الجهل البنيوي المكتسَب

ابراهيم البليهي
الجهل المكتسب هو أبرز حقائق الحياة البشرية خلال كل مراحل التاريخ وما يزال فكل الأجيال في مختلف الأمم تتبرمج بأنساق ثقافية متعارضة وكلها لم تتكون بواسطة العلم وإنما تكوَّنت تلقائيا مما يجعل الجهل البنيوي المكتسب هو الأكثر حضورًا في الحياة البشرية وهو المعضلة الأولى الأشد استعصاء وهذا يستوجب أن يكون إصلاح التفكير أولوية قصوى …..
 التعليم في كل العالم وفي مختلف مراحله لا يهتم بإصلاح التفكير وإنما يحصر اهتمامه بأن يُقَدِّم للدارسين مقررات تعليمية مختلفة وأحيانًا تكون هذه المقررات متنافرة فهو مثلا يُعطي معلومات في علم الأحياء تتلوها مادة أخرى تتعارض معها ربما تعارُضًا كاملا وعلى الدارسين أن يحفظوا المقررات مهما كانت متعارضة من أجل الامتحانات وليس من أجل الاستنارة ….
يوصف التعليم بأنه يقوم على التحليل ولكن الحقيقة أنه لا يقوم على التحليل فالتحليل هو النقد والفحص والتمحيص وهو لا يتحقق في العملية التعليمية في مختلف بلاد العالم ……
وقد قامت الفلسفة منذ سقراط لمواجهة الجهل البنيوي المكتسب فالناشئون في كل العالم وخلال مختلف مراحل التاريخ يتبرمجون بما في البيئات المختلفة من أنساق ثقافية متعارضة ومتنافرة …..
لذلك كانت مهمة الفلسفة منذ بزوغها في اليونان وحتى اليوم هو دعوة كل الناس في كل المجتمعات بأن يراجعوا محتويات أذهانهم وأن يُخضعوها للنقد والتحليل والتمحيص والتحقق ……
سقراط لم يكن يقدم للناس معلومات وإنما كان يستجوبهم عما تحتويه أذهانهم مما تبرمجوا به دون أن يُخضعوه للمراجعة كان يركز على إصلاح التفكير واستنهاض طاقة العقول للاضطلاع بمسؤولية التحقق …..
إن الاهتمام بإصلاح التفكير كان اهتمامًا محوريا في كل مراحل الفكر الفلسفي لقد تأسست الفلسفة الحديثة بواسطة ديكارت في فرنسا وقبله فرانسيس بيكون في إنجلترا وكان تركيزهما على استنفار العقول للتحقق والاستنارة كان الهدف المعلن هو إصلاح التفكير ….
كان هذا الهم شديد البروز في فلسفة جون لوك وباركلي وهيوم ……
ثم إنه كان شديد البروز في فلسفة كانط بل إن مؤلفاته كلها كانت تحمل لفظ نقد: (نقد العقل المحض) و (نقد العقل العملي) و (نقد ملَكَة الحكم)
إن إصلاح التفكير هو المهمة الأساسية التي يجب أن يضطلع بها التعليم والإعلام وكل وسائط التواصل فلا نهاية لأسباب الخلل في التفكير مما يجعل مهمة إصلاحه شديدة الدقة وبالغة العُسْر ………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…