هل جكرخوين شاعر فاشل ؟

إبراهيم حسو

مازلت أخاف هذه التي يسمونها صدمة الحداثة الشعرية التي طالت جميع شعريات العالم إلا الشعرية الكردية المسكينة التي ما تزال تترنح على غنائيات التجربة الكلاسيكية الجكرخوينية التي اندثرت و بدون أسف مع نهوض مدارس و اتجاهات شعرية مختلفة أغرقت أسواق الشعر في العالم و كنست في طريقها معالم و أتربة التجربة الكلاسيكية المطلية بالعفونة التي امتدت على أكثر من نصف قرن من تراجع مقيت للذائقة الشعرية العامة التي ماتزال تعاني من زكام رائحة أغاني مطربين أكراد ينبشون في هذا الماضي العفن و يخرجون لنا بأغاني شعرية مستقاة من تلك الحقبة الشعرية المتحجرة كأغاني محمد شيخو و سعيد يوسف (المعرّبة) و كوما فلان لأغنية الفلكلورية و كوما علتان للغنية الشعبية الكردية
كأن الشعرية الكردية مسيّرة مع الغناء الكردي و كلاهما يتربعان حاليا على انحطاط فني لا مثيل له, و اعتقادي مرد ذلك هو هذا الجلوس المستمر في مقاهي الماضي و النهل من منجزات ممو زين و سيامند و خجه و التجارب الرومانسية لأحمد نامه و سليل غير منقطع من تجارب هزيلة لم ترق حتى الآن إلى مصاف العالمية حتى أشعار الجزيري التي كنت منبهرا بها في شبابي لم أعد أرى فيها سوى إنجازات الشعر البويهيمي الذي كان منتشرا في عصور التي عاشها الملا جزيري, ولكي لا نبقى مأخوذين بماض لم يبق منه سوى اسمه البرونزي, فعلى الشعرية الكردية القادمة:
1- شطب تجربة جكرخوين كأحدى مثبطات التي أرهقت هذه الشعرية و كبلتها على أكثر من ربع قرن.
2- وجعل (غنائيات) جكرخوبن مرجعية فنية مبدعة و ليست كتجربة شعرية وان كانت تجربته رائدة في بدايات الشعرية الكردية باعتبار أن الشعرية الجديدة لا تقبل بمرجعيات رائدة بل بمعطيات أبداعية حداثوية تقدم المميز و المدهش و الخاص  لتضاف إلى التجربة الحداثوية في العالم.
أقول مازلت أخاف من سرطنة قد تصيب الجهاز الإبداعي الكردي فيما لو استمر التغني بأمجاد جكرخوين و إقامة جوائز باسمه و إعادة طباعة ما كتبه الشاعر منذ بداياته التقليدية التي لا تشبه بدايات شاعر يتعلم ألف ياء الكتابة الشعرية, مازلت أخاف من سيطرة شعراء مقلّدين و ليس تقليديين على الشأن الثقافي الكردي ليحققوا تحجرهم و عنجهيتهم المزمنة على حساب (شعرية) كانت في حقبة ما تمثل ركنا من أركان الثقافة العالمية, أقول أخاف من هذا الذي يسمى الفلكلور الكردي و نحن نتشدق به كأحد منجزات الثقافة الكردية معتبرين ذلك الحفاظ على الهوية القومية للثقافة الكردية و متناسين أن أكثر الثقافات في العالم اندثرت و ضاعت على أيدي أشباه المثقفين لكنها عادت و بروح جديدة و أشكال حداثية تلائم المرحلة العصرية التي وصلتها باقي الثقافات وحققت ريادة في جميع الفنون كالثقافة الأمريكية و اليابانية و من يراجع هذه الثقافات سيلحظ كم كانت أمريكا اللاتينية متخلفة و هي تغوص في أساطيرها و فلكلورها التي لم تكن سوى استعادة عصور الظلام في فترة تاريخية كانت أشبه بالعصور الحجرية     و كذلك في الثقافة اليابانية حيث كان الاحتفال بالشعر الغنائي الممزوج بالبكاء بمثابة مهرجان فلكلوري وسرعان ما اختفت هذه المظاهر المتخلفة لتخلق مرحلة جديدة أكثر نضارة و حداثوية.

مازال لدي شك ان ما كتبه جكرخوين طيلة مشواره الشعري لم يكن سوى مواعظ و حكم و كلام و اغاني قومية تمجد الكرد و تظهر القومية الكردية على انها القومية الوحيدة التي لم تكتب الشعر في تاريخها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

في قلب الجزيرة السورية، وعلى تخوم الخابور والحدود، نشأت بلدة الدرباسية في ثلاثينيات القرن الماضي لتكون أكثر من مجرد نقطة على الخريطة. فقد تحوّلت خلال العقود التالية إلى ملتقى اجتماعي نابض بالحياة، بفضل ما عُرف بـ”المضافات” – تلك المؤسسات الشعبية التي جمعت بين الضيافة، والحوار، والمكانة الاجتماعية.

المضافة: أكثر من مجلس ضيافة

في التقاليد الكوردية، لم…

غريب ملا زلال

“إن لم تجدني بداخلك، فإنك لن تجدني أبداً”
قول قاله جلال الدين الرومي، تذكرته وأنا أطوف بين أعمال التشكيلي رشيد حسو، بل أحسست أن أعماله تلك تخاطبني بهذه الجملة، وكأنها تقول لي: التفت إلى دواخلك فأنا هناك، وإذا أردت أن تقرأني جيداً اقرأ ما في…

فراس حج محمد| فلسطين

تعالَيْ
متّعي كُلّي بأعضائكْ
من أسفل الرأس حتّى رَفعة القدمينْ
تعالَيْ
واكتبي سطرينِ في جسدي
لأقرأ في كتابكِ روعة الفنَّيْنْ
تعالَيْ
واشعلي حطبي على شمع تلألأ
في أعالي “الوهدتين”
تعالَيْ
يا ملاكاً صافياً صُبّ في كأس امتلاء “الرعشتينْ”
تعالَيْ
كي أؤلّف أغنياتي منهجاً لكلّ مَنْ عزف الهدايةَ

في نضوج “الزهرتينْ”
تعالَيْ

كيْ أقول لكلّ خلق اللهْ:
“هذا ابتداع الخلقِ ما أحلاهْ!
في انتشائك شهوة في موجتينْ”
تعالَيْ
مُهْرة مجنونة الإيقاعِ
هادئة عند…

“في الطريق إلى نفسي” هو عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، وقد صدر حديثًا عن دار 49 بوكس في السويد. في هذا الديوان يكتب الشاعر قصائده بخبرة شعرية واضحة المعالم، بما تملكه من حساسية الرؤية وخصوصية الالتقاط والتصوير والتعبير. فالشاعر شغوف منذ ديوانه الأول “أفراح حزينة” عام 1990، بشدة التكثيف اللغوي وحِدَّة…