الكتابة وحرفة الإيمان المغلَظة 2/2

 ابراهيم محمود

” عن سنجار، وحيوات الإزيدي المراقة” 
كتابة الحس المشترك
هتاك، في الكتابة السالفة، وكانت باللغة الأم، وهنا، حيث لغة الآخرالملتبسة، وتفعيلها خارج نظام خطابها السلطوي، أو التاريخي الرسمي، ترسم الكتابة، كتابة الفاجعة الكردية التاريخية، في ميسمها اللافت : الإزيدي، ترسم خطوطَها المأسوية الكبرى، إنما من خلال القاسم المشترك الأكبر، بافتراض وجود ( الحس السليم المشترك)، فتكون فاجعة الكتابة، من ناحية التعبير عن خصوصية الحدث : إزيديته (وعلى الكردي عموماً، ألا يساوم على المعني المباشر بالحس، ألا يتعالى على تاريخه المللي والمذهبي أو الطائفي ، الجماعي والشخصي)، وعن عموميته، وخطورة الممكن إبرازه واحترازه دلالياً: كرديته ( وعلى الكردي أن يحدد موقعه، من يكون باسمه الثلاثي، بانتمائه المكاني والزماني، من يكون ثقافةً، والتربية العرفية المتجذرة فيه كثيراً، ومضادات الوحدة في الصميم: وحدة الأصل المشترك بجمهرة أساطيره المتداخلة).

في الكتابة (بالعربي، كما يقال أحياناً، وباللغة المحكية)، وبعربية الكردي استلافاً أو تمثيلاً غير مفوَّض به من قبل صاحب اللغة الضادي الاعتبار، وما في ذلك من زحزحات الرؤية والتسمية، يجد الكردي المتعدد بتواريحه، المتنوع مللياً وطوائفياً، يجد نفسه ملقَّماً بأكثر من شحنة انفعالية، أكثر من مواجهة مع الذات، ليكون التعبير، التعبيرعبر (كتابة الحس الكردي المشترك)، على أنه الحس السليم، ذلك المدماك أهمية، وقابلية لمكاشفة مقوماته الثقافية، حيث أنني في الوقت الذي أعتبر المكتوب هنا، استمراراً لما سبق، واللغة هي المختلفة، وتبقى طريقة التعبير، وكيفية التقاط المشهد التعبيري باللغة، إزاء حدث معاش وجدانياً، وفي جوار سلسلة أحداث أخرى عامة وخاصة، مختلفة، فإنني، أشير إلى مفصل حركي، نافذ التأثير، كما أرى، في جوهر أي فعالية كتابية: إبداعية بالدرجة الأولى، وفي مواجهة الحدث المستمر مؤثرات ٍ، وهو، كما ذكرت آنفاً، أي مفهوم :الحس المشترك في الكتابة ! إنه الحس الذي يشد الكاتب إلى موضوعه، مثلما يشده موضوعه إلى الحدث الذي ينبني داخله بأسلوب ما، ومثلما يشد الكاتب إلى العالم، كما هوالعالم الذي يبقيه مشدوداً إلى داخله المفتوح على بعضه بعضاً، وفي تواصل حواري صامت.
لكن إشكالية الحس المشترك، الحس الكوسموبوليتي المغلق (وهذا ما سأوضّحه فيما بعد)، تبدأ من اللحظة التي يختم الحدث بمأثرته المعنوية والرمزية المروّعة،كلَّ ما يمَّررإلى داخل خانة الكتابة الحدثية الطابع،وكأن الجميع ابتداءً،هم شركاء الكتابة، بحسهم الجمعي،أنهم أجساد مختلفة، في مختلف تمايزاتها،على الورق، أوفي السماع،عبرالأسماء المقدَّمة، وأنهم في المحصلة جسد واحد، تتفاوت مراتب الإيقاع فيه، مثلما تتفاوت أصداء الكلمات وتجاذباتها القيمية، حيث أن المتجاهَل هنا، هو ذات الأرومة المشتركة كثيراً، ذات التنادي بمداه العاطفي والصوتي بجلاء، طالما أن الحس المعتبَر مشتركاً، يضع كل كاتب، وهوعلى بيّنة مما يتحسس الحدث، ويقول اعتماداً عليه، كما لو أن صورة طبق الأصل، تضع الجميع في واجهة الحدث الفعلي، لتكون الكلمات شاهدة على عنف الحس المشترك، ومدى تأثيره السلبي لدى الكاتب المستسلم لغوايته، في تلوين أهواء الكتابة عنده، وحتى ما أسميه بـ(مناسك الطواف) أو شعائره، حول الصور المنشودة، وهذا ما يمكّن من قراءة الصور هذه، وإرث الحس المشترك والكبير في ذلك، أقول هذا، وأنا أثبت هنا، ما قالته كاثرين بيلسي ( في الواقع، يموه الحس السليم على عدم كفاءته، بعدم تماسكه وتناقضاته وصمته)، كما ورد ذلك في كتابها ( الممارسة النقدية، الترجمة العربية، دار المدى، دمشق، 2001، ص 10)، إنه القول الذي ينطبق على كل من يراهن على سلامة حسه، نافذته المطلة على مسرح الأحداث( والكبرى منها قبل كل شيء، بالنسبة للأديب، أو الناقد)، فلا يكون تاريخٌ، ولا جغرافيا، ولا ثقافة، ولا تجلّي خبرة، إلا من خلال المنطوق به أو الكتابة، وهذا يحيل إلى الكاتب بالذات، ومقاربة تجربته، وكذلك موقعه المختلف، فيما رآه، واجتباه وارتآه.
أن أكون كاتباً: شاعراً أو سواه، ناقداً، وحضوري الدلالي، ذلك ما يمكن للكتابة السابرة مكاشفته !  ولعل في مجموعة الأمثلة المنتقاة هنا ما يشدد على القيمة الكتابية، وجدوى أن يكون أحدنا كاتباً في موقع ما، أو ناقداً في اتجاه ما، أو حتى فناناً …الخ، ولعل- أيضاً- في هذا التجاذب الكتابي، ما يمكّن من التقارب الطرفيني، وأنا، منذ البداية، كما ذكرت قبل ذلك، وفي كل ما أكتب، في هذا المنحى، أطرح كتابتي، أو كلمتي، بناء على بناء، لتوسيع ساح الكتابة قبل كل شيء، وليكون في وسع قارىء ما، قارىء غائب، أو نموذجي، غير مدرَك باسمه، في مكان ما، يتجاوز تصوري، وتصور أي كاتب ممن ذكرت، لتكون كتابته الصامته، أو ربما كلمته، حلقة أخرى في سلسلة الكتابة اللامتناهية، إنما المهم ، هو طاقة الكتابة في الاستنارة الضمنية، مقارنة بالحدث ذاك.
 وكما بدأت هناك، بالشهر، هكذا تكون البداية هنا، والشعر هو الأثر انتشاراً للحس السالف !!
بين الحس الممتد والشعر الحدثي :
كيف يؤصّل حس الكاتب ذاته تاريخياً، كيف يتوجه به أرضياً؟ يأتي الشعر بداية، ليس لأنه المعتمَد عليه، في اللغة اليومية، وإنما لأنه يشكل ذخيرة الكردي، كما هو وضع شبيهه في أي مكان في العالم، إذ يعيش حالة الانصهار الذاتي، يكون حسه مقفّي أثره، كما في الكردية لغة، وهنا، تكون لغة الآخر، خاضعة لسريان فعل النظير داخلاً، ومن خلال أمثلة محدودة، لكن يبقى المهم، هو بُعد الحس، ومدى عمقه، في اصطفاء الصور الدالة، استجابة لمستَلهَم الشعر. 
في قصيدة؟ (جراحات الزيتون) للدكتور بدرخان السندي، يندلق الحس كثيراً، في محاولة لالتقاط المشغول به نفسياً، أي كيفية تحويل الحدث، بطريقة ما، إلى لغة قادرة على تفعيل الأثر في المتلقي، مأخوذاً بهاجس قول الشعر، بمشهد التراكيب المتعلقة بالشعر، والعنوان بطابعه الاستعاري، يفتح نافذة الرؤية الأدبية المعتبَرة هنا:      
يا ايها التاريخُ المسجى
على شفرةِ خنجر
ممدوداً
في احداق الحيارى
من اطفال مزدا
وصباياه
وشيوخ مزدا
وبنيه والعذارى
والوجل المتخفي في فضائح التاريخ
وضميره
بين ثنايا الامومة والابوة
بين طيات الاردية البيض
اقاصيص ومآس
والامنيات الحالمات
بغد موشى
بلون الشمس والمرايا
بالغد النابت في اديم الامس
على قمة جبل
هذه البداية النهاية، من جهة التعبير، اعتماداً على الطريقة الأكثر قابلية لتسخين الحدث، أي طريقة استحضار التاريخ، وتقليبه على وجوهه المنتقاة، وما تتميز به من وعي ملموس، يخص العلاقة الأكثر انتاجية للتواصل، بداية لم تُُمنَح النفَسَ الجغرافي الرحب، وفي مستوى المعنَّى، ليكون التاريخ، جديراً بحمل اسمه، أعني، لتكون الكتابة تاركة أثرها، كون الصور المستعارة، تعاني تنافراً، وشتات معانٍ، كما هي أضغاث الأحلام، كون الشاعر؟ تعثر كثيراً في استخدام المفردات وعياً،وهو يمارس استنفاراً واضحاً، فالتاريخ مسجى( أي ميت)، على شفرة خنجر (وليس حد خنجر)، ليكون ممدوداً، في ( أحداق الحيارى)، حيث مفردة( الممدود) أقل من عادية هنا، وليكون ثمئذ جردٌ للضحايا، إحصاء لهم، وهذا ليس من شيم الكتابة المؤثرة إطلاقاً، خصوصاً، حين يقود الكاتب: الشاعر هنا، حسُّه الفجائعي، بضرورة تأكيد هوى الشعر عنده، وهو يربط( الحيارى)بـ( العذارى)، نشداناً لإيقاع مأخوذ به، دون أن يستوقفه حسه الفقهي للكلمات، قبل كل شيء، الفارق الجسيم بين ( أطفال مزدا)، و( بنيه)، أي جديد هنا، وبين (صباياه) و( العذارى)؟ وأي قيمة كتابية شعرية المقام في بنية الجمل التالية، سوى أنها تمثل مشهداً زكزاكياً في متاهة توهم المعنى، وأن إبراز مصداقية المشاعر،لا يكون هنا، بذكر المزيد من الكلمات المنعطفة على المأساة، حيث لا وزن إطلاقاً، ولا السجع المنقود أحياناً، في محله، لتكون النواحية معمية للبصيرة إجمالاً.وما يأتي بعد ذلك، أعظم، من جهة الإطناب القولي، واعتبار المطنب شعراً، وما في الدوران حول ذات المعنى المتلبَّس به كتابة حس متقد، من سفح قيمة:
امة قبل الاف السنين
رسمت حقوق الحيوان.. ثم الانسان
قبل الاف السنين
كان زارا يزرع القوانين
ويسترسل زارا في السؤال خاشعا..
وما دار بخلده
ان يسأل مزدا
ما عقاب من يغتال البسمة
ويبيد الفرحة
والامل والشوق والحنين
في صدور جياع حالمين
في انتظار ان تنضج سنابل القمح
هنا يعيد، ويكرر، ويورد أمثلة، لا علاقة لها البتة لا بالشعر، ولا بالنثر الذي يراهَن على جدواه، لأن المقام أقل من كونه سجالاً، وأبعد ما يكون عن شاعرية العنوان طبعاً، لأن قراءة الفقرة، ودون تسميتها كلمة كلمة، تري هذا التردّي في طريقة اصطفاف المفردات، وقبلها، في نوعية الحس التاريخي، الحس الذي لا يفارق ثقافة تضمن نباهة الموقف و عمقه.  وما يأتي فيما بعد، يبقينا في البداية، وإن قفزت مفردة جديدة( صورا)، إلى واجهة المشهد الجزئي، لأن المشار إليه رعباً ودماراً، ذُكرا سابقا، ولعلع جديد آخر، هو الإمعان في قول المزعوم شعراً، كما في (الطنبور- الصدور- الدهور)، كما لو أن تواردها، يشرعن المعنى الشعري، ويصادق على سلامة الحس الأكفأ في مسرد الكتابة المقروءة:
صورا
يا مدينة الصبر
ابد الدهر
كنت وكنا وكانوا
يا قرى الاطفال والرعب مؤنسهم
اغنيات البائسين..
واوتار الطنبور
الف الياذة تروي
والتاريخ محفوظ في الصدور
يا مدينة الاساطير
سنجار…
ابد الدهور
هنا، أظن أنه كان أَولى بالكاتب، أن يسفك دمعة أو دمعتين فعليتين( هنا، لا أنكر أنه لم يفعل ذلك، بالتأكيد)، وهو يعيش مأسوية الحدث، كغيره، أفضل بكثير، وبما لا يقاس، من أن يتقدم بكتابة كهذه، ممثَّل بروح الشعر، كما هو مستَخفٌّ بالكتابة ذاتها، لأنني، وكما أرى، أعتبر كتابة كهذه، محاولة لإزهاق الروح المتبقية، والحدث في ذروة فجائعيته، كقيمة، وكتقويم له . 
مع الشاعرة فدوى كيلاني، ثمة عزاء ما، مؤاساة قابلة لأن تسمى، أن يفكَّر في طريقتها الكتابية، وذلك من خلال قصيدتها (كفى موسيقى لست أفهم الآن..)، لا جنوح في النص، ثمة هدوء، رغم أن الكيل طافح في الداخل، لا عويل يستثير الجسد في كليته، رغم أن المدوَّن في كلمات تترى، لا يخفي جانب العويل فيه، إنما في صمت، لأن ثمة حداداً، يجب أن يليق بالمكان، فصراخ الحدث، وعويل الضحايا، ودوي الانفجار الأرعن (إن جاز الوصف)، لا يترك مجالاً لأحد لأن يدخل حلبة السباق في المذكور، ولا يكون هذا، من  مزايا أهل الكتابة الحقة، إذ لا بد من امتصاص الحدث: صوراً وأصداء صور، وتأصيل المنعكَس وجدانياً، ليكون الحس المكاني أخصب، رغم أن فدوى لا تستقر مكانياً في النص، إذ ثمة فورة حس، انبلاج عاطفة، تمررما ليس في الحسبان الشعري تكراراً أو توازن رؤى مقامات الكلمات في الجمل المساهمة في بناء النص:

صوت يتكّسر …
يتململ…
وسط ليل
باكية ملائكته
يسفر عن صباح
متهدج
لا لون له..
و لارائحة..
موسيقا خافتة ..
باهتة…

تنبعث من حانة
بعيدة
بعيدة
هجرها..
سكارىالليل
للتو

جثث على مدى عدسة المصور
المقاعد
الخوابي…
تعوي فارغة
نسيج عنكبوت
يلف المكان للتو
كم أنت ممل
يا موزارت !!!
و تعزف
لحنا ًًلست افهمه !!
لا عقدة في كتابة النص، لا وعورة في تفهم السياق الدلالي، لا إطالة في التعبير، وهذه محاسن كتابية، وشعرية بداية، ولكن، ثمة ما يستوقف النظر، يخص ميكانيزم الحس الشعري، وكيفية تلقيه لصدى الفاجعة، من خلال نقاط عدة: فالجانب التوصيقي في ( صوت يتكسر)، ينقلب تقريرياً، في ( يتململ)، مثلما تخف شاعرية البوح في الجملة الفعلية الأولى، لتكون مفردة (يتململ)، ليست بلا لزومية، وإنما بدخيلة أيضاً، لأن التكسر يفضي إلى المعنى الشفيف، والتململ أقل بلاغية هنا، ولتكون عبارة (وسط ليل) رغم رمزية الزمن ( وسط)، كما لو أن الزمن هو المطلوب، وليس البعد الدلالي لليل في جملته، أي لو وضعت مفردة ( ليلاً)، لكانت وساعة المعنى أكثر، أما ما يترتب على الليل، فمتوقع، من خلال الجملة الأولى، إذ إنها تشرح ما هو حاصل، وتكون عبارة (موسيقى خافتة،، باهتة) من ذات ( الطينة)، إذ ما المحفّز القيمي الجمالي في الترادف هنا، وأي منهما، تفي بالغرض الشعري  كرمز؟ ولعل المقطع الثاني، يصب بأثر له، في إهاب المقطع الثالث، ، من خلال خلو الحانة من الزبائن، فثمة موت، ولتأتي مفردة (تعوي)، بمثابة مجاز شعري قويم، أما الكلمة الدالة على الحالية (فارغة)، فقد قللت كثيراً من هيبة التالي، إذ في وسع أي قارىء قارىء، أن يتخيل ما يمكن أن يحصل في وضع كهذا، وأن الحديث عن نسيج العنكبوت تحصيل حاصل، أي يرمّد الرؤية الشعرية المؤثرة بالتأكيد، ولعلي، وأنا أقرأ المقطع الأخير هنا، وفي كلماته المحدودة، أتلمس شغف التفاعل مع ما هو شعري، سوى أنني أتحفظ على مفردتين، يشكل حضورهما، بعض غياب لعمق الشعر، لعمق الحدث الرهيب:
سنجاري

في علوه

لما يئنّ

وأنا مشغولة

من أجله
لقصيدة

وورد

وبكاء
 ثمة ( من أجله)، حيث أن عدم ذكرها، يبقي الإحالة اليقينية وليس الظنية ، إلى أن العلاقة الوجدانية هي ذاتها، لأن الحديث مدرَك باتجاهه، وثمة أخيراً (بكاء)، إذ يكون ارتدادٌ، أو نكوص إلى جسد منفكىء على روحه المنكوبة، وما في ذلك من اختلال توازن للعالم المبني شعرياً ، كون كتابة القصيدة إحياء لتاريخ أرضي معلوم، أكثر بقاء، وأن الورد كرمز كوني، روحي، إخصابي، أنثوي، لا يقبل دخولاً على خطه، وهو مرئي بيسر، أليس لأن سخونة الحس، تحول دون الرؤية اللازمة، مثلما أنها تبعِد الشاعر (عموماً)، عما يريد قوله، وإيصاله للآخر، والتعريف به ذاتياً ؟
ولعل الشاعر ميرزا حسن دنايي (وأقول الشاعر، كما هو معرَّف به في السياق طبعاً، هو أو غيره، في هذا المقام)، فيما سماه شعرياً، في (أناشيد لثلاث صور من كرعزير)، يواجهنا بنكبة الحس المعياري عنده، وفيما ذهب إليه تحت يافطة الشعر، حيث أتخيل أنه سعى جاهداً، إلى إبراز كامل قدرته في أن تأتي أبياته المتفاوتة طولاً، موزونة، في قصيدة حداثية الطابع، وهي من (بحر الرمَل) جزافاً، وفي النشيد الأول؟، وثمة أكثر من تصنع في الكتابة، والالتفاف على التركيب، وكسر في الوزن، وما يترتب على هذا العُسر المعرفي، من بؤس مركَّب:

كم هي الدمعات تهوي
في حضن عذراء ٍ طريدة
فماعادت ساعات الغروب ِ
تمحو من اشجانها
فصار هماً، وسكوناً في احتضار ٍ قريب ِ
إذ لم تبقى غيرَ سماوات ٍ
خلفت من حزنها
أشلاء َ الحبيب ِ.

كم غروباً كان يأتي
يجمع طيف الاحبة
وعشاق ٌ في مواعيد َ درب ِ
فتمادى الموت ُ قُبحا ً
في ذلك اليوم ِ المريب ِ
حيث أن كلمة ( الدمعات) تقال في اللغة المحكية، وليس في الفصحى، ولكنها إرادة الهوى، هوى الوزن دون إدراك شرطه الدقيق أدبياً، ليكون كسر، تلو كسر وزني، وسوء استخدام الجملة، بحثاً عن معنى لا يأتي، أو لا يتوافر بسهولة، إنما يحتاج كل ذلك إلى الكثيرمن الثقافة اللغوية، والتحلي بروح الشعر، ومعرفة مداخل القول ومخارجه، والعلاقات الواجب تجليها بين كلمة وأخرى، وما هو مذكور، أشبه بطنين، وليس برنين كلمات، وإن كان هناك محاولة ملموسة، رغبة في أن يكون صاحب ( الأناشيد) شاعراً، إنما ثمة فرق شاسع واسع، بين الرغبة وتحقيقها، وقبل كل شيء، ثمة فاجعة الحس هنا، بصاحبه، وهو يتعرض لحدث قيل فيه ما قيل، دون أن يقدّر ما يجب أن يقال في مقامه، وهذا بُعد آخر، من أبعاد الروح المهدورة في عالمها.

الحس الممتد والحدث المنثور:
ثمة إشكالية كتابة هنا، وهي تخص الموقف مما نحن بصدده، وكما نوهت سالفاً، حين يكون الموقف هذا معلوماً بمحدّده المكاني والزماني، وقبل كل شيء بالإنسي، ومن يكون هذا مذهبياً ومللياً أو طوائفياً، فهذه الاعتبارات تشكل حتى الآن، وفي وسطنا الكردي، عملة رائجة، بل كثيرة التداول في بنية الثقافة الشفاهية والمسلكية، فتكون الكردية أكثرمن وجه لجسد واحد منقسم على ذاته.هنا، يمكن التوقف عند أمثلة لكتاب كردإزيديين، أعني لكتاب إزيديين، هم كرد، وما في التأرجح بين البيت والمنزل، أو الدائرة وأحد الأقطار فيها، من معاناة، من تنازع وتصارع، من تواريخ تتقاطع، لا تهدأ، تتبع خط سير المستجدات، وأن من الغبن النظر إلى الحدث الفجائعي المذكور، باعتباره محنة الكردي في الآخرين، ممن يؤلبون عليه الجغرافيا قبل التاريخ، والتاريخ ضداً على الجغرافياً، وساكن الجغرافيا المقابل، وهو في خانته عليه، أو عبر ضرب الجزء بالجزء: الكردي بالكردي، أو الجزء المعنَّى بالكل المنقوص: الإزيدي بالبقية، أو بالعكس، أو ضرب الكل بالكل، لئلا يبقى أثر للكل الإثني، القومي، الشعبي ..الخ، بقدر ما يتطلب النظر إلى الحدث خارج الثنائية المتوارثة قوموياً، لأن ثمة انقساماً ، تفجع الأرض الواحدة ببنيها اللاموحدين، لتكون أكثر من حكاية يوسف مع أخوته، أو أيوب مع ربه، أو صالح في ثمود، لأن الحيوات المراقة كردياً كثيرة، وبحسب الرهان، وما جرى، بعضٌ من هذا الرهان الذي لا يمكن تقويمه بإيعاز خارجي، أو طمس تشظيات الداخلي، حتى في البيت العائلي الكردي الواحد، لأن فظاعة التحديات قائمة.  
 أبدأ بهوشنك الشاعر والناثر، معيداً بعضاً مما أوردته سابقاً، مضيفاً بعضاً مما يجدر التنويه بأهميته المقطعية تاريخياً ومكانياً وانتمائياً، أي داخل البيت، بين الأخوة اعتباراً، وهو أن الحدث الذي فجَّر كوامن كثيرة، سلسلَ تواريخ لمنازعات واصطفافات وتعارضات ومخاوف على الذات الموسومة بالإزيدية دون إكمال التالي ( الكردية)، أو إلحاق تلك بهذه، كمقتضى تاريخي، إذ ينطلق من بؤرة التوتر التي تمتد في الجهات الأربع، كما في ( شنكال : أول الهولوكست)،:
 ( كما كان متوقعاً، وقعَ “القتل الحلالوحصدَ ما حصدَ من أرواحٍ، لا حول لها ولا قوة؛ أرواح بريئة لا تقدم ولا تؤخر من السياسة شيئاً.

كما كان منتظراً، حدث “الثأر الحلال”، ل”الله الحلال”، من بعض “عراقٍ حرام”، قيل أنه “كافر”، ومن بعض نزلائه، قيل أنهم “خارجون” على الله وعلى سننه ونواميسه.

كما كان قد أراد له “كتاب القتل”، نُفّذَ “الحكم الحلال”، بإعدام بعض العراق، لا لشيء، سوى لأنه أراد أن يضيف للعراق لوناً آخر.

كما كان مفتياً بهم، وقع “الذبح المصطفى”، مستهدفاً دماء الإيزيديين المدنيين العزل، حصراً، ليسقط خلال لحظات أرواح المئات منهم. ).
هوشنك يتابع مسيرته الشعرية، وهو في مهبه النثري، ويضفي على الحدث الطابع الملحمي، منطلقاً من تجذر المأساة الاستئصالية في تاريخه الفرعي، كما يظهر، وفي مستوى المعايَن، مانحاً حسه الفجائعي مكانياً، كامل الاستطاعية  الذاتية طبعاً، في البلاغة القولية، وإن كنت أرى أنه يجانب ذاته التاريخيه، في حقيقتها الفجائعية، باعتبار الحاصل: أول الهولوكست، وأن الهولوكوست يعنيه وحده، فالجميع هم برسم الهولوكوستية، والتفاوت قائم طبعاً مجدداً، كما هو المشهد العراقي، كما هو المشهد الكردي فيما يتهدده، ومصداقية هذا الحس المنكوب، تتبدى في العود المستمر إلى ذات النقطة، الحدث الذي يمنع من الرؤية، وحتى من التحليق بمقام القول، بسبب وطأة المأساة، حيث الكلمة، كثيراً ما تأتي شرحاً أو وصفاً للأخرى، أي يبقى الكاتب في رِكب الحدث المتصوَّر، وفق رؤية اعتبارية خاصة عنده:
( فالذبح المفتى به، واللاأمان، واللاإستقرار، والإقامة في الخطر القائم على كفي عفريت، والمغامرة بالحياة، هي تشكل القاعدة الأساس لمفردات الحياة اليومية، في عراق المفخخات، منذ سقوط الديكتاتور(09.04.2003)، أما عكسها فلا تشكل إلا استثناءً.

ولكن الخطيرفي هذا القتل الذي يستهدف الإيزيديين منذ 22 نيسان/أبريل الماضي (حيث أعدمت عصابات القتل القاعدية العمال الإيزيديين ال24 بالرصاص، جماعياً)، هو أن هذا “القتل المصطفى” قد دخل مرحلة “الإبادة الجماعية” التي باتت تهدد حياة ومصير حوالي 600 ألف إيزيدي في عموم العراق (شنكال، الشيخان، باعدري، إيسفني، بعشيقة، بحزاني، ومناطق أخرى) .
هوشنك لا يبتعد عن الحدث، بقدر ما يحرك الحدث، ويحيله إلى مرآة، لاستجلاء ما يعتبره دالاً على ما يذهب إليه،في الوقت الذي يعزز يقينه حول الشروخ الحاصلة في الانتماء الذي يُعرَف به، وهو تحديد معرفي لا يخلو من عنت الرؤية، إن جاز التعبير، وقسوة الموقف، للسبب ذاته، إزاء ما يجري، عندما يتحدث مذكراً بما جرى قبل شهور، بشأن ” دعاء” :
( البيان الفتوى، المعنون ب”ثأراً لكٍ ياأختاه”(ودعاء، الفتاة الإيزيدية التي رُجمت على أيدي بعضٍ من ذويها التحت بهيميين، بطريقة أكثر من وحشية، لا تنتمي إلى الدين والله بشيء، هي المقصودة ب”أختاه”، هنا، في هذا البيان الثأر) في حينه ، كان أكيداً، مؤكداً، بأن القائمين على شئونه، سوف ينصبون(عاجلاً أم آجلاً) القتل والتفخيخ الأكيدين، للإيزيديين، “الكفار” الأكيدين، حسب توصيف الثأريين، الدمويين، القتَلة، و”صناع الموت”، الذين لا يرون في المكان والزمان، خلا مكانهم وزمانهم الجاهلييَن، ولا يريدون لأية جهةٍ أن يُدوَن فيها أخبار وأحوال وأطوار الله، خلا جهتهم الجاهلية(  .
في الحالتين ثمة تشدد، وثمة شعور بهدر المعنى، وهذا لا يعني ضرورة العصيان على كل شيء، إذ مثلما يتطلب النظر فيما جرى، وهو مهوّل فعلاً، لمكاشفة الأسباب والمسببات أكثر، هكذا، يتطلب الموقف تدقيق النظر، فيما جرى، وكيف جرت الواقعة المروّعة إزيدياً، حيث كل ما يجري، لا يمكن تحييده عما هو قيمي واجتماعي وديني وأعرافي، بصورة ما أو بأخرى، إذ يتفاوت الناس، وكلٌّ منهم، يلون صورة الله، كما الإنسان، كما التاريخ، بطريقة مختلفة، أي أن تجلي واقعة مخيفة كهذه، يستوجب مقاربة ذهنية ونفسية أكثر لحقيقة ما جرى، وإلا فإن ثمة فتح مجال للهواميات، أو الاستهوائيات التي يمكن أن تدمر مصائر كثيرة، وتقييد كل فاعل لا يعرَف بالضبط باعتباره ( مجهولاً)، إن حدثاً بركانياً، ينبغي، لمعرفة مكوناته، النزول إلى حيث يتم انصهار الأعماق والتفاعلات الحاصلة هناك ، ويكون النظر في موضوع خطِر بنتائجه، خطر بأسبابه، بالمقابل، باعتباره متوسط حدين يتقاسمانه نهباً أو إماتة، خطراً بالمقابل، لأننا لسنا بصدد قسمة حسابية تكافؤية، وحالة لا رغبة في تعيين المفارقات، وذلك تحت ثقل الحدث وصدمة النتيجة، وتأثير ذلك في رؤية الأمور الجارية هنا وهناك :
( في شنكال، حيث حدث القتل الكبير، كان الإيزيديون واقعين تحت مطرقة الحكومة المركزية في بغداد وسندان الحكومة الكردية الإقليمية في هولير، فضاعت مواطنتهم وحقوقهم، ضاعت ديانتهم وهويتهم وكرديتهم بين العراقَين: العراق العربي الجار والعراق الكردي الدار(.
هوشنك، عندما يتحرك بين بداية مفترضة هولوكوستية، كما لو أنها تحصل للمرة الأولى، ووسط يتم فيه تقويم بعض مما هو ذاتي مللي، ونهاية، هما حد القتل، يكون لحسّه التاريخي سيماء التلوع الشعري، نكأ الجراح التي تحول دون معاينتها وضمادها، حيث الآتي يتطلب مثل هذا الموقف، أعني من أجل البقاء الذي لا بد منه، وإلا فإن المكتوب هو نعيٌ آخر لوضع منذور للكارثة التي لما تقع بعد، واستحالة في تأمل الحياة المنشودة بصورة ما .
وعلى وقع المنبّه الحسي، يعيش الكاتب طارق حمو، مقابلاً كرديته بإزيديته، أو بالعكس أحياناً، من باب الضرورة التاريخية، منكفئاً على ذاته الإزيدية ذات التاريخ الشتاتي، كما يظهر، حيث الكلمات تتداخل، ومن وزن الحدث، إنما في تمامية الخوف والتخوف والاستصراخ، كما هو المدوَّن في مقاله الأول، كما يبدو لي، وهو( العراق: الإيزيديون يقتلون بالجملة !)، ومنذ البداية:
( وقعت الواقعة اذن. تمكن عدد من البهائم المفخخة، من حثالة الفكر المجرم الذي ابتلت به البشرية، من تفجير اجسادهم النتنة في بيوت الإيزيديين الآمنين في قريتي “تل عزير” و”سيبا شيخ خدري” في شنكال، فقتلوا المئات من الأطفال والنساء. عائلات كاملة ابيدت عن بكرة ابيها. دور سقطت من جراء الإنفجار المروع فدفنت بداخلها ساكنيها احياءً.
لقد حلت الكارثة بالإيزيديين. حاق الفرمان رقم 73 بالإيزيدية) .
هنا لآ أعطي درساً، حول ما يجب أن يكون عليه الموقف الأفضل،وإنما أشير إلى الترادفات الواردة، نتيجة الشعور بالخطر، حيث العملية لا تخرج عن كونها صراعاً مميتاً، وتصارعاً يعني الجميع، ويتهدد الجميع، والأكثر حيادية، لا وجود له، لأن لا أحد بمنجى من هذا الدمار أو القتل، وبحسب المأمول العنفي، ولتكون الأخلاق مسايرة، أو مناورة، أو دائرة في مضمار العنف الدموي، كما يقتضي خطاب سلطة، والسلطة تتقاسمها الأيدي المستأثرة بالقوة، وطارق يرسم الرعب معيداً إياه مراراً، لامتلائه مرارة المعاش هناك.
وإذا كان أول الحدث الدامي صراخاً واستصراخاً عموميين، فإن أوسط الحدث يكون هبوطاً في ذات الأوسط، وتفحصاً في ذات الضحية التي يجري البحث في مفارقاتها، فالإيزيدي المستهدَف كلياً سالفاً، ها هو يواجَه معضلة الموقف ضمناً، في لا توحدية الكل وتماسكه:
( الإيزيدية تعاني ازمة حقيقية. هي تتخبط في البحث عن الهوية والحل ويقود بعضها نفر مراهق لايفقه من السياسة شيء. ارتكب سفهائها الحماقات وايقظوا غول الإرهاب وجرجروه من ذيله لكي ينهش في نحورهم. الإيزيديون صمت عقلاؤهم واستنسرت الفراخ في بلادهم: فلا غرو اذن ان يواجهوا الموت الزؤام لوحدهم) .
إنها أكثر من أزمة مقتصرة عليهم، بقدر ما تطال الجميع، الكرد في عموماً، باعتبارهم أقل من أن يُسَموا حتى بـ( ملوك الطوائف)، مع فارق في الموقع وأرشفة حالات الموت الراصد.
وما يقوله طارق في مقال آخر له، يحيله إلى طارق آخر، طارق الذي يضع موازينه المنطقية بانضباط ذاتي أكثر، إذ يسبر الجاري في صميم المجتمع المرصود، كما في مقاله ( اتقوا الله في دماء الإيزيديين)، والمنشور في 3-92007 ولعله فيما قاله عن تلك النوعية من المثقفين، يفي بالغرض كثيراً، إثرتعرضه لانتقادات أكثر من جهة له، فيما اعتبره حلولاً لـ( إزيدييه) هنا :
( مشكلة ايزيديي كردستان الجنوبية( والعراق، لحين تطبيق المادة140 على الأقل..) انهم ابتلوا بمثقفين إنتهازيين و”قياديين” أكثر انتهازية “يناضلون” من اجل مصالحهم الشخصية، دون آلام الناس. الأبرياء يموتون وهؤلاء بغرقون في النزاعات الجانبية الموتورة، ويشنون المزيد من حملات “تصفية الحسابات” في حمى التنافس الرخيص على انتزاع رضا المسؤولين هناك، وفبركة التقارير المضللة، المذيلة بالعبارة السيئة الصيت: “كل شي تمام وعال العال يا سيدي” و” كل الشعب يحبك ياسيدي، ويموت في دباديبك انت والحزب الملهم”!. ).
وما قاله في مقاله الثالث، يشكل توسعاً أكثر في ذات الموضوع ،  إذ أنه في ( لا إسلامية ولا إيزيدية، بل وحدة كردستانية)، وأظنه المقال الذي جاء تالياً، ومن خلال التمعن في الركب الثقافي والسياسي والإعلامي الكردي وجواره،  يشير إلى الداخل الكردستاني، إلى أزمة الهوية، وهل هي  أزمة بالفعل، حيث أنها لم تتشكل، لتنبري أزمتها، منطلقاً من وقائع، تجلو أنشطة غاية في السلب، على مستوى كردستاني، إقليمي طبعاً، من جهة إدارة أحداث دون أخرى واللعب بالنار، كما في ظهور قوات بيشمركية لحماية المعنيين بالسلطة الإقليمية، ومحاولة تصوير فيلم وثائقي عن دعاء، لغرض مسموم، ومحاولة المطرب الكردي برادر تصوير فيديوكليب عن دعاء، واندفاع كاتب آخر، أهوج العاطفة، وهو يذم الإزيديين…، وكل ذلك يتطلب يقظة، ووضع حد لممارسات تهيء، لحصول المزيد من المأسي بحق الإزيديين،
( أرجو من المسؤولين في كردستان ان يلموا زبالة الفساد ويطهروا المكان، لكي لاتزداد اعداد الذباب المتدفقة على الإقليم اكثر…) .
هذه النتيجة التي لا تخلومن عنف، هو عنف متشكل، إثر عنف متعدد الصور والمناهج بالمقابل، عنف الحس اليومي، والذي يظهر إلى أي درجة يكون الخطر المحدق بالكردي،وهو في تنوعه المللي، ومن في الجوار، قائماً، ولكَم يحتاج ذلك، إلى المزيد من الوقت وضبط النفس أكثر، لأن مهدّد الآخر، هو مهدّد ذاته أخيرا ً !!!!
 ولعل ما نقرأه في مقال خدر خلات بحزاني ( قميص عثمان الإيزيدي)، هو هذا التنوع في الرؤى من ناحية، وهذه الطريقة المختلفة في تناول الحدث، من ناحية أخرى، فمقاله منشور بتاريخ 20-82007، ولقراءة المقال لا بد من مراعاة علاقة الكاتب بالمكان، أين يقيم، ومع من يتواصل، ووجهة نظره المعتقدية والسياسية، وكذلك قربه أو بعده، من أو عن حكومة الإقليم، بأكثر من معنى، وذلك حين يتساءل أو يسأل، عن سبب شهرة الإيزيدية، كما يسمي، معدداً الحالات التي جرى فيها النيل من الإزيديين، ليتوقف عند قتل تلك الفتاة دعاء، أي يظهر البعد التشهيري في الموضوع:
( بل إن شهرة الإيزيدية (المشهورون سابقا بعبادة الشيطان ـ كذا ـ ) أتت من خلال قتل فتاة
إيزيدية كانت على علاقة آثمة بشاب مسلم..! حيث قتلت تلك الفتاة في نهاية الأسبوع الأول
من نيسان الماضي بطريقة غريبة عن تقاليد المجتمع الإيزيدي، وبطريقة تعتبر سابقة خطيرة
في سجل الإيزيدية، حيث قتلت رجماً بالحجارة والبلوك عل يد (بضعة) أشخاص لا يمثلون سوى أنفسهم، ومعظم الفتلة محتجزون لدى السلطات بانتظار محاكمتهم لينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم من عمل مشين أدانه الإيزيدية قبل غيرهم، حيث أدانه سمو الأمير تحسين بك أمير الإيزيدية، وأدانه المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى، كما صدرت عشرات بيانات الاستنكارات والإدانة من (جميع) المؤسسات الثقافية والاجتماعية الإيزيدية سواء في كوردستان أو العراق أو في المهجر، إضافة  إلى إدانة تلك الحادثة البشعة من قبل الشخصيات الإيزيدية المرموقة ممن تبوئوا أو يتبوءون مناصب (مهمة) سواء في حكومة العراق الفيدرالية، أو في حكومة إقليم كوردستان..)
هذا التفريق بين حدث وآخر، بين موقف وسواه، بالقدر الذي يعمق الحوار، ويدفع إلى النظر في أكثر من اتجاه، يغمط الواقع حقه، لأن ليس من فصل بين أصغر حدث، وأكبر حدث، حيث تشكل مجموعة الحلقات المتفاوتة الأحجام والأشكال والأوزان القيمية، هوية السلسلة التي تجلو تاريخاً مللياً، طوائفياً، أقوامياً، مثلما أنه لا يمكن تجاهل ما حدث، عبر وضع تقويمي( استئصالي)، بقدر ما أن تحرّي العنف اللامألوف( في فعل القتل المذكور)، قد يفضي إلى الكثير من رؤية المومياءات التي تمثل دوافع محرّكة لأعمال كثيرة تاريخياً، مثلما تسمح بملامسة البعد الأضحوي في ذات المضحَي الجلاد كذلك، والذم أو الاستهجان، أو النبذ لا يكشف عما وراء الحدث، ومضيُّ الكاتب في سبيله، في الجانب الأكثر حدية، لم يمنعه، من أن يفتح على نفسه باباً، كما لو أن الذي نطق به تمايزاً، يحل له في أن ينطق به تعميماً :
( إذن يا سادتي.. كل الإيزيدية هم مشاريع للقتل والإبادة المجانية، ولا تستغربوا إذا
سمعتم أخباراً مهولة أخرى عن استباحة الإنسان الإيزيدي واستباحة التجمعات الإيزيدية،
ومن الآن عليكم تهيئة بيانات الاستنكار والإدانة..!
قبل أن نختم موضوعنا هذا، وكي لا نكون جاحدين، نقول: إن حكومة إقليم كوردستان ـ مشكورة ـ قدمت ما بوسعها فور وقوع نكبة سنجار، ولكن الم يكن من الممكن تجنب تلك الكارثة من خلال توفير الحماية للمناطق الإيزيدية بقوات البيشمركة؟؟ )
مثلما أن الإشارة الأخيرة، لا تعني أن ما تم القيام به، من باب تطويق الحدث، قد وضع حداً لكل ما يمكن أن يحصل سلباً، فقط، تظل رؤية الكاتب خاصة به، ولكن الموسوم، هو البعد الحسي الذي يقرّبه من موضوعه، ويبعده عنه، ربما توخياً لنحفزات ذاتية، أو لرهانات خاصة به أو عيره، وفي المحصلة، فإن رؤيته، تشكل مجالاً لتناول الحدث وفق تقديرات أخرى، أي أن ليس في الإمكان تطابق وجهات النظر، وذلك دافع آخر، لمعرفة الكامن في هذا الحس المكاني الفجائعي.
هوذاته الحس الذي يدفع بآخرين، كما في حال حسو نرمو، في ( طفل يستنجد ويستغيث فهل من سميع مجيب؟)، وهو يرى العراق عالمين: علم القتلة، وعالم المرسومين برسم القتل، وليتم التأكيد على الوضع المزري للإزيديين، بطريقة تقريرية واستبكائية :
( الايزيديون, منسيّون مهمّشون, كأنهم يعيشون خارج الزمن في بلد يمتلك ثاني أكبر إحتياطي نفطي في العالم, يلاحقهم الفقر والبؤس والظلم والاضطهاد في موطنهم الاصلي في ظل حكّام المنطقة من الارهابيين الجدد من أمراء ما يسمى بدولة العراق “الاسلامية” وعصابات القاعدة.
“بإستثناء أقليم كوردستان” فقد ضاقت بهم السبل, ويلاحقهم الموت في كل مكان من العراق بقطع الرؤس, ورجمآ بالحجارة, ورميآ بالرصاص, وبالحرق, وبالتفجيرات, بالمفرد وبالجملة لدرجة أصبح لهم هذا البلد جحيمآ لا يطاق فهل من منقذ للبقية الباقية من 72 فرمان؟) .
هذا النوع من الكتابة، بالقدر الذي يمارس طمأنة لنفوس، يستثيرها بالمقابل، كونه لا ينطلق من رؤية شمولية للحدث، من الذهنية التي تلتقي مقوماتها التاريخية، بغض النظر عن الانتماء المذهبي والإثني، في ذات البؤرة، بؤرة التصفية والتصفية المقابلة، ولأن ممهدات المستقبل الضامن للأمن، غير متوافرة، فتأتي الكتابة إرضاء للبعض أو إقصاء للبعض الآخر، والحقيقة، تبقى شائهة، حيث المدوَّن مكتوب في ظل ما، والبداية في إطلاقية الوجع، وشوارد صاحب المقال، هي التي تستجر إليها البقية الباقية، لأن ثمة معاناة مشتركة، مثلما ثمة تفاوتات في عملية التعرض للمعاناة ودرجة الاصطبار، ومن يستفيد من ذلك، وكيفية تفعيل العنف المميث هذا ..
وفي الجانب الآخر، يظهر الشاعر ابراهيم يوسف، مقتدياً بنبرته الخطابية ذات العلامة الشعرية، حيث ربط الحس بالمكان، وبما جرى، يشكل الخلفية الأبرز فيما كتبه في ( ” أكمه” سنجار ..؟!)، وعندما أسميه الشاعر، فلأنه، وهو كاتب ناثر، لا ينكَر عليه تمكنه من الكتابة النثرية، يظل حنينياً إلى الشاعر فيه، مثلما أن الحس، بميسمه العاطفي، يمهد السبيل أمامه كثيراً لرؤية ما يريد تسميته، وأنه في الوقت الذي ينطلق من ذات الفاجعة، ويقوّمها بحسه المعهود، يزيح ذاته الشاعرة هنا وهناك، ليلوذ بالتاريخ الوثائقي، محاولاً منح الكتابة عنده، وفي حالات كثيرة كهذه، يقيناً لا يخطئه التاريخ السالف، كما هو هو مقدَّر عنده، وأظنه هنا، يمزج بين الشعري، وهو منثور، والنثري، وهو مطبوع بما هو وثائقي، لتأكيد قيمة تاريخية فيما يذهب إليه، وأظنه- أيضاً- لو اكتفى بالسياق الأول، لجاء مقاله أكثرإثماراً، وإن احتفى بالحسي العاطفي بجلاء:
( مّة حداد حقيق , في كلّ بيت كردي حرّ من سائر أجزاء كردستان , و المهجر , أنّى كان ,بل ومن قبل كلّ محبّي السلام، والدّيمقراطية ، والإنسانية ، بعد هذه الجريمة النّكراء ,و الفظيعة التي تمّ فيها تفجير مجمعي كرعزير و سيبا شيخ خدري  في جبل سنجار، في الثلاثاء الأسود 14-8-2007 و التي راح ضحيتها المئات من الكرد الإيزيديين ، بين شهيد، و جريح , ناهيك عن تهدّم عشرين منزلاً فوق رؤوس أصحابها , و دفنهم أحياء , نتيجة تفجير مخطط للشاحنات الأربع، و هو أقصى ما أنتجه الفكر التفخيخيّ الذي لا يزال من يرى فيه مقاومةً , مع اعترافنا بضرورة المقاومة ,أنّى وجد احتلال , و هو ما عبّرت عنه في إحدى ندوات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في دمشق ، منذ سنوات , و كان ذلك بحضور كثيرين من رموز المعارضة الوطنية الذين راحوا ليؤسّسوا – إعلان دمشق – بعد هذه التجربة المهمّة , منطلقين منها ، أجل , حين رحت أتحدّث عن الإرهاب، سألني آنذاك المعارض السوري رجاء الناصر، وبفرحة من أمسك بكلتا يديه بحجة عظيمة ،في سياق ردّه على جملة الأفكار في مداخلتي الشاذّة ، برأيه ، مستقوياً بالجوّ العام في الندوة،هذا المعارض الذي سأسعد في ما بعد لتغيير تدرّجي باد في “بعض” آرائه بصدد الكرد في سوريا ، قياساً لمواقفه السابقة ، وذلك ضمن إهاب إندماجها في إعلان دمشق ، قائلاً : ماذا تقول في البندقية التي توجّه إلى صدر المحتلّ أليست مقاومة…).
ثمة حديث عن البيت الكردي الحر، وأظنها ترتيباً من لدن تجلي الحس الشعري الأبرز عنده، وهو يشير إلى فاجعة، حيث الأصوب، هو الحديث عن ( بيت كل كردي )، كون الحرية مقدَّرة داخلاً،ولدى ابراهيم القدرة في أن يوسع حدود الموضوع، بعيداً عما أشير إليه، لأسباب يتطلبها الموضوع، مثلما تتطلبه ذاته ككاتب، لديه ما لديه من الأساليب الكتابية للبقاء في محيط الفاجعة، وتسيير مؤثراتها،على صعيد الموقف الشخصي، أقول هذا، وأنا أتلمس في كتابة ابراهيم الشاعر، مناورة على الكتابة الذاتية، وعلى الآخرين، لمنح ما يكتب طابعاً من الجماهيرية أكثر، ولعله بغنىُ عنها، كما يعرفه المحيطون به، من خلال ما يقوم به ويكتبه، بغنى عن الشهود المعنيين، وأن ثمة نزوعاً منبرياً، ناتجاً عن ارتباط الكتابة عنده بما هو عملي، كما في هذه الكلمات :
( لقد جاء هذا العمل الإرهابي الجبان ، ليضع الشرفاء من أبناء العراق عموماً، وأبناء شعبنا الكردي بخاصة ، وإيزيديينا على نحو أكثر خصوصيةً ، أمام مهمّات كبرى ، قارعين الأجراس للفت انتباه ضمير العالم الحرّ إلى كل ما يدور من مؤامرات ،باذلين قصارى جهودهم ،في معركة البقاء والوجود ،ضد التطهير العرقي ، أو المذهبي ،لا الاستسلام أمام الأمر الواقع ).
إذ ثمة ما هو لافت للنظر، وهو محط تساؤل، من خلال مفرددة ( الجبان) صفة للإرهابي، وأظن أن الإرهابي لا يحتاج لوصف من هذا النوع، لأن عمله يعرّف به، وكذلك مفردة( الحر)، بالنسبة لـ( ضمير العالم)، إذ تكمن إشكالية كبيرة هنا، وحيث تكون عبارة( ضمير العالم)، وباعتباره ضميراً يخدم المطلوب، ويبقى السبب في اعتماد صفات أو مفردات كهذه، راجعاً إلى الطبيعة الشعرية لدى ابراهيم، وما يستثيره الحسي من كوامن الذات مضاعفاً، عندما تكون غلبة الوصفي على التحليلي، انطلاقاً من تصور الآخرين: المتلقين لخطاب، يحركه الوصفي  بنسبه الشعري أكثر.
وإذا كان الشاعر ابراهيم يوسف يعتمد لوناً ملحوظاً من الحسية، ذات الصلة بالمكان، فإن فتح الله حسيني، فيما أثاره في (القلب لمن يهدى / قلبي لشنكال)، يظل أكثر حسيانية، أي أكثر تعاملاً مع المفردة ذات الشحنة العاطفية، تلك التي تتطلب ترسيماً مكانياً وزمانياً معاً .
إذ ينطلق من مقولة إزيدية، وكيف أنها أعادت أياماً إلى ذهنه( وليس أذهانه، كما سمى طبعاً)، ليتذكر الكبير: الشاعر الجواهري في قصيدته عن كردستان، وكيف اصطبغت بالدماء :
( حيث يقول قلبي لكردستان يُهدى والفـمُ، وقد يجود بأصغريه المعـدمُ ، سلم على الجبل الأشم وأهلهُ ، وانت تعرف عن بنيه من همُ ، سلم على الجبل الأشم وعنده ، من أبجديات الضحايا معجـــمُ .
وها أنذا أجد نفسي في تكرار آخر ، ومن نوع آخر ، وفي موطن كوردي لا حدود له الا حدود الدم ، وأردد وأقول “قلبي لشنكال” والقلب لمن سيهدى في زمن عصي على الفهم ،زمن عصيب،زمن ماض على تهوره)، إنه يذهب بعيداً بتصوره الحسي الشاعري النسب، والمبالغ فيه طبعاً:
أولاً: إذا كان ما قاله الجواهري ذات يوماً، معمداً بالدم، فإن استعادة ذلك، خطأ فادح، والدليل على الأقل، هو أن معظم القيادات الكردية( في إقليم كردستان)، وفي كردستان الشمالية، تسعى إلى شد لجام الحرب، والتخفيف من فورة الدماء.
ثانياً، إذا  كان ما قاله الجواهري مأخوذاً به، في حينه، فإن اعتماده ليس صحيحاً تاريخياً، حيث أن دعائم هذا الشعب، لم تكن ( الجماجم والدم ) فقط، والكرد لم يكونوا متعطشين لا لسفك الدماء الآخرين، أو لسفك دمائهم، وتاريخهم لم ينبن على ذلك وحده، فكل الشعوب تعاني من البعد الدمائي (وليس الدموي، هنا) في تاريخها، وبتنوع المقادير، وكأن المواجهة الدموية طريقهم الأوحد في  نيل الحقوق، بل إن ما حصل في قامشلو 12 آذار 2004، كان حجة دامغة على أنهم لا يريدون إراقة قطرة دم واحدة.
ثالثاً، إن الحديث عن ( الزمن العصي على الفهم) وسواه، ليس بكلام متأمل للمستجدات، ولا براغب في معرفة المفارقات، لأن ثمة ما يمكن الحديث فيه، ثمة إمكانية لاسترداد الأنفاس، كما هوالحاصل في إقليم كردستان، وهو ذاته مقيم هناك، وهذا لم يكن ممكناً قبل عقدين من الزمن.
رابعاً، وهذا يشدد على مفهوم ( حدود الدم للوطن)، إذ أن ما يجري راهناً، هو محاولة بذل المزيد من الجهود سلمياً، وأن الذي يتحدث هنا وهناك، عن أن الزمن اليوم، هو زمن الكردي، لا ينطلق من فراغ، أن حضور الكردي الجلي الاعتبار، في أمكنة كثيرة، لم يكن بـ( جهود) الدم فقط.
فتح الله، لا يدقق كما يجب في بناء أقواله كذلك، كما في حديثه عن الإزيدي ووضعه(  في متاهات زمنه المرّ المرير ،وهو في ريفه ، في فضاء هواءه الطلق المطلق)، إذ ما هذا المر عنده، وكيف يكون في هوائه الطلق المطلق؟ وهذا ما يتكرر لاحقاً، عما ترتَّب على مأساة الكردي ، الإزيدي (هو الإجماع العالمي اليوم على فاجعة الكوردي الإيزيدي ، وهو يهب روحه الثكلى ضحية غبار الإرهاب القذر)، إن هذه يوتوبيا النظرة، مثلما هي يوتوبيا التصور الحسي للموضوع، من جهة أن الزمن الموسوم ليس مريراً، كما ذُكر، وأن ليس من إجماع عالمي، وإنما هي لعبة مصالح، وما يجري اليوم، بشأن الموقف من الكرد يلغي هذه (الإجماعية العالمية).
إن إرادة الكشف عن حقيقة ما يجري، تتطلب أولاً، إرادة أسبق، هي معرفة حدود هذه الإرادة، حدودها الأرضية والثقافية والتخيلية، ومعرفة الروابط فيما بينها، ليكون الانتقال بين نوعية حدود وأخرى، مَعلَماً من معالم التناسق الداخلي، وأكثر تحرراً من  ربقة الحس الموجِعة !
وإذا كان الكاتب المتعدد المواهب كفاح محمود كريم، يعلن عن تلوعه بما يجري، عن سهمه الوجداني لقاء هذا الحدث الدامي، فإنه ظهر بارزاً في قسماته التي لوَّنها الحسي عميقاً، كفاح، يستطيع لملمة الكثير من الصور الفجائعية، ممارسة الصراخ بالكلمات، ولكنه مقل كثيراً، في مكاشفة ما وراء الحدث، كما رأينا، ولا أظنه، تمكَّن من أن يعاين ما يجري، إلا في سياق فوران العاطفة المكانية، ليعمق المأسوي، كما يبعدنا عن مجال تدقيق النظر في حدود الجاري وبنيتها.  بداية في ( سنجار ومساء الثلاثاء الأسود)، من خلال إحالة القارىء إلى المناخ المرعب للحدث، منافساً ما هو إعلامي متلفز، كما لو أن المعني لم يشاهد ذلك :
( مئات من القتلى ومئات آخرين من الجرحى والمفقودين بين ركام أطنان من الاتربة التي تتكون منها تلك الاكواخ؟
   مئات بل ربما الاف الاشلاء المتناثرة فوق كل مساحة المجمعين من اشلاء الاطفال الندية والفتيات اللاتي اعتدن التزين يوميا في المساء وقبل الغروب والجلوس قرب الابواب او جدران البيوت الطينية؟
  مئات البيوت الطينية التي هوت جميعها على ساكنيها الغض من الاطفال والنساء؟
لماذا ؟؟
لماذا كل هذه القسوة والحقد الأسود؟
من أين أتت وما هي حدودها ؟
ترى ما الذي يحدث؟).
وها قد اقترب موعد اعادتهما الى احضان الوطن في كوردستان الجميلة الآمنة، بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الدائم؟) .
ثمة تصوير بانوارامي استندابي للحدث، للضحايا ، للبيوت( بالمئات)، كما وصف، وليفاجىء القارىء، أو سواه، عما وراء هذا القتل الجماعي والدمار، مطلقاً العنان لذاته الشاعرة، دون أن يبذل الجهد الأدنى، لإبراز جانب من الذهنية المخططة لحدث كهذا، والمبرّرة له كذلك، وغير ناس، أن الخلاص وشيك، كما أشار في النهاية، كما لو أن قولاً كهذا، يشكل البشارة المنتظرة لدى كل إزيدي، ولا أظن أن الناظر ببصيرته يحيط بالموضوع، بالطريقة المنبرية هذه، يكون منتقلاً من مشهد دام ٍ لآخر، ومذكّراً بما هو مشغول به، وبصفته إعلامياً مؤسساتياً أيضاً، وهذا ما يتضح في مقاله الآخر، والمشهود له بكم وفير من منبريات الحس الفولكلورية، وأعني بذلك
 (  سنجار لا تبكي، لا تستصرخ وتستبق الموت)، و عبر استنهاض الهمم( سنجار أو شنكال مدينة لا تعرف البكاء، وقوم اعرفهم حينما تدلهم المصائب وتختلط الألوان وتفيض الأجساد دماء وجروحا، وتبقى المآقي لا تدمع إلا فرحاً أو شاخصة كعيون الصقور والأسود.
تلك سنجار المدينة الأكثر إثارة في تاريخها وجغرافيتها وسكانها. إنها شقيقة حلبجة وبارزان وقلعة دزة وعشرات من مدن فرسان الشمس.). إذ إن كل ما ورد هنا، لا يعدو أن يكون وصفاً في وصف، ومعاودة لذات المعنى، حيث أن في وسع أي كان، أن يمارس تهويلاً وتعويلاً وتجميلاً بالوصف، والمكتوب مقال، وليس إنشاء رثائيات لتحويل الجسد المعني إلى كتلة من النار المتقدة مشاعرياً، إنما بتعزية ذات الجسد، بالتقدم خارج البؤرة الحدادية، ليتسنى للناظر المفجوع، ما يمكّنه من استرجاع- ولو-  الحد  الأدنى من توازنه النفسي.
وخليل جندي أكثر استثارة وشغفاً بما هو فجائعي، مثلما هوأكثر امتلاء بروح الندبية، روح المهدور، بسبب قهر متداوم داخلاً، كما تقول نبرة كلماته المتتابعة، في مقاله (  حلبجه ثانية إسمها ﮔرعزير وسيبا شيخ خدر!!)، ومنذ البداية (يا لهول الكارثة، يا لهول الفاجعة ، يا لهول الجريمة الوحشية المخطط لها بدقة متناهية وحقد ما بعده حقد على كل ماهو إنساني وجميل على وجه الأرض. جريمة هي الأقوى والأكثر بشاعة وتدميراً وإزهاقاً لأرواح الأبرياء منذ سقوط نظام البعث حسب تصريح البيت الأبيض الأميريكي في إدانته للجريمة.)، حيث المشكل الكبير، هو في التالي، عندما يتحول الكاتب إلى راء ٍ للحدث، محاولاً القبض على أسبابه ومسبباته، ومن المستفيد من كل ذلك، أي وهو يتتتبع ذيول الحدث، وما يمكن القيام به بنوع من الموضوعية، حيث، وإن كان في كتابته هذه، ما يؤكد جلاء الحسي العاطفي، يبقى الانضباط ملموساً، وهذا يثير مفارقة الكتابة: بداية ووسطاً ونهاية، وما يعنيه هذا التحول، الذي أعتبره مرتبطاً بالصورة السلبية عما اعتاده الكاتب الخطاباتي قبل سواه، وهو أن يكون مثوّر الجماهير شعبوياً في البداية، مضنيهم فيما بعد، محاولاً في النهاية إيقاظهم بعد تشليلهم، وما في إجراء من هذا النوع، من سوء اعتقاد في المتلقي، من سواء إدارة الذات الناطقة والكاتبة !
وفي مثال مختلف، يظهر فيه الكاتب عبدالوهاب طالباني، وفي مقاله (الدم الايزدي الطاهر
فصل اخر من (مهرجانات) الدم الكوردي المسفوك غدراً)، يتأتى الموقف مما جرى، بنوع من الضيط، لحظة إحالة القارىء إلى الوضع القلِق الذي يعيشه الإزيدي في التاريخ، وكما هو مدوَّن فيه، وإذ لا يجب أن يُنسى ما يمثله الإزيدي لما هو كردي تاريخياً ، والدم يصعد بلونه منتشراً في الجهات كافية(  الايزديون هم حماة النص الكوردي المقدس ، ودفعوا طيلة تاريخهم الالاف من الضحايا والشهداء ولم يتركوا تعاليم الاجداد ولا غادروا الجبل العتيد ، فقد تعرضوا الى مذابح كثيرة وكبيرة من قبل العثمانيين الاتراك بقصد محوهم من الوجود تحت دعوى كون الايزديين (عبدة الشيطان) بينما في حقيقة الامرلم يكن الا العثمانيون انفسهم خدما للشر ومصاصين لدماء الشعوب المقهورة التي وقعت تحت حكمهم الاسود. ويجب ان نقرحتى  ان اميرا كورديا في تلك الفترة كان من المخدوعين بالخلافة العثمانية ودفاعها المنافق و الكاذب عن الاسلام و ساهم في جريمة تنفيذ الفرمانات العثمانية التي كانت بمثابة اعلانات حرب ابادة ضد الكورد الايزديين)، فسرعان ما تختلف النبرة في الكتابة، ويتصدع مسار الفكرة الحاملة في تنوعها للمقال، وذلك عندما ينهي مقاله ذاك هكذا (جبهة الشر كلها اجتمعت على شعب كوردستان ، واخشى ما نخشاه هو انه وقبل ان نستطيع جمع اشلاء اطفالنا ونسائنا وشبابنا وشيوخنا المذبوحين غدرا وعدوانا في جبل النشيد الكوردي القديم سنجار…اخشى ما نخشاه ان يكون هناك هدف اخر يحضر له الفاجر والفاسق والقاتل الارهابي في موقع اخر من كوردستان وقادتنا الذين نعزهم  لم ينتهوا بعد من (اسطورة) جمع الهاشمي وابو السدارة والصدر وعلاوي….!!).
إذ سواء من خلال تفليق في الموضوع، والمواجهة الطرفينية، واعتبار الشر، متجبهناً، في الآخر، واعتبار المقابل الضحية الجمعية، أو بتأكيد اليقينية الملموسة في المحصلة، وما في ذلك، أي في الحالتين، من ضرورة رص الصفوف، ونقر الدفوف، وإعلان التعبئة العامة، فإن المفكَّر فيه، يكون في عداد الحسي البائس، دون إمكانية التفكير فيه، نظراً لضعف المردود المعرفي، كما هو ضعف الأداء في النظر المتعدد الأبعاد لما حدث ، ما قبله وما بعده، لتكون الرؤية أصفى.
وفي السياق ذاته، يتحرك نوري حسن، ولو أنه مختلف، في رؤيته من خلال إبراز السلبية في التعامل مع الإزيديين، من قبل حكومة الإقليم، أي عدم تأمين اللازم للحيلولة دون وقوع الواقعة المرعبة، فإنه ينكفىء على الذات المنجرحة، وينطلق خارجاً، بحسه المضخمَّ، في مقاله (شنكال تحترق في الرابع عشر من 14 آب الأسود)، وها هو يكتب (فان الجريمة النكراء التي ارتكبتها قوى الإرهاب بحق الكورد الايزيدين في منطقة شنكال في الرابع عشر من آب الأسود ما هي إلا خطوة أولية في تنفيذ مخططها التصفوي ضد الأقليات الدينية المتواجدة على الساحة العراقية .
ازاء هذه الكارثة الفظيعةوابعادها المؤلمة والتي تقشعر لها الأبدان وبعد تبيان كل الحقائق أرى من الضروري أن تتحرك حكومة أقليم كوردستان وبالسرعة القصوى ، وأن لا تترك منطقة شنكال الصامدة في مهب الرياح وفريسة لقوى الإرهاب المنظم ، وحمايتها من بطش فلول النظام البعثي الفاشي)، فالصيغة التأكيدية، تلك التي تتقدم الكلمات، تلعب على الأعصاب، مثلما أنها لا تمنح فرصة للنظر برباطة جأش، كما لو أن التوتر الحاصل، ممهَّد له، لأن يشمل الجميع .
وحتى بالنسبة لكاتب عراقي عربي كبيرمقداراً، هو زهير كاظم عبود، فإنه في مقاله (لا يليق بكم السواد)، لا يدَّخر جهداً في إظهار الشحنة العاطفية في المؤاساة( إنه زمن عراقي جديد لم يزل الأيزيدية يعطون الضحايا والقرابين ، ويزدادوا تماسكا وإصرارا على ديانتهم ، ولم تزل تلك الخناجر الغادرة والسيوف الظلامية والرصاص تحصد منهم ، مع تمسكهم بتوحيدهم لله ومحبتهم لكل الملائكة وعلى رأسهم طاؤوس ملك واعتقادهم بالحلول والتناسخ ومحبة الإنسان)، وبالنسبة للكاتب القدير الآخر الدكتور رشيد الخيون، في مقاله (إبادة الإيزيديين ” لم يبق سوى أشباح موتانا” !)، تتضاعف هذه الشحنة الانفعالية، أو النبرة البكائية ( يتعثر القلم ويتلعثم اللسان عن الوصف والتشبيه، لإبادة قريتين كاملتين، حوالي 750 إنساناً. إنها أعاصير من الدماء ومواسم لحصاد البشر، تنفذ بلا إنذار، فحتى كوارث الطبيعة تنبئ الطيور والأشجار بمقدمها، فينجو مَنْ ينجو من العارفين بعوائد انهيارات الأرض. ألا تهز كارثة مثل كارثة إبادة الأيزيديين، وما تعرضت له أسواق ومحلات بغداد وازدحامات العراقيين لنزهة أو عمل أو عبادة ضمير احتلال وحكومة، وكيانات تسعى يوماً يعد يوم لتعميق الكراهية في المجتمع العراقي؟ أليس على المحتل أن يعلن عن أخطائه الجسام، وعلى الكيانات الدينية أن تعلن فشلها على الملأ؟ ) ….الخ
وثمة مجال واسع النطاق لإيراد كم كبير من الأمثلة الأخرى، تلك المتفاوتة في مقوماتها الفكرية، وتداعيات السرد العاطفي النشأة، ولكن، ما أوردته، أظنه، بكاف نسبياً، للملمة بعض من العناصر التي تمكّننا من نسج خيوط الحدث، كما هو مقدَّم كتابياً .
إذ إن أول ما هو ممكن التعرض له، بالتوقف عنده، هو أن ثمة امتداداً وتمدداً لهذه الذخيرة الحية والآفاتية، كثيراً، من الحسيات العاجزة عن الإحاطة الأشمل ببنى الموضوع، لدى جل الذين تحدثنا عنهم، وكيف أنهم يسوسون سواهم، شعبوياً، كون الكتابة، تأتي شعبوية، مثلما هي تصفوية، فيما تترصد له، ولا تبلغه، لعدم توافر العدة المعرفية اللازمة، أن ثمة حضوراً طيفياً محدوداً، لما هو فكري. وأن الذي قيل فيه، مثلما أثير إزاءه، وتمت تسميته، يظهر في نطاق التحرك في حيّز النمطية الأكثر إقلاقاً للتفكير والتعبير، وبعثرة لهما اسماً، وبمفردات متشابهة في الغالب، ولأن ثمة غياباً لتلك القدرة على تغيير مسار التوتر، توتر الذين فُجِعوا، وتوتر الذين يتابعون الحدث، وتوتر الذين يعيشون الحالة، وقد مَظهروها كتابياً، وهذا لصيق بالعيش في عالم مُبوتق، أكثر مما يجب، كون التعامل المجتمعي الأبرز، جار ٍ على قدم وساق، في المجمل، عبر خندقة الأفكار، وبرمجة المشاعر، وكبح جماح المتخيل الإبداعي، ليبقى كل شيء، في طابعه المللي والفئوي والتحزبي، والسلطوي الريفي العلامة، كما هو، ولهذا يكون الإبداع، هو الضحية الأولى، في مجتمع، يعتبر كل جديد، تمرداً على الآبائية المتصلبة، بكل تصنيفاتها التحزبية والتكتلية والشعبوية هنا وهناك، وليكون الكثير ممن يكتبون: الفيروسَ الأكثر وبائية، في الشبكة الكبرى التي تمثل جملة القوى النفسية والعقلية للمعنيين بالمجتمع : ثقافة عامة، وتنوعَ أفكار، مثلما هو اختلاف آراء.
بقي لي أن أورد هنا، ما قاله غراهام هو، في خاتمة كتابه ( مقالة في النقد- الترجمة العربية،1973، ص 212)، وكما تصرفتُ بصورة ما، هكذا في مختتم القسم الأول، من هذا المبحث ( إن الفنون، وكل الفعاليات الانسانية، تخضع لعوامل فسادها، ولكنها في جوهرها عامل وفاق وليست سبباً للنزاع).
هم كذلك فعلاً، عندما نكون أهلاً للفكر المتعدد الروافد، وليس للحس المولّد للتشاتم !!!!؟؟؟؟
————–
ملاحظة: ثمة أخطاء وردت سهواً في القسم  السابق والمنشور في 12-102007 : هي ممسقط: ممسقط- بللغتين: بلغتين- خجلاً من حمايتك: حجلاً عن حمايتك- أن أنه : أنه- المتردّ: المتردد- شنكال الحقل مدمى : في شنكال الحقلُ مدمى-  إلى حد: إلى حد ما….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…