مقدمة :
التاريخ هو أكثر المجالات أساسية في حياة المثقف ,فكما يقول ابن الأثير الجزيري بدراسة الأحداث التاريخية والقصص القديمة ” تتسع مدارك الأشخاص ويصبحون قادرين على التمييز بين الجيد والرديء والاطلاع على العيوب والنواقص والاعتبار منها كما إن الاطلاع على الثقافات القديمة يساعد على تفتح المدرك السياسية وهو مادة مسلية وممتعة .
ويؤكد شرف خان البدليسي على أن دراسة التاريخ سهلة وبسيطة وممتعة تبعد الإنسان المتعلم عن الخوف والوساوس .
وإننا كشعب لا دولة له بعد ويناضل من أجل ذلك فمن الضروري أن نتقن دراسة تاريخنا كوسيلة للدفاع ضد سياسات نفي الآخر وتطبيع الأكراد بطابع تلك القوميات التي تغتصب كوردستان وتحاول وبشتى الوسائل إزالة كل ما يثبت أصالة شعبنا ومحاولة طمس معالمهم التاريخية وصهره في بوتقات التفريس والتتريك والتعريب .
ومساهمتي هذه نقطة في بحر المساهمات التي قدمها مفكرونا ومثقفونا لذا … تقبلوا فائق اعتذاري إن سهوت عن أمر ما مع الأخذ بعين الاعتبار المراجع التالية :
1-الأكراد أحفاد للميديين ( للمستشرق مينورسكي )
2-تاريخ الكرد وكردستان ( للأديب جكرخوين)
3- الكرد ( لباسيل نيكتين – ترجمة صلاح برواري )
4- شرفنامه ( لشرف خان البدليسي)
5- غرب كوردستان ( الأستاذ صلاح بدرالدين )
6- وثيقة محمد طلب هلال حول الجزيرة ( إصدار رابطة كاوا للثقافة )
7- القضية الكوردية – لازارييف- مجلة آسيا و أفريقيا اليوم العدد 12 1983
8- تاريخ سورية و لينان تحت الانتداب الفرنسي ستيفن همسلي لونفريغ – دار الحقيقة بيروت 1987
9- دراسة و تخطيط القوى العاملة في الجمهورية العربية السورية للدكتور شفيق صلاح معهد الاتحاد العربي
10- القضية الكوردية و النظام العالمي الجديد ( صلاح بدر الدين )
مع كل التقدير لكم
كردستان وهي كلمة آرية تتألف من قسمين ( كرد ) وتعني البطل أو الشجاع , ( ستان ) وتعني موطن .. أي موطن الأبطال أو موطن الشجعان مثلها مثل : عربستان- هندستان – أفغانستان .
ينتمي الشعب الكردي إلى مجموعة الشعوب الهند-أوربية ( الهند أوربية تعني مجموع الشعوب الممتدة من الهند إلى أوربا)
وبالتحديد إلى فرع الشعوب الإيرانية التي تضم ( الكرد – الفرس – الديلم – الجيل ) . وينتمي الكرد إلى العرق الآري .
يعود ظهور الأكراد إلى ستة آلاف عام قبل الميلاد فهم من أصول ( الغوتيين ) سكان جبال زاغروس .
ووفقا للحقائق التاريخية تعد كردستان المنطقة الأولى التي استقرت فيها شعوب ما بعد الطوفان ( طوفان نوح ) وفي مقدمة تلك الشعوب ( لولو – كوتيون – كاشيون – خالديون – سوباريون – حوريون ) وهذه الشعوب تعتبر الجذر الأصل للأكراد الحاليين .
أما الميديون فقد هاجروا بعد هؤلاء إلى كردستان وبشكل سلمي على شكل قبائل وموجات هجرة آرية حيث استقروا بادئ الأمر في المنطقة الواقعة بين بحيرتي ( وان – أورمية ) وأطلق على تلك المنطقة ( ميديا ) وقد سيطر عليها الآشوريون فيما بعد وانصهر الميديون في المجتمع الكردي وسكنوا في الجزيرة ( بالتحديد عامودا ) , ووفقا للكاتب ( كارلتون كون ) الذي تحدث عن قبيلة ( ماج ) الميدية وهي أعز القبائل وأعلاها مكانة في المجتمع الميدي ومن الممكن أن يكون ( الكورمانج ) هم بقايا هذه القبيلة التي انصهرت بالأكراد .
كما يقول مينورسكي : إن ( الكاردشوي ) هي نفسها بلاد الكارد وتشكل هذه البلاد مع شعوبها الأصل والأساس للأكراد الحاليين كما يؤكد مينورسكي على وجود الأكراد في موطنهم في وقت كان العرب في موطنهم الأصلي شه الجزيرة العربية والذي يؤكدها مؤرخو العرب أنفسهم ويقول مينورسكي ( عندما انطلقت الهجرة العربية من شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال والشمال الشرقي اصطدموا بشعب نصف حضري هؤلاء كانوا الأكراد .(
* ووفقا ( لشرف خان البدليسي ) في كتابه التاريخي ( شرفنامه ) إن الأكراد هم أحفاد الهاربين من بطش الملك ( أزدهاك ) حيث كان على كتف هذا الملك ثعبانان مريضان وقد وصف أحد أطبائه الدواء لهما دماغ بشر والعامل على استخراج هذا الدواء دفعه الشعور الإنساني إلى تهريب هؤلاء المحكومين إلى قمم الجبال حتى كثروا وتزاوجوا وأعلنوا التمرد على ازدهاك لكنها تبقى رواية كما يقول شرف خان البدليسي , .
وفي رأي آخر للبدليسي فإن الأكراد ينتمون إلى أخوين هما ( البجن والبخت ) على غرار العرب الذين ينتمون إلى ( عدنان وقحطان ) علما أن أول تدوين عن وجود الكراد كان في كتاب) كزينفون ) ( أناباس ) وقد سماه حينها ( الكاردوخي ) وكزينفون هو مؤرخ حملة الاسكندر المقدوني فاتح الشرق والغرب .
* جغرافية كردستان :
يرسم شرف خان البدليسي حدود الكرد ويحدد أراضيهم بدءاً من سواحل خليج هرمز ( الخليج العربي أو الفارسي ) وحتى سواحل البحر المتوسط وكانت كردستان تعرف باسم ( كاردونياس – كارادوخان ) و( من همدان شرقا إلى البحر المتوسط غربا) .
ويؤكد مينورسكي العالم الروسي على جغرافية كردستان كما يلي :
• في جنوبي آرارات تمتد سلسة ضخمة من الجبال تتجه جنوبا على مسافة 2000كم , ثم تتشعب وتنحرف نحو الجنوب الشرقي حتى خليج فارس ( الخليج العربي ) وتقع جبال الأكراد بين آرارات وجبل جلاميرغ , وتحدها شمالا قمم جبلي أرمينيا وجنوبا هضبة أذربيجان وهي أقل علوا من جبال الأكراد , ثم هضاب بلاد فارس وهي شاهقة العلو .
إذا جبال الأكراد مع بحيرة أورميا تشكل شبه منخفض محصور بين قمم أكثر منه علوا .
• خليج الاسكندرون فهو نقطة انطلاق لسلسلتين من الجبال , سلسلة طوروس الشمالية والجنوبية .
ولهذه الجبال أهمية كبرى لكونها خزانا للمياه يغذي أنهار دجلة والفرات والزاب وهي شرايين حيوية للمنطقة ككل .
وتقع جبال زاغروس في الجنوب الشرقي من أرمينيا وهي تشكل الحدود الطبيعية بين إيران والعراق ولا يفصلها عن أرمينيا سوى جبال ( صركِعُرامار) .
* الطبائع النفسية للشعب الكردي :
– يقول الرحالة ( لرش ) نستطيع أن نطلق على الأكراد لقب ( فرسان الشرق ) بكل ما في الكلمة من مدلول , فيما لو كانوا يعيشون حياة أكثر تحضراً . ذلك أن الصفات المشتركة لهذا الشعب هي : استعداد دائم للقتال , استقامة وتفان في خدمة أمرائهم وفاء للعهد وكرم , وحسن ضيافة وإثئار للدم المهدور , عداوات قبلية تنشب بين أقرب الأقارب , حب للفروسية , احترام فائق للنساء ” .
ويضيف نكتين الكاتب المعروف ” الأكراد لا يعاملون أسراهم بذات المعاملة القاسية التي يلقونها لدى التتر والتركمان وغيرهم ويجمع الأكراد بالإضافة لطبائعهم الحربية ,حبا قويا للحرية , وتمسكا بطوليا بكرامتهم ” .
المرأة الكردية : يعكس وضع المرأة مميزات وخصائص الشعب الكردي ومن المؤكد أن جميع الأشغال المنزلية الشاقة التي تقوم بها النساء , أما نساء الزعماء – فيطلق عليهن اسم خانم – ونساء الأكراد ” كما يقول ينكيتين ” على اختلاف طبقاتهم ومهما بلغن من العمر يتقنن الفروسية بل ويتحدين الرجال في امتطاء الخيل كما أنهن لا يترددن في الإقدام على تسلق أخطر الجبال .
وتختلط النساء مع الرجال ويتحدثن بحرية . ويعطين رأيهن بصراحة ويؤكد نيكتين استنادا إلى كلام الدكتور ( كاميران علي بدرخان ) شقيق الإمبراطورة ثريا على أن الكردي لا يفكر قط بالتضييق على المرأة , فهو يعتبرها دائما أهلا لذات الثقة وذات الحقوق والمسؤولية التي يتمتع بها الرجال .
* اللغة الكردية : اللغة الكردية هي فرع من اللغة الهند- اوربية ( الآرية ) وهي قريبة جدا من اللغة الفارسية ومن الممكن إن تكون اقدم منها .
يقول شرف خان البدليسي في ( شرفنامه ) : تتألف اللغة الكردية من أربع لهجات رئيسة : الكرمانجية – اللورية – الكورية – الكلهورية .
ولم يذكر البدليسي اللهجة الزازائية لأنه من الجائز اعتبرها من الكهورية واللهجة الكرمانجية والسورانية تتنافسان بشكل قوي لتصبح إحداهما اللغة الرسمية للأكراد .
أما المؤرخ محمد أمين زكي بيك فيعتبر الكرمانجية اللغة الكردية الأصلية كما أن الملا أحمد خاني أمير الشعراء الأكراد يضع الكرمانجية في مقام اللغة الرسمية .
* ديانة الأكراد الحالية : الغالبية الكردية مسلمون سنيون , وهناك أكراد علويون في مناطق ( لورستان وجبال ديرسم (
أما الأكراد المسيحيون فهم قلة , انحصروا في قبيلتين هما ( اليعاقبة والجوزقان ) ويعتبر هؤلاء أنفسهم سريانا ويتكلمون اللغة السريانية .
وهناك أكراد يهود ( وصل تعدادهم ربع مليون في اسرائيل ) ,أما الأكراد اليزيديون فقد صمدوا في قمم الجبال ودافعوا عن تراثهم ودينهم , يقول شرف خان البدليسي : ” كانت العشائر التالية تدين باليزيدية وهي ( الدمبلية – المحمودية – السليفانية – الخاليدة – البختية – الداسنية ) والداسنية التي بقيت إلى يومنا هذا وفق احصائية ( 1972 ) يقارب عدد اليزيديين مليون شخص هذا قبل ( 34عاما ) , واليزيدية امتداد لديانة الأكراد الأصلية ( الزرادشتية)
• لمحة عن الزرادشتية : ( زاردشت ) تتألف من مقطعين ( زار ) اللغة أو الحديث , و ) دشت ) الحقيقة أو الاستقامة بمعنى ( النبي الناطق بالحقيقة ) ويؤكد ذلك الفيلسوف ( نيتشه ) , زاردشت كردي من ميديا والده ( بروشف ) أحد أبناء ( فريدون ) الذي كان ملكا على إيران , أمه( دوخدو) التي تروي عن ولادة زاردشت أن وحوش وأرواح شريرة كانت تحاول قتل جنينها فنزل من السماء نوران أحاطا بها كطوق وحماها ووليدها حتى الصباح ( ومن الجائز أن اليزيديين في ليلة الزواج تلف العروس ربطة حمراء حول خصرها من هذه المقولة وهو دليل على أن اليزيديين امتداد للزاردشتية وما يلحون عليه في الصدق والاستقامة ) .
• في ديانة زاردشت : الله واحد ( أي أن الزاردشتيين موحدون ) أما ( أهورامزدا ) هو هرمز والنور هو الأصل والظلمة زينته وظله , و ( اهريمان ) هو الظلمة تلك .
وهما يرمزان إلى الخير والشر وفي صراع دائم , يقدس الزاردشتيون النار لأنها ترمز للضياء والدفء ويقدسون الصدق والعمل ويساوون المرأة بالرجل .
تؤكد الأبحاث على ولادة زاردشت عام 660 ق.م وقتل على يد الطورانيين الأتراك سنة ( 583) ق.م في بلخ عاصمة الملك الإيراني ( كوشتاسف) .
• الخلاصــــــــــــــــــــــــــة :
1- يؤمن زاردشت بإله واحد .
2- الخير والشر يكمنان في جسد وروح الإنسان .
3- تميل الزاردشتية نحو المادية أكثر .
4- ديانة وطنية وقومية تدعو للخير والتوسع والازدهار .