الفن التشكيلي السوري إرث ضخم وامتداد لأجيال تركوا بصمة في لوحة الحياة ورسموا الولادة الجديدة
في بنية مجتمع يعيش غرابة التكوين وعبثية القدر , لكنها جميلة المنشأ, والفنانون التشكيليون كثيرون منهم عايشوا المعادلات الصعبة وجسدوا معنى الاختلاف وسبيل الوحدة والتوافق بريشة شفافة في بحثهم ورحلة اللانهاية عن التجديد والسبق, ومحاولة رسم صورة ما قد تكون بماهيتها كما الواقع الإشكالي وربما تتداخل الألوان لتعطي إشارة الحل وقد يكون كل ذلك خارج نطاق الظروف وربما المكان أحيانا وحتى الزمان أيضا ومبتغاهم الوطن والمواطن , إنهم أكثر من مبدعين تشهد بذلك روائع لوحاتهم المعروضة في المتاحف المحلية و العالمية ..
حاورنا الفنان التشكيلي العالمي بشار العيسى عن رحلة الاغتراب والقضية في لوحة , شاركناه همومه وشجونه وحتى لحظة الإبداع في رسم بعضاً من لوحاته, وهو نفسه من شارك في أشهر العروض العالمية في صالات أوربا ومدن كثيرة أخرى , يعيش عصراً يفترض أن يتمرد الكل على النمطية ومدارس القوالب الجامدة فهو يسعى لتحطيمها ليصل لحقيقة واحدة وهي رسم الواقع بكينونته المعاشة واختراق تفاصيلها لمعانقة الجوهر الأصل الذي اغتيل في زمن زيفت فيه حقائق كثيرة وقتلت الروح , ملامح لوحاته ذو سمات خاصة صارخة وهادئة في آن معاً فيها الهوية الضائعة والانتماء المنشود, رافضة للظلم ولمآسي البشر, تسخر من عبثية الواقع المتناقض, فيها الجذور والأرض والعشق, وحب الحياة , ولقمة العيش , وفتات الخبز, والمرأة التي تتألق إلى قيمتها الحقيقية , لوحاته لاتحتاج لترجمة وهي من وحي واقعه المرسوم في خياله ولو أنه فارقها منذ سنوات طويلة مع الكردي السوري الباريسي كان الحوار التالي:
بشار العيسى في لوحة الحياة كيف تعرف بنفسك إنساناً وفنان تشكيلي له باع وتجربة في هذا الميدان؟
أعتقد جازما أنني لست في الموقع الصحيح لأعرف بنفسي فناناً أو إنساناً، ولا أرى فاصلا مرئيا أو غير مرئي بين الاثنين، وما أصعب الكلام في مثل هذا الموقف لذا أترك الأمر عليك سيدتي وعلى لوحتي وبصيرة المتفرج والقارئ.
متى كانت البدايات وأين هي اللوحة الأولى التي سطرت خلالها تجربتك ؟ صف لنا اجتهادك في بناء شخصيتك كفنان , بداية الطريق والمعاناة إلى هذه اللحظة.
دعينا نقول البدايات كانت في مرسم دار المعلمين/ الحسكة (ينفتح باب غرفة مدرسية على بضع إطارات وحاملين ورائحة الزيت والتربنتين وفوارغ حناجير الألوان الصينية)، هناك تقرر كل شيء وأصبح كل شيء فيّ مرهونا باللوحة التي أصبحت شريك مخدتي وأحلامي وشريك راتبي الضئيل حين صارت مواد الرسم تتقدم على الخبز والسكر والشاي وبنطال أو قميص جديد. أما شخصيتي فكانت قد تحددت قبل ذاك بكثير، ربما قبل ولادتي بكثير حيث تصاغ الأقدار في تلك البرية أمام المواقد وحسبها. على إيقاع الشروق والغروب والأعراس والعويل تتم الزيجات والولادات وحفلات الطهور وأشكال الموت والثار والانتقام من الذات، في الغرائبية التي صاغت نشوء وتكون خربة “باب السلام” القرية الافتراضية في غابة من الخرائب والأطياب البرية: من كركور وخرنوب وشقائق النعمان وبحار من القش.
إذ على الواجهة الغربية لبرية باب السلام استضاءت عوالم لوحتي في محرقة قدرت معاييرها بمقادير تستهدي بها القطا في ترحالها والشموس إلى مواقيتها والرطوبة إلى تخمرات الأرض، والسر الكامن في غبار الطلع وحكايا الزهرة للنحل.
العولمة لم تبقي على هوية شيء ولم تعد تعترف بالمدارس الفنية أي انتماء تراه لك في هذه الزوبعة والعالم المتشابك كلوحة واحدة ؟
تقوم قناعتي على فكرة شديدة التعصب إلى أن اللوحة باعتبارها منجزا إبداعيا بخصوصية بصرية لا تحتاج الترجمة، مثل الموسيقى والمنحوتة والرقص، لا هوية لها، غير إنسانيتها شديدة الرقة وخصوصيتها المكثفة في مسامات منتجها وثقافته البصرية والروحية، وهي في هذا تتقدم على كل ما يمكن لنا أن نصنفه من تداعيات العولمة. فهي العولمة الإنسانية خارج حسابات رأس المال والجيوش متعددة الجنسيات.
أما المدارس الفنية، فهي تلك المحطات التي أراد بها البعض التصنيف بغاية نفعية، أو عملية، تجارية كانت، أو معرفية. والتصنيف في جميع الأحوال لا علاقة له بالمنتوج الإبداعي إلا بما يسهل من مهمة ودور الناقد في تقريب المتفرج من العمل المراد ترويجه أو مطاردته، تثمينه أو تبخيسه، وهي معايير لا تدخل في جوهر فعل الفنان إلا بالقدر الذي يتحول الفنان من مبدع إلى صانع “غرابيل” كأي مادة قيمية ينتفع بها في السوق أو البلاغة.
لنأتي إلى واقع الفن التشكيلي السوري أولاً , هل هي عند مستوى الواقع والطموح ؟
هل بلغت أهدافها , لما يبدو الفن التشكيلي السوري عموما وكأنه يعني فئة رساميها ليس أكثر ؟ ما
مستوى تفاعلها وقضايا المجتمع؟
صار لي غائبا عن التماس مع حركة التشكيل السوري، بحكم قسر المنفى، أكثر من 27 سنة، قضى فيه الجيل الذي سبقنا وحلّ فيه على الأقل جيلان. يصعب علي الحكم الجزم في الإحاطة به، وإن كان يتاح لي من وقت لآخر الوقوف على بعض الإضافات الهامّة الشابة هنا أو هناك كما لا تغيب عني السقطات التي حدثت بحكم أكثر من عامل موضوعي وذاتي.
لقد شهدت السبعينات من القرن المنصرم نهضة متواضعة متوازنة للفن التشكيلي السوري وبدأت تظهر ملامح لوحة لها خصوصيتها حضرت فيه الأطراف بخصوصياتها إلى جانب المركز/ دمشق، التي احتكرت لسنين واجهة المشهد التشكيلي السوري ـ بفضل فسحة نقابة الفنون الجميلة في المرحلة التي تسلم إدارتها الفنان ممدوح قشلان ـ ويمكني القول، كانت لي وللوحتي مساهمتنا المتواضعة، إلى جانب فنانين مهمين مثل لؤي الكيالي وفاتح مدرس ونعيم إسماعيل، وممدوح قشلان وأسعد عرابي ونشأت الزعبي وغياث الأخرس وغسان السباعي وآخرين، كانت لكل منا ملامحنا الخاصة التي تتشابه والبيئة التي كونت رؤانا البصرية المشهدية.
كان لهزيمة الخامس من حزيران والمناخ الدولي العام ورياح الثورة الطلابية والهزيمة الأمريكية في فييتنام آثارها الثقافية على هذه النهضة.
أغلقت سياسات ثمانينات القرن الماضي في ذروة عنف اجتماعي وسياسي على الحرية الذي قبض على المفاتيح المجتمعية كلها بالقسر والاستثناء، بالترويض والتدجين القسري، معه حدثت هزة بمفاعيل سياسية وحياتية واستهلاكية زحلقت الأرض من تحت أكثر من قدم وسلخت عن لوحة البعض ملامحها الخاصة وخلخلت قيمتها الإبداعية وأنتجت ثقافة محدثة بقيم استهلاكية سريعة التمدد، لكن من الإنصاف القول، رغم هذا الخلل الطارئ تحققت إضافات جديدة على التشكيل السوري بفضل جيل شاب حضر بزخم وحيوية، انتعش بفضل معايير السوق التي أفرزتها نشوء قدرات مالية باذخة على تراكم جانبي لاستطالات الفساد منذ منتصف التسعينات، تريد أن تتسيد المشهد التشكيلي السوري وربما من مفاخري أن قسما كبيرا من هؤلاء الشباب ينتمون إلى البيئة التي أفرزت لوحة بشار العيسى ومفاهميه الإبداعية والبصرية.
على الصعيد الكردي , البيئة الكردية تزخم بالمواضيع والمعاناة كيف تقييم هذه التجربة بين أكراد سوريا نموذجاً( فئة الفنانين التشكيليين من هم في الوطن والمغترب معاً ) ؟ألا توافق الرأي بأن اللوحة الكردية تكاد تكون غائبة أو مغيبة ؟ من يتحمل المسؤولية ؟ أين انتم والجمهور الكردي ؟
بالعكس من رأيك يشهد أغلب المطلعين على التجربة التشكيلية السورية على الحيوية التي يحضر بها الفنانون الكرد، مجازا، واعتقد أن سجلات كلية الفنون الجميلة والمشهد الإبداعي للوحة السورية يؤكد ما أقول وأن أسماء تصبح يوما عن يوم كبيرة لفنانين سوريين كرد وجزراويون، فضلا أن الجغرافيا الكردية السورية تتفوق بدرجات مذهلة على باقي فضاءات كردستان تشكيليا.
أن الظروف التي تحيط بالكردي في سوريا على أكثر من صعيد تجعل منه كمن يحارب الشياطين في غابة اللعنة، ومع ذلك فالأسماء الفنية الكردية الشابة، وما أكثرهم، تتقدم المشهد التشكيلي السوري.
الفنان الحقيقي هو خلاصة تجربة احترافية وليس نتاج قرار، خلاصة إرث ثقافي وبصري وروحي، وهذه الثقافة لا تشترى من السوق ولا تستورد أو تستعار من المحلة المجاورة، كما أنها ليست تعويذة تعلق بقماط الولادة، فهي نتاج عراك ميداني معرفي مضمخ بالهوى، هوى الذات المجنونة بفطرة وقدرة غير مرئيتين. اسمها الخصوصية، والخصوصية، لا تستنسخ ولا تستولد بالرقى وهي ليست ألوان علم سياسي، الخصوصية تتقمر في أتون التجربة كالقرميد بالخبرة اليومية والتجربة الميدانية البحثية، عن الذات كينونة الأشياء، وهي محرقة يومية لروح الفنان لتبقى متيقظة كخيول الآلهة في عبورها الأزل.
اللوجة المبدعة ليست تلك التي تتلهى بالمواضيع السهلة بالفلكلور أو ما شابهه من نسخ ممسوخ، كما لا توجد لوحة مدموغة كردية أو تركية أو عربية أنها تصنيفات سياسية سهلة تستدرج الجمهور الجاهل والعقل الجامد.
نعم توجد لوحة محلية ذات خصوصية جغرافية وبصرية، توجد لوحة مدينة وتوجد لوحة ريف ولكل منهما فضاءات تمشهدها البصري ودرجة تفاعل كيمياء الحرارة والبرودة والأطياب فيها وزوايا تشظي الضوء في محارق محددة . كل هذه مجتمعة، تساعد في تلمس خصوصية لوحة، وخصوصية مبدع، واختلاف الواحد عن الآخر رغم توفر نفس الدرجات القيمية الإبداعية في عملهما.
في سوريا لا يوجد محترف واحد بل محترفات هناك محترف جزراوي أخذ كامل قيمته وله فضاءه وأبعاده العالمية بمحليته البحثية وليس لأنه عرض في هذه العاصمة، إذ لا عالمية بدون محلية مجتهدة وأي كلام خارج هذه البديهية هو هراء ـ وكان يوجد محترف حموي بعكس حمص التي لم تقدم محترفا خاصا بها الا مؤخرا، كما حلب واليوم تريد دمشق بفعل حالة استهلاكية سوقية طارئة فرض هوية خاصة بها هل ستنجح؟ لنر.
من أين تستقي لوحاتك وأنت تعيش في المغترب ؟ كيف يمكن للفنان المغترب رصد الهم اليومي لبيئته وهو خارج المسرح بلوحة إبداعية وليدة معاناة ؟ ومن ثم شاركت في معارض دولية ومتاحف عالمية ماذا أكسبتك هذه التجربة ؟
العملية الإبداعية تستوجب في إحدى شروطها حضور المكان، حسب المادة الإبداعية، لوحة، موسيقى، قصيدة رواية، ربما كانت اللوحة باعتبارها مشهدا بصريا ذات علاقة حساسة أشد تأثرا بالمكان كما للرواية خصوصية العلاقة بالناس والمناخ حساسيتها الخاصة.
للمكان (المنزل، مجال الرؤية، الناس، المناخ، الألوان، الثقافة) دوره الأساس ليس في بناء لوحتي بل حتى في صياغة درجة تفاعلي معها والقيم الروحية والجمالية التي شكلت مجموع مخيلتي كإنسان، فالمكان يسلب المتيَم مخيلته ولا يستأذنه الحضور في لوحته. يدخل المكان في صياغة فلسفتنا للحياة كما ينفذ إلى أعماق مشاعرنا المادية ويندس في لا وعينا ويتناغم وأحلامنا النائمة، وأزماتنا الروحية التي تتشظى بالمواجهة والافتقاد بتعاويذ وبراءات مبهمة. المنفى، حيث المكان اللامكان، المكان الافتراضي لعالم محمول في ذاكرة ليست بصرية وحسب وإنما ذاكرة حسية وتحديدا شمية، ولونية، تفرض شروطها التعجيزية على العملية الإبداعية فهي تحيط
المبدع بكم هائل من التأثيرات التي تشل من قدرته في الحرية الذاتية والعزلة الميدانية كما أنها في الوقت عينه تعطيه كما من الحرية، حرية السباحة في بحر الذاكرة المتحررة من اليومي العادي بالارتقاء إلى مشهدية بتول، تقيم موازينها وعلائق خرافية مع المكان الأول، مع الأطياب العذراء تماما كما يتوحد الصوفي مع معشوقه إلى رعشة الخلق.
الفنان برأي قبل كل شيء هو منتج مادة إبداعية لا تأتي من فراغ ولا تستولد في قمقم اختبار، وفوق هذا الفنان المبدع هو فيلسوف مثله مثل الشاعر والروائي والموسيقي لهم جميعا رؤية خاصة بالكون بالعلاقات بين موجودات هذا الكون، ولهم مواقعهم التي منها يطلون على الكون الذي فيه يمارسون إبداعهم، والفنان ليس بهلوانا يصطاد عين المتفرج للقبض على ابتسامة بلهاء أو نشل محفظة نقود ساه . يمارس الفنان المبدع دوره المنتج والفاعل بقدرة مادته من الاقتراب من المشترك العام لجمهور متنوع الأحاسيس والثقافة البصرية بالإيحاء في لمس أجزاء شديدة التعقيد في جملته البصرية دون التروض في سيرك الحيوانات المدجنة وهو في هذا يرتقي إلى موجدة الفيلسوف بالتريض في مجمرة المشرّع، التي لا تتأتي باستحصال شهادات أكاديمية فلكل مجمرته الخاصة لكنها تشترك في التوقد في مثلث التقوى.
ـ روح المغامرة في ارتياد غير العادي.
ـ الشجاعة باليقين في عدم الخوف لجوع أو رهبة أو جشع، ودون الانقياد إلى عبودية الحرية المترفة
بالأكاذيب.
ـ الكرم في العطاء بغير الحدود الدفترية. والتعفف عن غواية السوق، فالغواية مرض كل خلق وإبداع وهي تلاحق صاحبها إلى حتفه مثلما يلاحق الجائع الطريدة الوهمية. أن السقوط إلى الأعلى كالصعود إلى الهاوية في ظل تأثيرات الغواية التي يرعاها الجمهور الجاهل والثقافية السهلة ومعايير السوق الرسمية.
ما هي اللوحة التي لم ترسمها لأن المناخ العام منعك منها أو لأنها لم تكتمل في ذاتك وذهنك أو ثمة أسباب تمنعك من المضي في تلوينها؟
اليوم، بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة من الرسم وعشرات المعارض، اكتشف أنني أرسم لوحة واحدة، لا تنتهي حين أنتهي منها، وإنما تتوالد في التي بعدها والتي تستولد من التي قبلها، اكتشف أنني أعيد إنتاج المشهد عينه، والشخوص ذاتهم، إن وجدوا، وآثارهم إن غابوا، بإضافة تفاصيل وحذف بعضها تتلون فضاءات بالأحمر والأصفر وتعاد ثانية بالرمادي أو الأزرق أو وتذوب كلها في كثافة الأبيض تخطط لها مسافات وخطوط ومشاهد بصرية برؤى مختلفة لكنها هي ذاتها، مشهد تلك الواجهة الغربية بجلالها وبهائها وكأنها مرآة نافذة امرأة عاشقة. تقام لها الموازين وتصاغ لها فلسفات لكنها تبقى هي هي لا تغادر نافذتها، شبح حاملة القش أسيرة الحكاية، خيال أغنية، نذيرعاصفة/ شهقة ما، ثغاء قطيع، نعاس نجم، وافق ملون بحنين بجرس نحاسي، أثر سكين صدئة تحز أسفل القدم بلذوعة الملح.
المرأة تبقى هاجساً لكل فنان , ما السر وراء ذلك كي ترسم في ابشع صورها وهي عارية ؟ ألا يعتبر ذلك امتهاناً للمرأة الأم والأخت والزوجة وو؟ أم هو سر, فك رموزها يبقى مقتصراً على عوالم الفنانين التشكيليين؟
اللوحة المبدعة لا تنتج غير القيم الجميلة، واقصد بالجميلة تلك العلاقة التي تقام بموازين دقيقة بين الحواس والمفاهيم، بين الرمز والدلالة، بين المشهد والعين، بين الأخلاق والحاجة وهو ما نسميه التشريع، وحين تحضر المرأة اللوحة فهي لا تحضر مثلما تحضر الشجرة بل تحضر باعتبارها شكلا استطيقيا وشاهدا تشريعيا له مدلوله الآخر، تحضر كإنسان حي وليس كجسد وحسب، فما يتبدى في الكائن الحي غير الذي يتبدى في موجودات الطبيعة. إذا لا تشويه هنا بل على العكس تتالق المرأة إلى قيمتها الحقيقية التي تصيغ ذهن مبدعها وقيمه الأخلاقية الوضعية ولا أقصد الدينية بقدر ما اقصد التوازن النفسي الإنساني. فالسيدة العذراء كما مشهد صلب المسيح كما جنازات الشهداء لا يحضرون في قيمة وبشاعة الموت بقدر ما يحضرون في شرعة تمجيد الحياة. تتحول المرأة إلى أيقونة حين تتمرى في اللوحة الصحيحة، وهي تصبح لطخة لونية حين تحضر كمسخ منسوخ.
من هو جمهورك الآن وما هي أكثر لوحة أثرت في الجمهور عندك فأثرت فيك أيضا؟
كلمة أخيرة لجيل شاب وليد يعاني ما يعانيه في كل مكان
جمهوري لا زالوا هم، هم، سكان الضواحي في دمشق وطلبة الجامعات ومتذوق بصيرة نظيفة غير مشوهة بالمتع البلاستيكية. الفنان الحقيقي هو ذلك الطموح إلى متعة الرضا، بالإنجاز القائم على ذخائره غير البهلوانية، بالعزوف عن ارتياد السهل المتاح في دفتر شروط المقاولين، حتى لا تصبح اللوحة نتاج عبودية كريهة لميكانيك العرض والطلب فعلى قيم الجمال والتشريع تقوم موازين الإبداع بالمعادلة بين الحقيقة والواقع بين الفرد والجماعة بين الذات والآخر بعيدا عن آهات الجمهور الجاهل والمتع البراقة لدلالي خان الملح، لا يجوز للوحة أن تصبح تصويرا جامدا للواقع ولا أن يصبح الفنان لاعب سيرك على حبل مشدود، فالمبدع مشرع مسؤول عن الذوق العام مثلما هو مسؤول عن قيم الجمال والتشريع، إذ تتداخل مسؤولية الفنان بحريته كما تتداخل الأسطورة الشعبية والقوانين الوضعية في مواجهة الوعظ الرخيص، وأوامر المفوض السياسي . “ما ينفع هو ما يغور عميقا في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء” فالعمل الحقيقي لا يأتي إلا من فنان حقيقي وصادق والحقيقة والصدق يتحدد في رأيي بمجموعة متدخلات:
ـ المهنية العالية بالمران.
ـ الحساسية الروحية.
ـ المشهدية البصرية.
ـ حضور الثقافة المحلية.
ـ الموقف الفلسفي.