اللوحة الثالثة
( إضاءات تلتمع و تخبو تنبعث من محرس حدودي يقع في عمق المسرح إضاءة خافتة تسلط على الخشبة ، تظهر الأسلاك الشائكة لشريط حدودي يقسم المسرح إلى قسمين أو أكثر. وقع خطوات قادمة يرافقها لهاث أنفاس متعبة . بقعة ضوئية صغيرة تسقط على روشن الحامل وزوجها حمو وهما يهرولان )
روشن : توقف قليلاً يا.. حمو .
حمو : اصبري يا روشن .
روشن : لم أعد أستطيع .
حمو : لم يبق أمامنا إلا القليل .
روشن : سأموت من شدة التعب .
حمو : هيا أسرعي ، لقد وصلنا .
( يمسك يدها ويجرها خلفه . تسقط روشن على الأرض . يسقط حمو أيضاً.. يرفع حمو رأسه مستطلعاً )
حمو : ( بسرور ) روشن . ارفعي رأسك يا حبيبتي .
روشن : ( تئن متعبة ) …
حمو : لقد وصلنا يا امرأة . أخيراً وصلنا إلى الحدود .
روشن : ( ترفع رأسها بتهالك ) أين نحن يا حمو ؟
حمو : ( يشير إلى الشريط الحدودي ) انظري ، هذا هو الشريط الحدودي .
روشن : ( بفرح ) الحمد لله .
حمو : هيا بنا نعبر الحدود قبل أن يرانا الحراس . ( يمسك بيدها . يسيران بحذر )
انتبهي . المكان مليء بالألغام .
روشن : ( بخوف ) ألغام ؟!
حمو : لا تخافي . قد تعطل بعضها بمرور الزمن .
روشن : وبعضها الأخر لم يتعطل . أليس كذلك ؟
حمو : نعم . لكن اطمئني . لقد اجتزنا المنطقة الخطرة .
( يجتازان الشريط الحدودي . الكشاف الضوئي الصادر عن المحرس
يجوب المسرح بين الفينة والفينة . لحظة صمت )
حمو : ( بتردد ) روشن .
روشن : نعم .
حمو : هل تعرفين الطريق المؤدية إلى بيت جدتك ؟
روشن : أخشى أن أخطئه في هذه الظلمة الحالكة . لكن ..يجب أن أعرفه .
حمو : أ ..تخافين من الظلمة ؟!
روشن : كيف أخاف شيئاً وأنت معي ؟!
حمو 🙁 بانقباض ) لن أكون معك .
روشن : ماذا تقول يا رجل ؟! لماذا ؟!
حمو : اسمعي يا روشن . أنا أعلم أنه من الخطأ ؛ بل ومن الحماقة تركك وحيدة هنا ؛ إذ ليس هناك رجل على وجه الأرض يترك زوجته الحامل في برية مقفرة , مظلمة ,ويعود .
روشن : ( مصعوقة ) تعود ؟! إلى أين تريد العودة ؟
حمو : إلى القرية .
روشن : عن أية قرية تتحدث ؟
حمو : عن قريتنا .. عن كولي التي أُحرقت .
روشن : ليست كولي القرية الوحيدة المنكوبة . فلم تترك الجندرمة أية قرية في جبال أومريان إلا وأحرقتها , أو أبادت حيواناتها و أتلفت مزروعاتها وهجرة شبابها .
حمو : ومن أجل ذلك سأعود .
روشن : (بحيرة ) وطفلك القادم . حلمنا . ألم تفكر فيه ؟
حمو : لن أكون أباً يعتز به ما لم أخلص لأهله المنكوبين ؛ ما لم أثأر لهم .
روشن : سأعود معك .
حمو : لا . اذهبي إلى بيت جدتك قبل أن يلوح الفجر . ( يدفعها برفق ويستدير عائداً )
روشن : (تتشبث به ) ابق يا حمو . أرجوك .
(تدخل المجوعة )
المجموعة : روشن .
مهلاً يا وردة الجبل الندية
على نهج الرجل لا تعترضي
وفي طريقه كحجر عثرة لا تقفي
وكي يكون المولود كأبيه أسداً
لا تدعي الخوف يمتزج بحليبك
( تنسحب المجموعة . يحرر حمو نفسه من بين يدي روشن . يتوارى خلف الأسلاك وهو يسير بحذر )
روشن : يا لغبائي . لماذا لم أقل له إنني لا أعرف الطريق . أوقد نسيته . لكنه رجل عنيد .. كن معه يا رب . ساعده .(بخوف) يا لو حشة هذا المكان .أنا خائفة.
(أزيز رصاص . ترتمي روشن أرضاً .الكشاف الضوئي يجوب المكان )
هل أبصرني الحراس . يا إلهي ماذا أفعل ؟ آه يا جدتي .آه يا هجار .أختك في مهنة . وأية محنة .!
(تحاول السير بحذر.تسمع صوتاً ما. تصغي إليه برعب, يظهر حمو من خلف الأسلاك وهو يئن ويتلوى. روشن تلمح ظله دون أن تتأكد منه)
حمو : (بألم). روشن . أين أنت يا روشن ؟
روشن : ( بخوف) لا بد أنها الأشباح ..أو .. الجن .(تبسمل مرعوبة )
حمو : أنا حمو يا روشن .
روشن : ( بذهول ) إنه صوت حمو .الحمد لله.
حمو : روشن .
روشن: ( بانقباض, لنفسها ) لقد عاد بسرعة .ما معنى ذلك .. هل جبنت يا حمو ؟! ( تقترب منه ,تناديه) حمو.
حمو : أنا هنا يا روشن .
روشن: لقد عدت بسرعة .لماذا ؟!
حمو : إني أنزف يا روشن ، لقد أصبت .
روشن : (بهلع ) تنزف ؟ يا إلهي هي أسرع يا حمو.
حمو : أنا قادم .
(يتقدم بحذر وهو يتلوى من الألم .. يطلق صرخة . يصمت وهو ينظر إلى موطئ قدميه . يقف جامداً كتمثال ).
روشن : (باندهاش ولهفة ) ما بك تقف كصنم ؟! أسرع يا رجل .
حمو : ..
روشن : هل يؤلمك الجرح كثيراً ؟ سآتي لمساعدك إذن .(تتقدم ناحيته )
حمو : ( صارخا برعب ) قفي .لا تقتربي مني .
روشن : (وهي تتقدم ) سأساعدك .
حمو : قفي يا امرأة سينفجر اللغم .
روشن : (ذاهلة ) اللغم ؟! (تصرخ بعد لحظة صمت ثقيلة) يا ويلي . (تبكي بحرقة , تدخل المجموعة )
المجموعة: من الموت إلى الموت
شرقاً
غرباً
شمالاً
جنوباً
أينما سرتم
من مذبحة إلى محرقة
من مشنقة إلى مصيدة
موتكم هو ذاك
له ألف لون
له ألف شكل
ألف ألف طعم
حياتكم وحدها يا ابنة الجبل
يا حجل
لها لون واحد
شكل واحد
طعم واحد
(تنسحب المجموعة تنشج روشن بحرقة وتفجع .. )
حمو : (بألم و همس ) اهدئي يا روشن .
روشن : ..
حمو : أذهبي .. لا فائدة من بقائك هنا .
روشن : (بإصرار ) لن أدعك وحدك . سأبقى معك .
حمو :لا فائدة ..لافائدة من ذلك .
روشن : اصبر يا حمو .قد يمر أحدهم من هنا وينقذنا .
حمو : اصبر ؟! إذا صبرت على اللغم نفد دمي . وإن لم ينفد دمي حتى الصباح , سيراني الحراس .
روشن : لا بد أن يمر أحد ما من هنا . لا بد .
حمو : لن يمر أحد يا روشن ، نحن هنا وحدنا . ووحدي يجب أن أبقى . إنه قدري .
روشن : أنه قدرنا نحن الاثنين .
حمو : سنموت يا روشن .
روشن : ليكن .
حمو : و الصغير ؟ ولدنا القادم .
روشن : يعيش معنا ،أو يموت معنا .
حمو : لا .ليعش هو. إنه حلمنا . هل نسيت ؟!
روشن : لا .
حمو : اذهبي لأطمئن عليه ..وعليك. هيا .
روشن : ( لنفسها بيأس ) لن يتخلى الله عنا ، يجب ألا يتخلى عنا . يجب .( تنظر إلى هنا وهناك . تصيح كالملسوعة ) يا ناس . يا ثوار ( حمو يناديها برجاء وخوف . روشن لا تصغي إليه . يتداخل صوتاهما )
حمو : روشن . اصمتي .
روشن : يا سكان الجبل . يا أهل النخوة .
حمو : اسكتي يا امرأة .
روشن : يا أهل الخير .
حمو : سيكتشف الحراس موقعنا يا مجنونة .
روشن : النجدة .. النجدة .
( كشاف ضوئي . أزيز رصاص . روشن تجلس القرفصاء . يتلوى حمو من الألم . تمر لحظة صمت .. يسمع غناء الحارس التركي . صمت )
حمو : (برعب ) روشن . ردي علي يا امرأة .. أهو بخير ؟ ( تضع روشن يدها على بطنها متألمة . تئن . تقف )
روشن : اطمئن .
حمو : الحمد لله .
( أزيز رصاص ، كشاف ضوئي . وقع خطوات قادمة من بعيد . صمت )
روشن : (مستبشرة ) اسمع ،إنهم قادمون .أحدهم يقترب منا .
حمو : اذهبي بسرعة . ربما كان أحد الحراس .
روشن : لا تخف يا حمو . يحدثني قلبي بأن القادم صديق .. لا عدو ( تتمتم بالدعاء . يظهر ظل رجل . تنادي بلهفة وخوف ) من؟ من هناك ؟ ( يقترب الرجل منها بحذر )
الرجل : ( بتوجس ) من أنت ؟ ( لحمو ) وأنت من تكون ؟
روشن : ( بارتباك ) أنا . أنا .. هذا حمو . إنه زوجي . حياته في خطر . إنه يقف على لغم . أنقذه يا أخي . ساعدنا .
الرجل : ( بلا مبالاة ) ماذا ؟! من قال لك أن تطأه يا رجل ؟
روشن : إنه جريح . ينزف بغزارة . افعل شيئاً من أجله يا أخي.
الرجل : من أين جئتما ؟
روشن : لقد هربنا من مذبحة . ساعدنا أرجوك .
حمو : ( بألم ) سينبلج الفجر قريباً . دمي نفذ .
الرجل : ( ببرود ) أنتما هاربان إذن .. لماذا هربتما ؟
روشن : قلت لك أننا هاربان من مذبحة .. مذبحة رهيبة .
الرجل : لم أرك من قبل . إلى أية جماعة تنتمي ؟
روشن : ( بضيق ) جماعة !! ليس هذا وقت الأسئلة عن الجماعات يا أخي . نحن بحاجة إلى مساعدتك فقط .
حمو : (يئن ) أرجوك .
الرجل : سينبلج الصباح قريباً ، يجب أن أذهب . إني على عجلة من أمري . ( يسير . روشن تتشبث به )
روشن : بحق الله وحق أوليائه لا تتركنا وحدنا .
الرجل : لن تبقيا وحدكما . سيأتون ، الرفاق بانتظاري، قد يمر أحد من جماعتك وينقذك . (يغادر المكان )
روشن : ( غاضبة تصيح في إثره ) لا تذهب . سيموت حمو. لا نستطيع الانتظار أكثر .إنه ينزف، لا تذهب .أنقذنا .. يا ابن الكلب . تفو .
( تنهار . أزيز رصاص . كشاف ضوئي . تنتقل الإضاءة إلى المحرس )
الحارس : ( باندهاش وخوف ) إنهم يتحركون .. من هم يا ترى ؟ هل هم ثوار أم مهربون ،أم أشباح ؟ اللعنة . ألا يخطر لهؤلاء أن يمروا إلا في وقت حراستي ؟ متى ستنتهي هذه المناوبة اللعينة ؟! ( يجرع من بطحته . يوجه فوهة البندقية صوب الشريط الحدودي ) سأطلق النار عليهم جميعا حتى ولو كانوا جنا أو ملائكة . ( أزيز رصاص . تنتقل الإضاءة إلى روشن وحمو )
حمو : اذهبي يا امرأة لا فائدة من بقائك .
روشن : اصبر يا حمو . اصبر من أجل طفلك .
حمو : آه يا ولدي . لن أراك .
روشن : ستراه .ستراه يركض أمامك حين بكير .وستسمعه يقول : بابا . جاء بابا بابا حمو ؛ بابا يا حمو؟ ( بحسرة ) وسيقول لي :ماما .أنا ماما . ساعدنا يا رب . لا تبخل علينا بهذه برحمتك . (حمو يئن ) الله كريم يا حمو. الله كريم (بحيرة ) هل تذكر ليالي انتظارنا له ؟ هل تذكر؟ كنت تقول لي دائماً( أزيز رصاص . يمكن أن تلعب المجموعة هنا دوراً معيناً في تجسيد هذه الحالة . أو تشكيل حالات تعبيرية مرادفة لها ) قال الجميع أني عاقر . قالوا: زوجة حمو شجرة يابسة لا تورق . لا تثمر .. مسكين حمو . مسكينة أم حمو .. سمعت هذا الكلام مرات عديدة من أمك ومن خالاتك ومن جميع نساء القرية . حتى كدت أصدقهم . أما أنت ،أنت يا ابن عمي بقيت تنتظر وتنتظر..سبع سنوات ولم تتأفف يوماً .
حمو : كفى .اذهبي أرجوك .
روشن : أتذكر ماذا فعلت حين علمت بأنني حامل . ( أزيز الرصاص يترافق مع
أنين حمو واستذكارات روشن ) أتيت وكنت ستطير من الفرح, اقتحمت الغرفة وقلت : و أخيراً ، أخيراً سأصبح أباً . أبا يا روشن . أباً يا ناس . ثم أخذت تحلم بالطفل وهو يكبر .. ويكبر . ( حمو يتألم . روشن تتضرع ) ألهمه الصبر يا رب .ساعده . (لحمو ) ثم ..ثم رحت تغني وترقص . أحلت البيت إلى ما يشبه العرس . اتهمك الجميع بالجنون . قالوا : حمو جن من الفرحة . جن المسكين تماماً .
حمو : ولدي . إني أموت . بابا يموت .
روشن : ( حائرة ) ماذا أفعل . ساعدنا يا رب . لا تتركنا وحدنا ( لحمو ) لا تيأس يا حمو، اصبر من اجلي . من أجل طفلنا . طفلنا الذي سيأتي قريباً .ويكبر ، ويرافقك إلى الحقل . وستخطب له فتاة جميلة ؛ أجمل فتاة أومرية . وتقيم له عرساً كبيراً. ثم سترقص وأرقص ويرقص الجميع في عرس ولدك .
حمو : (يحتضر) ولدي .قل بابا يا ولدي . قلها مرة واحدة فقط .
روشن : سيقول بابا .. سيقولها حتى تمل من سماعها ومن عفرتته ( تبكي ..) يا رب . يا شيخ عبد القادر.. يا أولياء الله .. أنا في حماكم .. أقبل تراب قبوركم الطاهرة أنقذونا . هبوا لمساعدتنا . حمو يموت .. إنه يموت ( ترفع يديها متضرعة . تلوح تباشير الفجر . يتلوى حمو ألما . تنتبه إليه روشن . يتهاوى على الأرض . تصعق لمرآه تغمض عينيها من هول ما ترى .. تصم أذنيها مترقبة صوت اللغم . تطلق صرخة رعب وحشية ..تترافق مع موسيقى و إضاءات مختلفة تقذف على الخشبة . حمو يتمدد على الأرض جثة هامدة .تسقط روشن بعد أن تجندلت ودارت حول نفسها كزوبعة .. هدوء ثقيل ..تنطلق فجأة صرخة وليد .ضياء الفجر يزداد وضوحاً . تزحف روشن باتجاه حمو بصعوبة و ألم )
روشن : قم يا حمو . لم ينفجر اللغم . لقد استجاب الله لدعائي أخيراً . أشكرك يا رب .. أشكرك يا شيخ عبد القادر . هيا قم يا حمو ( يعلو بكاء الوليد ويستمر .. ) ابنك يناديك . لقد جاء البطل . هيا قم وقبله . ضمه إلى صدرك . أذن في أذنه .. اسمع .. إنه يقول بابا ، قم احملني يا أبي .. بابا حمو .. حمو ..حمو ..
( تزحف نحو حمو . تكتشف أنه ميت . تصرخ . تبكي . تنهض مرعوبة . تصيح بأعلى صوتها .. الرصاص ينهال عليها كالمطر . تسقط أرضاً تئن بألم .تصمت ..تموت . يعلو صراخ الوليد.إظلام تدريجي..يسمع وقع أقدام..أزيز رصاص..صراخ الوليد يتكرر..يستمر كل ذلك مع الإظلام الذي يعم تماماً )
توقف قليلاً يا.. حمو . اصبري يا روشن .لم أعد أستطيع . لم يبق أمامنا إلا القليل . سأموت من شدة التعب .هيا أسرعي ، لقد وصلنا . روشن . ارفعي رأسك يا حبيبتي .لقد وصلنا يا امرأة . أخيراً وصلنا إلى الحدود . أين نحن يا حمو ؟ انظري ، هذا هو الشريط الحدودي . الحمد لله . هيا بنا نعبر الحدود قبل أن يرانا الحراس . انتبهي . المكان مليء بالألغام . ألغام؟! لا تخافي . قد تعطل بعضها بمرور الزمن .وبعضها الأخر لم يتعطل . أليس كذلك ؟ نعم . لكن اطمئني . لقد اجتزنا المنطقة الخطرة . روشن . نعم . هل تعرفين الطريق المؤدية إلى بيت جدتك ؟ أخشى أن أخطئه في هذه الظلمة الحالكة . لكن ..يجب أن أعرفه . أ ..تخافين من الظلمة ؟! كيف أخاف شيئاً وأنت معي لن أكون معك . ماذا تقول يا رجل ؟! لماذا ؟! اسمعي يا روشن . أنا أعلم أنه من الخطأ ؛ بل ومن الحماقة تركك وحيدة هنا ؛ إذ ليس هناك رجل على وجه الأرض يترك زوجته الحامل في برية مقفرة , مظلمة ,ويعود . تعود ؟! إلى أين تريد العودة ؟ إلى القرية . عن أية قرية تتحدث ؟ عن قريتنا .. عن كولي التي أُحرقت . ليست كولي القرية الوحيدة المنكوبة . فلم تترك الجندرمة أية قرية في جبال أومريان إلا وأحرقتها , أو أبادت حيواناتها و أتلفت مزروعاتها وهجرة شبابها . ومن أجل ذلك سأعود . وطفلك القادم . حلمنا . ألم تفكر فيه ؟ لن أكون أباً يعتز به ما لم أخلص لأهله المنكوبين ؛ ما لم أثأر لهم .سأعود معك . لا . اذهبي إلى بيت جدتك قبل أن يلوح الفجر . ابق يا حمو . أرجوك .روشن . مهلاً يا وردة الجبل الندية على نهج الرجل لا تعترضي وفي طريقه كحجر عثرة لا تقفي وكي يكون المولود كأبيه أسداً لا تدعي الخوف يمتزج بحليبك (يا لغبائي . لماذا لم أقل له إنني لا أعرف الطريق . أوقد نسيته . لكنه رجلعنيد .. كن معه يا رب . ساعده.يا لو حشة هذا المكان .أنا خائفة. هل أبصرني الحراس . يا إلهي ماذا أفعل ؟ آه يا جدتي .آه يا هجار .أختك في مهنة . وأية محنة .! روشن . أين أنت يا روشن ؟ لا بد أنها الأشباح ..أو .. الجن .أنا حمو يا روشن .( إنه صوت حمو .الحمد لله.روشن لقد عاد بسرعة .ما معنى ذلك .. هل جبنت يا حمو ؟! حمو.أنا هنا يا روشن . لقد عدت بسرعة .لماذا ؟! إني أنزف يا روشن ، لقد أصبت . تنزف ؟ يا إلهي هي أسرع يا حمو. أنا قادم . ما بك تقف كصنم ؟! أسرع يا رجل … هل يؤلمك الجرح كثيراً ؟ سآتي لمساعدك إذن . قفي .لا تقتربي مني . سأساعدك . قفي يا امرأة سينفجر اللغم . اللغم ؟! يا ويلي . من الموت إلى الموت شرقاًغرباً شمالاً جنوباً أينما سرتم من مذبحة إلى محرقة من مشنقة إلى مصيدة موتكم هو ذاك له ألف لون له ألف شكل ألف ألف طعم حياتكم وحدها يا ابنة الجبل يا حجل لها لون واحد شكل واحد طعم واحد اهدئي يا روشن .أذهبي .. لا فائدة من بقائك هنا . لن أدعك وحدك . سأبقى معك .لا فائدة ..لافائدة من ذلك .اصبر يا حمو .قد يمر أحدهم من هنا وينقذنا .اصبر ؟! إذا صبرت على اللغم نفد دمي . وإن لم ينفد دمي حتى الصباح ,سيراني الحراس .لا بد أن يمر أحد ما من هنا . لا بد . لن يمر أحد يا روشن ، نحن هنا وحدنا . ووحدي يجب أن أبقى . إنه قدري . أنه قدرنا نحن الاثنين . سنموت يا روشن . ليكن . و الصغير ؟ ولدنا القادم . يعيش معنا ،أو يموت معنا . لا .ليعش هو. إنه حلمنا . هل نسيت ؟! لا . اذهبي لأطمئن عليه ..وعليك. هيا . لن يتخلى الله عنا ، يجب ألا يتخلى عنا . يجب .يا ناس . يا ثوار روشناصمتييا سكان الجبل . يا أهل النخوة . اسكتي يا امرأة . يا أهل الخير . سيكتشف الحراس موقعنا يا مجنونة . النجدة .. النجدة . روشن . ردي علي يا امرأة .. أهو بخير ؟ اطمئن .الحمدللهاسمعإنهمقادمون .أحدهم يقترب منا .اذهبيبسرعة . ربما كان أحد الحراس .لا تخف يا حمو . يحدثني قلبي بأن القادم صديق .. لا عدو من؟ من هناك ؟ من أنت ؟ وأنت من تكون ؟ أنا . أنا .. هذا حمو . إنه زوجي . حياته في خطر . إنه يقف على لغم . أنقذه يا أخي . ساعدنا . ماذا ؟! من قال لك أن تطأه يا رجل ؟ إنه جريح . ينزف بغزارة . افعل شيئاً من أجله يا أخي. من أين جئتما ؟ لقد هربنا من مذبحة . ساعدنا أرجوك . سينبلجالفجر قريباً . دمي نفذ . أنتما هاربان إذن .. لماذا هربتما ؟ قلت لك أننا هاربان من مذبحة .. مذبحة رهيبة . لم أرك من قبل . إلى أية جماعة تنتمي ؟ جماعة !! ليس هذا وقت الأسئلة عن الجماعات يا أخي . نحن بحاجة إلى مساعدتك فقط . أرجوك .سينبلج الصباح قريباً ، يجب أن أذهب . إني على عجلة من أمري . ( بحق الله وحق أوليائه لا تتركنا وحدنا . لن تبقيا وحدكما . سيأتون ، الرفاق بانتظاري، قد يمر أحد من جماعتك وينقذك . لا تذهب . سيموت حمو. لا نستطيع الانتظار أكثر .إنه ينزف، لا تذهب .أنقذنا .. يا ابن الكلب . تفو .إنهم يتحركون .. من هم يا ترى ؟ هل هم ثوار أم مهربون ،أم أشباح ؟ اللعنة . ألا يخطر لهؤلاء أن يمروا إلا في وقت حراستي ؟ متى ستنتهي هذه المناوبة اللعينة ؟! سأطلق النار عليهم جميعا حتى ولو كانوا جنا أو ملائكة . اذهبي يا امرأة لا فائدة من بقائك . اصبر يا حمو . اصبر من أجل طفلك . آه يا ولدي . لن أراك . ستراه .ستراه يركض أمامك حين بكير .وستسمعه يقول : بابا . جاء بابا بابا حمو ؛ بابا يا حمو؟ وسيقول لي :ماما .أنا ماما . ساعدنا يا رب . لا تبخل علينا بهذه برحمتك . اللهكريم يا حمو. الله كريم هل تذكر ليالي انتظارنا له ؟ هل تذكر؟ كنت تقول لي دائماًقال الجميع أني عاقر . قالوا: زوجة حمو شجرة يابسة لا تورق . لا تثمر .. مسكين حمو . مسكينة أم حمو .. سمعت هذا الكلام مرات عديدة من أمك ومن خالاتك ومن جميع نساء القرية . حتى كدت أصدقهم . أما أنت ،أنت يا ابن عمي بقيت تنتظر وتنتظر..سبع سنوات ولم تتأفف يوماً . كفى .اذهبي أرجوك . أتذكر ماذا فعلت حين علمت بأنني حامل أتيت وكنت ستطير من الفرح, اقتحمت الغرفة وقلت : و أخيراً ، أخيراً سأصبح أباً . أبا يا روشن . أباً يا ناس . ثم أخذت تحلم بالطفل وهو يكبر .. ويكبر . ألهمه الصبر يا رب .ساعده . ثم ..ثم رحت تغني وترقص . أحلت البيت إلى ما يشبه العرس . اتهمك الجميع بالجنون . قالوا : حمو جن من الفرحة . جن المسكين تماماً . ولدي . إني أموت . بابا يموت . ماذا أفعل . ساعدنا يا رب . لا تتركنا وحدنا لا تيأس يا حمو، اصبر من اجلي . من أجل طفلنا . طفلنا الذي سيأتي قريباً .ويكبر ، ويرافقك إلى الحقل . وستخطب له فتاة جميلة ؛ أجمل فتاة أومرية . وتقيم له عرساً كبيراً. ثم سترقص وأرقص ويرقص الجميع في عرس ولدك . ولدي .قل بابا يا ولدي . قلها مرة واحدة فقط . سيقول بابا .. سيقولها حتى تمل من سماعها ومن عفرتته يا رب . يا شيخ عبد القادر..ياأولياءالله .. أنا في حماكم .. أقبل تراب قبوركم الطاهرة أنقذونا . هبوا لمساعدتنا . حمو يموت ..إنهيموتقم يا حمو . لم ينفجر اللغم . لقد استجاب الله لدعائي أخيراً . أشكرك يا رب .. أشكرك يا شيخ عبد القادر . هيا قم يا حمو ابنك يناديك . لقد جاء البطل . هيا قم وقبله . ضمه إلى صدرك . أذن في أذنه .. اسمع .. إنه يقول بابا ، قم احملني يا أبي .. بابا حمو .. حمو ..حمو .. حمو : اصبري يا روشن .
روشن : لم أعد أستطيع .
حمو : لم يبق أمامنا إلا القليل .
روشن : سأموت من شدة التعب .
حمو : هيا أسرعي ، لقد وصلنا .
( يمسك يدها ويجرها خلفه . تسقط روشن على الأرض . يسقط حمو أيضاً.. يرفع حمو رأسه مستطلعاً )
حمو : ( بسرور ) روشن . ارفعي رأسك يا حبيبتي .
روشن : ( تئن متعبة ) …
حمو : لقد وصلنا يا امرأة . أخيراً وصلنا إلى الحدود .
روشن : ( ترفع رأسها بتهالك ) أين نحن يا حمو ؟
حمو : ( يشير إلى الشريط الحدودي ) انظري ، هذا هو الشريط الحدودي .
روشن : ( بفرح ) الحمد لله .
حمو : هيا بنا نعبر الحدود قبل أن يرانا الحراس . ( يمسك بيدها . يسيران بحذر )
انتبهي . المكان مليء بالألغام .
روشن : ( بخوف ) ألغام ؟!
حمو : لا تخافي . قد تعطل بعضها بمرور الزمن .
روشن : وبعضها الأخر لم يتعطل . أليس كذلك ؟
حمو : نعم . لكن اطمئني . لقد اجتزنا المنطقة الخطرة .
( يجتازان الشريط الحدودي . الكشاف الضوئي الصادر عن المحرس
يجوب المسرح بين الفينة والفينة . لحظة صمت )
حمو : ( بتردد ) روشن .
روشن : نعم .
حمو : هل تعرفين الطريق المؤدية إلى بيت جدتك ؟
روشن : أخشى أن أخطئه في هذه الظلمة الحالكة . لكن ..يجب أن أعرفه .
حمو : أ ..تخافين من الظلمة ؟!
روشن : كيف أخاف شيئاً وأنت معي ؟!
حمو 🙁 بانقباض ) لن أكون معك .
روشن : ماذا تقول يا رجل ؟! لماذا ؟!
حمو : اسمعي يا روشن . أنا أعلم أنه من الخطأ ؛ بل ومن الحماقة تركك وحيدة هنا ؛ إذ ليس هناك رجل على وجه الأرض يترك زوجته الحامل في برية مقفرة , مظلمة ,ويعود .
روشن : ( مصعوقة ) تعود ؟! إلى أين تريد العودة ؟
حمو : إلى القرية .
روشن : عن أية قرية تتحدث ؟
حمو : عن قريتنا .. عن كولي التي أُحرقت .
روشن : ليست كولي القرية الوحيدة المنكوبة . فلم تترك الجندرمة أية قرية في جبال أومريان إلا وأحرقتها , أو أبادت حيواناتها و أتلفت مزروعاتها وهجرة شبابها .
حمو : ومن أجل ذلك سأعود .
روشن : (بحيرة ) وطفلك القادم . حلمنا . ألم تفكر فيه ؟
حمو : لن أكون أباً يعتز به ما لم أخلص لأهله المنكوبين ؛ ما لم أثأر لهم .
روشن : سأعود معك .
حمو : لا . اذهبي إلى بيت جدتك قبل أن يلوح الفجر . ( يدفعها برفق ويستدير عائداً )
روشن : (تتشبث به ) ابق يا حمو . أرجوك .
(تدخل المجوعة )
المجموعة : روشن .
مهلاً يا وردة الجبل الندية
على نهج الرجل لا تعترضي
وفي طريقه كحجر عثرة لا تقفي
وكي يكون المولود كأبيه أسداً
لا تدعي الخوف يمتزج بحليبك
( تنسحب المجموعة . يحرر حمو نفسه من بين يدي روشن . يتوارى خلف الأسلاك وهو يسير بحذر )
روشن : يا لغبائي . لماذا لم أقل له إنني لا أعرف الطريق . أوقد نسيته . لكنه رجل عنيد .. كن معه يا رب . ساعده .(بخوف) يا لو حشة هذا المكان .أنا خائفة.
(أزيز رصاص . ترتمي روشن أرضاً .الكشاف الضوئي يجوب المكان )
هل أبصرني الحراس . يا إلهي ماذا أفعل ؟ آه يا جدتي .آه يا هجار .أختك في مهنة . وأية محنة .!
(تحاول السير بحذر.تسمع صوتاً ما. تصغي إليه برعب, يظهر حمو من خلف الأسلاك وهو يئن ويتلوى. روشن تلمح ظله دون أن تتأكد منه)
حمو : (بألم). روشن . أين أنت يا روشن ؟
روشن : ( بخوف) لا بد أنها الأشباح ..أو .. الجن .(تبسمل مرعوبة )
حمو : أنا حمو يا روشن .
روشن : ( بذهول ) إنه صوت حمو .الحمد لله.
حمو : روشن .
روشن: ( بانقباض, لنفسها ) لقد عاد بسرعة .ما معنى ذلك .. هل جبنت يا حمو ؟! ( تقترب منه ,تناديه) حمو.
حمو : أنا هنا يا روشن .
روشن: لقد عدت بسرعة .لماذا ؟!
حمو : إني أنزف يا روشن ، لقد أصبت .
روشن : (بهلع ) تنزف ؟ يا إلهي هي أسرع يا حمو.
حمو : أنا قادم .
(يتقدم بحذر وهو يتلوى من الألم .. يطلق صرخة . يصمت وهو ينظر إلى موطئ قدميه . يقف جامداً كتمثال ).
روشن : (باندهاش ولهفة ) ما بك تقف كصنم ؟! أسرع يا رجل .
حمو : ..
روشن : هل يؤلمك الجرح كثيراً ؟ سآتي لمساعدك إذن .(تتقدم ناحيته )
حمو : ( صارخا برعب ) قفي .لا تقتربي مني .
روشن : (وهي تتقدم ) سأساعدك .
حمو : قفي يا امرأة سينفجر اللغم .
روشن : (ذاهلة ) اللغم ؟! (تصرخ بعد لحظة صمت ثقيلة) يا ويلي . (تبكي بحرقة , تدخل المجموعة )
المجموعة: من الموت إلى الموت
شرقاً
غرباً
شمالاً
جنوباً
أينما سرتم
من مذبحة إلى محرقة
من مشنقة إلى مصيدة
موتكم هو ذاك
له ألف لون
له ألف شكل
ألف ألف طعم
حياتكم وحدها يا ابنة الجبل
يا حجل
لها لون واحد
شكل واحد
طعم واحد
(تنسحب المجموعة تنشج روشن بحرقة وتفجع .. )
حمو : (بألم و همس ) اهدئي يا روشن .
روشن : ..
حمو : أذهبي .. لا فائدة من بقائك هنا .
روشن : (بإصرار ) لن أدعك وحدك . سأبقى معك .
حمو :لا فائدة ..لافائدة من ذلك .
روشن : اصبر يا حمو .قد يمر أحدهم من هنا وينقذنا .
حمو : اصبر ؟! إذا صبرت على اللغم نفد دمي . وإن لم ينفد دمي حتى الصباح , سيراني الحراس .
روشن : لا بد أن يمر أحد ما من هنا . لا بد .
حمو : لن يمر أحد يا روشن ، نحن هنا وحدنا . ووحدي يجب أن أبقى . إنه قدري .
روشن : أنه قدرنا نحن الاثنين .
حمو : سنموت يا روشن .
روشن : ليكن .
حمو : و الصغير ؟ ولدنا القادم .
روشن : يعيش معنا ،أو يموت معنا .
حمو : لا .ليعش هو. إنه حلمنا . هل نسيت ؟!
روشن : لا .
حمو : اذهبي لأطمئن عليه ..وعليك. هيا .
روشن : ( لنفسها بيأس ) لن يتخلى الله عنا ، يجب ألا يتخلى عنا . يجب .( تنظر إلى هنا وهناك . تصيح كالملسوعة ) يا ناس . يا ثوار ( حمو يناديها برجاء وخوف . روشن لا تصغي إليه . يتداخل صوتاهما )
حمو : روشن . اصمتي .
روشن : يا سكان الجبل . يا أهل النخوة .
حمو : اسكتي يا امرأة .
روشن : يا أهل الخير .
حمو : سيكتشف الحراس موقعنا يا مجنونة .
روشن : النجدة .. النجدة .
( كشاف ضوئي . أزيز رصاص . روشن تجلس القرفصاء . يتلوى حمو من الألم . تمر لحظة صمت .. يسمع غناء الحارس التركي . صمت )
حمو : (برعب ) روشن . ردي علي يا امرأة .. أهو بخير ؟ ( تضع روشن يدها على بطنها متألمة . تئن . تقف )
روشن : اطمئن .
حمو : الحمد لله .
( أزيز رصاص ، كشاف ضوئي . وقع خطوات قادمة من بعيد . صمت )
روشن : (مستبشرة ) اسمع ،إنهم قادمون .أحدهم يقترب منا .
حمو : اذهبي بسرعة . ربما كان أحد الحراس .
روشن : لا تخف يا حمو . يحدثني قلبي بأن القادم صديق .. لا عدو ( تتمتم بالدعاء . يظهر ظل رجل . تنادي بلهفة وخوف ) من؟ من هناك ؟ ( يقترب الرجل منها بحذر )
الرجل : ( بتوجس ) من أنت ؟ ( لحمو ) وأنت من تكون ؟
روشن : ( بارتباك ) أنا . أنا .. هذا حمو . إنه زوجي . حياته في خطر . إنه يقف على لغم . أنقذه يا أخي . ساعدنا .
الرجل : ( بلا مبالاة ) ماذا ؟! من قال لك أن تطأه يا رجل ؟
روشن : إنه جريح . ينزف بغزارة . افعل شيئاً من أجله يا أخي.
الرجل : من أين جئتما ؟
روشن : لقد هربنا من مذبحة . ساعدنا أرجوك .
حمو : ( بألم ) سينبلج الفجر قريباً . دمي نفذ .
الرجل : ( ببرود ) أنتما هاربان إذن .. لماذا هربتما ؟
روشن : قلت لك أننا هاربان من مذبحة .. مذبحة رهيبة .
الرجل : لم أرك من قبل . إلى أية جماعة تنتمي ؟
روشن : ( بضيق ) جماعة !! ليس هذا وقت الأسئلة عن الجماعات يا أخي . نحن بحاجة إلى مساعدتك فقط .
حمو : (يئن ) أرجوك .
الرجل : سينبلج الصباح قريباً ، يجب أن أذهب . إني على عجلة من أمري . ( يسير . روشن تتشبث به )
روشن : بحق الله وحق أوليائه لا تتركنا وحدنا .
الرجل : لن تبقيا وحدكما . سيأتون ، الرفاق بانتظاري، قد يمر أحد من جماعتك وينقذك . (يغادر المكان )
روشن : ( غاضبة تصيح في إثره ) لا تذهب . سيموت حمو. لا نستطيع الانتظار أكثر .إنه ينزف، لا تذهب .أنقذنا .. يا ابن الكلب . تفو .
( تنهار . أزيز رصاص . كشاف ضوئي . تنتقل الإضاءة إلى المحرس )
الحارس : ( باندهاش وخوف ) إنهم يتحركون .. من هم يا ترى ؟ هل هم ثوار أم مهربون ،أم أشباح ؟ اللعنة . ألا يخطر لهؤلاء أن يمروا إلا في وقت حراستي ؟ متى ستنتهي هذه المناوبة اللعينة ؟! ( يجرع من بطحته . يوجه فوهة البندقية صوب الشريط الحدودي ) سأطلق النار عليهم جميعا حتى ولو كانوا جنا أو ملائكة . ( أزيز رصاص . تنتقل الإضاءة إلى روشن وحمو )
حمو : اذهبي يا امرأة لا فائدة من بقائك .
روشن : اصبر يا حمو . اصبر من أجل طفلك .
حمو : آه يا ولدي . لن أراك .
روشن : ستراه .ستراه يركض أمامك حين بكير .وستسمعه يقول : بابا . جاء بابا بابا حمو ؛ بابا يا حمو؟ ( بحسرة ) وسيقول لي :ماما .أنا ماما . ساعدنا يا رب . لا تبخل علينا بهذه برحمتك . (حمو يئن ) الله كريم يا حمو. الله كريم (بحيرة ) هل تذكر ليالي انتظارنا له ؟ هل تذكر؟ كنت تقول لي دائماً( أزيز رصاص . يمكن أن تلعب المجموعة هنا دوراً معيناً في تجسيد هذه الحالة . أو تشكيل حالات تعبيرية مرادفة لها ) قال الجميع أني عاقر . قالوا: زوجة حمو شجرة يابسة لا تورق . لا تثمر .. مسكين حمو . مسكينة أم حمو .. سمعت هذا الكلام مرات عديدة من أمك ومن خالاتك ومن جميع نساء القرية . حتى كدت أصدقهم . أما أنت ،أنت يا ابن عمي بقيت تنتظر وتنتظر..سبع سنوات ولم تتأفف يوماً .
حمو : كفى .اذهبي أرجوك .
روشن : أتذكر ماذا فعلت حين علمت بأنني حامل . ( أزيز الرصاص يترافق مع
أنين حمو واستذكارات روشن ) أتيت وكنت ستطير من الفرح, اقتحمت الغرفة وقلت : و أخيراً ، أخيراً سأصبح أباً . أبا يا روشن . أباً يا ناس . ثم أخذت تحلم بالطفل وهو يكبر .. ويكبر . ( حمو يتألم . روشن تتضرع ) ألهمه الصبر يا رب .ساعده . (لحمو ) ثم ..ثم رحت تغني وترقص . أحلت البيت إلى ما يشبه العرس . اتهمك الجميع بالجنون . قالوا : حمو جن من الفرحة . جن المسكين تماماً .
حمو : ولدي . إني أموت . بابا يموت .
روشن : ( حائرة ) ماذا أفعل . ساعدنا يا رب . لا تتركنا وحدنا ( لحمو ) لا تيأس يا حمو، اصبر من اجلي . من أجل طفلنا . طفلنا الذي سيأتي قريباً .ويكبر ، ويرافقك إلى الحقل . وستخطب له فتاة جميلة ؛ أجمل فتاة أومرية . وتقيم له عرساً كبيراً. ثم سترقص وأرقص ويرقص الجميع في عرس ولدك .
حمو : (يحتضر) ولدي .قل بابا يا ولدي . قلها مرة واحدة فقط .
روشن : سيقول بابا .. سيقولها حتى تمل من سماعها ومن عفرتته ( تبكي ..) يا رب . يا شيخ عبد القادر.. يا أولياء الله .. أنا في حماكم .. أقبل تراب قبوركم الطاهرة أنقذونا . هبوا لمساعدتنا . حمو يموت .. إنه يموت ( ترفع يديها متضرعة . تلوح تباشير الفجر . يتلوى حمو ألما . تنتبه إليه روشن . يتهاوى على الأرض . تصعق لمرآه تغمض عينيها من هول ما ترى .. تصم أذنيها مترقبة صوت اللغم . تطلق صرخة رعب وحشية ..تترافق مع موسيقى و إضاءات مختلفة تقذف على الخشبة . حمو يتمدد على الأرض جثة هامدة .تسقط روشن بعد أن تجندلت ودارت حول نفسها كزوبعة .. هدوء ثقيل ..تنطلق فجأة صرخة وليد .ضياء الفجر يزداد وضوحاً . تزحف روشن باتجاه حمو بصعوبة و ألم )
روشن : قم يا حمو . لم ينفجر اللغم . لقد استجاب الله لدعائي أخيراً . أشكرك يا رب .. أشكرك يا شيخ عبد القادر . هيا قم يا حمو ( يعلو بكاء الوليد ويستمر .. ) ابنك يناديك . لقد جاء البطل . هيا قم وقبله . ضمه إلى صدرك . أذن في أذنه .. اسمع .. إنه يقول بابا ، قم احملني يا أبي .. بابا حمو .. حمو ..حمو ..
( تزحف نحو حمو . تكتشف أنه ميت . تصرخ . تبكي . تنهض مرعوبة . تصيح بأعلى صوتها .. الرصاص ينهال عليها كالمطر . تسقط أرضاً تئن بألم .تصمت ..تموت . يعلو صراخ الوليد.إظلام تدريجي..يسمع وقع أقدام..أزيز رصاص..صراخ الوليد يتكرر..يستمر كل ذلك مع الإظلام الذي يعم تماماً )