إبراهيم محمود
موتانا الذين لا يشبهون حتى أنفسهم
تعجز المرايا مجتمعة في إظهار ولو مجرد صورة تقريبية لهم
موتانا الذين لا ينامون أبداً
باذلين قصارى جهدهم في حجزنا لحسابهم الخاص دون نوم يستحق الذكْر
كيف أجيزَ لموتهم أن يطلق سراحهم موتى دون موت هكذا؟
حين ماتوا أعلنّا الحِدَاد حسب الأصول
منحنا عيونَنا فترات متقطعة لسكْب الدموع المقررة عليهم
منحنا قلوبنا اجتراع الحزن المناسب إرضاء مصادقاً عليه لهم
جعلنا وجوهنا سحائب يرعد الألم في مساماتها كافة
لبسنا السواد رغم نهارنا غالب السواد
وشرفاتنا المثقلة بحزن غامض ليلي بامتياز
إشعاراً أننا نشاركهم ظلام قبورهم في داخلنا الذي يزرب هزالاً
ذبحنا حيوانات بما فيه الكفاية
سَداداً لدَينهم في رقابنا كي نعيش بنزف ِ أوجاع ٍ أقل
لكن تراب قبورهم الناعم في مطحنة الوداع السفلي
بدا شديد الاضطراب على وقْع حسابات لم تصفَّ حياتياً
أنبأنا الهواء الصاعد بما عجزنا عن الإحاطة به
تُرى ماالذي يجعل موتانا يقلقون حتى الهواء والتراب؟
ماالذي يجعلهم يتنمرون حتى على طبيعة موتهم ؟
ماالذي يُبقي حياتنا منذورة لموتى كان عليهم أن يمضوا في اتجاه واحد؟
لماذا قبورهم تلاحقنا في حلّنا وترحالنا وهم يشوشون على سمائنا وأرضنا؟
وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن نركّز أسماعنا على الحركات الصاخبة من جهتهم
موتانا وحدهم دون موتى الآخرين برعوا في خرق البرزخ المقام بينهم وبيننا نحن الأحياء
أثبتوا أنهم سلالة الذين من يعجز الموت نفسه عن تحرير أي ضبط ضدهم
كان صراخهم يتسلل عبر فتحات النوافذ وشقوق الأبواب
ويفقِدون طعامنا في وجباته الثلاث كل نسَب في قيمته الغذائية
لم تفلح القرى في تهدئتهم ولا الضرب على الصفائح بالمطارق
حتى صغارنا لم يفلح النوم في غمض عيونهم
حتى عتبات بيوتنا الطينية كانت تهتز تحت وقع خطواتهم اللامرئية
كانوا يرددون عن أنهم لن يلتفوا بأكفانهم وحسابهم الدنيوي مجسَّد بأسمائهم
كانوا جماعات، طوائف، حتى أفراداً لم يخف النظر خصومتهم التليدة
كانوا يدفعوننا بظلالهم البلدوزرية غير عابئين حتى بنسائنا الحوامل
غير معطين اعتباراً لأطفالنا الرضع
يرددون أسماءهم المتداخلة والمتشابكة مع أسماء أحياء تبلبلت أرواحها
في أصداء ترسمها صرخاتهم ودبيب أرجلهم يخوضون حروباً حقيقية
على مدار الساعة يزجوننا فيها ولا علم لنا بعلّة هذا الجاري
لا يلتفتون إلى أي من الأحياء بكلماتهم ذات الهمهمات
نشعرهم ينامون معنا، ويحرموننا من أحلام تنسينا لبعض الوقت عسْر حياتنا
أشعرونا بكثافة حضورهم أنهم شركاء في أنفاسنا
في دبيب خطواتنا على أرض تعض على أسنانها عجزاً
في مشاهداتنا للعالم الذي ترسمه حركة الآتي
يصطدمون بنا في خروجنا من بيوتنا ودخولنا إليها
ألزمونا بتحويل الكثير من مسار حياتنا لحسابهم السفلي
شعرنا بعين اليقين أن حياتنا تنزف حقيقتها في كامل حواسنا وأفكارنا
أن شمسنا وقمرنا يظهران ويختفيان في محمياتهم الصامتة والعابسة
أن السماء عينها كانت كمظلة مهترئة بلون التراب الغضاري في مساحات واسعة لا يحاط بها
اضطررنا أن نمشي ووجوهنا إلى الخلف وظلالنا منكسرة
وأصواتهم سافرة في تقطيع أصواتنا
حرْنا في أمر موتانا وعيوننا قد أصابها بله
عما يجعل الموت غريب الأرومة هذا يتلصص على كل نبض فينا
رغم أن دمنا لم يتفاخر يوماً بزمرته في سباق المراتب
ليعلمنا معمّر أنهم ماضون في صراخهم حتى يتأكدوا من أنهم أصابوكم بعدواهم
وكما كان الموتى الذين سبقوهم من زمان سحيق
ستستمرون على هذه الشاكلة حتى إخراج أول عظمة مسكونة بجرثومة العدوى هذه..
هلع مميّز احتوانا ولسان حالنا جميعاً يردد:
كيف يمكن العثور على عظمة وكل جهاتنا ملغومة
وليس لدينا من علْم مؤكد بمرقد هذه العظمة الغريبة
موتانا الذين يستمرون في دمائنا وحساباتنا وأجنّتنا
وها نحن ماضون في ركابهم إلى أجل غير مسمى..!!!
ماالذي يبقينا في ذمَّة موت أصم أبكم أعمى دون كل العالمين؟؟؟