إبراهيم اليوسف.. شاعر سوري مقيم في قطر. مواليد 1960 كتب الشعر منذ وقت مبكر من حياته. نشر بواكير كتاباته النثرية منذ السادسة عشر من عمره..!إ عمل في المسرح المدرسي منذ سن الرابعة عشرة. اشترك في مسرحية (أحكام قرقوش) (الظلال المحرقة) من إخراج أحمد شويش كتب مسرحيتي: (استرنا الله يسترك – الطبيب الأمي) أخرج: مسرحية القنبلة (تأليف رياض عصمت) – الطبيب الأمي (تأليف إبراهيم اليوسف) ترك خشبة المسرح في العام 1980- أصدر خمس مجموعات شعرية هي:
حدثنا عن تجربتك الإبداعية في عالم الكتابة?
ولدت في أسرة تهتم بالثقافة, والعلم, فالوالد- رحمه الله – كان رجل دين, عالماً في الشريعة والفقه, خطيباً, يستظهر الكثير من قصائد الجزيري وخاني وابن الفارض, بل ونتفاً من جكرخوين,بلغته الكردية الأم, وكنت أصغي إليه, سواء في المسجد – أيام الأعياد- أو في بعض الخطب, أنّى تمّت في قريتنا, كان يؤلمه عدم اكتما ل نصاب الخطبة فيها,لصغرها, أو في البيت حين يضع كفّه اليمنى على أذنه, ويستظهر القصائد بالعربية أو الكردية, أو الفارسيةالتي – على قلّتها أيضاً كغيره من مجايليه- من تناولوا دروس الفقه على أيدي أساتذته النقشبنديين, بعد أن تخرّج من مدرسة أبيه الشيخ إبراهيم ذائع الصيت. تلك الطقوس, تحديداً استهويتها, وكنت أحاكي أبي ببغاويًّ أؤلّف كلمات قد لا يكون لها معنى, قبل دخولي المدرسة, ولأبدأ بالكتابة فور تعلّمي القرآن الكريم, على يديه, كي أكتب مقطوعات, ما, أعود إلى أبي, فأقرأها عليه, حيث يشجعني, إلى أن أنفلت من بين يديه حين أكبر, وأكتب في قضايا لم تعنّ له على بال, وهو يدبّج نبوءاته حول شخصي, منذ أن ولدت, بل منذ حلم جارنا: سليمان محلو الذي رأى في منامه أن اسمي تقيد في سجلات النقشبنديين, ليلة ولادتي ومن ثم لتبدأ رحلة الكتابة, بشكل عفوي, أراسل المنابر, على قلّتها, أقيم احتفالات شخصيّة, أنّى نشرت لي مادة ما, أسهم في الأماسي التي تقام, وأنا في الرابعة عشرة من عمري, أكتب في المسرح, أنخرط – فتحت سطوة القلق العارم- في لجة الإخراج والرسم, وأكتب القصيدة الأولى في الأنثى المتخيّلة, راكضاً في مداراتها حتى هذه اللحظة من دون توقف.
للغربة صقيعها المدوّي.. وأنين الشعراء يكبر حين يبتعد عن حقول الوطن.. برأيك كم يلزمك ورد من قصائدك لجرح الوطن اليوم?
هذه أولى تجربة لي في الغربة المريرة, حيث وجدتني مضطراً للخروج عن مدارات المكان الأثير, ووجوه أناسي, وأهلي في قامشلي,بل وطفلي الصّغير: أيان الذي يركض في أول كلّ صباح فور نهوضه من سريره, تجاه غرفتي الملاصقة, مناديا: باباااا من دون جدوى, كي يبدأ وجبة بكائه اليومية, وهو يحمل على ظهره الغضّ سياط عامين لمّا يكتملا بعد, كي تسري عدوى بكائه في عروقي وأنا, هنا, أتوه عن الكتابة, بل ليكون هذا الحوار أولى مادة لي, بعد شقاء ساعات الغربة المضنية,منذ أن ضاق المكان بي, فلم أستطع أن أواظب على صوت من أحبّ على الهاتف الذي بات يخرس, نتيجة ضيق ذات اليد, و أسئلة الأبناء الكاوية: دافعاً ضريبة الكتابة على أقسى نحو, بحيث بات الأبناء يساطون يومياً في تلك الدوّامة, دوامة العوز, حيث الأهلون لا يزالون يتفرّجون على كاتبهم, يصطلي وحيداً, يقرأون عليه وظائفه اليومية المطلوبة منه, من دون معرفة مديات أسئلة همّه وأسرته التي تتفحم يوما بعد آخر أحلامها..! هل يصلح كل هذا مادة جديدة للكتابة? هذا هو سؤالي, دائما لأعود بالتالي, أتابع صوغ ما لا أستطيع الفكاك منه حول جراحات الأهلين والوطن.
من خلف ظلالك المحترقة بالأمس.. هل توحدت مع ظلالك اليوم?
لأعترف لك أيها الصديق, أنني الآن لم أزل ذاهلاً أمام مغامرتي الجديدة,غير مصدق حقيقة أمري, وأنا الذي اخترت بلداً آخر, أعمل فيه, لأحافظ على ماء الوجه, مادام رنين صوت الإمام الشافعي يرن في أذني: ” إن احتجت بصلة ما عرفت مسألة “أجل, من دون أن أعي تماماً: أين أنا, وذلك لأنني كنت أرفض السفر إلى أي بلد أوروبي, حيث قد أغترب بأكثر عن اللحظة والمكان, هناك, رغم قساوة الخيار الصعب و لاسيما أن أمراضا باتت تنهض للتو, أولها ديسك الظهر اللعين, لكن, لا بأس, عسى أن أستطيع التقاط أنفاسي, ولا سيما أن الخروج كاد يكون محالاً من هناك,من مسقط الذكريات, بسبب ضريبة الكتابة المشرفة, لولا جهود أناس رائعين, لن أنساهم من الوطنيين الأشاوس, وهم معروفون للشارع, ولمن حولي..!أما في ما يتعلق بالتوحّد, فأؤكّد: أنى لي ذلك.. . كله.. أنى..!
ما بين القصيدة والإخراج والصحافة أيهما يفكّ شيفرة كيانك الذاتي?
آه يا عزيزي, إنه السؤال نفسه الذي أطرحه على نفسي, وأنا مبعثر الروح بين القصيدة والمقال في غياب المسرح الذي توقفت بسببه مع فرقتي, قبل ثلاثين عاماً, فهجرته.!بيد أنني أستطيع أن أؤكد لك أن للقصيدة والمقال في آن واحد, ثمة مكاناً في روحي, أحدهما يقول أشياء اللحظة, والآخر يريد التأسيس أبعد من ذلك, منطلقاً من حرم اللحظة, ووجعها, وحلمها نفسه
ما هي ملامح المرأة في قصائدك?
المرأة هي كل قصيدتي بيد أن تناولي لها يأتي مختلفاً غير صارخ, كما قد يتم, حيث لا خلاص من أصابعها الريحانية, وهي تسهم معي في تخيّر مفردات عمارة النص, لبنةً لبنةً, كي تمسحه, وتعيد نفخ الحياة فيه, غير أن ارتطام مشورة روحي التي أريدها حاضرة في كل ذلك, ومن هنا, فلا قصيدة أكتبها, إلا وكانت ثمة أنثى لها علاقة بها, بهذه الدرجة من ألق الحضور, أو سواها, فلا قصيدة لدي البتّة من دون أنثى.. .. ..!
هل أنت راض عن الإعلام المحلي في نقل المثقف السوري إلى أنحاء العالم?
للأسف إن الإعلام السوري, بات نتيجة طبيعته, محكوماً بعوامل عدة تمنعه من ممارسة دوره, داخلاً وخارجاً, ولعلّ هؤلاء المثقفين الذين نالوا حصة إعلامية, عربياً أو عالمياً, لم يتوصلوا إلى ذلك إلا نتيجة عوامل أخرى, مختلفة,أو تم ذلك في فترات زمانية سابقة, وإلا فإن كوكبة مهمة من المبدعين السوريين بقيوا مجهولين من قبل جمهرات القراء على رقعة خريطة العالم, ولم يتمكن إلا من ارتكب مغامرة الهجرة, من كسر الشرنقة التي هم فيها, وهو ما بات يتأزم في السنوات الأخيرة, بأكثر, لولا الفضاء الذي فتحته الثورة المعلوماتية, وخرج إثرها كثيرون من وراء ستر العزلة, ليتواصلوا مع العالم
ما هو جديدك المرتقب على صعيد الإصدرات الإبداعية?
ثمة مخطوطات كثيرة لدي, لم أجد أي دافع لطباعتها, ومنها ما هو مصنف في اتجاهات عديدة يمكن لأي باحث في أي محرك بحث العثور على بعضها, ولعل سبب ذلك, هو إحساسي- وهو خاطىء- بأن المادة بعد نشرها, لم تعد لي بها علاقة, وإذا كانت جديرة, فإن القارىء سوف ينصفها بطريقته, لأنني بتّ أرى بأن مواد كثيرة لي, ضاعت, ويبدو أن الذاكرة الألكترونية, باتت تشيخ, أو إنها لا تقوى الحفاظ على مولود, رماه أبوه في أزقتها, وشوارعها, وأحيائها, من دون أن يكترث به!
—–
جريدة العرب اليوم