التعليم ليس تربية

ابراهيم البليهي
حين نادى الفيلسوف فخته بتغيير الأمة الألمانية لم يوجه نداءه إلى المعلمين فهؤلاء يقدمون معلومات باردة تفتقر إلى حرارة الوجدان يتجرعها الدارسون بمرارة فيلفظونها بعد أداء الامتحانات إن التعلُّم دون شغف يُنتج الخواء لذلك فإن فخته قد وجَّه نداءاته إلى الشعب الألماني بأكمله من أجل استنفار طاقته ليكونوا أمة مستثارة ومستفزة ومتحفزة …..
      يبين الفيلسوف الإلماني شيلر  بأن التعليم مقنن فهو يُكَوِّن إمعات أما الإبداع فيتطلب جيشانًا ذاتيا يحرك الأفراد من أعماقهم ….
لو راجعنا تاريخ الأمم وتاريخ العلم وتاريخ الإبداع لظهر لنا بوضوح شديد أن مشاعل الفكر وقادة الفعل لم تصنعهم المقررات التعليمية الرتيبة وإنما صنعهم الاهتمام التلقائي القوي المستغرق ……
مشاعل الفكر وثبوا خارج الأطواق التعليمية وعملوا على تغيير الواقع بما في ذلك محاولة تغيير  أساليب التعليم ولكن خواء النتائج مستمر ……
مؤسس علم الاجتماع أوغست كونت لم يتلق أي تعليم جامعي ومع ذلك أسس علمًا وأثَّر في أجيال متتالية وما يزال …..
هربرت سبنسر لم يتلق سوى تعليم أولي وكان لا يؤمن بالتعليم المقنن ويرى أنه لا يمكن أن يسفر إلا عن الخواء فاعتمد على نفسه فصار أشهر فلاسفة عصره ومن يراجع تاريخ الفلسفة سيجد أنه يتم إفراده بفصول مطولة وقد امتد تأثيره إلى كل العالم ومثله برتراند راسل ….
التعليم هو السبيل إلى الوظيفة لكنه ليس السبيل إلى التفكير الخلاق ولا إلى الإبداع …..
وحيث أن الإبداع في مجالات الفن لا يخضع للتحكم فإننا نجد أن معظم المبدعين كانوا من الذين لم يخضعوا للتطويع التعليمي وإكراهاته إن أكثر الفائزين بجائزة نوبل في الأدب هم من الذين نجوا من التأطير التعليمي …..
      إن من يراجع تاريخ الإبداع الأدبي سوف يجد أن معظم المبدعين قد علَّموا أنفسهم فنجوا من أطواق التعليم ومنهم على سبيل المثال بلزاك وديكنز وفولبير وهوجو وهمنجواي واستاندال وفوكنر وبرناردشو وإبسن وأورويل وأندريه جيد وماركيز وغيرهم …..
ديكارت ثار على ما لقنته إياه المدرسة اليسوعية فصار عنوانا على الحداثة وروسو لم يتلق سوى تعلُّم القراءة والكتابة ولكنه قاد أجيالا من رجال الفكر وما يزال مؤثرًا …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…