الكاتب هنا حقبة تاريخية ريفية عن مسيرة مجموعات بشرية تعيش على مسرح الخوف والحياة القاسية ويشير
 الكاتب إلى ذلك التنافر في الرؤى والمصالح والأفكار على صعيد العلاقات الكردية الكردية عشائرياً وحزبياً لنتأمل هنا ص175
إنك تقوم بافتعال المشاكل وتحرض  الاستعمار التركي علينا نحن أصحاب الفلسفة التحررية العالمية”
“تمتمت ثم قلت والنعم منكم وما هذا العلم إنه يشبه العلم التركي وليس علماً لكردستان-
نلحظ إبراز الكاتب للتناقضات وميل الكردي لاختلاق أي شيء صغير أو كبير لممارسة التنافر الجيني والميل الغرائزي الجبلي للتصادم والعنف والتنابذ والحديث يطول وآمل أني قد استطعت أن أقدم من وراء هذه القراءة فسحة لنقاش الرواية من عدة زوايا
. وهي تحوي الكثير المترامي على حقب الوجع الكردي ماضياً ثم حاضراً ومنها إلى المستقبل غير المنظور

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…