خطاطة أولى

إبراهيم محمود
ينتحر الضحك عند أول إطلاقة له
على عتبة الفم المنقبضة
أخبار الطقس مصابة بمغص دوريّ
ثمة حمامة ترقب وجه طفل وخطه شيب صارخ
فراشة أقلعت عن النوم في طيرانها الحر
ماذا سأفعل في صمتي ، قالت النار
الحديقة تهجّر أشجارها بعيداً عنها
لم تعد قادرة على الوقوف
وابتسامتها تسند قامتها بالكاد
البلبل يخذله صوته عند أول شجرة تملكتها نوبة
في غفلة عن الأوكسجين العالق من عرقوبه
ثمة فتاة في أول عمرها هجرها نهداها قهراً
لأن الينابيع لم تعد تصعد سلالم الرغبة
العريس يبكي باقة ورده التي داخلَتها كآبة غير مسبوقة
الطرق تضرب عن الاستقامة
الجسور ترمي بأعمدتها بدورها جانباً
لأن الأنهار محبوسة في عقرب ساعة صدئة
تواعد حبيبان عند زاوية تداعت فيها سماء مأزومة
يتحرك بشر منقادين برؤوس عارية الجماجم
يلطم مراب ٍ مؤخرته لأن نهاية الشهر طالت كثيراً
معلم الصف تطارده طبشورة في فراغ المدرسة
يعلن الرضيع أنه لن يكبر مما هو عليه
كم أجهض الزمن تواريخ على مرأى من أرض منكبَّة على وجهها
ها هي الريح تندب حظها لأن الفضاء ضاق بها
الكراسي باتت تتحرش بمؤخرات نساء نسين أسماءهن الساخنة
الأب يعترف لابنه أن أمه حبلت من نملة مجهولة النسب
المكاتب فارغة إلا من قهقهة القدر العاصف هنا وهناك
الزوايا تهرب من أحزان غطت جدرانها بالكامل
العيون تطلق نظرات خلَّبية على وجوه مزيفة
المصلّون أصيبوا بالخرف الشيخوخي
وباب المسجد امتنع عن تسمية جهة الخروج
الحياة تحرث في رمل زمن يلهث ذهولاً
الأمهات يهربن من أطفالهن لأنهم يطلبون الإقامة حيث كانوا
الآباء يلعنون أصلابهم في مهب وباء جعل السماء نفسها قفراً
عدمٌ لا يجارى يتلمظ إزاء الدائر
والجميع يرجون خلاصاً سريعاً في ربيع يسخر منه اسمه
الكون مقبرة تستعد لإيواء الجميع دونما رجعة
الظلام يحتفل بولادة له تمتد في الأبدية…
ليس من تتمة لمَا لم يُقَل بعد..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…