Hisen65@gmail.com
ربما من الصعوبة على المرء أن يعمل في الحقلين الثقافي والسياسي معاً وان يوفق بينهما بموضوعية كما أكد ذلك الأستاذ (بير روسته م) من خلال كتاباته وخاصةً في داخل هذا المشهد الكردي والكردستاني المحمل بتأثيرات وتحولات سريعة ومربكة. من هذا المنطلق كان لنا معه هذا الحوار السريع…؟
من يكون الأستاذ (پير روسته م) الكاتب والسياسي والإنسان..؟؟
من حيث الانتماء الحضاري والجغرافي نستطيع وبكل بساطة أن نقول: بأنه أحد أبناء هذه المنطقة والثقافة الشرقية – الكوردية تحديداً – ويحاول أن يتعرف على الملامح الأساسية لهذه الحضارة التي تضرب بجذورها في عمق تاريخ المنطقة إلى حيث كان الميديين والميتانيين والزاغروسيين وبقية السلف والأجداد الذين سكنوا كهوف (شانيدار) و (دو ده ري) وبنوا أكواخهم الأولى على تلال وروابي هذه المنطقة.
فكانت أول قصة تنشر لي بعنوان (النسيان – Bîrkirin) وباللغة الكوردية والأحرف اللاتينية في العدد (17) لعام (1990) من مجلة (أستر – (STÊR والتي كانت عائدة لحزب الاتحاد الشعبي الكوردي في (سوريا) وكوني كنت أحد رفاقهم الحزبيين آنذاك فكان من الطبيعي أن أساهم في إعلام الحزب ولاهتمامنا بالجانب الكوردي فقد عملت فترة في مجلة (STÊR)، كما نوهنا قبل قليل، وكذلك شُكِلت لجنة خاصة داخل الحزب تهتم باللغة الكوردية وكنا أحد أعضائها إضافةً إلى نشاطنا وسط الطلبة في جامعة حلب؛ حيث كنت في المكتب الطلابي والعائد للحزب وكنت عضو العلاقات العامة مع كل من المنظمات الفلسطينية وخاصةً (الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية) وكذلك مع عدد من الأحزاب الكوردية منها (حزب العمل الكوردي – آنذاك) وهكذا فكان لنا شرف المشاركة في عدد من الفعاليات وسط الطلبة في جامعة حلب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي إلى أن ابتعدنا عن الجامعة في عام (1990) وكنت حينها طالباً في السنة الرابعة.
وهكذا تنتهي مرحلة من حياتنا كان عنوانها البارز العمل السياسي وسط الجامعة ولتبدأ مرحلة جديدة ويمكن اعتبارها كردة فعل على التزمت الحزبي الصارم، حيث كان نوع من السلوك التمردي على القيم والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية التي كانت – وما زالت – سائدة في مجتمعاتنا؛ وهكذا كان الفترة تلك يمكن اعتبارها نوع من التسكع والتشرد (التسول) وسط أزقة وشوارع مدينة حلب، حيث كنا قد تركنا الدراسة في الجامعة من جانب ومن الجانب الآخر كان الحزب (أي حزب الاتحاد الشعبي) قد أنشق على نفسه وكان أكثر الرفاق قد أصبحوا خارج الكتلتين – أي أصبحوا في البيت كما يقال في اللغة الدارجة – وكنا من بينهم، ومن طرفٍ ثالث كنا مطلوبين لخدمة العلم ولم نسلم أنفسنا وهكذا كنت بعيداً عن البيت والأسرة ولا نملك شهادة أو وظيفة ولا مهنة أو رأسمال لدينا لندير به شؤوننا المعيشية وبالتالي فكانت كل الظروف مهيأة لأن نعيش حياة التسكع والتشرد – كما أسلفنا سابقاً – فكان الأدب والتشرد والعيش – بعد أن تخلى عنا كل الأصحاب والخلان – مع صديقٍ لنا أسمه (سليمان رفعت) في سقيفة دكانٍ عائدٍ لهم مساحتها، مع الأقسام الخدمية لها، لا تتجاوز (20) عشرون مترا.
وهنا وفي هذه الأجواء والتي اتسمت بعنوانين بارزين: الفقر والتسكع وبمساعدة امرأة وصديقة رائعة؛ (يارا) كانت بداياتنا الحقيقية الأولى مع الأدب واللغة الكوردية حيث كانت المجموعة القصصية؛ الأولى (العصافير المجهضة – ÇIVÎKÊN BERAVÊTÎ) والتي طبعت عام (1990) وبمساعدة فنية من مجلة (آسو – ASO) وكذلك المجموعة الثانية؛ (العنكبوت – PILINDIR). وهكذا استمر التسكع والانتقال من بيت صديق لبيت صديقٍ آخر إلى أن يبدي هو الآخر امتعاضه وبأنه لم يعد قادراً على إيوائنا عنده فنبحث عن (صديقٍ) جديد لننتقل إلى عنده ونبات في بيته بعضاً من الأيام. وهنا أود أن أذكر فقط حادثة واحدة من جملة الحوادث والأزمات التي عشناه تلك الأيام لنعطي صورة عن حياتنا تلك – ولو أن الصورة، حتى الفوتوكوبية منها، لا تعبر عن الواقع المعاش – فقد كنتُ عائداً في تلك الليلة من مدينة (قامشلو) حاملاً مجموعتي الثانية – كأي عطارٍ متجول – فوق كتفي؛ حيث كنا كغيرنا من الكتاب (المستقلين) نكتب ونطبع ونوزع ومن ثم نتسول ونشحذ ريعها المادي (القيمي) وسط دائرة الأصدقاء من المهتمين والكتاب وفي هذه كنا عالة على أولئك الناس الدراويش (المنتوفين اقتصادياً) ومن دون أن (يُجبر) بخاطرنا حزب سياسي كوردي ويشتري بعضاً من تلك المطبوعات التي كنا نحاول أن نحيي من خلالها اللغة والثقافة والأدب الكوردي وبالتالي أن تحمل (أي الحركة السياسية الكوردية بأحزابها) بعض العبأ عن الكاتب الكوردي.
المهم، لنعد إلى حكايتنا؛ حيث وصلنا بالقطار إلى حلب من (قامشلو) بحدود الساعة الواحدة ليلاً فأتيت إلى بيت الصديق الذي كنا نبات عنده قبل مغادرتنا لحلب فلم نجده فاضطرنا للبحث عن بيت جديد لنبات فيه وهكذا لم نفلح في العثور على أحدهم، إلى أن كان الطرق على باب شخص؛ (زهر الدين) لم نكن نعرفه معرفة جيدة – أصبح فيما بعد من الأصدقاء والمعارف، ولكن حينها لم نكن التقينا إلا مرة أو مرتين بالأكثر وعند أحد الأصدقاء – بل وصل الأمر بنا في أحايين كثيرة إننا كنا نتقصد الذهاب إلى بيوت بعض الأصدقاء، وخاصةً الموظفين منهم وفي فترة عودتهم من الدوام، لنشاركهم في (طاولة غدائهم).
استمرت حياتنا هكذا إلى أن كان عام (1994) حينها كنت قد تعرفت إلى صديقة جديدة (سامرة) – والتي أصبحت فيما بعد رفيقة دربنا – وذلك من بعد مشاكل عاطفية عدة والتي تفجرت من خلال علاقتنا الأخيرة بصديقتين (يارا) و (راشيل) في الآن ذاته ومساهمة بعض (الأصدقاء) في افتعال أزمة وخلاف بيننا نحن الثلاثة؛ بحيث جعلوا الاثنتين تلتقيان معاً عندي وبالتالي انفجر الوضع وكان الافتراق عن الاثنتين معاً من بعد أن خُيّرنا أن نختار إحداهن ونترك الأخرى (للريح) والوجع. وهكذا كانت بداية جديدة مع حياة اجتماعية وأدبية مستقرة، تكللت بالانتهاء من خدمة العلم (الجيش) والزواج؛ حيث لي طفلتان (أستر) و (مايا) وهما أروع (إنتاجٍ) لنا على الإطلاق. وإضافةً إلى النتاج السابق ومن بعد المجموعتين القصصيتين الأولى والثانية، كانت الأعمال التالية وحسب التسلسل الزمني لها:
– (النحات – PÛTVAN). مجموعة قصصية، إصدار خاص في عام (1998).
– (شعاع الماء أو الماء الثقيل – TÎRAV). مجموعة قصصية، من منشورات (سبي رز – SIPÎRÊZ) دهوك – إقليم كوردستان (العراق) عام (2000).
– (طفولة مرآة وأشياء أخرى – ZAROTIYA NEYNIKEKÊ û tişti din). رواية – كتاب الكتروني.
– (ثقافة الخوف وإمبراطورية الدم – ÇANDA TIRSÊ Û IMPERETORIYA XWINÊ). دراسة في الفكر والتاريخ الإسلامي – كتاب الكتروني.
– (التراث الشفهي في عفرين – ZARGOTINA EFRÎNÊ). إعداد وتجميع – كتاب الكتروني.
– (الهفبرات – HEVBERAT). مجموعة حوارات وباللغتين الكوردية والعربية ولذلك جاءت التسمية تلك من الكلمتين (HEVPEYVÎN) الكوردية و(الحوار) العربية – كتاب قيد الإعداد.
ومنذ عامين أو أقل بقليل نعمل في السياسة كتابةً ونشاطاً – مع العلم إننا لم ننقطع يوماً عن السياسة حتى في فترة التسكع والتي دامت أربع سنوات، أيام العمل في الكتابة الأدبية؛ حيث أي نشاط ثقافي وخاصةً باللغة الكوردية في سوريا يعتبر نشاطاً سياسياً – ولكن منذ عامين، كما قلنا قبل قليل، عدنا إلى صفوف الحركة السياسية الكوردية، وبدأنا نشاطنا الجديد هذا ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) وقد انتخبنا في المؤتمر الأخير (العاشر) للحزب كعضو للجنة المركزية للحزب (بصفة احتياط). وهكذا فإن جل كتاباتنا الأخيرة هي باللغة العربية وفي حقل الفكر والتحليل السياسي، حيث – وللعلم – كل كتاباتنا السابقة كانت باللغة الأم (اللغة الكوردية) وبالأحرف اللاتينية، وإضافةً إلى نشاطنا السياسي هذا ومن أجل المعيشة وإدارة الحال فإننا نعمل في حقل التجارة. هذا هو، وبشيء من الإطالة، (پير روسته م) الإنسان والكاتب والسياسي.
(پير روسته م) ما الأسباب لإطلاقك أنثى الإبداع.. وإيهامك بأرملة السياسة.. . كيف حدث ذلك وهل لنا أن نعرف خبايا هذا الطلاق..؟؟
من خلال (المشوار – المعاناة) الأدبية والسياسية لنا وعلى امتداد الفترة الزمنية الماضية من (حياتنا) وكذلك على امتداد رقعة هذا الوطن وهذه المعاناة، وبعد التجربة السياسية في إقليم كوردستان (العراق) والمشاهدة العيانية للحالة الكوردية هناك؛ بحيث أين كانوا وأين أصبحوا اليوم وفي مختلف جوانب الحياة السياسية منها وكذلك الثقافية والاجتماعية والاقتصادية و.. غيرها من الجوانب، فقد تأكد لنا بأن لا حياة لشعب وأمة ولا تقدم وتأسيس لحالة ثقافية – أدبية وكذلك اقتصادية واجتماعية من دون أن تنال تلك الأمة وذاك الشعب لحقوقه السياسية؛ بمعنى أن تحقيق ذات الأمة وهويتها الحضارية تبدأ من تحقيق الحقوق السياسية لها. فهي (أي تأمين الحقوق السياسية) لشعبنا الكوردي في هذا الإقليم تعتبر بوابة الدخول لحل كل المسائل والمشاكل العالقة له، حيث من دون ذلك لا يمكن أن نحقق نهضة فكرية وثقافية حقيقية وكذلك تنمية اقتصادية أو اجتماعية. لذلك كان حرياً بنا أن نساهم – وحسب إمكانياتنا المتواضعة – في تقريب (الساعة المنشودة) تلك، فكان لجوؤنا إلى أحد أطراف الحركة السياسية الكوردية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) وذلك لقناعتنا بأنه الفصيل الأكثر ترشحاً بأنه قادرٌ في المرحلة الحالية بأن يحقق الحلم الكوردي وقد بينا وجهة نظرنا هذه في أكثر من مقال سياسي كتبناه في المرحلة الأخيرة من نشاطنا السياسي ويمكن للقارئ أن يعود إليه، وهنا نود أن ندعو كل الكتاب والنشطاء والمفكرين والاقتصاديين والشخصيات الاجتماعية وكذلك رجال الدين للالتفاف حول الحركة السياسية الكوردية في (سوريا) وأن يساهم كلٌ حسب إمكانياته وقدراته في المشروع السياسي الكوردي.
كيف حدث مجيء الأستاذ (پير روسته م) إلى فضاءات السياسة.؟!
هل كنيزكاً طارئ أم بدراية مدروسة..؟؟ هل بالامكان أن يحدد لنا مكامن السياسة الكردية بدقة في هذا المشرق الكربلائي المخيف…؟؟؟
كيف حدث أن جئنا إلى السياسة نعتقد إننا أوضحنا ذلك من خلال سؤالكم السابق، أما فيما يتعلق بدخولنا هذا الفضاء السياسي “كنيزك طارئ” أم “بمعرفة أكيدة” فإننا نحيلكم مع القارئ الكريم إلى كل كتاباتنا في حقل السياسة ووضع الحركة السياسية الكوردية في (سوريا) تحديداً وعندها يمكن أن نعرف هل (عبورنا في فضاء) السياسة الكوردية هي (حالة طارئة) ووقتية، كما النيزك تعبر ولفترة وجيزة هذه السماوات الشاسعة الواسعة، أم إننا نحاول أن نؤسس مع الآخرين من السياسيين والمفكرين والكتاب الكورد لحالة معرفية وأخلاقية جديدة في الساحة السياسية الكوردية تؤكد على أن الأولوية هي للقضية والمسألة الكوردية وليس للحالة الحزبية – القبلية الضيقة. وبالتالي العمل على البدء بتأسيس أحزابنا وفق منهجيات فكرية تنسجم وتتلاءم مع طموحات شعبنا من جهة ومن الجهة الثانية تنسجم مع روح العصر؛ عصر التقانة والحداثة والمؤسسات والفكر الديمقراطي الحر واحترام رأي الآخر. ونعتقد بأن من يتابع من أبناء شعبنا الكوردي في (سوريا) وكذلك الأصدقاء والأخوة والأشقاء في الأحزاب والمنظمات الأخرى، إن كانوا في الداخل أو الخارج، فإنهم ومن خلال مسيرة (البارتي) الأخيرة وخاصةً مؤتمره العاشر، يلاحظون مدى النشاط والتغيير في البرنامج والمنهاج السياسي للحزب بشكلٍ عام، وهذه كبداية يعتبر خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح ولكن بحاجة إلى المزيد من الخطوات الجادة والجريئة وهذه تحتاج لمرحلة لا نعتقد إنها ستكون طويلة مقارنةً مع التاريخ النضالي للشعوب في سبيل نيل حقوقه القومية والديمقراطية وكذلك الإنسانية.
أما ما يتعلق بخصوص السؤال عن (مكامن السياسة الكردية) فلا نعتقد بأن شخص مرشح بعينه للإجابة على هكذا سؤال، ولكن يمكن لنا أن نؤكد – وكما لكل فعل ونشاط حياتي، إن كان سياسياً أو غير ذلك – مكامن قوة وكذلك مكامن الضعف؛ حيث – وبرأي الكثيرين – إن أكثر عامل ضعف في جسد الحركة السياسية الكوردية في (سوريا) تكمن في حالة التشتت الكوردية بين مجموعة وطيف واسع من الأحزاب والمنظمات – وجلها، إن لم نقل كلها – لا فاعلية لها، بل البعض منها لا قاعدة حزبية، ناهيك عن جماهيرية لها، مما يخلق (هذا التشتت والتعدد الاسمي للأحزاب الكوردية) نوع من الإرباك عند الإنسان الكوردي ليدفع إلى رأسه جملة أسئلة: أولاها – هل نحن بحاجة إلى كل هذه الأسماء (الأحزاب) في هذا الإقليم الكوردستاني (الصغير) ومن يدفع إلى هذا الانقسام (البرامسيومي) – على حد تعبير أحد الزملاء – في الجسد الكوردي المنهك والمنتهك أساساً نتيجةً لحالة الاستلاب التي تعيشها القضية الكوردية (أرضاً وشعباً).
وهكذا – وكما في الفلسفة نؤكد؛ على أن المقدمات الخاطئة تعطي نتائج خاطئة – فإن هذه المقدمة الخاطئة في الحياة السياسية الكوردية (التشتت الحزبي الكوردي) أدت إلى نتائج كارثية على مستوى القضية الكوردية في هذا الإقليم الكوردستاني من حيث الطرح والسلوك السياسي الاستسلامي، وليس المسالم، وذلك تجاه السلطات المتعاقبة على الحكم في البلد، والعدائي – في الآن ذاته – تجاه أطراف الحركة الأخرى، وكذلك افتقار برامجنا السياسية للقراءات الحقيقية والتي تشخص الحالة الكوردية في (سوريا) وذلك بحجة الموضوعية في الطرح أو ما تعرف بـ(الواقعية السياسية) عند بعض السياسيين والتيارات الكوردية، وهكذا انخفض سقف الطرح السياسي من (تحرير وتوحيد كوردستان) والذي طرحه (البارتي) عند تأسيسه في عام (1957) إلى بعض – ونؤكد هنا على “بعض” – الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية (للأكراد) في سورية والتي تتحقق، في رأيهم، من خلال المواطنة.
أما بخصوص نقاط القوة، فنعتقد أن القضية الكوردية – وكذلك الحركة السياسية الكوردية عموماً، وليس في (سوريا) فقط – تمتلك قوتها أولاً من عدالة قضيتها وثانياً المناخ السياسي العام السائد في العالم – وخاصةً بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفرد القطب الواحد (أمريكا والعالم الغربي معها) – والذي يدفع باتجاه حل القضايا العالقة في العالم ومنها قضايا الشرق الأوسط، بل وفي مقدمتها. وكذلك فإن لإقليم كوردستان (العراق) وحكومته دوراً معنوياً كبيراً لدى أبناء شعبنا في عموم أجزاء كوردستان وحتى في المهجر والشتات، بالإضافة إلى الدور الفاعل للجالية الكوردية في المهجر وأيضاً فإن التقنية والثورة المعلوماتية يلعب دوراً كبيراً في إيصال رسالتك إلى الآخرين وبالتالي القدرة على الحركة والمناورة، إن صح التعبير. هذه كلها وعلى رأسها إيمان الشعب الكوردي بقضيته القومية تجعل للحركة السياسية الكوردية وأحزابها المختلفة (مكامن قوة) وتعطيها زخماً سياسياً حقيقياً تحسب لها، كل من المعارضة والسلطة، حسابات حقيقية في معادلاتها السياسية في المنطقة، وما على الحركة الكوردية إلا أن تدرك هذه الحقائق والوقائع السياسية لتجعل من ذاتها قوة سياسية لها وزنها في المعادلة وميزان القوى.
اللذة الكتابية وتفاعلاتها الروحية عند الكاتب والسياسي (پير روسته م) هل بالامكان أن يحدد لنا مكامنها بدقة في دواخله..؟!
الحياة كاملةً تعتمد على مبدأي اللذة والفائدة، بل المتشددون في الجانب الحسي يجعلون (اللذة) المبدأ الأوحد في الكون والذي يقف وراء كل أعمالنا وأفكارنا وقيمنا وأخلاقياتنا؛ أي بمعنى أن كل شيء يعود إلى (اللذة) ومدى انسجام هذا الفعل أو ذاك مع رغباتنا وشهواتنا. وبالتالي فإن مسألة (اللذة) هذه تعتبر حالة حيوانية – إنسانية مشتركة، ولكن هناك من يتلذذ بحالة العنف وارتكاب الجريمة وقطع الرؤوس والأعناق – كما تفعلها، هذه الأيام وكذلك سابقاً، القاعدة والجماعات الأصولية المتشددة والمتطرفة في كل من العراق وأفغانستان، بل وكل بقعة في العالم يقدرون على إيصال الأجساد والسيارات المفخخة والتي يفجرونها في أجساد ضحاياهم من الأبرياء – نعم.. أولئك أيضاً (يعيشون حالة اللذة) ولكن البون شاسع بين تلك الحالة وحالة (لذة الإبداع) لدى الكاتب والتي يلمسها في روحه بعد أن ينتج فكراً نيراً في خدمة الحضارة الإنسانية وليس فتوى (دينية – أيديولوجية) تبيح قطع الأعناق.
وهكذا وككل كاتب وسياسي – نقولها بتواضع وإن كنا فعلاً نملك تلك الملكات ونتمتع بها – فإننا نبذل جهدنا وكل طاقاتنا وإمكانياتنا اللغوية والثقافية الفكرية في تحليل المسائل والقضايا التي نود معالجتها خلال نص ما لنعطي (منتجاً كتابياً) نرضى نحن أولاً عنها ويكون كذلك مقبولاً (جماهيرياً) من القراء والوسط الذي نتوجه إليه بخطابنا السياسي – الثقافي. ولكن تلك (اللذة) الاحتفالية التي يعرفها (أي مبدع) في بدايات اشتغاله في حقل الكتابة، ومع مرور الزمن، يفقدها وتصبح المسألة نوع من العمل الروتيني الاعتيادي مع الاحتفاظ ببعض النشوة (واللذة) وذلك بعد الانتهاء من كتابة أو إنتاج أي نص (سياسياً كان أم أدبياً)؛ بما معناه أن احتراف عملاً ما يفقدها الرونق و(اللذة).
لمن يكتب الأستاذ (پير روسته م) أصلاً..!!
للحب.. للعشق.. للروح, للفضيلة, للعفة, للجمال, للطبيعة، للقداسة الإلهية أم للفقراء والجياع والمكبوتين, واليتامى والمحرومين في هذه الجغرافية الكردية المكبوتة..؟! أم لذاته.. لروحه.. لإنسانيته..؟!
إن بسؤالكم هذا قد مزجتم بين (عن ما نكتب) و(لمن نكتب)؛ حيث هناك مواضيع هائلة وغير محددة كالأمثلة التي أوردتموها من (الحب والعشق والروح والفضيلة والعفة والجمال و.. الفقراء والجياع والمشردون والمقموعون وقضايا الشعوب وحقوقها الإنسانية والقومية..) وإلى ما لا نهاية من المواضيع وذلك أمام أي كاتب، وكلٌ حسب موقعه واهتماماته، ليكتب عنها وفق رؤيته الفكرية المنهجية وانتماءاته الثقافية الحضارية وكذلك فهناك، وحسب الموضوع والقضية التي تتناولها، جمهور ومجموعة قراءٍ تتوجه بخطابك إليهم. وهكذا فلكل موضوع نتناوله قاموسها اللغوي وأسلوبها الإنشائي كما لها متلقيها وقارئها الخاص والذي يهتم بهذا الجانب أو ذاك من جوانب الحقول المعرفية والفكرية.
ولكن، وكما قلنا في حواراتٍ سابقة أجريت معنا، فإن الكاتب وقبل أن يكتب للآخرين (القارئ) فهو يكتب لذاته (وأنانيته)؛ إما إرضاءً لتلك النزعة الأنانية والذات المتضخمة لديه ليزيدها (إشباعاً) بأنه شخص (سوبر) وهكذا فهو يحاول أن يعوض عن النقص الكموني في شخصيته المهزومة والمقهورة، أو أنه يكتب من منطلق التعمق أكثر في كينونة نفسه ومحاولة معرفتها من الداخل (المخبأ والمكنون) وليس كما هو في الخارج (الظاهر والمكشوف). وبالتأكيد فالاثنان؛ أي تلك الشخصيتين (في الواحد) في الكاتب نفسه يحاولان أن يقدما نتاجاً معرفياً يساهم في إلقاء الضوء على بعض الزوايا المعتمة للقضية التي يتناولها في موضوعاته، وبالتالي تحقيق الفائدة؛ أي تلك (اللذة المنشودة) والتي نوهنا إليها سابقاً.
ما المشروع المعرفي والسياسي الذي يحمله الأستاذ (پير روسته م) للإنسانية للبشرية للكونية المطلقة عبر كتاباته وقصصه وصرخاته وخلجاته..؟؟
بالتأكيد أنه لكل كيان اجتماعي – سياسي ما، إن كانت دول وحكومات أو منظمات حقوقية مدنية أو أحزاب وكتل سياسية، فلها أجندتها وبرامجها ومشاريعها السياسية وكذلك للأفراد أيضاً وخاصةً أولئك الذين يهتمون بالشأن العام أو يعملون في أحد المجالات الإبداعية – ولا نقصد بالإبداع الجانب النظري أو الأدبي فقط، وإنما الإبداع بالمفهوم العمومي الشامل وفي كل المجالات والحقول – فإن لهؤلاء أيضاً برامجهم وأجندتهم ومشاريعهم الفكرية والسياسية والإبداعية ويحاولون من خلال إمكانياتهم الذاتية وبالتضافر مع جهود الآخرين الوصول إلى الغايات المرجوة وتحقيق تلك المشاريع ولو بشكلٍ تدرجي وبخطوات متلاحقة؛ حيث ليس بالامكان تحقيق المنجز دفعةً واحدة، فلا بد من التأسيس أولاً ومن ثم رفع الهيكل والعمل عليه.
ونحن بدورنا كانت لنا مشاريع ومازالت، على الرغم من أن البعض قد تحورت وأخذت أشكالاً وصيغ أخرى ولكن ما زالت تلك المشاريع محتفظةً بجوهرها الأولي وكذلك بمنطلقاتها الفكرية والمعرفية كقاعدة للانطلاق نحو البناء ولكن بوسائل وأساليب ربما تكون قد أخذت صيغاً أخرى. وبكلامٍ أدق وأوضح؛ إننا نحاول بدايةً أن نحقق ذاتنا (كشخصية اعتبارية) لها دورها ووزنها في الحياة الاجتماعية العامة وذلك من خلال العمل الجاد والشاق وفي مجالات معرفية ومؤسساتية عدة، هذه أولاً. وثانياً وأخيراً أن تكون تلك المشاريع والتي نعمل عليها ذات فائدة (لذة) لنا وللآخرين (لإنسانيتنا) وبالتالي أن نقدم ما هو الجيد والمفيد والإنساني لكل الوسط الذي نحن على تماس مباشر معه والذي بات يشمل الكون كله وخاصةً من بعد الثورة التقنية المعلوماتية والتي حولت العالم إلى أسرة واحدة وليس قرية واحدة فقط. وكمثالٍ حي على الموضوع فإننا نود أن نؤكد على التالي: إننا سوف نحاول ومن خلال انضمامنا إلى (المؤسسة) السياسية الكوردية؛ الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) فإننا سوف نجعل موضوع مساعدة المثقف والكاتب الكوردي من إحدى أولويات مشروعنا السياسي في صفوف الحزب، بحيث أن لا يعيش هؤلاء (الحياة) التي عشناها وذلك حسبما تسمح لنا الظروف والإمكانيات.
أما على الصعيد العام والمتعلق بالجانب الحقوقي والقانوني للقضية الكوردية والمسألة السياسية بشكلٍ عام في البلد فبتأكيد لنا أفكارنا وأطروحاتنا و (مشاريعنا) والتي تنسجم مع المشروع السياسي الكوردي والوطني العام وكذلك الإنساني وذلك من خلال تمثلنا لقيم الحرية والديمقراطية وحق الرأي واحترام إنسانية الآخر والحفاظ على حقوقه وذلك من خلال دول وبلدانٍ تحترم حق الأفراد والجماعات (الأقليات) العرقية والدينية والأيديولوجية وذلك من خلال مؤسسات دستورية وبرلمانية وعلى أسسٍ مدنية حضارية. بما معناه إننا نعمل من أجل أن تكون (سوريا) بلداً حقيقياً لكل مواطنيها إن كانوا كورداً أو عرباً أو كلدو – آشوريين أو أرمن و تركمان و جراكس وغيرهم من الأعراق والأديان (مسلمون، مسيحيون، آيزيديون) وكذلك المذاهب (سنة وشيعة وعلويين ودروز) و.. غيرهم من أطياف المجتمع السوري، وبحيث أن يجد الكل إنهم متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون وذلك عندما تصبح (سوريا) بالفعل بلداً يحكمه الدستور والقانون ونتخلص من عبأ (قانون) اللاقانون؛ ألا وهو قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمعمول به منذ ما يقارب نصف قرنٍ من الزمن.
ما هي آفاق الكتابة عند الكاتب والسياسي (پير روسته م) ومتى تكتمل المشهدية المطلقة عنده في هذه التصدعات الثقافية والسياسية..؟؟
بدايةً نود أن نؤكد أنه لا آفاق محددة للكتابة، بل هي شبيهة بعملية الحفر في الأرض أو الرحيل باتجاه السماء فمهما أبحرت وتعمقت في الحفر بالأرض تزداد المساحات والأفاق التي تتفتح أمامك؛ حيث كلما حفرت أكثر في الكتابة يتسع معك دائرة المعرفة أكثر، فالعلاقة طردية في هذه المعادلة. وبالتالي لا يمكن أن (يكتمل) المشهد بشكل من الأشكال، فهناك دائماً مناطق معتمة وبحاجة إلى من يلقي عليها الضوء ليأتي آخر ويضيف عليها بعض الألوان ولن (تكتمل) اللوحة، حيث لا (كمال) ولا (مطلق) في المشهد، أي مشهد أو لوحة إنسانية – كونية، فـ(الاكتمال) هو العدم، كما تقول لنا فلسفة الرياضيات؛ حيث (الصفر) ينطبق على الدرجة (360) وهكذا فإن (الكمال) و(العدم) وجهان لقضية واحدة هي الحياة، كما الخير والشر والشمال والجنوب والبارد والحار و.. الله وإبليس أيضاً فكرتان كونيتان عن قضية واحدة. وبالتالي فكلٌ منا يحاول أن يضيف لوناً على “المشهدية” التي نعمل عليها وذلك حسب قدراته وإمكانياته الفكرية والمعرفية وكذلك حسبما تسمح به المناخات والأجواء ونحن لسنا بشواذ وإن كان لنا (خصوصيتنا) والتي تدفعنا أحياناً أن (نغرد) خارج السرب.
في الراهن الكردي المجروح وفي تأوهاته المختلفة من هتك وقتل وخوف ويتم وإبعاداً قصري في أركان الوطن وخارج أسواره بعد كل هذا ماذا بمقدور الكاتب والسياسي (پير روسته م) أن يقول في كتاباته السياسية والثقافية.. وهل من مناجاة..!! وهل من استغاثة..!! وهل بامكانه أن يداوي كل هذه الجراحات المؤلمة عبر كتاباته وتصريحاته المجروحة أصلاً والمبعثرة في داخل هذا الوجع الكردي من أول نهر إلى آخر جبل..؟؟
نعتقد أن زمن “المناجاة” و”الاستغاثة” واللطم والضرب على الوجه والخدود والوقوف على الأطلال والبكاء على فراق الأحبة والخلان قد انتهى من الشعر والأدب، ناهيك عن السياسة والعمل الميداني وكذلك الفعل الجماهيري ولن يجدي نفعاً (أي ذاك الخطاب الوجداني) إلا مع بعض المهزومين والمقهورين، فحتى الخطاب العاطفي بين حبيبين (عشقين) قد خُلي من تلك الكلمات الوجدانية ولم يعد أحد يقف تحت شباك حبيبته ليقرأ لها الأشعار الملتهبة، بل أصبح شبابنا يقفون أمام المدارس و(يلطشون) فتيات عدة والتي تتجاوب معه تصبح صديقته ولربما لمشوار واحد لا أكثر وليعيد الكرة في اليوم الثاني، بل ربما في اليوم ذاته مع فتياتٍ أخريات وأمام المدرسة نفسها أم مدرسةٍ أخرى لا يهم، وهذا ليس بمستغرب أو أمر غير طبيعي، بل هي “سنة الكون” كما يقال في الثقافة الدينية.
أما بخصوص ماذا يمكن للكاتب أو السياسي أن يقوله في خطابه، فهناك الكثير وأكثر من الكثير بكثير؛ حيث يمكن أن تقول كل تلك الأشياء التي قلناه والتي لم نقلها أيضاً، فهناك المواضيع والقضايا والتي بحجم المأساة والمعاناة الإنسانية ويمكن للمبدع الحقيقي (الأديب والسياسي)، وهو يعايش لحظاتٍ كارثية لأبٍ يحاول أن يحمي طفله (ولده) من غازات الخردل والسيانيد من أن تتلف وتمزق رأته أو رصاصةٍ طائشةٍ تفجر رأسه بين أحضانه، أن يقول الأكثر من كل هذا وذاك و(يفجر) الطاقات الحقيقية عند بني البشر ليصرخ في وجه السلطان ويقول له: أنت عارٍ من الإنسانية وعارٌ عليها.
في ظل هذه الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية.. نتساءل إلى متى ستظل فصائل الحركة الكردية في سوريا غير قادرة على تحمل مسؤولياتها بشكل جدي وبروح مسؤولية عالية والدفاع عن حرية شعبها وترك خلافاتها جانباً والتي لا تجدي نفعاً في حال إثارتها على صفحات الجرائد والمنابر وغيرها ما رأي الأستاذ (پير روسته م) في ما يحصل الآن داخل الكونية الكردية وكيف تقيم ما يحدث الآن من خلافات سلبية وغير مفيدة..؟؟
لا نعتقد بأن اللوحة الكوردية سوداوية كما ترسمونها، فصحيحٌ أن هناك الكثير من السلبيات ومكامن الخلل والضعف في جسد الحركة السياسية الكوردية، هنا وهناك، وفي داخل كل الفصائل والكتل السياسية الكوردية، حيث لا نستثني حزباً كوردياً من هذه القاعدة، بل هم أنفسهم (أي الأحزاب الكوردية) يشكون من هذه الظواهر السلبية والخلل والضعف في برامجها السياسية وكذلك في عملها بين الجماهير بالإضافة إلى سلوكها تجاه الأطراف والكتل السياسية الأخرى من حالة (العداء) أو الفتور – على أقل تقدير – في علاقاتها بالفصائل السياسية الكوردية الأخرى، ناهيك عن الخلل في البنية التنظيمية وافتقارها إلى كوادر حقيقية فاعلة ولها دورها في الخطاب الفكري والسياسي وكذلك العمل الميداني بين الجماهير الكوردية. ولكن يجب أن لا ننسى أيضاً المناخ الأمني والسياسي العائم السائد منذ أحقاب في البلد حيث الملاحقة والسؤال ومحاربة الأعضاء الناشطين في لقمة عيشهم، وهكذا فهناك نوع من الابتعاد عن العمل في الشأن العام بالشارع السوري عموماً ومن ضمنه الشارع الكوردي ولو بدرجةٍ أقل نتيجة أجواء الخوف والرهاب والرعب والتي كرستها الأجهزة الأمنية في البلد وبالتالي فليس من السهل أن تقنع الآخرين العمل من خلال هكذا أجواء ومناخات وهكذا لا بد أن تكون هناك حالات غير طبيعية كونك تعمل في مناخ غير طبيعي.
ولكن وعلى الرغم من كل هذا وذاك فإننا نؤكد – مرةً أخرى – بأن اللوحة الكوردية ليست بتلك السوداوية التي ترونها، بل نستطيع أن نقول: بأن الحركة السياسية الكوردية بمجموع أحزابها وفصائلها وعبر نصف قرن من وجودها استطاعت أن ترسخ في الوعي الشعبي مفاهيم الحرية والديمقراطية وعلى أن قضيتنا هي قضية أرضٍ وشعب وبأن من حق هذه الأمة أن تنال كل حقوقها القومية المشروعة بما فيها إقامة كياناتها المستقلة أسوةً بغيرها من شعوب العالم، وقد تعرض أعضائها للكثير من حملات الاعتقال والتعذيب والملاحقة من قبل السلطات المتعاقبة في البلد ومع ذلك بقوا أوفياء لقضاياهم القومية والديمقراطية.
أما بخصوص مسألة الخلاف والاختلاف مع الآخر؛ أي خلافات الأحزاب والكتل السياسية الكوردية فيما بينها فذاك شيءٌ طبيعي و إلا لما رأينا التعددية الحزبية والسياسية، ولكن إدارة الخلاف والأزمات بين تلك الكتل والأحزاب تتم – وفي الكثير من الحالات – بطرق ووسائل غير حضارية وديمقراطية، وهذه المسألة عائدة إلى ثقافتنا القائمة على مبدأ إلغاء الآخر ونفيه كوننا نعتبر (معسكرنا، حزبنا، ديننا، عشيرتنا) هي صاحبة الحق والحقيقة (المطلقة) وما الآخرون إلا (كفرة وزنادقة وعملاء مأجورون) يجب دحرهم وقتلهم. فهنا تكمن العلة وما على مجتمعاتنا، ومن خلال تراكمٍ حضاري وليس ببلاغٍ حزبي أو عسكري، إلا أن تنتقل بقيمها وأخلاقها وبلدانها إلى مصاف المجتمعات المدنية الحضارية، بالمفاهيم المعاصرة، وبالتالي أن نتقبل الآخر كما هو بشرط عدم إلحاق الأذية والعنف وممارسة الإرهاب بحق المجتمع والأفراد، عندها سنكون قد وضعنا حركتنا على السكة الصحيحة.
هل ثمة من يستحق أن يكتب له الأستاذ (پير روسته م) كل هذه الكتابات الأدبية والسياسية في هذا الراهن الثقافي والسياسي والإنساني المغبر..؟! ماذا بعد هذا الكلام و هذه المكابدات الإنسانية داخل كتاباتك..؟؟!!
بالتأكيد هناك من يستحق لا أن تكتب له فقط ولكن أن تكرس كل حياتك له، ولن نقول أن تضحي بحياتك من أجله؛ ألا وهو الإنسان والذي يجب أن يكون الكائن الوحيد (المقدس) في الكون، إن قبلنا فكرة القداسة أصلاً، وهكذا فيجب أن تقدم كل (القرابين) له من: أوطانٍ وأعلام وأيديولوجيات وثقافات وحضارات، لا أن يُقدم هو (أي الإنسان) كقربان بشري (غالي أو رخيص) للأديان ومذاهبها وطوائفها أو للأوطان وأعلامها وأناشيدها الوطنية والقومية وكذلك للأحزاب وأيديولوجياتها السياسية. بل أن نعمل لا لنحافظ على هذا الكائن من القتل والنفي والتشرد، وإنما لنجعله سعيداً ونحترم بشريته (إنسانيته) ونحافظ على كرامته من الهتك والهدر. وعندما نقول الإنسان نقولها بالمعنى العام والطفولي؛ أي إننا نقصد كل هذه الكائنات البشرية ولا نأخذ “اختلاف الألسن” أو البشرة واللون أو الدين والعرق أو المذهب والأيديولوجية أو العشيرة والحزب بالاعتبار، بل إننا ندعو ونعمل ونكتب لكل هؤلاء فالإنسان يولد عارٍ من كل تلك الصفات والسمات التي يكتسبها لاحقاً من الثقافة التي يتعايش معها، يولد كائناً إنسانياً أولاً فلنعد إلى كينونتنا الأولى والطبيعية، إلى بشريتنا وكما ولدتنا أمهاتنا.
كلمتـك الأخيرة أستاذ پيــــر..