أيهما ؟!

عرب حورى

أيهما؟!
يَمط المخيم الزمن، يُبطِئه حد العَجز في دخول سِباق مع سلحفاة مُصابة.
لماذا أصحو؟!  في أول ساعتين أحسني هُلاما يندلق، غُباراً تَسفه حناجر الحصادين، خائر القوى، مُخدر الأطراف، رَخو الخُطا أترنح نحو النور، هل ثِمة نور؟ هي غَمامة العُمر أخطو نحوها
بِعينين مُتعبتين، مُثقلا بالجِراحات أفتح الباب متوجها لأُفرِغ مثانتي الطافية، أنتهي وأعود بخمولي الفائض لأرقد كجثة متكسرة باردة. أختبئ
من  الشمس، النجوم والشارع, أنزوي لأتجرع  الوحدة والسكون الموحش، لا متعة في سماع  الموسيقى ولا بهجة للأغاني ولا حتى قراءة سطر من رواية! شدني الليأس،
تجنبت الأصدقاء الذين تآَلفت معهم وسوأل يجتاح كياني، ماذا جنينا من كل تلك الثرثرات الفارغة التي كنا نعتقد بأنها ستوصِلنا إلى النهاية.
  النهايات ليست كلها تأتي كما نشتهي، الموت نهاية قاسية نكرهها رغم جمالها!
أما الندم والحديث عن السفاسف و الحماقات التي ارتكبتها في حياتي فلن أعُدها لأنها لا تُعد.
أتذكر جيدا عندما جَرّني أخي الأكبر إلى أطراف النهر, نتلصص من خلف جذوع أشجار الصفصاف على فتيات القرية وهن  يَتسبحن في النهر مرِحات عاريات يتراشقن بالماء على أجسادهن الغضة  الملساء و ضحِكاتهن تفوق عذوبة ماء الثلج ،أنسخ المشاهد في خيالي، أخبئها  كزخيرة للحظات الشهوة، أستهلكها  في مخبئي . أتقنت لعبة التَلصُص  أَدمنتها بعد تسرب الماء الدافئ إلى ما بين فخديّ، ذاك الدفء الذي فاز به أخي قبلي بسنتين.
كم كان الزمن سريعاً حينها!
خفيفاً يتطاير كريش عصفورٍ يتراقص على أغصان توتَتِنا الكبيرة الفارعة بمنتصف ساحة الدار، كان الزمن ناعماً يتناثر كالذرات عبر الضوء.
محى الزمن الكثير من النقوش النافرة من ذاكرتي.
كنت أخترق أكوام القش المليء بالسنابل في بيادر القرية وأخرج من الجهة الأخرى للفت انتباه النساء والمراهقات الفاتنات.
كم كنا أغبياء وحمقى!؟ ذلك الشاب الذي أطلق رصاصة من بارودة الضغط على قطتي الحمراء وقتلها دون سبب، مازال حقده يافعاً، طرياً ينمو في روحي كل يوم و تلك الفتاة التي اتهمتني بأنني غمزتها  رغم عِلمها بِرعشة عيني اللاإرادية  لم تسقط كرهها من روحي بعد.
  أصبحت كهلا الآن فلا أحد يبالي بِرعشة قلبي الذي تعرض لثلاث نوبات، لينال شبكة قلبية بكل جدارة. يجتاحني الضجر من كل الجهات كجراد الصيف.
الإنكسارات والخيبات تَددحرجُ كحبات السبحة العاجية بين أصابع تقيّ.
الفاجعة! فاجعة الحرب، رمت بي نحو الأماكن، بعد اقتلاعي من الجذور. رَماني النزوح المُرّ  وحَط بي في حَمئة جزره بوطان لتتهمني في انتمائي، وبعدها في أحضان هولير لتمنحني الشك في وفائي،
تَفقد منبتك، تضيق  بك الأمكنة تنحسر  كالمياه المتجمدة. تتقلص كجلد فيلٕ كهل.
المكان هنا ضيق جدا، لا يسع للركضي نحو المزارع والبراري ورؤية الجودي المطل الفارد بظلاله على دجلة.
المكان هنا كالمنفى!  حيزٌ  يُبقيك خاملاً مليئاً بالخواء، يملئ ثقوب روحك بالأشواك.
الخواء ليس جسما أو كتلة يمكن أن نملئ به شيئاً، مكاناً ما.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…

مصطفى عبدالملك الصميدي/اليمن*

تُعدّ ترجمةُ الشَّعر رحلة مُتفَرِّدة تُشبه كثيراً محاولة الإمساك بالنسيم قبل أن يختفي سليلهُ بين فروج الأصابع، بل وأكثر من أن تكون رسماً خَرائِطياً لألوانٍ لا تُرى بين نَدأَةِ الشروق وشفق الغروب، وما يتشكل من خلال المسافة بينهما، هو ما نسميه بحياكة الظلال؛ أي برسم لوحة المعاني الكامنه وراء النص بقالبه…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

تَتميَّز الرُّوحَانِيَّةُ عِندَ الكاتب اللبناني الأمريكي جُبْرَان خَليل جُبْرَان ( 1883_ 1931 ) بِعُمْقِها الفَلسفيِّ، وقُدرتِها عَلى تَجاوزِ الماديَّاتِ ، والتَّعبيرِ عَن الحَنينِ إلى مَا هُوَ أسْمَى وأرْقَى في النَّفْسِ البشرية . وَهُوَ يَرى أنَّ الرُّوحَانِيَّة لَيْسَتْ مُجرَّد شُعورٍ أوْ طُقوسٍ تقليدية ، بَلْ هِيَ حالةُ وَعْيٍ مُتكاملة…