خارج مسقَط الاسم

 

إبراهيم محمود

 

-1-
أيتها الممتلئة سماوات معطَّرة بالضحك والشجر
أيتها التي كان حلمها ذات يوم
يغذي قصيدتي بالنهارات المفلترة
ماالذي يشدك إلى قلب
قلبي أنا
الذي بات نقطة تبحث عن حرف
وجهاً ينشد صورته الهائمة في الجهات
خطى خذلتها جهات غادرة
ومهربون غفل من الاسم
قلبي
أرض مكلَّلة بالخراب والحرارة الصفيقة
رحلت عن نطاقها الينابيع
حتى العقارب لاذت بجهات مجهولة
عاث فيها أولو أمرها بؤساً غير مسبوق
تنكرت لي جذوعها المخنوقة وقوفاً
أخطأت ِ في عنوان قلبي هذا
قلبي المصادَر منذ زمان سحيق
عمري أنقاض ذكريات من عمَّدوا تربتها بأحمرهم القاني
طفولتي استحالت حطبة متفحمة
صوتي نهر تجمَّد
تتزحلق عليه رياح منفلتة من عقالها
-2-
أيتها المأخوذة من شعرها الذي كان الليل يؤمّه للاستجمام
عن أي صدر تبحثين لتفرغي حنينك الذي أمضه زمن طويل
صدري تربة متشققة حتى السحالي خلفتها وراءها
صدري الذي انفتح أفقاً لوطن انقض على صورتي بشراسة
قرّعني محذراً إياي أن آتي على ذكر اسمي ثانية لها
زيادة في التنكيل أركبني بذاته حماراً بالمقلوب
لأكون عبرة لمن اعتبر
ورمى بي بعيداً في متاهة نسيان شامت ٍ بي
رأيت عينيه قوقعتين تشيران إلى ظلام هادر داخلهما
صرخ كامل جسدي المتداعي:
أبوس صرمايتك يا وطن
فقط دعني ممسكاً بأذيالك
لتشهد أني معروف بك
لأفترش عتبتك إلى قيام الساعة
رد على صرختي الواهنة بصرخة متقطعة:
وهل تركوا صرماية في رجْلي
وهأنتذا تراني حافياً
هتفت:
استرني إذاً بخرقة من حنانك الأمومي
رد ساخطاً:
وهل تركوا ثوباً علي لأحضنك
هأنتذا تراني عارياً
توسلت مقشعر الروح:
طهرني بدمعة منك
ردد بوجع مدوّ:
وهل أبقوا على عيني لأتعرف عليك
فكيف تطلبين مني ولو صدى من وطن
كنت أتوسده ذات يوم؟
-3-
أيتها التي جعلتُ خلاياي مساكن لها ذات يوم
عن أي إقامة تسألينني
وأنا جسد معطَّل من الجهات
تتقاذفه حدود العالم
تستهدفني الكلاب البوليسية بين الخرائب والقبور
تتوسلين حرية بين يدي
لأُلبِسك ظلاً في غابة محروقة بكاملها
ويداياي ممدوتان في خواء أعمى
وروحي تناشد قابض أرواح لأنهي عمراً
لم أعد أطيقه
وهو نفسه يئس من جسد لا قوام له
بين لغات لا تستدرجه في قوائمها الاسمية
ومازلت تصرّين على أنني معلوم بوطن
لتصلي بي وأنا موصول بخيبات الأمل
بأناس كنت وإياهم نغترف من آنية اللغة عينها
فأحالوني الاسم المجهول الممنوع من الصرف
لأصبِحَ محكوماً بليل غليظ السواد طويله
لأخشى النظر ورائي الملحيّ بامتياز
أقل من تسمية وحيد في عالم نبذه جمْعه
أصغر من كائن التبس عليه نوعه وجنسه
على وشك التلاشي
فلا تحمّليني جرحك العضال
وقد أريتك ِ إياي جسداً هو
مجرد شبح ليس إلا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خوشناف سليمان

في زقاقٍ منسيٍّ على هامش أطراف عامودا. كانت خالة زريفة تسند ظهرها إلى الحائط الطيني. ترقّب الغروب كمن يترقّب رحمة السماء. ليس في البيت إلا كأس من الأرز. و بعض الخضرة. ووجوه ثلاثة صغار أرهقهم الجوع. و لم يجرؤ أحدهم على النحيب.
ذلك اليوم. دخل الضيف.
لم يكن متطفلًا. بل قادمًا ليسأل عن…

ا. د. قاسم المندلاوي

الفنان “ايوب علي”
وهو مغني وموسيقي، ولد عام 1973 في ناحية “سنكاوي” منطقة كرميان – السليمانية. درس علوم الهندسة الميكانيكية في كلية الهندسة – جامعة صلاح الدين – اربيل، وحصل على شهادة بكلوريوس عام 1998.

بدا مشواره الفني اثناء دراسته الجامعية، وسجل عددا…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…